-
دخول

عرض كامل الموضوع : من هو اليهودي ـ القسم الثاني ـ من هو اليهودي في دولة اليهود؟


عاشق من فلسطين
18/02/2005, 15:43
من هو اليهودي ـ القسم الثاني ـ من هو اليهودي في دولة اليهود؟

الخميس 3 شباط 2005



طباعة المقال

في 25 حزيران / يونيو من العام 1958، إنتابت الإسرائيليين الدهشة لدى قراءتهم في الصحف الإسرائيلية مانشيتات فحواها أن وزيرين في الحكومة الإسرائيلية، وهما زعيمان للحزب الوطني الديني، قد استقالا من منصبيهما وذلك بسبب الإجراءات الجديدة التي وضعها وزير الداخلية "بار – يهودا"، وهو عضو في حزب "مابام" الصهيوني الماركسي، والتي تفيد أنه إذا أعلن والدا أي طفل إسرائيلي بأن ولدهما يهودي يجب تسجيله رسمياً بأنه كذلك. واستناداً الى القانون اليهودي الديني (هالاخا)، فإن اليهودي هو الشخص الذي وُلد من أم يهودية أو الذي اعتنق اليهودية. وقد صدرت الإجراءات الآنفة لتنظيم تسجيل الأولاد من زواج مختلط وخصوصاً أولئك الذين أمهاتهم غير يهوديات وهاجرّن مع أزواجهن الى إسرائيل.

وأصرت الأحزاب الدينية، في هذا الصدد، على أنه إذا لم تعتنق الأم اليهودية الأرثوذكسية فلا يمكن تسجيل ولدها على أنه يهودي. وأما أحزاب العمل الصهيونية فقد أصرّت على أنه يجب التسجيل حسب الوضع القومي للولد لأن ذلك لا يعود الى هيمنة الدين. ولكن هذا أغاظ الأحزاب الدينية التي كانت تصر على أنه يجب عدم الفصل بين الدين والقومية كما تنص اليهودية. فبالنسبة الى هذه الديانة، فلا يمكن للمسيحي أو المسلم أن يكونا يهوديين إذا أخذنا في الاعتبار قوميتهما. وإذا ما أصرّ الوالدان على تسجيل ولدهما كيهودي فعلى الوالدة أولاً التحول الى الديانة اليهودية. وهذا بدوره، أغاظ الصهاينة العمّال الذين يعتقدون أنه في معظم هذه الحالات، فإن الوالدين يكونان ملحدين ويجب تغيير اعتقادهما، بالقوة، الى دين لا يؤمنان به، حيث أن الصهيونية العمالية تؤمن أن اعتناق دين جديد هو عائد الى حرية ضمير الفرد. وهكذا، فإن كلا الطرفين قد شعرا بأن معتقداتهما الأساسية هي في خطر وأنه لا يمكن التوصل الى حل وسط.

حدثت المواجهات هذه خلال أطول مناقشات عرفتها الكنيست، حيث أن لا أحداً من الطرفين كان يريدها أو مستعداً لها، إذا كان الجانبان يتجنبانها. وفشلت الغالبية العلمانية – في الكنيست وفي جميع أرجاء البلاد – في إدراك قلق الأقلية الدينية إزاء مشكلة كانت تبدو أنها موضوع إداري تنظيمي بسيط، وعلّلت استقالة الوزيرين من الحزب الديني الوطني بأنه اغتنام للفرص لتأمين أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات القادمة، أو أنها محاولة لابتزاز الحكومة الإسرائيلية لتقديم تنازلات سياسية. وسواء أكانت دوافع الاستقالة جوهرية أو غير ذلك، فإن فصل القومية اليهودية عن الديانة اليهودية في إسرائيل كانت قضية مُقلقة سواء بالنسبة الى الأكثرية العلمانية أو الأقلية المتدينة لليهود في كل مكان وخاصة في إسرائيل. وإن خطورة هذه المشكلة تجاوزت كونها قضية سياسية فقط لأنها لا تمس إسرائيل فحسب وإنما اليهودية. إذ أن مُنشئي إسرائيل كانوا يريدون أن تكون هذه الدولة تجسيداً لليهودية في العالم المعاصر. وإذا ما أرادت إسرائيل اتخاذ خطوة تشكل تهديداً لليهودية، فإن خطر ذلك سيفوق أي تهديد خارجي. ولذا، كان هناك مبرر للمخاوف التي أعرب عنها الحزب الوطني الديني والأحزاب الدينية الأخرى. وقد أظهرت مناقشات الكنيست حول مشكلة تسجيل مَنْ هو اليهودي أن الزعماء المتدينيين كانوا على دراية من أن المشكلة الثفافية كانت تواجه خطراً، بينما فشل السياسيون العلمانيون في تفهم قلق الزعماء المتدينين. ولذا، فقد كانت هناك دواعي تبرر قلق الحزب الوطني الديني بالإضافة الى الأحزاب الدينية اليهودية الأخرى التي تدعم الصهيونية العلمانية.

وقبل ما يزيد على العام، كانت الحكومة الإسرائيلية قد أنقذت نفسها من إخفاق سياسي هام ناتج عن حرب السويس. فقد نسق بن غوريون مع إيدن وغي موليه رئيسي وزراء بريطانيا وفرنسا للقيام بعملية عسكرية ضد مصر. وما أن وصل الجيش الإسرائيلي الى قناة السويس حتى تدخل الجيشان البريطاني والفرنسي للفصل بين "الأطراف المتحاربة ولتأمين المرور في قناة السويس التي كان الرئيس عبدالناصر قد أمّمها قبل عدة شهور. وإن السخط الذي ظهر في الغرب إزاء هذا الغزو، بالإضافة الى الغضب الأميركي بسبب عدم استشارة واشنطن في هذا الصدد، أديا الى استقالة رئيسي الوزراء إيدن وغي موليه. إلا أن سلطة بن غوريون في إسرائيل لم تُمس بأي ضرر على الرغم من تصريحاته الرنانة التي تُفيد بأن سيناء ليست جزءاً من مصر بل هي ستعود مع جزيرة تيران وخليج العقبة الى "مملكة إسرائيل الثالثة". [دافار، 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1956].

