-
دخول

عرض كامل الموضوع : من هو اليهودي ـ القسم الثالث ـ دانيال في الجب اليهودي


عاشق من فلسطين
18/02/2005, 15:44
من هو اليهودي ـ القسم الثالث ـ دانيال في الجب اليهودي

الخميس 3 شباط 2005



طباعة المقال
طالب اليهودي البولندي "أوزوالد روف آيزن" الذي اعتنق المذهب الكاثوليكي، خلال الحرب العالمية الثانية، وهاجر عام 1958 الى اسرائيل، بالحق التلقائي بالمواطنية، وذلك استناداً الى "قانون العودة" لكل يهودي، كما أنه أصرّ أن يكون يهودياً من حيث القومية وكاثوليكياً في دينه. إلا أن الحكومة الإسرائيلية رفضت الاعتراف به على أنه يهودي ودعمت المحكمة العليا هذا الرفض.

وكانت مناقشات "مَنْ هو اليهودي" التي جرت في الكنيست في العام 1958 المناسبة الأولى التي بدأ فيها العديد من اليهود، وبصورة خاصة في إسرائيل، إدراك العلاقة المستعصية بين القومية اليهودية العلمانية والدين اليهودي. وفي بداية الأمر، كان هناك منحى لتأويل أزمة الوزارة الإسرائيلية في حزيران / يونيو 1958 على أنها أزمات محض سياسية. وكان يتراءى بأن الأحزاب الدينية استخدمت قضية تسجيل "مَنْ هو اليهودي؟" ذريعة للحصول على تنازلات دينية أخرى من حزب العمل الذي كان يتزعمه بن غوريون. إلا أن قضية "أوزوالد روف آيزن" التي أثيرت بعد أربع سنوات قد غيّرت وجهة النظر هذه. كما أن المحكمة العليا في إسرائيل، التي ناقشت هذه القضية وأصدرت حكمها فيها، لم تكن حزباً سياسياً يسعى للحصول على تنازلات ومكاسب. وكشف هذا الحكم النقاب أمام الرأي العام الإسرائيلي المصعوق بأن القومية اليهودية العلمانية هي فكرة ضعيفة.

باختصار، بالإمكان تلخيص "قضية روف آيزن" على النحو التالي: ولد في بولونيا عام 1922 من أبوين يهوديين، وفي العام 1942 اعتنق الكاثوليكية وأصبح كاهناً تحت اسم "الأخ دانيال". وفي العام 1958 هاجر الى إسرائيل حيث طلب حق المواطنية وذلك استناداً الى "قانون حق العودة" لكل يهودي. واعتبر نفسه يهودياً من الناحية القومية وكاثوليكياً من الناحية الدينية. وسمح له وزير الداخلية بالإقامة في إسرائيل إلا أنهم رفضوا اعتباره يهودياً وذلك بسبب ديانته. وبعد عام من العذاب، قدّم الى محكمة العدل العيا التماساً ليصدر وزير الداخلية تبريرات شرعية للاعتراف به كـ"يهودي". وبعد ثمانية أشهر من المناقشات قررت محكمة العدل العليا، وذلك بأغلبية الأصوات، أنه لا يمكن اعتبار "روف آيزن" يهودياً. وكان على المحكمة أن تتخذ قراراً إذا كان بالإمكان تطبيق عبارة "يهودي" كما هي واردة في "قانون العودة" على شخص يعتبر نفسه يهودياً من الناحية القومية مع أنه كاثوليكي.

المحكمة تواجه عقبات
كانت العقبات التي واجهت المحكمة عديدة وهي:

أولاً: ليس لدى المحكمة أي تعريف شرعي لعبارة "يهودي" لأن البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" كان قد فشل في القيام بذلك. وهكذا، فقد تم ترك العبارة الشرعية الجوهرية للدولة اليهودية العلمانية بدون تحديد وتعريف.

ثانياً: استناداً الى القانون الديني اليهودي، فإن "روف آيزن" كان يهودياً لأن أي شخص يولد من أم يهودية يبقى يهودياً ولو قام بتغيير دينه، لكن المحكمة المدنية رفضت بناء حكمها على قانون ديني.

