بدوي الجبل
23/03/2006, 16:57
لأنك أصبحت هكذا سيدة الحزن والصمت كما لقبوك أريد أن أصرخ .. ان أملأ بالضجة حارات المخيم حول غرفتك العالية كمئذنة
أريد أن أحررك .. وأن أتحرر أنا من جذور الحزن التي نخرت عمري.
وأريد أن أرى ابتسامتك .. وأضحك حتى درجة البكاء.
وماذا أريد أيضاً:
أشياء كثيرة .. لا أعرفها.
في الليل تتبعت خطواتك وأنت تطوفين مثل شبح .. وتبرقين في الظلام وردة من نار. أذكرك تماماً عندما كنا في المدرسة .. وأنت تصخبين مرحاً وصخباً .. وتملئين الدنيا حولك ضحكات .. وتنثرين مع ابتسامتك ورداً وياسمين .. كنا جميعاً نتصور أنك لابد ستأخذين الحياة من جانبها الغض الطري .. وان طموحاتك لن تتعدى عملاً ناجحاً وأسرة سعيدة .. وان انتماءك لن يكون إلا لنفسك ولآفاق سعادتك الشخصية. حتى فوجئنا بزواجك منه .. ذلك الرجل الناضج الصارم .. وريث قضية حضرت خطوطها في وجهه . وفي عينيه. وقلتِ لنا وأنت تضحكين أحببت فلسطين من أجله .. بل أحببت فلسطين فيه. وغبتِ عنا كما يغبيب نجم في سماء تعج بالكواكب .. وظللنا نتلمس خيوط حياتك حتى انقطعت عنا .. آه يا وفاء .. كم الحياة قاسية وهي تطمس الدروب بركام من الهموم والمشاكل ونحن ـ كما يقول عزمي أكبر زملائنا في الجامعة ـ جيل العذابات الذي كتب عليه أن يدفع الثمن. ولق دفع كل منا الثمن المخصص له. أما أنت .. فقد كانت حصتك باهظة باهظة.
جارك المسكن عندما جئتُ أسأل عنك قال لي بهمس:
ـ مسكينة .. أصبحت معتوهة. لا شيء يربطها في العالم ولهذا اختل ميزانها كم كانت سيدة عظيمة في صبراه واحتمالها.
وكان مستعداً كما العجوز الثرثارة التي تقطن البناء نفسه الذي فيه تعيشين أن يتحدث عنك طويلاً.
لكن ألم من أجلك ـ كما يبدو ـ حبله يختصر المأساة.
أنا سمعت كل شيء .. وصدقت كل شيء. لا لأنني أصدق الأشياء عادة لكن كل ما يمكن أن يقولوه عنك يحمل أنفاس الحقيقة ودفئها. الحقيقة التي تصلبت في عالمنا رغم تفجره بالنار واللهب. الحقيقة ـ أقول لك ـ لا تموت. يا سيدة الحزن والصمت ولكن .. إلى متى يلفها الجمود:
وإذا لم تستطع أن تذيبها هذه النيران .. وهذه الأنهار من الدم .. وهذه البراكين فمتى؟
أنا ضد النار والدم والموت ..
أنا ضد العنف والقتل ..
وباختصار ضد الحرب.
أنا مع أن نزرع الحقول بالقمح لا بالألغام ..
ومع فرح الأطفال يولدون بالأمن والسلام
وأن لا ترتدي النسوة إلا بياض الفرح..
وأن تغمر البيوت بالورود لا بالدموع.
وإرثي لوطن لا يعرف أبناؤه كيف يتجمعون ويتآلفون إلا في الجنائز والمحن.
وإذ التقيتك لا تعرفينني. لماذا؟ هل كانت صورتي لديك إلى هذه الدرجة من الشحوب والاهتزاز: هل طمست في أعماقك كل المرايا .. أم أنها تحطمت: مرآة أيامنا تلك أظنها كانت من الصفاء والقوة بحيث لا يشوشها شيء .. ولا يحطمها شيء. وكنت تقولين لي: أيتها المحلقة دائماً في سماوات الحرف .. اهبطي كالفراشة نحو النار .. حتى لو أحرقتك. وها أنا يا صديقتي .. وجناحاي الشفيفان قد استعصيا على كل احتراق. اكتويت .. وتألمت .. وربما اشتويت. لكنني في كل مرة كنت أخرج بجناحين جديدين كما طائر الأسطورة. تعالي صوبي .. ادخلي في عباءتي الدمشقية الفضفاضة .. إنها عباءتنا معاً فهي عربية .. وهي زي ما كانوا يسمونه ديار الشام. ادخلي لنحتمي معاً من الريح التي تقلع أقدامنا وتحاصرنا من كل جهة .. من وهج النار. أعانقك .. فتغمرك دموعي. صحيح أنني لم أفقد حفيدي الوحيد كما فقدت .. ولم أفجع ببيت تهدم وأسرة تبددت لكن أطفال الوطن الذي تسحبهم الجرافات أكواماً إلى المقابر الجماعية يسكنون أهداب عيني .. وكل بيت مهدم غصن مكسور في شجرة عمري. وأسرتي الكبيرة التي تفرعت من قلبي تخطفها جهات القارات الخمس أو الست لا أدري.