مع أنه لم يستقل أي وزير من وزارة بن غوريون في أعقاب المغامرة الإسرائيلية في السويس، وعلى الرغم من عدم سُخط الرأي العام الإسرائيلي إزاء ذلك، إلا أن قضية تسجيل الأولاد من زواج مشترك قد أدى الى استقالة وزيرين لأن هذه القضية البسيطة سياسياً تمس جوهر الوجود اليهودي بينما قضية سياسية كبيرة مثل فشل تل أبيب في السويس لم تؤد الى أية اضطرابات داخلية.

استمرت القضايا السياسية في إسرائيل تطغى على المشاكل الشخصية الثقافية لمدة أجيال. وكان الانثروبولوجيون والقادة الدينيون يدركون هذه الحقيقة، إلا أن السياسيين نادراً ما كانوا يشاطرونهم هذا. وكشفت مناقشات الكنيست حول قضية التسجيل أن القادة الدينيين كانوا على دراية من أن القضية الثقافية كانت على المحك، بينما فشل السياسيون، باستثناء واحد أو اثنين، في تفهم مصدر انزعاج القادة الدينيين.

بدأت مناقشات الكنيست باستقالة وزير الشؤون الدينية والاجتماعية "أم. أتش. شابيرا" الذي انطلق بتوضيح دوافعه للقيام بذلك على النحو التالي:

السيد الرئيس، حضرات أعضاء الكنيست
إنني أنتمي الى حزب (الحزب الوطني الديني) لا يرحب بالنزاعات وخاصة الدينية منها، في دولة اليهود. وخلال اشتراكي في الحكومة منذ عشر سنوات، واجهنا العديد من المشاكل المعقدة إلا أننا كنا نتوصل الى حلها حلاً وسطاً لئلا يؤدي ذلك الى القضاء على نهضتنا الوطنية في بلدنا. وكانت توجهاتنا في نشاطاتنا السياسية العامة قائمة على كلمات الحاخام "كوك" [1] التي تفيد أن الكتاب المقدس قد بارك كل إنسان يعمل على إزالة الخلافات بين المؤمنين.

خلال مشاطرتي في الحكومة، بما في ذلك السنوات التي سبقت قيام الدولة، عملت جاهداً على هدي ما سبق من أجل ردم الفجوة التي تفصل ما بين اليهود المتدينين وغير المتدينين في الأمة. في الحقيقة، لم يذهب علمنا سُدى. وأعطت مشاركة اليهود المتدينين في كل حكومة من هذه الحكومات، التي لم تكن مقتصرة على قطاع معين فقط، وزناً وحيوية للبرهان على أن هذه الحكومة هي ممثلة للغالبية العظمى من الشعب. وبفضل هذه المشاركة في زعامة الدولة، أضفى اليهود المتدينون روحهم على مؤسسة كبيرة أُقيمت على تراب أرضنا المقدسة، وعلى حياة الدولة التي نعتبرها الخطوة الأولى في طريق إعمار إسرائيل ودليل واضح بأن "إله" إسرائيل لا يكذب.

وبالنسبة الى الموضوع الحقيقي الذي أدى الى بروز هذه المشكلة فإن تعليمات وزير الداخلية الواردة في 10 آذار / مارس من العام 1958، بخصوص تسجيل اليهودي، تنص على ما يلي:

لذا، أي إنسان يعلن بأنه يهودي يجب تسجيله كذلك، وليس هناك متطلبات أخرى.

وهذا يعني أن بإمكان أي مسيحي، أو مسلم، أو أي عضو في أي دين، الإعلان عن نفسه أنه يهودي وليس هناك مستلزمات أخرى مطلوبة. وإذا كان هذا مقبولاً، في أي شكل من الأشكال، في إسرائيل، فإننا سنخلق أنواعاً جديدة من اليهود: يهود مسيحيون، يهود مسلمون، وهذا شأن اليهود المسيحيين في بداية المسيحية. إلا أن مجلس الوزراء قد أضاف العبارة التالية: "ولا ينتمي الى أي دين آخر". ولكن من الممكن أن يشكل هذا الملحق عقبة إذا ما كان الشخص لا يؤمن في أي دين إلا أنه مسيحي بالولادة وبالإمكان قبوله يهودياً إذا ما أعلن عن ذلك.

وتنص الفقرة 18 من الإجراءات والتوجهات الرسمية الآنفة على:

إذا ما أعلن والدا الطفل بأن ولديهما يهوديان فإن إعلانهما يعتبر إعلاناً شرعياً كما لو أن الطفل قد أدلى به. واستناداً الى الحقوق المتساوية في قانون النساء لعام 1951، فإن الوالدين وصيّان على ولديهما وكلامهما يُعتبر كلامه. وهنا أيضاً يوجد شرط الإيمان الصالح، ولكن لا يستطيع أحد اعتبار أن أحد الوالدين غير يهودي ويعلن عن ذلك كنوع من الافتقار الى الايمان الصالح. في نظر القانون الديني فإن اكتساب الولد جنسية أمه هو أمر غير مهم لأن بإمكان كاتب التسجيل تطبيق ذلك على الولد بدون تطبيق القانون الديني بل الشخصي الذي ينص على أن الولد يكتسب جنسية والده وليس أمه. وأمام هذه المشاكل التي ليس بإمكان كاتب التسجيل حلها، يكفي أن يُعلن الوالدان ولدهما يهودياً ليقوم موظف التسجيل بذلك. ومن هذا المنطلق، فإن وزير الداخلية يؤكد، وبعد موافقة الحكومة، على أن الولد الذي تكون أمه مسيحية هو ولد يهودي أيضاً، على أنه بذلك يدمّر القانون الديني من جذوره، هذا القانون الذي عاش أجدادنا في ظله لألوف السنين.