ثالثاً: كانت الصهيونية السياسية حركة لليهود غير المتدينين الذين خلقوا، بفضل تحدّيهم للمؤسسة الدينية اليهودية، دولة علمانية كتعبير عن قوميتهم العلمانية. وكان مؤسسو إسرائيل علمانيين يعتقدون أن بإمكان الشخص أن يكون يهودياً، من الناحية القومية، بدون التقيد بالدين اليهودي. فمعظم الصهيونيين غير متدينين، كما أن معظم اليهود المتدينين غير صهيونيين سياسيين. لقد رفضت المحكمة اعتبار "روف آيزن" يهودياً، من الناحية القومية، لأنه كان كاثوليكياً بحيث أنه لو تم ذلك لأصبحت القومية اليهودية تعتمد على الدين وبالتالي ستتعزز الخلافات بين الغالبية العظمى من الصهيونيين غير المتدينين.

رابعاً: تعتبر إسرائيل مصدراً للشخصية الثقافية للعديد من اليهود خارج أراضيها. وسيغتاظ معظم هؤلاء إذا ما اعتُبر "روف آيزن" منتمياً الى الشعب اليهودي على الرغم من عقيدته الكاثوليكية. وسيعتبر هؤلاء الأشخاص أن حكم المحكمة الإيجابي في هذه القضية سيشجع على تغيير الديانة اليهودية، وبالتالي انقراضها من الوجود.

لذا، فإن أي قرار للمحكمة كان سيغيظ أعداداً هائلة من اليهود. فإذا ما قبلت المحكمة – وبالتالي إسرائيل – "روف آيزن" على أنه يهودي، فإن معظم الجيل القديم، وخاصة خارج إسرائيل، سينتابه الغضب. وإذا ما رفضت المحكمة قبوله بأنه "يهودي"، فإن معظم الجيل الصاعد، وخاصة داخل إسرائيل، سينتابه الغضب. لقد أربكت هذه المشكلة اليهود غير المتدينين لأنه من وجهة نظر دينية، لا توجد مشكلة، إذ أن "روف آيزن"، الذي ولد من أم يهودية، بقي يهودياً على الرغم من معتقداته الكاثوليكية.

القضية أمام القضاة الخمسة
ومثّل القضاة الخمسة الذين استدعوا لمعالجة هذه المشكلة وجهات نظر مختلفة كانت سائدة في ذلك الوقت إزاء هذه المسألة. فعبّر القاضي "سيلبيرغ" عن وجهة النظر القومية المحافظة. وأما القاضي "لاندو" فأضاف الى وجهة النظر السابقة وجهة نظر صهيونية. وكان القاضي "ماتي" اليهود الشرقي الوحيد بين القضاة الخمسة، حيث عكست آراؤه اهتمام اليهودي الشرقيين، في ذلك الوقت، في مسألة تخص اليهود الغربيين. وعبّر القاضي "كوهين" عن رأي الأقلية الليبرالية حيث كان حكمه الحكم الوحيد المنشق عن بقية الأحكام. وكان القاضي "بيرينسون" ليبرالياً ضحّى بمعتقداته الليبرالية وأيد وجهة النظر المحافظة.

وقررت غالبية أصوات القضاة في المحكمة أنه لا يمكن اعتبار "الأخ دانيال" يهودياً من الناحية القومية، بل هو شخص بدون جنسية. وللمرة الأولى كشف هذا الحكم أن القومية اليهودية العلمانية (أي الصهيونية السياسية)، التي برزت كرفض للدين، تعتمد، بشكل من الأشكال، على الدين. فالتعريف غير الديني للقومية اليهودية مبني على الدين. ولم تكن تلك المسألة تخص الأحزاب السياسية وإنما كانت أزمة وجود للشخصية اليهودية العلمانية.

