yass
05/02/2005, 15:18
ياسين الحاج صالح : كاتب سوري معارض و سجين سياسي سابق
لم يخطر لي على بال أنه سيطلب مني خلال آخر استدعاء إلى أحد أجهزة الأمن في دمشق "التعاون"، أي الوشاية بأصدقائي إلى المخابرات و"كتابة التقارير" عنهم. كنت أتخيل أن ذهنية التعامل مع المعارض عدوا والعمل على إبادته معنويا وسياسيا وأخلاقيا، على طريقة معاملة عشرات ألوف السوريين خلال العقدين الأخيرين المظلمين من القرن العشرين، قد آلت إلى ما تستحق: نفايات تاريخنا. قال الضابط الذي قابلني إن "التعاون بيننا هو لخير الوطن"، ما يعني ان عملي الحالي، الذي لا أعرف إن كان السيد الضابط يعلم عنه شيئا، لا "يخدم الوطن"، أو على الأقل لا يخدمه مثل الوشاية والتلصص على الناس وبذل الجهد للإيقاع بهم وكشف سرائرهم وتسطير التقارير عنهم.
كان استدعاء 29/1/2005 هو العاشر إلى فرع أمن في دمشق منذ أيلول 2001. لكنها المرة الأولى التي يعرض علي "التعاون لخير هذا الوطن" منذ خروجي من السجن آخر عام 1996. لقد ذكرني العرض بـ"المساومات" الأمنية التي كنا نتعرض لها في السجن على يد لجان مختصة: تتعاون معنا مقابل الإفراج عنك. كان الخيار المطروح علينا أن نكون سجناء أو أذلاء، إما أن تخسر حريتك أو كرامتك، ولا مجال لأن تكون حرا وكريما في الوقت ذاته في بلدك، "الوطن". وكانت "المقدمة النظرية" الدائمة لتلك المساومات هي أن المرحلة حرجة والأخطار محدقة في البلاد ..، وأن "التعاون" والوشاية ببعضنا بومواطنينا هو دورنا، نحن السجناء، في المعركة الوطنية.
قبل ثلاثة اعوام استدعيت إلى الجهاز الأمني ذاته. كان الشخص (الأرجح أنه برتبة مساعد) الذي قادني إلى مكتب أحد الضباط هو ذاته الشخص الذي قادني هذه المرة إلى مكتب رئيس قسم الأحزاب في الجهاز المذكور. وقتها أعاد علي "المساعد" بالنبرة ذاتها وبالكلمات ذاتها وباليقين ذاته جملة "نتعاون لخير هذا الوطن". أعادها مرات وهو يضع يده في جيبه ويشدد على عبارة "هذا الوطن" إلى درجة تبعث على الظن أن ما في جيبه هو الوطن بالذات، وأنه ربما يظهره في أية لحظة لعيني المتشككة. والواقع أنه في العهد الذهبي لأجهزة الخوف السورية كان كل شيء يقول إن "الوطن" هو شيء لا يلتقيه المرء إلا في غرف التحقيق أو في أقبية التعذيب في تلك الأجهزة. المعادلة الضمنية هنا: الوطن هو المخابرات، والوطنية هي القدرة على التعذيب مع الحصانة التامة من اي عقاب، والوطنيون هم الجلادون. هذا القلب التام للقيم منبع ثر ودينامي لخراب الوعي والرابطة الوطنية.
لكن في ذلك "الاستدعاء" قبل ثلاث سنوات، وقد كان الثالث بعد أيلول 2001، امتنع الضابط عن عرض "التعاون" علي، ربما شعر بأن من غير اللائق أن يعرض على سجين سابق أن يبيد نفسه أخلاقيا وسياسيا. فضباط الأمن وعناصره يعرفون جيدا مغزى عرضهم، ولذلك بالذات يعرضونه علينا، كمثقفين وناشطين وسياسيين معارضين. لسان حالهم يقول المثقف الجيد هو المثقف الميت.
هذه المرة وفي بداية عام 2005 لم يمتنع الجهاز عن عرض "التعاون لخدمة هذا الوطن" علي، تاركا لي ان استنتج أن "وطني" يستفيد مني واشيا بينما قد يتضرر مني مثقفا، يحتاجني ميتا أخلاقيا وسياسيا وليس حي الضمير مستقل الرأي.
لكن ربما اتساءل: ما هذا الوطن الذي يستفيد من كتابة التقارير أكثر من كتابة المقالات والدراسات؟ وما حال الوطن الذي يتقدم فيه الواشي على المثقف؟ بل لا يثبت المثقف أهليته الوطنية إن لم يكن واشيا؟ وهل مثال المواطن الصالح الواشي معدوم الضمير و"كتيب التقارير"؟
لست مواطنا وليس هذا وطني! وطني يقيم في الزنازين لا في المكاتب الفخمة، ويمشي على قدميه أو ينحشر في "السرفيس" ولا يركب المرسيدس والهامر، ويعيش من جهده لا من سلطته الامتيازية، ويسكن بيوتا بائسة لا في فيلات ومزارع!