إن دولة إسرائيل، التي يحيط بها الأعداء من كل جانب، قد سمحت لنفسها، في هذه الأوقات، أن تشن حرباً على الديانة اليهودية، وعلى الشخصية الوطنية، وعلى الفرادة الوطنية للشعب اليهودي. فلماذا تقوم بذلك؟

. . . لقد وجدت هذه الحكومة، بسبب عقدة نفصها، طريقة سهلة لحل هذه المشكلة الصعبة المتعلقة بعدد قليل من النساء المسيحيات، وهي مستعدة للتخلي عن ماضينا العظيم وأن تراهن على شرقنا وديانتنا.

وأود أن أذكركم، في هذه الساعة الكئيبة، أن هتلر أباد ما يزيد عن مليون طفل يهودي، وماذا ستقول أمهاتهن عندما يعرضن أولادهن الى إحسان بعض المسيحيين؟ أليس أن رغبة أمهات هؤلاء الأولاد هي العودة الى الشعب اليهودي؟ فلا تحاولوا أن تحولوا هؤلاء الأولاد الى دين غير دينهم، بل أعيدوهم الى دين آبائهم لأنهم يهود. إن الشخصية اليهودية والديانة اليهودية هما صنوان.

والآن، تأتي حكومة إسرائيل لتعلن، علناً، أنه لا توجد هناك علاقة بين الشخصية وبين مفهوم اليهودي لديانته.

هل نسينا كل ماضينا؟

وهل سنتخلى عن كل مبادئنا ومعتقداتنا التي ميّزتنا عن بقية الأمم الأخرى؟

إنني خجل من هذا الكلام لأنه يشوه الشعب اليهودي برمته، وليس في هذا البلد فحسب بل في جميع أنحاء العالم. فهل لأنكم واجهتهم بعض المشاكل تريدون تريدون أن تفصلوا بين اليهود؟ لسوء الحظ، هناك في أوروبا عدة بلدان حيث أن 30 في المئة من الزواج المختلط، وأن عمليات الامتصاص تنتشر في جميع هذه البلدان بما في ذلك أميركا.

ما هو الذي يعيق اليهود في الشتات من اتخاذ آخر خطوة للانقطاع عن جذوره؟ إن الشيء الوحيد هو أنه عندما يولد الطفل يعلمه والده اليهودي بأنه يهودي. ومع أن الطفل من زواج مختلط في دولة اليهود يعتبر يهودياً، فماذا يمنع اليهودي في بلاد الشتات من أن يوقف إبنه من اتخاذ مثل تلك الخطوة؟ وماذا يجب أن يفعله الطفل ليتجنب القيام بخطيئة؟ ولسخرية القدر أن دولة اليهود تسمح بالقيام بأعمال خطرة حيث كنا في السابق نفضّل الموت على القيام بها. وهذا هو الحال الآن في إسرائيل، خصوصاً عن العمل كأدوات لتعزيز وتقوية شعبنا – وهذا ما نتمناه – فإننا نبذر بذور الفرقة والانقسام في الأمة، وذلك للفصل ما بين يهودي وآخر مما يؤدي بدوره الى تدمير اليهود في إسرائيل وفي بلاد الشتات.

وبفضل هذا القرار، فإن اليهود المتدينين، في بلاد الشتات سيبتعدون عن الوسط اليهودي في "دولة اليهود".

بالإضافة الى هذا، بإعلانك عن الطفل غير اليهودي بأنه يهودي فإنك بذلك تخدع الطفل ووالديه. فما سيقول الولد عندما يريد يتزوج في إسرائيل؟ إذ أنه لن يستطيع الزواج من يهودية لأن قانون الزواج في إسرائيل هو ليس دينياً. ولكن عندما يأتي هذا الشخص بتذكرة هويته ويقول لنا "لكن تم إعلامي بأنني يهودي"، فهذا سيخلق الفضائح والمآسي تفوق تلك المآسي والفضائح الناتجة عن قراركم باسم التقدم. . .

بالإضافة الى هذا، فإن قراركم يخرق الوضع الراهن، وهذا ليس الأمر الوحيد الذي تخرقونه في اتفاقياتنا، إلا أنه في هذه المرة ذهبتم الى أبعد الحدود وليس هناك مكان للمساومة بعد.

. . . تم خرق الوضع الراهن بعنف هذه المرة. وليس الوضع الراهن للائتلاف بين الأحزاب السياسية فحسب، بل الوضع الراهن الذي هيمن على اليهود منذ اليوم الأول الذي أصبحوا فيه أمة، وعوضاً عن مناقشة جوهر المشكلة، فإن رئيس الوزراء قد حوّل النقاش الى موضوع آخر لا ينطوي على مشكلة هامة. واستخدم عبارة "إن الحاخام سيقرر مَنْ هو اليهودي" وذلك للتأثير على الرأي العام. ولا أعرف لماذا الخوف من هيمنة الحاخام على رئيس الوزراء. والحقيقة تُقال أن هذا ليس قانون الحاخاميين، وإنما هو قانون الشعب اليهودي منذ أن أصبح شعباً. ولا يستطيع كبير الحاخاميين في إسرائيل أن ينشر هذا القانون. فالحاخاميون هم حرّاس لهذا الميراث الثمني للفرادة الوطنية للشعب اليهودي. ويتم الآن خرق قانون يعود الى ألوف السنين. ويبدو أنه أكثر، في هذه المناقشات، تخويف الرأي العام الإسرائيلي بالحاخاميين من مناقشة الموضوع الجوهري الذي هو خرق لقانون قديم لشعبنا.

. . . حقاً، هناك إكره ديني في إسرائيل، ولكن ليس المتدينين الذين يُكرهونكم، بل أنتم تُكرهوننا في عدة قضايا. هناك بعض الإكراه في الزواج والطلاق. ولكن هذا القانون حظي بموافقتكم من أجل وحدة شعبنا. وفي قضايا أخرى، هناك إكراه ضد اليهود المتدينين. ولذا، فإذا كان رئيس الوزراء مهتماً بمنع الإكراه، بحيث أن بإمكان كل يهودي أن يعيش كما يرغب، فبإمكانه القيام بذلك وسيلقى منا الدعم والمساعدة.

