Slayer
03/03/2006, 15:35
الليبرالية الجديدة تيار فكري حديث، يُشكل امتدادا لليبرالية الكلاسيكية التي نشأت في كل من إنجلترا وفرنسا إبان عصر النهضة، والتي تعد بمثابة منظومة أيديولوجية متكاملة تتناول كافة أشكال الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما تمتد لتشمل المناهج العلمية والفكرية وتحدد أدواتها وآلية عملها.
وتعود نشأة الليبرالية الجديدة إلى منتصف القرن الميلادي الماضي، كرد فعل لفشل الليبرالية الكلاسيكية في تجنيب العقل الأوربي تبعات التطرف العقائدي، والذي استفحل مع بروز الحركات الفاشية والقومية، وحتى الشيوعية التي خرجت كسابقاتها من رحم الفلسفة المادية، وهي المرجعية الأم للعقل الأوربي الحديث بكافة أطيافه.
إزاء ذلك، ومع تراجع الليبرالية الكلاسيكية التي حُمّلت الكثير من أوزار الحربين العالميتين، بدأت مرحلة جديدة من النقد وإعادة البناء في محاولة لإنقاذ الثقافة الليبرالية الغربية، فظهرت "الكينزية" كتعديل ضروري وعاجل للاقتصاد الرأسمالي الكلاسيكي ليسمح للدولة بالتدخل وإدارة الأزمات، وفي الفلسفة والآداب بدأ المفكرون والنقاد بوضع تصوراتهم المختلفة لمرحلة "ما بعد الحداثة"، وفي السياسة برزت مفاهيم التكتل والأحلاف والاحتواء، أما الميدان العلمي فقد شهد انحسارا لنزعة المركزية الأوربية المتعالية، وبدأ العلماء يدركون أن معرفتهم بالكون ما زالت أقل بكثير من تحقيق آمال القرن العشرين في الإحاطة بأسراره.
في هذا المقال، سنقوم بإضاءة بعض النقاط التي توضح الفرق الكبير بين الليبرالية الغربية وصورتها المستوردة في العالم العربي- الإسلامي، انطلاقا من حقيقة رئيسة مفادها أن الليبرالية الغربية كانت قد نشأت في ظل ظروف سياسية واجتماعية خاصة، وأنها ظهرت كرد فعل للاضطهاد الكنسي للعلماء من جهة، وللاستبداد السياسي والاقتصادي من قبل النبلاء والإقطاعيين من جهة أخرى.
وعبر تحالف السلطتين الدينية والسياسية- الإقطاعية تمكن رجال الدين المسيحي من فرض سلطانهم على العقلية العلمية الأوربية، وحرّموا بالتالي على العلماء والمفكرين الخوض في الكثير من القضايا التي أعطيت صفة القداسة، ومن ذلك الاضطهاد الذي تعرض له الفلكي الإيطالي غاليليه لادعائه دوران الأرض حول الشمس وليس العكس، وهو الأمر الذي يتناقض مع رأي الكنيسة التي تبنت نظرية بطليموس وألبستها مسوح القداسة.أما الإقطاعية فقد أخضعت الطبقة العاملة لنظامها الطبقي الجائر، الأمر الذي دفع الطبقة البورجوازية الناشئة للتحالف مع العمال والفلاحين في سبيل التحرر من نير الإقطاع وإحلال الفكر الليبرالي، الذي يحقق للفرد حريته وكرامته.
وفي المقابل، فإن وواقع مجتمعنا الشرقي الإسلامي يكاد يختلف جذريا عن هذا النموذج الأوربي، فضلا عن الفرق الكبير في المنهجين الفكري والسلوكي لدى الليبراليين العرب عما هو متعارف عليه في الليبرالية الغربية، وسنسعى لتوضح ذلك من خلال المقارنة التالية بين الطرفين:
1ـ لقد قامت حركة التنوير الأوربية وفق تسلسل مرحلي تلقائي بدءا من العلمانية ثم الليبرالية وأخيرا الديمقراطية، بحيث لا يمكن عزل أي مرحلة منها عن الأخرى أو تجاوز اللاحقة منها للسابقة، فكانت بداية النهضة الأوربية مع حركة العلمنة التي تعني تحرر العقل العلمي من سلطان الكنيسة الجائر، وإعفائه من الالتزام بالولاء لما يتناقض مع أولى بديهياته، ونادت بإطلاق حرية العقل في التجريب والملاحظة بعيدا عن المسلمات الأولية المتناقضة في النصوص الدينية، ولم يكن ذلك يعني التملص من الإيمان الديني عند معظم العلمانيين، بل كانت حركتهم موجهة نحو تخليص العقل من سلطان الكنيسة لعدم إمكان الجمع بينهما، وبالتالي عزل الإيمان الغيبي (الميتافيزيقا) عن الواقع التجريبي المحسوس.