من يهين سوريا ومن يصونها ويحفظ كرامتها؟
--------------------------------------------------------------------------------------
أخبار الشرق - ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
لم يخطر لي على بال أنه سيطلب مني خلال آخر استدعاء إلى أحد أجهزة الأمن في دمشق "التعاون"، أي الوشاية بأصدقائي إلى المخابرات و"كتابة التقارير" عنهم. كنت أتخيل أن ذهنية التعامل مع المعارض عدوا والعمل على إبادته معنويا وسياسيا وأخلاقيا، على طريقة معاملة عشرات ألوف السوريين خلال العقدين الأخيرين المظلمين من القرن العشرين، قد آلت إلى ما تستحق: نفايات تاريخنا. قال الضابط الذي قابلني إن "التعاون بيننا هو لخير الوطن"، ما يعني ان عملي الحالي، الذي لا أعرف إن كان السيد الضابط يعلم عنه شيئا، لا "يخدم الوطن"، أو على الأقل لا يخدمه مثل الوشاية والتلصص على الناس وبذل الجهد للإيقاع بهم وكشف سرائرهم وتسطير التقارير عنهم.
كان استدعاء 29/1/2005 هو العاشر إلى فرع أمن في دمشق منذ أيلول 2001. لكنها المرة الأولى التي يعرض علي "التعاون لخير هذا الوطن" منذ خروجي من السجن آخر عام 1996. لقد ذكرني العرض بـ"المساومات" الأمنية التي كنا نتعرض لها في السجن على يد لجان مختصة: تتعاون معنا مقابل الإفراج عنك. كان الخيار المطروح علينا أن نكون سجناء أو أذلاء، إما أن تخسر حريتك أو كرامتك، ولا مجال لأن تكون حرا وكريما في الوقت ذاته في بلدك، "الوطن". وكانت "المقدمة النظرية" الدائمة لتلك المساومات هي أن المرحلة حرجة والأخطار محدقة في البلاد ..، وأن "التعاون" والوشاية ببعضنا بومواطنينا هو دورنا، نحن السجناء، في المعركة الوطنية.
قبل ثلاثة اعوام استدعيت إلى الجهاز الأمني ذاته. كان الشخص (الأرجح أنه برتبة مساعد) الذي قادني إلى مكتب أحد الضباط هو ذاته الشخص الذي قادني هذه المرة إلى مكتب رئيس قسم الأحزاب في الجهاز المذكور. وقتها أعاد علي "المساعد" بالنبرة ذاتها وبالكلمات ذاتها وباليقين ذاته جملة "نتعاون لخير هذا الوطن". أعادها مرات وهو يضع يده في جيبه ويشدد على عبارة "هذا الوطن" إلى درجة تبعث على الظن أن ما في جيبه هو الوطن بالذات، وأنه ربما يظهره في أية لحظة لعيني المتشككة. والواقع أنه في العهد الذهبي لأجهزة الخوف السورية كان كل شيء يقول إن "الوطن" هو شيء لا يلتقيه المرء إلا في غرف التحقيق أو في أقبية التعذيب في تلك الأجهزة. المعادلة الضمنية هنا: الوطن هو المخابرات، والوطنية هي القدرة على التعذيب مع الحصانة التامة من اي عقاب، والوطنيون هم الجلادون. هذا القلب التام للقيم منبع ثر ودينامي لخراب الوعي والرابطة الوطنية.
لكن في ذلك "الاستدعاء" قبل ثلاث سنوات، وقد كان الثالث بعد أيلول 2001، امتنع الضابط عن عرض "التعاون" علي، ربما شعر بأن من غير اللائق أن يعرض على سجين سابق أن يبيد نفسه أخلاقيا وسياسيا. فضباط الأمن وعناصره يعرفون جيدا مغزى عرضهم، ولذلك بالذات يعرضونه علينا، كمثقفين وناشطين وسياسيين معارضين. لسان حالهم يقول المثقف الجيد هو المثقف الميت.
هذه المرة وفي بداية عام 2005 لم يمتنع الجهاز عن عرض "التعاون لخدمة هذا الوطن" علي، تاركا لي ان استنتج أن "وطني" يستفيد مني واشيا بينما قد يتضرر مني مثقفا، يحتاجني ميتا أخلاقيا وسياسيا وليس حي الضمير مستقل الرأي.
لكن ربما اتساءل: ما هذا الوطن الذي يستفيد من كتابة التقارير أكثر من كتابة المقالات والدراسات؟ وما حال الوطن الذي يتقدم فيه الواشي على المثقف؟ بل لا يثبت المثقف أهليته الوطنية إن لم يكن واشيا؟ وهل مثال المواطن الصالح الواشي معدوم الضمير و"كتيب التقارير"؟
لست مواطنا وليس هذا وطني! وطني يقيم في الزنازين لا في المكاتب الفخمة، ويمشي على قدميه أو ينحشر في "السرفيس" ولا يركب المرسيدس والهامر، ويعيش من جهده لا من سلطته الامتيازية، ويسكن بيوتا بائسة لا في فيلات ومزارع!
من يهين سوريا ومن يصونها ويحفظ كرامتها؟
--------------------------------------------------------------------------------------
أخبار الشرق - ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////