. . . خلال هذه الأزمة إنتابتني الدهشة عندما قرأت في الصحف أن رئيس الوزراء في وضع صعب منذ تكوينه الائتلاف الجديد وذلك لأن شريكيه في الحكومة "المابام" و "أحدوت – هاعفودا" [2] قد قررا الاستقالة ما لم تتم الموافقة على الإجراءات المتعلقة بمن هو اليهودي. وإنني أنصح رئيس الوزراء ووزير الدفاع [3] بمعالجة هذين التهديدين بالاستقالة كما عالج من قبل قضايا أخرى مثل الانسحاب من سيناء وغزة، ومبدأ ايزنهاور، الخ. . . . مَنْ هو اليهودي؟ هذه المشكلة على جدول الأعمال في إسرائيل اليوم. لأننا، قبل ألوف السنين، كنا نعرف من كان يهودياً. ولكن دولة إسرائيل، بعد هذه الفترة من قيامها، وجدت أنه من الضروري إثارة هذا الموضوع والحكم عليه بطريقة تتجاهل ألوف السنين التي سبقت قيامها. ومن الممكن أن يؤدي قراركم الى عكس ما تتوخون، إذ أنه من الممكن أن يقوّض الأسس ويزرع بذور التفرقة في قلوب الجماهير اليهودية التي ستتوق الى مثل تلك الدولة.

. . . إنني أتوسل اليكم جميعاً، وبصورة خاصة رئيس الوزراء بن غوريون. أنتم الذين تعملون على تعزيز دولة إسرائيل ووحدة الأمة: أن تنسحبوا من هذا القرار البائس. وإذا ما أخذتم في الاعتبار وضع اليهود في بلاد الشتات وفي هذا البلد، ألا تتجرأون على الانسحاب من هذا القرار الذي يعرّض الدولة والوجود للخطر؟

دعونا نعمل بطريقة لا تقوّض جدران اليهودية، ولا توتّر العلاقات المتوارثة، ولا تخلق شعباً جديداً. دعونا نتذكر كلمات الأنبياء وأن الشعب اليهودي سيحافظ على وحدته كما أن "إله" إسرائيل سيحفظ شعبه.

[محاضر الكنيست، (بالعبرية)، محضر 8 تموز / يوليو 1958، صفحة 2232].

وأما عضو الكنيست التالي الذي تحدث فكان الدكتور جوزيف بيرغ الذي استقال من منصبه كوزير للبريد، وكان زعيماً بارزاً في الحزب الديني الوطني. فقال:

حضرة الرئيس،
حضرات أعضاء الكنيست،

خلال الجلسة المؤرخة في 23 حزيران / يونيو المخصصة لمناقشة الإجراءات بخصوص تسجيل الأحوال الشخصية، أراد مجلس الوزراء توضيح بأن اليهودي من زواج مختلط، حيث أن الأم لم تتحول الى اليهودية ولم تبدي رغبة في ذلك، ومع أنه هو لم يتحول الى اليهودية، فاستناداً الى إعلان والديه فإنه سيسجل على أنه يهودي. وأدى هذا القرار الى إبلاغ قادة الحزب الوطني الديني رئيس الوزراء عن استقالتهم من الحكومة وذلك حتى يتم إلغاء هذا القرار أو تعديله، أو تغييره. ولذا، فإن الوزراء المتدينين ونوابهم لن يكونوا أطرافاً في عملية الخداع هذه.

إنني أعرب عن بالغ حزني وذلك بصفتي يهودي، ومثقف صهيوني متدين، وبصفتي شخص قد نشأ على التعاليم المقدسة وعلى حبه للناس. وكوني من المعسكرين المتدين والعمالي أطمح الى تجنب النزاع ما بين المعسكرين المتدين والعمالي. وإنني أتوق الى ردم الفجوة ما بين المعسكرين لأمنع الشقاق الذي سيبتلعنا جميعاً.

لا أرى مبرراً لمواصلة اشتراكي بالحكم وذلك في ظل القرار الذي يدور حول "من هو اليهودي". إذ أن هذا الخلاف يعرّض البلاد بأسرها للخطر. فما هو معنى هذا القرار؟ إنه مجرد عبارة كافية لتغيير شخص غير يهودي الى يهودي. كما أن هذا القرار ينص على أنه لو كان الشخص غير يهودي، استناداً الى التقاليد المتوارثة، فإنه يُسجّل على أنه يهودي. وهذا يعني أنه لا توجد حاجة للقيام بعملية تحويل من معتقد الى آخر، مما سيؤدي بدوره الى تزعزع الوحدة التاريخية للأمة والدين.

. . . إنني أقول الى الأمة والى العالم: إننا – كمتدينين – لا نطالب بتحويل معتقد إنسان غير يهودي الى اليهودية عن طريق شخص غير يهودي، وإنني لا أحدّد الحريات المدنية لأي شخص عن طريق وثائقه الدينية. ولكنني أقول إنه يجب عدم تسجيل أي إنسان على أنه يهودي إذا كان غير يهودي في نظر ديانتنا، أو إذا كان غير يهودي في ديانته أو ديانة والديه.

. . . دعوني أفترض لفترة وجيزة أن الشعب في صهيون، البالغ عدده مليون و 800 ألف يهودي يعيشون في هذه البلاد، اتفق على أن بإمكان غير اليهودي تسجيل نفسه أنه يهودي. أليس لليهودي الذي في بلاد الشتات رأي في مفهوم "من هو اليهودي"؟ هل لدى الحكومة الإسرائيلية الحق في تجديد من هو الإسرائيلي أو اليهودي في الوقت الذي تعيش الغالبية العظمى من اليهود في الخارج؟ فأين عدالة الرأي العام في هذا؟ وأين هي العدالة اليهودية؟ وهل هذا معنى المركز الروحي الذي أردنا إقامته هنا؟ وهل هذا معنى وطن الأمة الذي أردنا إنشاءه هنا؟ إن المعنى هنا قضايا مختلطة بسبب اختلاط الإرادات.