تعالي نصرخ معاً. نجر الصمت في أعماقنا وتنهمر مواويلنا حزناً كالمطر.
ولكنك لا تسمعينني .. لا تلبين ندائي. تمشين فوق الحجارة والركام كما لو أنك المسي فوق الماء بينما تشد أقدامي السلاسل فلا أقدر أن ألحق بك. كيف أفعل.
طردت من ذاكرتي كل الأسماء .. حتى اسمي .. غيبت كل الوجوه حتى وجوه أهلي وجيراني. أسقطت من حسابي كل المعادلات .. ونسيت كل العبارات الحماسية والشعارات وجئت إليك.
ليس معي سوى قلبي أحمله على راحتي …
وقصاصة ورق كنت قد أرسلتها لي قبل أن نفترق آخر مرة.
هل أقرأ لك ما كتبت لي فيها؟
أو جزءاً مما بقي لدي؟
(الأصحاء هم الذين على الساحة الآن. ولهذا سوف تسترد القضية عافيتها. لأننا نحب علينا أن نناضل فالحب لا يخضع لمنطق الاختيار. وكذلك النضال.
لسوف ندفع بكل طاقاتنا نحو القتال .. ونجند كل شخص حتى الأطفال. أدوارنا مرسومة كأقدارنا ولن نقوى إلا بالأمل والعزيمة والصبر أنا أتلهف لليوم الذي أندمج فيه بالقضية .. وأكون أنا القضية. وسوف تعرفين عني الكثير .. أنا المرصودة مع المرصودين للفوز الكبير) هل أذكرك بما كنت تحملين من قدرة هائلة على الأمل والتفاؤل؟
أم أنك فقدت فيما فقدت حتى الذاكرة؟
ومَن أنا حتى أذكرك؟ أنا القابعة في زاوية بيتي وأنت في خطوط النار .. أنا الناعمة كل ليلة بدفء الفراش وأنت تأرقين من الصباح إلى الصباح؟ هل أجرؤ؟ .. تعالي أمسح فوق رأسك الذي غزاه الشيب ..
وأمر أناملي فوق ملامحك المرتجفة.
وأحكي لك قصة الذئب والحمل.
فأنا لا أعرف إلا لغة الكتابة والكلام.
الحمل هو الذي افترس الذئب هذه المرة ..
لكن الذائب الأخرى هي التي تشوه سمعة الحملان. وتسترد من عقول البشر مقولة ثابتة على الزمن. مفادها أن الذائب لا يمكن أن تفترسها الحملان. ويغمض الناس عيونهم ثم يفتحونها ليصدقوا من جديد.
أنت لا تريدين أن تسمعي شيئاً .. ولا أن تقولي شيئاً.
حسناً. هل تسمحين لي أن أدخل غرفتك.
(وراءها كنت أنقل خطوتي المضطربة وأمشي بحذر خوفاً أن تصعقني بنظرتها فأعود من حيث أتيت. لكنها تركتني بعد أن طافت على الحي المهدوم كله أن أصعد معها الدرج وأن أصل إلى حيث بقايا حياتها المحطمة).
رائع إنك سمحت لي بالدخول. في ذهني أن أتمدد على فراشك أو علي أي أريكة أصادفها أو على الأرض ربما. لكنني لا أجد ما ألقي بجسدي المتعب فوقه. حتى الأرض .. أرض غرفتك مزروعة بعشرات الدمى من كل الأشكال والألوان وبألعاب للأطفال أكثرها مهشم. من أين أتيت بكل هذه الدمى؟ ولماذا هذه الألعاب في وقت لم يعد في مجموعة السكان حولك طفل واحد؟ دماك مترية .. ممزقة الثياب ومهملة مثل أطفال أضاعوا بيوتهم واثداء أمهاتهم. تلك الدمية الأرجوانية كأنما هي مثقوبة بالرصاص .. والخضراء ذات عيون زجاجية تلمح أو تدمع لا أدري. والصفراء .. والبيضاء .. والزهرية .. جميعها ذات أثواب مطرزة جميلة لكنها عتيقة كما لو أن حرباً اجتاحتها هي الأخرى. انظر إلى كبراهن. إنها تضحك .. هل تحزرين لماذا تضحك: لأنها تفترض أن كل طفلة تنظر إليها لابد أنها ستضحك فتسبقها هي بالضحك هل يخطر في البال انه سيمر وقت ما .. في مكان ما لن يكون فيه أطفال يضحكون؟
أريد أن أحررك .. وأن أتحرر أنا من جذور الحزن التي نخرت عمري.