أما في الشرق، فقد عمد أتباع الليبرالية العربية إلى اختزال المراحل التسلسلية السابق ذكرها من تطور الحركة التنويرية من العلمانية والليبرالية والديمقراطية وبشكل مبتسر، إذ ينادي معظم الليبراليون العرب بضرورة التطبيق الفوري والراديكالي للمفهوم الليبرالي الديمقراطي الغربي دون تغيير، وكأنه وصفة سحرية يمكن من خلالها حل معضلات العالم العربي وبشكل فوري.
من جهة أخرى، يقتصر مفهوم العلمانية لدى الكثير من الليبراليين العرب على حتمية تناقض العلم مع الدين، وذلك بالمفهوم الكلي لكل من العلم والدين، دون النظر إلى أي خصوصية لهذا الدين أو ذاك، أو بحث في أوجه الخلاف بين الدين الإسلامي الذي يراد عزله وبين المنهج العلمي التجريبي الذي كان قد نشأ أصلا تحت مظلة الإسلام في عصره الذهبي. إذ لم يرد في التاريخ الإسلامي أي ذكر لاضطهاد العلماء باسم الإسلام، كما لم تنشأ خلال العصور بالوسطى أي طبقة كهنوتية تُخضع لسلطانها طبقة أخرى تسمى بطبقة العلماء، بل نجد أن معظم العلماء المسلمين الذين نقل لنا التاريخ إبداعهم العلمي في أي من فروعه، كانوا قد نشأوا على التربية الدينية السائدة في ذلك العصر، والتي تقضي بترسيخ القاعدة العلمية الدينية من علوم القرآن والحديث والفقه والعقيدة واللغة، قبل أن يتوجه طالب العلم لاختيار التخصص الذي يريده من علوم دينية أو تجريبية.
ولم يحدث أن اشتكى أي من علماء الإسلام من التناقض الذي يمكن أن يحدث بين عقيدته الإيمانية والتزامه بتعاليمها السلوكية والشعائرية، وبين أبحاثه وتجاربه في كافة ميادين العلم التجريبي والطبيعي. أما ما ينسب للإسلام من اضطهاد للفلاسفة فهو أمر خارج عن نطاق المقارنة، إذ لم يكن حظر معظم علماء الإسلام للفلسفة إلا حظرا لدراسة العقيدة بأدوات الفلسفة اليونانية التي كانت قد نشأت في مجتمع وثني لم يحظ بنور الوحي والرسالة، وهو أمر لا يعدو أن يكون وضعا للأمور في مكانها الصحيح، ولو أن البحث لم يتناول الإلهيات والغيبيات وظل مقتصرا على الجانب الطبيعي التجريبي، لما وُجد في التاريخ الإسلامي شيئا يذكر مما يتشبث به النقاد، علما بأن الحظر الإسلامي للبحث الفلسفي لا يختلف في جوهره عن الحظر المطبق في الكثير من الدول الليبرالية اليوم على الفكر المناهض للثقافة الغربية.
2ـ بناء على التسلسل المرحلي السابق ذكره، فإن الليبرالية الاقتصادية والإيديولوجية لم تنشأ في الغرب إلا بعد شيوع العلمنة وتخليص العلم من سلطان الكهنوت، وهكذا فقد كان من الطبيعي أن تثور العقلية العلمانية على أيديولوجيا التسليم بالمطلق ومنح العلم صفة النسبية، وتزامن ذلك مع تطلع الفرد للتحرر الاقتصادي من نير الإقطاع، وتحالف البورجوازية الناشئة مع الطبقة الكادحة التي أصبحت أكثر وعيا وثقافة، مما أدى بالتالي إلى تقلص سلطات الإقطاعيين ومنح الطبقات الدنيا حرية العمل والتملك.