لخصّ القاضي "بيرينسون" سيرة حياة "روف آيزن" كما يلي: في العام 1922 ولد في بولندا من أبوين يهوديين. ونشأ كيهودي، وخلال شبابه، كان نشيطاً في حركة الشباب اليهودي "عكيفا"، وفي أعقاب تخرجه من المدرسة الثانوية في العام 1939، أمض سنتين في مزرعة التحضير للريادة "فيلنا" وذلك استعداداً للهجرة الى فلسطين. وفي حزيران من العام 1942، اندلعت الحرب بين ألمانيا وروسيا وألقى "الغيستابو" القبض عليه، إلا أنه تمكن من الهرب وحصل على شهادة تثبت أنه ألماني مسيحي. ومن ثم، أصبح مترجماً وسكرتيراً في محطة البوليس الألماني في مدينة "ماير" حيث نجح في إقامة اتصالات مع اليهود الذين كانوا يعيشون في "ماير" وجوارها وكان يخبرهم عن المؤامرات التي كان يخطط لها الألمان ضد اليهود. وبعدما اكتشف أن الألمان ينوون تدمير الغيتو اليهودي أعلم اليهود بذلك وأمدّهم بالسلاح. ونتيجة لذلك، فإن العديد من اليهود قد هربوا الى الغابات حيث أنقذ 150 شخصاً منهم حياتهم وانضموا الى المقاتلين، وتمّ إنقاذ معظم هؤلاء حيث لا يزالون يعيشون اليوم في إسرائيل. وبعدما قام أحد اليهود بإعلام الألمان أن "روف آيزن" قد سرّب خططهم الى اليهود، قام المسؤولون عنه باستجوابه حيث كشف عن حقيقة شخصه. وبدافع من كبريائه اليهودي، أعلن أمام الألمان أنه قد ساعد اليهود لكونه يهودياً. فتم اعتقاله وحكم عليه بالموت، إلا أنه أفلح في الهرب ووجد ملجأ له في دير للرهبان حيث أمضى وقتاً طويلاً هناك. وعندما أتاحت له الظروف الهرب ترك الدير وانضم الى صفوف المقاتلين الروس. وشكّ بأمره الروس واعتبروه جاسوساً ألمانياً وحكموا عليه بالإعدام. إلا أنه أُنقذ بأعجوبة عندما عرّف عن حقيقة شخصية أحد اليهود الذين أنقذهم في "ماير" فنال ميدالية روسية اعترافاً بنشاطاته كمقاتل. وفي العام 1942، وبينما كان في الدير، اعتنق الدين المسيحي، وفي أعقاب انتهاء الحرب في العام 1945، أصبح راهباً وانضم الى الرهبة الكرملية.

راهب يطلب تأشيرة عودة
انضم "روف آيزن" الى الرهبنة الكرملية، كما يقول هذا الراهب، بحجّة أن لدى هذه الرهبة ديراً في فلسطين بإمكانه الالتحاق به لاحقاً. وخلال حرب العام 1948، وفي مناسبات عديدة لاحقة، كان يطلب من مرؤوسيه السماح له بالهجرة الى فلسطين حيث نال الموافقة في العام 1958، وبعدما أخبره السفير الإسرائيلي في وارسو بأن بإمكانه الحصول على تأشيرة للسفر الى إسرائيل، طلب من السلطات البولونية الحصول على جواز سفر للهجرة الى إسرائيل بصورة نهائية، وتم ملء طلبه مفصّلة لأنه أشار فيه، بوضوح، الى أنه على الرغم من اعتناقه المسيحية، فإنه لا يزال يعتبر نفسه، من الناحية القومية، يهودياً: قلبه وفكره متعلقان بالشعب اليهودي. وورد في طلبه ما يلي:

"أنا الموقع أدناه، "أوزوالد روف آيزن"، الراهب الأخ دانيال، ألتمس من حضرتكم منحي إذناً بالسفر الى إسرائيل بصورة نهائية، ومنحي جواز سفر. وإنني أعتمد في طلبي هذا على شخصيتي اليهودية القومية التي لا أزال أحافظ عليها على الرغم من اعتناقي للكاثوليكية في العام 1942 ودخولي الدير في العام 1945. وقد أعلنت عن هذه الشخصية في كل المناسبات التي طُلب مني ذلك بصورة رسمية، ومثال على ذلك عندما حصلت على شهادة عسكرية وعلى بطاقة شخصية، واخترت ديراً فرعه الرئيسي في إسرائيل على أمل أن أنال موافقة رؤسائي للسفر الى أرض كنت أتوق اليها منذ طفولتي عندما كنت عضواً في حركة الشباب الصهيوني، وشخصيتي القومية معروفة لدى سلطات الكنيسة. وإنني آمل أن أخدم بهجرتي هذه بولندا التي أحببتها بكل جوارحي، ذلك الحب الذي يشاطرني إياه أبناؤها المنتشرون في جميع أرجاء العالم وفي البلد الذي أنوي السفر اليه. وأضع مع طلبي هذا موافقة السفارة الإسرائيلية في بولندا على هجرتي الى إسرائيل".

وافقت السلطات البولندية على الطب بعدما تنازل "روف آيزن" عن مواطنيته البولندية وتم منحه وثيقة سفر من النوع الذي يتم منحه لليهود الذين يهاجرون، بصورة نهائية، من بولندا الى إسرائيل. وكانت هجرته الى إسرائيل في وقت شهدت العلاقات بين وارسو وتل أبيب توتراً. ولدى وصوله، طلب شهادة هجرة، كما أنه طلب أن يتم تسجيله في بطاقته الشخصية أنه يهودي، لكن طلبه واجه الرفض على أساس القرار الحكومي الصادر في 20 تموز / يوليو من العام 1958 الذي ينص كما يلي إزاء مشكلة القومية اليهودية: "سيتم تسجيل الشخصي على أنه يهودي إذا أعلن، ببراءة، عن ذلك وإذا لم يكن ينتمي الى دين آخر".