. . . علينا أن لا نعتبر اليهودية على أنها شأن يخص فرداً واحداً أو جيلاً واحداً. علينا أن نأخذ في الاعتبار هذا الجيل والأجيال اللاحقة.

. . . ما هي نتيجة قرار هذه الحكومة الغامضة؟ إذ أن أولئك [اليهود] الذين يعيشون في بلاد الشتات لن يلقوا تشجيعاً للهجرة، وأما أولئك الذين يهاجرون فإنهم لن يلقوا تشجيعاً لتنتشر جذورهم هنا. وكلنا نعلم أن الزواج المختلط وتغيير العقيدة من دين الى آخر يعودان الى عمليتي الاستيعاب والامتصاص. أليس دولة إسرائيل قد أُقيمت للتخفيف من عملية الامتصاص؟ ألم نأت الى هنا للبناء وليس للهدم؟ ألم يضحّي بعضنا بدمه والبعض الآخر ضحّى بماله من أجل إقامة هذه الدولة؟ هل أتينا الى هنا من أجل تكوين "ألبانيا" أم "مونتينيغرو" أو لحفظ الميراث التاريخي لشخصيتنا التاريخية ولوعينا اليهودي، ومن أجل الهدف اليهودي؟

. . . إن ما تفعلونه بقراركم هذا، في المنظور التاريخي، هو عكس مسيرة الإصلاح. لقد قال المفكران اليهوديان الألمانيان "غايغر" وهولدهيم" [4]: القدس هي مدينة صحراء؛ وفلسطين، صهيون هي كلمة جوفاء. وما اعتبراه ديناً هو المهم بالنسبة اليهما. وماذا تفعلون بقراركم؟

إنني لا أقبل هذا القرار لتشريع كافٍ لهوية اليهودي.

. . . إنني لا أتكلم هنا كوني حزبياً، ولا كوني أحد أفراد طائفة، إنني أتكلم من منظور يهودي واسع: دعونا الى عدم تمزيق سلالة الشعب اليهودي. وأيإنسان يمزق سلالة اليهود يمزق السجل الوحيد الذي يبرّر عودتنا ووجودنا هنا. لا تمزقوا وحدة الأمة. لا تقسّموا الأمة بسبب قضايا فردية. لا تسمحوا بتسجيل الإنسان أنه يهودي بدون تغيير دينه ومعتقده. لا توافقوا على الفصل بين الدين والأمة، لأن من يفعل ذلك يقضي عليهما سوية. ومهما كان تعريف هذين اللفظين، فإنهما يعبران عن الفرادة التاريخية في وجود ما نسميه بـ "الشعب اليهودي". لا تساهموا في هدم الجسور بين يهودي وآخر. إنني لا أملي عليكم درساً في الفلسفة، بل إني أُطالب باليهودية. لقد وفدنا الى هنا لكي ننقذ اليهود واليهودية. فهل أعضاء مجلس الوزراء مقتنعون بأن قرارهم يدعم ويعزز اليهودية؟

[محاضر الكنيست، محضر 5 تموز / يوليو 1958، صفحات 2233 – 2235].

ومع أن خطاب العضو الدكتور "بيرغ" أمام جلسة الكنيست في 5 تموز / يوليو. من العام 1958، كان مُفعماً بالعاطفة، إلا أنه قدّم للصهاينة العلمانيين ثلاثة أسئلة دبت فيهم الحيرة وهي:

أولاً: هل تريد الصهيونية تنفيذ مبادئها الإلحادية وأن تخاطر بمواجهة اليهود المتدينين مواجهة ثقافية؟ ثانياً: ألا تريد الصهيونية قيام دولة يهودية كباقي الدول لامتصاص اليهود في العالم؟

ثالثاً: لماذا اختار الصهاينة فلسطين، عوضاً عن اختيارهم أوغندا، مثلاً، لتكون دولتهم؟ وكيف يعللون حقوقهم الوطنية في صهيون إذا هم رفضوا الميراث الديني اليهودي؟

وعلى الرغم من أن الحياة الصهيونية قد أثبتت أن هذه التساؤلات مثمرة، إلا أن معظم أعضاء الكنيست قد تجاهلها أو رفضها. ومع مرور الزمن، تراجعت الأفكار العلمانية لتحل محلها الأفكار الدينية التي لا تزال قائمة حتى أيامنا هذه.

ولم تنجح الأقلية المتدينة من انتزاع هذه التنازلات من الغالبية العلمانية وذلك ليس لأسباب سياسية أو اقتصادية بل ثقافية. إذ أن الصهاينة العلمانيين قد تخوفوا من المواجهة الثقافية مع اليهود المتدينين. وتخوفوا من الانقسامات والخلافات في عالم اليهود، كما أنهم كانوا يفتقرون الى المتطلبات الرئيسية لمثل تلك المواجهة، وخاصة فيما يتعلق بالتعريف العلماني لليهودي. وأما الملحدون الذين لم "ينشدوا إنقاذ اليهود فحسب بل اليهودية" فلم يفلحوا في تعريف اليهودية العلمانية. وكان لدى خصومهم تعريف ديني لليهودي مدعوم بتراث عمره 2000 سنة. وإن الخوف من الانقسامات والافتقار الى تعريف اليهودية العلمانية منحا اليهود المتدينين فرصة في كل مواجهة ثقافية مع الأغلبية العلمانية كما أنهما دفعا بها للتخلي عن كل المبادئ الإلحادية المتعلقة بحقوق الفرد.

هذا، ويصرّ النقاد المتدينون على أنه لا يمكن الفصل بين الديانة اليهودية والقومية بأي شكل من الأشكال. وما أغاظ هؤلاء النقاد محاولة الفصل بين الديانة والقومية وذلك بوضع معيار علماني للقومية اليهودية بينما التعريف الديني يصلح لكل الأغراض الدينية.