وأريد أن أرى ابتسامتك .. وأضحك حتى درجة البكاء.
وماذا أريد أيضاً:
أشياء كثيرة .. لا أعرفها.
في الليل تتبعت خطواتك وأنت تطوفين مثل شبح .. وتبرقين في الظلام وردة من نار. أذكرك تماماً عندما كنا في المدرسة .. وأنت تصخبين مرحاً وصخباً .. وتملئين الدنيا حولك ضحكات .. وتنثرين مع ابتسامتك ورداً وياسمين .. كنا جميعاً نتصور أنك لابد ستأخذين الحياة من جانبها الغض الطري .. وان طموحاتك لن تتعدى عملاً ناجحاً وأسرة سعيدة .. وان انتماءك لن يكون إلا لنفسك ولآفاق سعادتك الشخصية. حتى فوجئنا بزواجك منه .. ذلك الرجل الناضج الصارم .. وريث قضية حضرت خطوطها في وجهه . وفي عينيه. وقلتِ لنا وأنت تضحكين أحببت فلسطين من أجله .. بل أحببت فلسطين فيه. وغبتِ عنا كما يغبيب نجم في سماء تعج بالكواكب .. وظللنا نتلمس خيوط حياتك حتى انقطعت عنا .. آه يا وفاء .. كم الحياة قاسية وهي تطمس الدروب بركام من الهموم والمشاكل ونحن ـ كما يقول عزمي أكبر زملائنا في الجامعة ـ جيل العذابات الذي كتب عليه أن يدفع الثمن. ولق دفع كل منا الثمن المخصص له. أما أنت .. فقد كانت حصتك باهظة باهظة.
جارك المسكن عندما جئتُ أسأل عنك قال لي بهمس:
ـ مسكينة .. أصبحت معتوهة. لا شيء يربطها في العالم ولهذا اختل ميزانها كم كانت سيدة عظيمة في صبراه واحتمالها.
وكان مستعداً كما العجوز الثرثارة التي تقطن البناء نفسه الذي فيه تعيشين أن يتحدث عنك طويلاً.
لكن ألم من أجلك ـ كما يبدو ـ حبله يختصر المأساة.
أنا سمعت كل شيء .. وصدقت كل شيء. لا لأنني أصدق الأشياء عادة لكن كل ما يمكن أن يقولوه عنك يحمل أنفاس الحقيقة ودفئها. الحقيقة التي تصلبت في عالمنا رغم تفجره بالنار واللهب. الحقيقة ـ أقول لك ـ لا تموت. يا سيدة الحزن والصمت ولكن .. إلى متى يلفها الجمود:
وإذا لم تستطع أن تذيبها هذه النيران .. وهذه الأنهار من الدم .. وهذه البراكين فمتى؟
أنا ضد النار والدم والموت ..
أنا ضد العنف والقتل ..
وباختصار ضد الحرب.
أنا مع أن نزرع الحقول بالقمح لا بالألغام ..
ومع فرح الأطفال يولدون بالأمن والسلام
وأن لا ترتدي النسوة إلا بياض الفرح..
وأن تغمر البيوت بالورود لا بالدموع.
وإرثي لوطن لا يعرف أبناؤه كيف يتجمعون ويتآلفون إلا في الجنائز والمحن.
وإذ التقيتك لا تعرفينني. لماذا؟ هل كانت صورتي لديك إلى هذه الدرجة من الشحوب والاهتزاز: هل طمست في أعماقك كل المرايا .. أم أنها تحطمت: مرآة أيامنا تلك أظنها كانت من الصفاء والقوة بحيث لا يشوشها شيء .. ولا يحطمها شيء. وكنت تقولين لي: أيتها المحلقة دائماً في سماوات الحرف .. اهبطي كالفراشة نحو النار .. حتى لو أحرقتك. وها أنا يا صديقتي .. وجناحاي الشفيفان قد استعصيا على كل احتراق. اكتويت .. وتألمت .. وربما اشتويت. لكنني في كل مرة كنت أخرج بجناحين جديدين كما طائر الأسطورة. تعالي صوبي .. ادخلي في عباءتي الدمشقية الفضفاضة .. إنها عباءتنا معاً فهي عربية .. وهي زي ما كانوا يسمونه ديار الشام. ادخلي لنحتمي معاً من الريح التي تقلع أقدامنا وتحاصرنا من كل جهة .. من وهج النار. أعانقك .. فتغمرك دموعي. صحيح أنني لم أفقد حفيدي الوحيد كما فقدت .. ولم أفجع ببيت تهدم وأسرة تبددت لكن أطفال الوطن الذي تسحبهم الجرافات أكواماً إلى المقابر الجماعية يسكنون أهداب عيني .. وكل بيت مهدم غصن مكسور في شجرة عمري. وأسرتي الكبيرة التي تفرعت من قلبي تخطفها جهات القارات الخمس أو الست لا أدري.