كما أن طلبه الشخصي، الذي يتوسل من وزير الداخلية تسجيله على أنه يهودي، واجه الرفض. وكتب وزير الداخلية يومها السيد "بار – يهودا" الى "روف آيزن" موضحاً نظره كما يلي:

". . . إن كل ما قرأته وسمعته منك من خلال طلبك هو كاف لإقناعي بحقك في طلب الاعتراف بأنك تنتمي الى الشعب اليهودي، لكن الحكومة الإسرائيلية اتخذت قراراً مغايراً لذلك".

إن طلب التوسل الذي كتبه "روف آيزن" راجياً من وزير الداخلية أن يوضح للمحكمة لماذا رفض تسجيله كيهودي ومنحه حق الدخول والمواطنية كما وردا في "قانون العودة" تكوّن من 47 نقطة حيث يشرح فيها تاريخ قضيته. وأهم هذه النقاط: 38: في 12 شباط / فبراير 1962، استقبل وزير الداخلية "روف آيزن" حيث حاول الأول رفض التماس الثاني بمنحه وضع "المهاجر" وذلك استناداً الى "قانون العودة".

39: يدّعي "روف آيزن" بأنه ولد يهودياً، كما أنه شبّ على ذلك، وعانى من كونه يهودياً، وشعر بقوميته اليهودية، كما أن معتقداته الدينية لا تحرمه من حقوقه المكتسبة بقانون العودة والتي هي حقوق مشروعة لكل يهودي.

40: إن قانون العودة لعام 1950 لا يطبق على اليهود المتدينين فقط وهو لا يحدّ من حقوق المهاجر اليهودي بسبب معتقداته الدينية.

41: إن قرار الحكومة في تاريخ 20 تموز / يوليو 1958 الوارد في رسالتها المؤرخة في 12 آب / أغسطس 1959 الى "روف آيزن" (الملحق 1) يتعارض مع "قانون العودة" لعام 1950 و / أو يفتقر الى سلطة شرعية حكومية لتعديل "قانون العودة" (لعام 1950) و / أو يفتقر الى قانون تقوم الحكومة بموجبه بإصدار مثل تلك القرارات.

42: في حالة "روف آيزن" فقط، أدركت وزارة الداخلية أنه لا يمكن إضفاء القومية اليهودية على شخص مسيحي. هذا، مع أن السيد أبراهام شميلوف هو مسيحي وخوري في قرية "أبو غوش"، يحمل بطاقة هوية رقمها 112646 / سي صادرة في 7 أيار / مايو 1953 من قبل مكتب التسجيل في القدس، وقد وقّعها وزير الداخلية "روكاح". وتحمل هذه البطاقة عبارات تفيد أن الجنسية: "إسرائيلية"، والقومية: "يهودي" و "كاثوليكي"، والمهنة: "خوري" (كاهن). وفي الصفحة السابعة من بطاقة الهوية هذه، ورد تحت عنوان "تغييرات وتعديلات": "معروف باسم الأخ جوزيف". . . 44: يدّعي "روف آيزن" أن كلمة "القومية" غير مطابقة لكلمة "الديانة"، وأن اليهودي من الناحية القومية ليس من الضروري أن يكون يهودياً من الناحية الدينية.

45: يدّعي "روف آيزن" أنه حتى استناداً الى القانون اليهودي الديني فإنه يهودي وذلك لأنه بناءً على هذا القانون فإن اليهودي هو الذي يولد من أم يهودية. وحتى أن اليهودي الذي يمارس الطقوس الدينية، وقد تحول الى ديانة أخرى، فإنه يهودي وفقاً للقانون الديني اليهودي. وقد ورد في هذا الخصوص "اليهودي يهودي ولو أنه ارتكب خطايا".

46: يدّعي "روف آيزن" أن قرار الحكومة، الذي على أساسه جاء رفض وزير الداخلية أو مكتب المنطقة للهجرة والتسجيل في حيفا (الذي يقوم بتسجيله أنه يهودي)، يفتقر الى أسس شرعية.