أما في النظام السياسي- الاقتصادي الإسلامي، فعلى الرغم من انحسار التطبيق العادل لتعاليم الإسلام في مراحل متعددة من التاريخ السياسي الإسلامي، إلا أن إلباس هذا التاريخ حُلة الإقطاع الأوربي ليس إلا محض عبث، خصوصا وأن علماء الدين الإسلامي كانوا يشكلون صف المعارضة الأول للاستبداد السياسي على مر العصور، ولم يكن التحالف المزعوم بين الفريقين على الشكل الذي يراد له أن يكون في قراءة الليبراليين لهذا التاريخ. فضلا عن أن النظام الاقتصادي في المجتمع الإسلامي لم يكن إقطاعيا من أي وجه، ولا يمكن تبرير هذه القراءة للتاريخ بالنظر إلى أملاك السلطان وأصحاب الجاه مع غض الطرف عن الحرية الاقتصادية في العمل والتملك، وانتشار الأوقاف التي كانت تزيد على كل ممتلكات السلطان كما في بلاد الشام، وهذا أمر يتنافى مع أولى بديهيات الإقطاع.
3ـ إثر ذلك التغيير العقلي والاجتماعي في المجتمع الأوربي، نشأ النظام الديمقراطي كتطور تلقائي ليحل بديلا عن نظام التوريث الإقطاعي الملكي، وما كان ذلك ليحدث لولا تغلغل الفكر العلماني الليبرالي في المجتمع، والذي أشاع مبادئ الحرية الفردية وحق تقرير المصير، مما أدى إلى تدخل الأفراد في انتخاب السلطة الحاكمة، وبالتالي نشوء النظام الديمقراطي القائم على الاقتراع ورأي الأغلبية.
وفي المقابل نجد أن الليبراليين العرب قد تجاوزوا كل هذه المراحل، سعيا لإحلال النظام السياسي الديمقراطي دون التعرض لليبرالية الأيديولوجية وسياقها التاريخي، بل لم يجد البعض ضيرا في الاستعانة بالخارج والاتكال على الغرب لإحلال هذا النظام بالقوة إن دعت الحاجة، دون التعرض لحقيقة نوايا هؤلاء الحلفاء وأطماعهم في المشرق الإسلامي التي لا يخفيها الغرب نفسه.
وتعود نشأة الليبرالية الجديدة إلى منتصف القرن الميلادي الماضي، كرد فعل لفشل الليبرالية الكلاسيكية في تجنيب العقل الأوربي تبعات التطرف العقائدي، والذي استفحل مع بروز الحركات الفاشية والقومية، وحتى الشيوعية التي خرجت كسابقاتها من رحم الفلسفة المادية، وهي المرجعية الأم للعقل الأوربي الحديث بكافة أطيافه.
إزاء ذلك، ومع تراجع الليبرالية الكلاسيكية التي حُمّلت الكثير من أوزار الحربين العالميتين، بدأت مرحلة جديدة من النقد وإعادة البناء في محاولة لإنقاذ الثقافة الليبرالية الغربية، فظهرت "الكينزية" كتعديل ضروري وعاجل للاقتصاد الرأسمالي الكلاسيكي ليسمح للدولة بالتدخل وإدارة الأزمات، وفي الفلسفة والآداب بدأ المفكرون والنقاد بوضع تصوراتهم المختلفة لمرحلة "ما بعد الحداثة"، وفي السياسة برزت مفاهيم التكتل والأحلاف والاحتواء، أما الميدان العلمي فقد شهد انحسارا لنزعة المركزية الأوربية المتعالية، وبدأ العلماء يدركون أن معرفتهم بالكون ما زالت أقل بكثير من تحقيق آمال القرن العشرين في الإحاطة بأسراره.
في هذا المقال، سنقوم بإضاءة بعض النقاط التي توضح الفرق الكبير بين الليبرالية الغربية وصورتها المستوردة في العالم العربي- الإسلامي، انطلاقا من حقيقة رئيسة مفادها أن الليبرالية الغربية كانت قد نشأت في ظل ظروف سياسية واجتماعية خاصة، وأنها ظهرت كرد فعل للاضطهاد الكنسي للعلماء من جهة، وللاستبداد السياسي والاقتصادي من قبل النبلاء والإقطاعيين من جهة أخرى.