تعالي نصرخ معاً. نجر الصمت في أعماقنا وتنهمر مواويلنا حزناً كالمطر.
ولكنك لا تسمعينني .. لا تلبين ندائي. تمشين فوق الحجارة والركام كما لو أنك المسي فوق الماء بينما تشد أقدامي السلاسل فلا أقدر أن ألحق بك. كيف أفعل.
طردت من ذاكرتي كل الأسماء .. حتى اسمي .. غيبت كل الوجوه حتى وجوه أهلي وجيراني. أسقطت من حسابي كل المعادلات .. ونسيت كل العبارات الحماسية والشعارات وجئت إليك.
ليس معي سوى قلبي أحمله على راحتي …
وقصاصة ورق كنت قد أرسلتها لي قبل أن نفترق آخر مرة.
هل أقرأ لك ما كتبت لي فيها؟
أو جزءاً مما بقي لدي؟
(الأصحاء هم الذين على الساحة الآن. ولهذا سوف تسترد القضية عافيتها. لأننا نحب علينا أن نناضل فالحب لا يخضع لمنطق الاختيار. وكذلك النضال.
لسوف ندفع بكل طاقاتنا نحو القتال .. ونجند كل شخص حتى الأطفال. أدوارنا مرسومة كأقدارنا ولن نقوى إلا بالأمل والعزيمة والصبر أنا أتلهف لليوم الذي أندمج فيه بالقضية .. وأكون أنا القضية. وسوف تعرفين عني الكثير .. أنا المرصودة مع المرصودين للفوز الكبير) هل أذكرك بما كنت تحملين من قدرة هائلة على الأمل والتفاؤل؟
أم أنك فقدت فيما فقدت حتى الذاكرة؟
ومَن أنا حتى أذكرك؟ أنا القابعة في زاوية بيتي وأنت في خطوط النار .. أنا الناعمة كل ليلة بدفء الفراش وأنت تأرقين من الصباح إلى الصباح؟ هل أجرؤ؟ .. تعالي أمسح فوق رأسك الذي غزاه الشيب ..
وأمر أناملي فوق ملامحك المرتجفة.
وأحكي لك قصة الذئب والحمل.
فأنا لا أعرف إلا لغة الكتابة والكلام.
الحمل هو الذي افترس الذئب هذه المرة ..
لكن الذائب الأخرى هي التي تشوه سمعة الحملان. وتسترد من عقول البشر مقولة ثابتة على الزمن. مفادها أن الذائب لا يمكن أن تفترسها الحملان. ويغمض الناس عيونهم ثم يفتحونها ليصدقوا من جديد.
أنت لا تريدين أن تسمعي شيئاً .. ولا أن تقولي شيئاً.
حسناً. هل تسمحين لي أن أدخل غرفتك.
(وراءها كنت أنقل خطوتي المضطربة وأمشي بحذر خوفاً أن تصعقني بنظرتها فأعود من حيث أتيت. لكنها تركتني بعد أن طافت على الحي المهدوم كله أن أصعد معها الدرج وأن أصل إلى حيث بقايا حياتها المحطمة).
رائع إنك سمحت لي بالدخول. في ذهني أن أتمدد على فراشك أو علي أي أريكة أصادفها أو على الأرض ربما. لكنني لا أجد ما ألقي بجسدي المتعب فوقه. حتى الأرض .. أرض غرفتك مزروعة بعشرات الدمى من كل الأشكال والألوان وبألعاب للأطفال أكثرها مهشم. من أين أتيت بكل هذه الدمى؟ ولماذا هذه الألعاب في وقت لم يعد في مجموعة السكان حولك طفل واحد؟ دماك مترية .. ممزقة الثياب ومهملة مثل أطفال أضاعوا بيوتهم واثداء أمهاتهم. تلك الدمية الأرجوانية كأنما هي مثقوبة بالرصاص .. والخضراء ذات عيون زجاجية تلمح أو تدمع لا أدري. والصفراء .. والبيضاء .. والزهرية .. جميعها ذات أثواب مطرزة جميلة لكنها عتيقة كما لو أن حرباً اجتاحتها هي الأخرى. انظر إلى كبراهن. إنها تضحك .. هل تحزرين لماذا تضحك: لأنها تفترض أن كل طفلة تنظر إليها لابد أنها ستضحك فتسبقها هي بالضحك هل يخطر في البال انه سيمر وقت ما .. في مكان ما لن يكون فيه أطفال يضحكون؟