47: يدّعي "روف آيزن" أن رفض منحه حقوق "قانون العودة" هو استبدادي وتعسفي، وهو ناتج عن اعتبارات خارج نطاق القانون، ومخالف لحقوقه، وهو يشكل تمييزاً فاضحاً ضده.

قضايا تمس الجوهر
إن القضايا النفسانية والشرعية التي تم الطلب من المحكمة لحلّها تمسّ المظاهر الجوهرية للدولة اليهودية العلمانية، أي التعريف القانوني العلماني لعبارة "يهودي". كما أن جميع القضاة كانوا على دراية من عمق هذه المشكلة. ووصف القاضي "سيلبيرغ"، رئيس المحكمة الصعوبات والعقبات هذه كما يلي:

"ببساطة، أن المشكلة التي تواجهنا هي: ما هو معنى عبارة "يهودي" في قانون العودة (1950)؟ أليس بالإمكان تطبيق هذا على اليهودي الذي أصبح مسيحياً ولكنه لا يزال يشعر ويعتبر نفسه يهودياً على الرغم من تحويل دينه؟

إنني لا أزال أمتنع عن اتخاذ قرار في هذه القضية، كما أنني أمتنع عن إبداء رأيي، إذ أنني أريد، استقصاء جميع وجوه هذه المشكلة، فإذا كانت عبارة "يهودي" في "قانون العودة" مطابقة بمعناها الديني في قانون محاكم الحاخاميين (في مراسم الزوج والطلاق) لعام 1953، فإنني أقترح بأن يمنح وزير الداخلية، استناداً الى الفقرة 3 (أ) من قانون العودة (1950)، "روف آيزن" شهادة مهاجر، وإنني أقترح ذلك على الرغم من غرابة التحول الى دين آخر. ومهما يكن من أمر، ففي نظر القانون اليهودي الديني فإن اليهود يعتنقون ديناً آخر يعتبرون يهوداً وذلك بغض النظر عن أمور هامشية. ولا أريد هنا الاعتماد على الجملة المشهورة: "اليهودي يهودي ولو ارتكب خطأ"".

قانون العودة ومحاكم الحاخامين
واستناداً الى القانون اليهودي الديني "هالاخا"، فإن اليهودي الذي تحوّل الى ديانة أخرى يبقى يهودياً. وأما في المعتقد الشعبي العلماني في إسرائيل، فعندما يعتنق اليهودي ديانة أخرى فإنه لم يعد يهودياً من الناحية الدينية، ولذلك فهو الخاطئ الى بروز احتجاجات واتهامات ضد السلطات الدينية في إسرائيل وذلك بالنسبة الى تعريف القومية اليهودية. وبناء على القانون اليهودي الديني، فإن "روف آيزن" يبقى يهودياً حتى بعد تحوله الى الديانة الكاثوليكية، ولم يثر القانون الديني عندما أعلنت المحكمة أن هذا الإنسان هو غير يهودي. وفي هذا المجال، قال القاضي "سيلبيرغ":

"إن ممثل الدفاع "بارنيف" قد أكد بأنه وفقاً للقانون الديني فإن اليهودي الذي يغيّر دينه ليس يهودياً كلياً وإنما هو "يهودي نوعاً ما"، أي أن نصفه، أو ثلثه، أو ربعه. أي أنه لا يعتبر إسرائيلياً في أمور مثل الوراثة، والفوائد المصرفية، والعبادة. ولا يمكنني قبول هذا، فمن ناحية مبدئية، فإن اليهودية هي وضع لا يمكن تجزئته.

وبعد معالجة جميع أنواع المعارضة التي برزت على أساس ديني، خلص القاضي سيلبيرغ الى القول:

. . . لو إنني اعتبرت أن عبارة "يهودي" في نظر قانون العودة وعبارة "يهودي" في نظر اجتهادات المحاكم الحاخامية متطابقتان، فإنه استناداً الى "الهالاخا" اليهودية، فإنني سأقبل طلب "روف آيزن". إلا أن المشكلة تكمن في أن مفهوم اليهودي في قانون العودة يختلف عن مفهومه في المحاكم الحاخامية التي تحدد اليهودي وفقاً للقانون اليهودي الديني. وأما قانون العودة فيحدده وفقاً للمفهوم العلماني.

استحالة الجمع بين "اليهودي" و "المسحيي"
. . . بالإمكان تلخيص حل هذه المشكلة بما يلي:

"اليهودي الذي يعتنق المسيحية ليس "يهودياً"".