وعبر تحالف السلطتين الدينية والسياسية- الإقطاعية تمكن رجال الدين المسيحي من فرض سلطانهم على العقلية العلمية الأوربية، وحرّموا بالتالي على العلماء والمفكرين الخوض في الكثير من القضايا التي أعطيت صفة القداسة، ومن ذلك الاضطهاد الذي تعرض له الفلكي الإيطالي غاليليه لادعائه دوران الأرض حول الشمس وليس العكس، وهو الأمر الذي يتناقض مع رأي الكنيسة التي تبنت نظرية بطليموس وألبستها مسوح القداسة.أما الإقطاعية فقد أخضعت الطبقة العاملة لنظامها الطبقي الجائر، الأمر الذي دفع الطبقة البورجوازية الناشئة للتحالف مع العمال والفلاحين في سبيل التحرر من نير الإقطاع وإحلال الفكر الليبرالي، الذي يحقق للفرد حريته وكرامته.
وفي المقابل، فإن وواقع مجتمعنا الشرقي الإسلامي يكاد يختلف جذريا عن هذا النموذج الأوربي، فضلا عن الفرق الكبير في المنهجين الفكري والسلوكي لدى الليبراليين العرب عما هو متعارف عليه في الليبرالية الغربية، وسنسعى لتوضح ذلك من خلال المقارنة التالية بين الطرفين:
1ـ لقد قامت حركة التنوير الأوربية وفق تسلسل مرحلي تلقائي بدءا من العلمانية ثم الليبرالية وأخيرا الديمقراطية، بحيث لا يمكن عزل أي مرحلة منها عن الأخرى أو تجاوز اللاحقة منها للسابقة، فكانت بداية النهضة الأوربية مع حركة العلمنة التي تعني تحرر العقل العلمي من سلطان الكنيسة الجائر، وإعفائه من الالتزام بالولاء لما يتناقض مع أولى بديهياته، ونادت بإطلاق حرية العقل في التجريب والملاحظة بعيدا عن المسلمات الأولية المتناقضة في النصوص الدينية، ولم يكن ذلك يعني التملص من الإيمان الديني عند معظم العلمانيين، بل كانت حركتهم موجهة نحو تخليص العقل من سلطان الكنيسة لعدم إمكان الجمع بينهما، وبالتالي عزل الإيمان الغيبي (الميتافيزيقا) عن الواقع التجريبي المحسوس.
أما في الشرق، فقد عمد أتباع الليبرالية العربية إلى اختزال المراحل التسلسلية السابق ذكرها من تطور الحركة التنويرية من العلمانية والليبرالية والديمقراطية وبشكل مبتسر، إذ ينادي معظم الليبراليون العرب بضرورة التطبيق الفوري والراديكالي للمفهوم الليبرالي الديمقراطي الغربي دون تغيير، وكأنه وصفة سحرية يمكن من خلالها حل معضلات العالم العربي وبشكل فوري.
من جهة أخرى، يقتصر مفهوم العلمانية لدى الكثير من الليبراليين العرب على حتمية تناقض العلم مع الدين، وذلك بالمفهوم الكلي لكل من العلم والدين، دون النظر إلى أي خصوصية لهذا الدين أو ذاك، أو بحث في أوجه الخلاف بين الدين الإسلامي الذي يراد عزله وبين المنهج العلمي التجريبي الذي كان قد نشأ أصلا تحت مظلة الإسلام في عصره الذهبي. إذ لم يرد في التاريخ الإسلامي أي ذكر لاضطهاد العلماء باسم الإسلام، كما لم تنشأ خلال العصور بالوسطى أي طبقة كهنوتية تُخضع لسلطانها طبقة أخرى تسمى بطبقة العلماء، بل نجد أن معظم العلماء المسلمين الذين نقل لنا التاريخ إبداعهم العلمي في أي من فروعه، كانوا قد نشأوا على التربية الدينية السائدة في ذلك العصر، والتي تقضي بترسيخ القاعدة العلمية الدينية من علوم القرآن والحديث والفقه والعقيدة واللغة، قبل أن يتوجه طالب العلم لاختيار التخصص الذي يريده من علوم دينية أو تجريبية.