[محاضر الكنيست 5 تموز 1958، صفحات 2236/7].
[المصدر السابق 5 تموز 1958، صفحات 2239].
[المصدر السابق 5 تموز 1958، صفحات 2239].

وبالنسبة الى النقاد المتدينين، فإن اليهودي ليس حُرّاً في تحديد وضعية الدين والقومية، بل أن هذا مفروض عليه لدى ولادته من أم يهودية. واستناداً الى القانون الديني اليهودي، فإن اعتناق اليهودي لدين آخر لا يُلغي يهودية اليهودي.

وقد أورد عضو الكنيست "بار يهودا" اتفاق الوضع الراهن بين الأقلية المتدينة والأكثرية العلمانية كما يلي:

. . . بالنسبة الى الأجيال، هناك أمور أساسية وحاسمة في تاريخ الأمم لا يمكن صياغتها بعبارات. وقد تم اتفاق بين القطاعين المتدينين والعلمانيين على ما يلي:

1) لن يُسمح لهذه الدولة الإسرائيلية شن أي هجوم ضد أي دين.

2) لن تربط هذه الدولة أي يهودي بقوانين غير يهودية ولا تتعلق بالقوانين الإسرائيلية.

[المصدر السابق 5 تموز 1958، صفحات 2245].

من الممكن أن يروق هذا أولئك الذين يعتقدون أن بيغن، الذي أصبح في عام 1977 رئيساً للوزراء، كان يهودياً متديناً مع أنه لم يكن كذلك. فهو لم يمارس "ميتسفوت" وهناك شك في أنه كان يؤمن بوجود إله، أي إله. ومع ذلك، فهو يصرّ على أنه من المستحيل الفصل بين القومية اليهودية عن الديانة اليهودية. وهذه المشكلة المستترة آمنت فيها أغلبية اليهود الملحدين الذين يصرّون على هويتهم اليهودية. وهذا الضعف قد مكّن الأقلية المتدينة من الفوز في كل مواجهة ثقافية مع الأغلبية العلمانية. ولم يكن هذا دائماً جلياً للعديد من أعضاء الكنيست الذين كانوا يعتقدون أنهم يناقشون مجرد اجراءات إدارية وسرعان ما وجدوا أنفسهم وسط صراع ثقافي غير متوقع.

وأما عضو الكنيست "بيريتز بيرنشتين" (من الصهاينة العموميين) فقد قال:

حضرة الرئيس، حضرات أعضاء الكنيست،

مع أن البعض توقع حلاً وسطاً لهذه الأزمة، إلا أن هذه المناقشات تمس تاريخ إسرائيل.

أود أن أُذكّركم بالفترة التي أعقبت قيام هذه الدولة: إذ كان وضع الدستور أول المشاكل التي واجهتنا. فلماذا لم نحصل على دستور؟ أعتقد أن ذلك يعود الى المشاكل الصعبة الناجمة عن رفض بعض الناس اعتبار أنفسهم متدينين، وقد تركوا "الايمان بالله" وعارضوا الدستور المبني على "قانون التعاليم الإلهية" الذي تطور من الكتاب المقدس.

وكان هناك وجهة نظر بين أوساط دينية عديدة تفيد بأنه لا يمكنإقامة إسرائيل على أساس ديني، ولذا من الأفضل إرجاء وضع دستور للبلاد على أساس العيش على الحلول الوسط على أن يكون هناك تأثير ديني على الحياة العامة في البلاد.

. . . لقد قال وزير الداخلية أن لا شيئاً جوهرياً قد تغيّر مع أن اجراءاته وتوجيهاته تفيد أن الحاخامية يجب أن تقرر مَنْ هو اليهودي في الدين اليهودي؟ إلا أن الحكومة يجب أن تقرر مَنْ هو اليهودي من الناحية القومية؟. وهذه قضية حاسمة لأنها تعني الفصل بين سلطتين، وهذا، بدوره، يعني الفصل بين الأمة والدين. وهنا، فإننا نواجه مشكلة الشعب اليهودي واليهودية وذلك على نقيض العديد من الدول الأخرى، بل كل الدول الأخرى. وحتى مئتي عام كانت الوحدة بين الدين والأمة أمراً فردياً جلياً. إذ أنه قبل هذا الوقت، لم يكن أي يهودي يشك في هذه الوحدة. . . وأما اليوم، فإن العديد منا ينظر الى الدين نظرة سلبية، أو أننا لا نتقبل عقيدة دينية. وبالنسبة لي، من المستحيل تصور العودة الى صهيون بدون تقبل معنى صهيون. لماذا نعتبر أورشليم عاصمتنا؟ ولماذا جعلناها عاصمتنا على الرغم من كل قرارات العالم؟ وبعد قرون من انتصار الكنعانيين، بفضل شعب إسرائيل، على أورشليم التي قهرها داوود. وتتبوأ أورشليم المرتبة المقدسة التي يتبوأها المعبدان. ولذا، في رأيي، من المستحيل التحدث عن الاستمرارية التاريخية للشعب اليهودي اليوم في أرض إسرائيل ودولة اليهود في الوقت نفسه نتجاهل تاريخنا برمته والذي منحنا الحق في أن نكون هنا.

[المصدر السابق، صفحة 2247].

لم يكن عضو الكنيست "بيريتز بيرنشتين" يهودياً متديناً، إلا انه أدرك أن الصهيونية العلمانية، إذا كانت حركة ملحدة وانحرفت عن السلطتين الدينية واليهودية، فإنها، عندئذ، لن تُحرر نفسها من الديانة اليهودية. وعندها، يمكن إقامة دولة لليهود في أماكن عديدة غير صهيون، وأولئك الذين يصرّون على إقامة إسرائيل في صهيون يفعلون ذلك لإيمانهم بأن قوميتهم وثيقة الصلة بالدين اليهودي. والفصل بين هذا الرباط "يعني تخلينا عن أن نكون صهيونيين".