إنني لم أحضر الى هنا من أجل إلقاء المواعظ الدينية، كما أنني لا أمثّل أية وجهة نظر إزاء التطورات التي تحدث للشعب اليهودي. وإنني أدرك أن وجهات النظر تتفاوت في إسرائيل إزاء القضايا الروحية ابتداء من الأرثوذكسية المتطرفة الى الوثنية. لكن هناك أمراً مشتركاً بين جميع سكان صهيون وهو أنهم لا يريدون سلخ أنفسهم عن ماضيهم التاريخي كما أنه ليس بإمكانهم تجاهل تراث أسلافهم. إننا مستمرون في الشرب من الآبار الأصلية. ومع أن الأشكال والقنوات والخلاصات مختلفة، إلا أنه لا يمكننا ردم تلك الآبار لأننا بدونها سنصبح متسولين تعساء. ولا يتصور أحد أن بإمكاننا خلق ثقافة عنا إلا الحمقى، وإن ثقافتنا الجديدة هنا هي نسخة جديدة من ثقافتنا في الماضي.

ومهما كان ميراث اليهودي في إسرائيل – سواء أكان متديناً أو غير متدين أو مناوئ للدين، وسواء يحب دينه أم يكرهه – فهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً باليهودية التاريخية: فقد يشتق لغته ومصطلحاتها منها، كما أنه يحتفل بأعيادها وبمفكريها العمالقة وبأبطالها الروحيين. ومن أبطالها أولئك الذين تم إعدامهم في إسبانيا وأولئك الذين واجهوا المجازر الجماعية في العام 1096، وكل هذه الأمور تغذي كبرياء اليهودي الوطني. فهل هذا هو المجال "للموقع الهندسي" لليهودي الذي اعتنق المسيحية؟ وما هو تأثير ذلك على قوميته؟ وهل ستختلف وجهة نظره إزاء الكأس السام الذي شربناه حتى الثمالة في العصور الوسطى الكالحة؟ طبعاً، أن الأخ دانيال سيحب إسرائيل، وهذا ما برهنه ولا أشك في ذلك. لكن هذا الأخ سيكون محباً من الخارج، أي "أخ بعيد"، ولن يشاطر ولن تكون لديه مشاعر حقيقية إزاء عالم اليهودية، ولن يحل دمجه في المجتمع اليهودي الإسرائيلي وعاطفته الحقيقية إزاء محل انتقاصه للهوية الداخلية.

ولمنع ارتكاب أي خطأ وسوء تفاهم، أقول إننا لسنا على خلاف هنا مع الكنيسة الكاثوليكية، كما أننا لا نماثل بين كنيسة يوحنا الثامن عشر الحديثة وبابوات العصور الوسطى. وإننا لا نحمّل الأخ دانيال مسؤولية الخطايا التي ارتكبها المرتدان نقولا وبابلو كريستياني في القرن الثالث عشر. وإننا متأكدون بأن دانيال لن يحتقر إسرائيل، بل إنه سيطالب بتصحيح نظراتنا الى المسيح. وتكمن المشكلة في تسميته باليهودي، وإننا نجيب على هذا بالنفي.

. . . إن إسرائيل ليست دولة ثيوقراطية (دينية)، فالقانون العلماني هو الذي ينظم حياة المواطن فيها. والقضية التي أمامنا تُثبت ذلك.

والفكرة الجوهرية هنا هي أنه لا يمكن أن يكون الإنسان يهودياً ومسيحياً في الوقت نفسه. وقد علّمتنا الخبرة أن الذين يغيّرون ديانته يختفون من سجل الأمة لأن أولادهم وبناتهم يتزوجون من ديانات أخرى. وهذا هو الجواب الذي أُعطي الى ممثل الاستئناف عندما تذمر من أن اليهودي الذي يعتنق المسيحية يعامل معاملة اردأ من الملحد.

ما هي جنسية دانيال؟ يهودية؟ كلا. بولندية؟ كلا، لأنه تخلى عنها قبل مغادرته بولندا. وإذا كان الأمر كذلك، فما هي الجنسية التي ستدرج في بطاقة هويته؟ والجواب على ذلك أن هذا الأمر غير مهم، إذ أن الأخ دانيال قد تجرّد من جنسيته. وهكذا، فإن الخانة تحت كلمة "جنسية" ستبقى، استناداً الى الفقرة 4 (أف) من قانون تسجيل السكان (الصادر العام 1949) فارغة. وفي نظري، يجب رفض طلب دانيال.