ولم يحدث أن اشتكى أي من علماء الإسلام من التناقض الذي يمكن أن يحدث بين عقيدته الإيمانية والتزامه بتعاليمها السلوكية والشعائرية، وبين أبحاثه وتجاربه في كافة ميادين العلم التجريبي والطبيعي. أما ما ينسب للإسلام من اضطهاد للفلاسفة فهو أمر خارج عن نطاق المقارنة، إذ لم يكن حظر معظم علماء الإسلام للفلسفة إلا حظرا لدراسة العقيدة بأدوات الفلسفة اليونانية التي كانت قد نشأت في مجتمع وثني لم يحظ بنور الوحي والرسالة، وهو أمر لا يعدو أن يكون وضعا للأمور في مكانها الصحيح، ولو أن البحث لم يتناول الإلهيات والغيبيات وظل مقتصرا على الجانب الطبيعي التجريبي، لما وُجد في التاريخ الإسلامي شيئا يذكر مما يتشبث به النقاد، علما بأن الحظر الإسلامي للبحث الفلسفي لا يختلف في جوهره عن الحظر المطبق في الكثير من الدول الليبرالية اليوم على الفكر المناهض للثقافة الغربية.
2ـ بناء على التسلسل المرحلي السابق ذكره، فإن الليبرالية الاقتصادية والإيديولوجية لم تنشأ في الغرب إلا بعد شيوع العلمنة وتخليص العلم من سلطان الكهنوت، وهكذا فقد كان من الطبيعي أن تثور العقلية العلمانية على أيديولوجيا التسليم بالمطلق ومنح العلم صفة النسبية، وتزامن ذلك مع تطلع الفرد للتحرر الاقتصادي من نير الإقطاع، وتحالف البورجوازية الناشئة مع الطبقة الكادحة التي أصبحت أكثر وعيا وثقافة، مما أدى بالتالي إلى تقلص سلطات الإقطاعيين ومنح الطبقات الدنيا حرية العمل والتملك.
أما في النظام السياسي- الاقتصادي الإسلامي، فعلى الرغم من انحسار التطبيق العادل لتعاليم الإسلام في مراحل متعددة من التاريخ السياسي الإسلامي، إلا أن إلباس هذا التاريخ حُلة الإقطاع الأوربي ليس إلا محض عبث، خصوصا وأن علماء الدين الإسلامي كانوا يشكلون صف المعارضة الأول للاستبداد السياسي على مر العصور، ولم يكن التحالف المزعوم بين الفريقين على الشكل الذي يراد له أن يكون في قراءة الليبراليين لهذا التاريخ. فضلا عن أن النظام الاقتصادي في المجتمع الإسلامي لم يكن إقطاعيا من أي وجه، ولا يمكن تبرير هذه القراءة للتاريخ بالنظر إلى أملاك السلطان وأصحاب الجاه مع غض الطرف عن الحرية الاقتصادية في العمل والتملك، وانتشار الأوقاف التي كانت تزيد على كل ممتلكات السلطان كما في بلاد الشام، وهذا أمر يتنافى مع أولى بديهيات الإقطاع.
3ـ إثر ذلك التغيير العقلي والاجتماعي في المجتمع الأوربي، نشأ النظام الديمقراطي كتطور تلقائي ليحل بديلا عن نظام التوريث الإقطاعي الملكي، وما كان ذلك ليحدث لولا تغلغل الفكر العلماني الليبرالي في المجتمع، والذي أشاع مبادئ الحرية الفردية وحق تقرير المصير، مما أدى إلى تدخل الأفراد في انتخاب السلطة الحاكمة، وبالتالي نشوء النظام الديمقراطي القائم على الاقتراع ورأي الأغلبية.
وفي المقابل نجد أن الليبراليين العرب قد تجاوزوا كل هذه المراحل، سعيا لإحلال النظام السياسي الديمقراطي دون التعرض لليبرالية الأيديولوجية وسياقها التاريخي، بل لم يجد البعض ضيرا في الاستعانة بالخارج والاتكال على الغرب لإحلال هذا النظام بالقوة إن دعت الحاجة، دون التعرض لحقيقة نوايا هؤلاء الحلفاء وأطماعهم في المشرق الإسلامي التي لا يخفيها الغرب نفسه.