عرض "موشي إريم"، أحد الصهيونيين الملحدين من (أحدوت – هاعفودا) موقف الصهيونية الغامض من الديانة اليهودية على النحو التالي:

. . . نحو الاشتراكيين لسنا متدينين. هذا صحيح لدينا وجهات نظرنا الخاصة، ولذا، فإننا نحترم شعور الآخرين. ولهذا السبب، فإن معتقدنا ليس وارداً في أية قوانين أو برنامج حزب. ولا يُفيد معتقدنا بأن اليهودي الذي يغيّر معتقده الى دين آخر سيقطع علاقاته مع وسطه ومع أمته، لأنه انحرف عن مصير شعبه وآلامه وكفاحه.

[المصدر السابق، صفحات 2260].

وهذا خير مثال على الموقف الغامض لغير المتدينين الصهاينة إزاء الدين اليهودي.

وأشار أحد الصهاينة الاشتراكيين الى أن الأحزاب الدينية السياسية تعاني من الغموض. وفي هذا الصدد، يقول "يعقوب ريفتيم" من [المابام]:

تُشير عبارة "الحزب الوطني الديني" الى أن هناك حزباً وطنياً دينياً كما يوجد هناك حزب علماني وطني، وأنه لا يوجد حل وسط بينهما.

[المصدر السابق، صفحة 2261].

وأما الحاخام [آي. أم. ليفين" أحد قادة حزب "أغودات إسرائيل" الذي غيّر موقفه من معاداة للصهيونية الى الداعم لها، فقد أورد في ما يلي تاريخ المشكلة:

. . . يُظهر تحليل للمناقشة التي يتداولها الكنيست إننا أمام أزمة في الأمة ولسنا أمام أزمة حكومية. ولا تعود جذور هذه المشكلة الى أسابيع خلت، وإنما الى 150 أو 60 سنة. إذ أن "من هو اليهودي" وتحديد مَنْ هو الشعب اليهودي قد تمت إثارتها في ذلك الوقت. ومن الصعب معالجة هذه المشكلة خلال دقائق معدودة. هناك تعريفان للشعب اليهودي: أولهما، يؤكد على أننا شعب الله المختار، وأن كل يهودي هو جزء مكمل لهذا الشعب، وثانيهما، يؤكد على أن اليهود "شعب كبقية الشعوب". وهاتان وجهتا نظر متناقضتان.

قبل 150 سنة بدأت فترة "التحرير والانعتاق"، وقبل 60 سنة بدأت حركة المنظمة الصهيونية أو "الانبعاث الوطني". واستناداً الى هذا المفهوم، فإن الدين هو شأن خاص، بينما القومية هي العلاقة الأساسية التي ترتبط بالشعب. ولم ينقّب المتدينون الذين انضموا الى حركة "الانبعاث الوطني" عن جذور الحركة الوطنية وأخطأوا في تفسير ادعاءاتهم، وفشلوا في إدراك ما الذي يجعلهم في صراع مع ضميرهم الديني، واغتاظوا من الحكماء اليهود الذين عارضوا حركتهم. ومن ثم، أدرك الحكماء اليهود أن الأزمة الروحية للأمة اليوم تعود الى هذا المفهوم.

لا توجد اليوم أية معارضة لأرض إسرائيل ولإعادة نموها في جميع الميادين. واليهودي المتدين متعلق بأرض إسرائيل قلباً وقالباً، وذلك بكل تفكيره وصلواته، وبأفراحه وأتراحه، من لحظة تكوين آرائه حتى مماته وذلك بكل إخلاص وحب. إلا أن اليهودي المتدين يرفض ويقاوم تشويه صورة شعبه. وظهر هذا منذ قرون عديدة حيث كان يُصاحب بدلائل من الأزمة الروحية المعقدة، ومنعت الحركة الوطنية امتصاص الأفراد ووجهتهم نحو الامتصاص الوطني الجماعي.

وتكوّن هذا التشوش الكبير نتيجة لمحاولة اجتثاث الضمير الديني من قلب اليهودي وخلق مكانه ضميراً قومياً. ومن ثم تمّ إنشاء الدولة. وحاولنا إقصاء الدولة، كأداة عامة، من هيمنة الصراع الأيديولوجي. وحتى قبل قيام الدولة، تلقت حركة "أغودات إسرائيل" وعداً بأن الدولة لن تمس الأسس الدينية، كما أنه سيتم حماية الزواج والطلاق الدينين. وإنني آمل أن لا تُساهم الدولة في تعميق هذه الأزمة بين صفوف الشعب. وعلينا إبداء المزيد من الاحترام تجاه اليهود المتدينين.

وفي أعقاب تغير الأمور، رفض القادة الذين كوّنوا هذه الدولة اعتبارها بأسرها أداة يهودية، كما أن هؤلاء بدأوا يسيرون على هدى العلمانيين.

. . . إننا نعلم مَنْ هو اليهودي، ومَنْ هو الشعب اليهودي؟ وبدون ديانة لا توجد رؤيا، وبدون رؤيا سيضيع الشعب. لقد كوّن الكتاب المقدس منّا شعباً، وعلينا أن نحافظ عليه. وكما يقول الحاخام "سعديا غاون": إن ديننا هو الذي يخلق أمتنا. وهو الرباط القوي الذي يجمعنا في أمة لا مثيل لها.

[المرجع السابق، صفحات 2272/2274].

وأما الخطوة التالية في الجدل، الذي كان قائماً حول تسجيل الأولاد من الزواج المختلط على أنهم يهود، فقد برزت عندما بعث رئيس الوزراء بن غوريون برسالة رسمية الى 50 عالماً يهودياً داخل إسرائيل وخارجها يستشيرهم فيها عن رأيهم في هذا الموضوع. ولم يُكشف النقاب عن كيفية اختيار هؤلاء العلماء وما هو المعيار لذلك. ولم يتم أخذ لرأي العديد العديد من العلماء اليهود كما أن بعضهم لم يسمع بهذا الموضوع قطعاً. ومهما يكن من أمر، فلم يكن الخمسون عالماً يهودياً يمثلون اليهود في جميع أرجاء العالم.