القاضي كوهين: رأي ليبرالي
ومن ثم كانت وجهة نظر القاضي كوهين، وهو مستشار قانوني سابق للحكومة الإسرائيلية، حيث عبّر عن رأي ليبرالي، وكان الشخص الوحيد الذي أيّد طلب "روف آيزن" وتوسل من وزارة الداخلية أن تمنحه الجنسية اليهودية.

القاضي كوهين:

إنني أوافق على ثلاث نقاط من النقاط التي ذكرها الزميل القاضي "سيلبيرغ"، ولكنني لا أتفق معه في نقطة واحدة. إنني أتفق معه بأن الذي يعتنق ديناً آخر يبقى "يهودياً" وفقاً للقانوني الديني. كما اتفق معه بأنه لا يمكن استناداً الى القانون الديني، تأويل قانون العودة (ونظام تسجيل السكان)، ولكن يجب تأويله حسب القوانين التي تلقى التأييد في المحاكم [المدنية] في إسرائيل بالنسبة الى تشريعات الكنيست جميعها.

. . . كما اتفق مع رئيس المحكمة عندما يقول بأنه " لا يمكننا سلخ أنفسنا عن تاريخنا الماضي، ولا أن تجاهل ميراث أسلافنا". لكنني أريد أن أضيف بأن قانوناً هاماً مثل قانون العودة، الذي يترجم الى الواقع أحد الأهداف الرئيسية للدولة، يتطلب تأويلاً يأخذ في الاعتبار ظروف تكوين دولة إسرائيل على أن يساهم ذلك في تحقيق أهدافها وتطلعاتها. ولا يمكنني الموافقة على أن مثل هذا التأويل لقانون العودة يتطلب سحب كل حقوق اليهودي من الاستئناف.

صحيح أن تاريخ شعبنا في الشتات مليء بدم الألوف وعشرات الألوف من الأبرياء الذين واجهوا التعذيب أو الذين عانوا وقتلوا وأُحرقوا من قبل الكنيسة الكاثوليكية وأتباعها وذلك لأنهم كانوا يذكرون إسم إله إسرائيل. إن حرب الكنيسة ضد اليهودية كانت شاملة، وإن لم تتمكن من تدمير شعبنا روحانياً إلا أنها دمرتها جسدياً.

ولا أوافق على كلام القاضي "سيلبيرغ" عندما يقول بأن "التواصل التاريخي" للتاريخ اليهودي يتطلب منا أن لا نعتبر أي إنسان يهودياً عندما يُبرم معاهدة مع الكنيسة الكاثوليكية ويتبع أحد أنظمتها. ومع أن الكنيسة لم تعد، كما كانت في الماضي، عدواً لنا، إلا أن لا يمكن أن نتجاهل ماضينا. ولذا، فإن اليهودي والكاثوليكي سيبقيان متناقضين الى الأبد، إنني لا أؤيد مثل ذلك "التواصل التاريخي". هذا، مع أن التاريخ "يتواصل" ولا يمكن اقتلاعه من جذوره، إلا أن ذلك لا يعني أنه لا يتغير، ويتقدم، ويتطور. ويبدو لي أن التواصل التاريخي يتطلب منا البناء على أسس الماضي وذلك بإضافة حجر على حجر وبالإبداع والتقدم وليس بالتجميد.

وكنا في الشتات أقليات مضطهدة، بينما أصبحنا في دولتنا شعباً مستقلاً شأنه في ذلك شأن بقية الشعوب الأخرى، وفي دولتنا أقمنا المساواة حيث لم تكن هذه الثورة ذات طبيعة سياسية فحسب، إنما تضمنت قيماً مختلفة عن تلك القيم التي تربينا عليها. وكل هذا معروف وإنني لا أقول أمراً جديداً، وينص إعلان قيام إسرائيل على أن أبواب هذه الدولة "مفتوحة أمام كل يهودي"، ويقف الآن شخص على هذه الأبواب ليقرع ويقول: "إنني يهودي، إفتح الباب". بينما وزير الداخلية، الذي هو المسؤول عن تنفيذ قانون العودة يرفض ذلك لأن الذي يطلب ذلك يرتدي ثوب الراهب الكاثوليكي ويضع صليباً على عنقه، ويؤكد بأنه يؤمن في المسيح. ولو أنه نزع عنه ثوب الكهنوتية وأخفى صليبه وإيمانه لكانت الأبواب فتحت له بدون أي ضجيج، لكنه جاء ليعلن بصراحة بأنه وجد الأبواب موصدة.