وقد ورد في رسالة بن غوريون الى العلماء اليهود في العالم ما يلي (مقابلة مع مجلة بانيم الى بانيم"، 6 تشرين الثاني / نوفمبر 1959): . . . نقوم بعملنا هذا لإعلامكم أن هناك أموراً في إسرائيل تعتبر قضايا يهودية عامة ولا تهم دولة إسرائيل فقط .. . إنها مشكلة يهودية وليست إسرائيلية. ولذا، قمت بالكتابة الى العلماء اليهود في جميع أرجاء العالم لأخذ رأيهم في هذا الموضوع الحساس.

ويُلخص بن غوريون ما يريده من العلماء اليهود من خلال رسالته اليهم بما يلي:

لقد تم في إسرائيل ضمان مبدأ الحرية والضمير والديانة وذلك من خلال وثيقة إعلان الاستقلال والمبادئ الأساسية للحكومة التي تضم أحزاباً دينية وعلمانية.
تُعتبر إسرائيل مركزاً لليهود في الشتات. ولذا، فإن المهاجرين اليهود يفدون اليها من الشرق والغرب، من البلدان المتقدمة والمتأخرة، وإن عملية دمج هؤلاء اليهود الوافدين من مجتمعات مختلفة هي من أهم مهمات إسرائيل الحيوية والصعبة. ولهذا، يجب تضافر كل الجهود لتعزيز وتقوية التعاون والوحدة وإزالة كل أمر من شأنه زرع بذور الفرقة والخصام.
لا يشبه التجمع اليهودي في إسرائيل أي تجمع يهودي في عالم الشتات اليهودي. فنحن، في هذا البلد، لسنا أقلية ترضخ لثقافة أجنبية، ولا داعي هنا للخوف من امتصاص غير اليهود لليهود كما يحدث في العديد من البلدان المزدهرة والحرة. . .
من جهة أخرى، فإن شعب إسرائيل لا يعتبر نفسه شعباً منفصلاً عن يهود الشتات، فعلى نقيض ذلك، لا يوجد تجمع يهودي في العالم تربطه روابط الوحدة والهوية بيهود العالم كما هو الحال بالنسبة الى التجمع اليهودي في إسرائيل. . .

هناك بعض النقاط في رسالة بن غوريون بحاجة الى إيضاحات وهي:

أولاً: أشار بن غوريون في رسالته الى أن هناك أسباباً أمنية تحول دون تسجيل ديانةن وقومية كل يهودي في إسرائيل. ولم يوضّح ما هي هذه الدواعي الأمنية، مع أن البعض يُعزي ذلك الى الصراع ما بين إسرائيل والدول العربية وخاصة الفلسطينيين. هذا مع أن بعض العلماء اليهود اقترحوا على بن غوريون التخلص من ذكر الدين والقومية من التذكرة الإسرائيلية معتقدين أن حجة رئيس إسرائيل في هذا الخصوص تلقى تأييداً واستحساناً داخل البلاد، بينما هي لا تلقى التأييد في الخارج.

ثانياً: إن تأكيد بن غوريون على أن "قوانين إسرائيل تمنع كل أنواع التمييز بين شخص وآخر وذلك وفقاً للعرق، أو اللون، أو القومية، أو الدين، أو الجنس" هو غير صحيح. إذ أنه لا يوجد قانون في إسرائيل يحول ويمنع من ممارسة مثل ذلك التمييز.

ثالثاً: يقول بن غوريون في رسالته أنه لا يوجد تجمع يهودي في العالم يتمتع بما يتمتع به يهود إسرائيل من حرية وضمير ودين، وهذه هي مبادئ أساسية اتخذتها الحكومة الإسرائيلية. فإذا كان هذا صحيحاً، فهناك ضعف متوارث في الشخصية اليهودية يتطلب عملية تصحيح مستمرة.

ومهما يكن من أمر، فإن الغالبية العظمى من أجوبة العلماء اليهود في العالم قد أيدت وجهة نظر المتدينين بالنسبة الى تسجيل الأولاد من الزواج المختلط على أنهم يهود.

[1] الحاخام ابراهام ايزاك كوك 1865 – 1935: الحاخام الأكبر لفلسطين بعد فرض الانتداب البريطاني. جاء من ليتوانيا ونزل في يافا صيف العام 1904 ليعمل حاخام ليهود المدينة والمستعمرات المجاورة. دعا لإنهاض اليهودية الأرثوذكسية وحاول التوفيق بينها وبين الصهيونية العلمانية. غادر فلسطينعام 1914 وأقام في سويسرا ولندن 1916 – 1919 خلال الحرب العالمية الأولى. ورجع الى فلسطين في صيف العام 1919 ليصبح الحاخام الأكبر لليهود الأشكنازيين (الغربيين) في مدينة القدس. ومن ثم أصبح الحاخام الأكبر لفلسطين ورئيس المحاكم الشرعية الحاخامية حتى وفاته (1935). ودعم التحالف ما بين اليهود العلمانيين والمتدينين.

[2] مابام: "حزب العمال المتحد"، وهو حزب صهيوني – ماركسي، كان له 9 مقاعد لدى المناقشة في الكنيست. و"أخدود – هاعفودا" [اتحاد العمل] وهو أكثر وطنية من أحزاب العمل الصهيونية الأخرى.

[3] وهو أهم مركز في الحكومة الإسرائيلية بعد رئيس الوزراء. وكان بن غوريون يحتفظ بهذين المنصبين لأنه لم يكن يثق بأقرب زملائه.

[4] كان يطالب هذان المفكران اليهوديان الألمانيان اللذان عاشا في القرن التاسع عشر "بإصلاح" اليهودية وذلك بجعلها معتقداً دينياً صافياً للفرد