ومن المستحيل نسيان أولئك اليهود الذين ظلّوا مخلصين لعقيدة آبائهم، وتظاهروا بأنهم أصبحوا مسيحيين لكي يبقوا في البلاد التي أحبوها. لقد أعلنوا بصوت عال: إننا مسيحيون، إفتحوا لنا الأبواب. فهل علينا غلق هذه الأبواب أمامهم؟ وهل على إسرائيل، هذه الدولة المبنية على مبادئ الحرية، والعدالة، والسلام، أن تعامل مواطنيها وأولئك العائدين اليها بنفس المعاملة الشريرة التي كانوا يلقونها من الملوك الكاثوليك؟

. . . ويتضح من الملاحظة المرسلة الى المدعي من قبل مكتب منطقة حيفا للهجرة والتسجيل أن رفض وزير الداخلية الاعتراف به على أنه يهودي، وذلك استناداً الى قانون العودة، مبني على قرار الحكومة الصادر في 20 تموز من العام 1958 حيث ينص: "إن الشخص الذي يعلن أنه يهودي ولا يؤمن بدين آخر، بالإمكان تسجيله أنه يهودي". ولم يتم تسجيل المدعي أنه يهودي لأنه من أتباع المسيحية، ولا يمكن تطبيق قانون العودة عليه. وقررت الحكومة أنه غير يهودي لأنه يؤمن بدين آخر. والعقبة الوحيدة هي إيمانه في دين آخر. وإنني أؤيد قرار الحكومة بأن الذي يعلن أنه يهودي يتم تسجيله على أنه كذلك وذلك وفقاً لقانون العودة، إلا أنني لا أؤيدها عندما تقرر أن اليهودي الذي يعتنق المسيحية لا يمكن تسجيله أنه يهودي. وقلنا مؤخراً أنه لا يمكن تطبيق القانون الديني على قانون العودة. . .

القاضي لاندَو: الصهيونية لها موقف
وإما القاضي الثاني الذي أعرب عن رأيه فقد كان القاضي "لاندو" الذي جسّدت آراؤه موقف الصهيونية السياسية إزاء القومية اليهودية. وقال:

قرأت عبارات زملائي القضاة سيلبيرغ وكوهين، وإنني أؤيد، بدون تردد، رأي سيلبيرغ. لكنني أود أن أضيف بعض التعليقات: هناك تناقض ما بين إنكار نعت المدعي باليهودي استناداً الى قانون العودة، وذلك لأسباب تعود الى تعبير دينه، ويبين القانون الديني اليهودي الذي يواصل اعتبار المدعي يهودياً على الرغم من اعتناقه المسيحية. وهذا ليس موقفاً متسامحاً أو متساهلاً إزاء يهودي اعتنق المسيحية برضاه. وعلى نقيض ذلك، فإن هذا الموقف ينمّ عن الرفض القاطع والاحتقار، وعن تجاهل إقامة وضعه الشخصي كيهودي ليبقى يهودياً الى الأبد. ويجب أن لا يتوقع المدعي، الذي يتحلى بالضمير والاحترام، أن يلقى المساعدة من القانون الديني اليهودي الذي يحترم اليهودي الذي يتحول الى دين آخر في ضوء هذا. . .

ومهما يكن من أمر، فإن قانون العودة، الذي هو القانون العلماني لإسرائيل، وليس القانون الديني هو الذي يقرر مصير هذا التوسل كما أوضح ذلك القاضي "سيلبيرغ". ولذا، فإنني أوافق على هذا القرار. والمشكلة التي أمامنا هي: ماذا كان في مخيلة مشرّعنا عندما تكلم عن "اليهودي" في قانون العودة؟

أنشأ الصهيونيون دولة إسرائيل على أسس العقيدة الصهيونية، وقانون العودة نفسه يعبّر عن أحد مبادئ الصهيونية. ولذا، يجب أن لا نسأل "اليهودي العادي" عن موضوع اليهودي الذي تحول الى دين آخر فحسب، بل يجب تعقب تفكير آباء الصهيونية. وفعل النائب العام حسناً عندما وجهنا الى كلمات ثيودور هرتزل في رسالته الى الدكتور "بودنهايمر" المؤرخة في 12 أيلول 1897. وتعالج تلك الرسالة مسألة يهودي يُدعى "دي يونغ" وقد اعتنق المسيحية ورغب في الانضمام الى المنظمة الصهيونية كعضو فيها. وفي هذا الخصوص، كتب هيرتزل يقول: "ليس باستطاعة السيد دي – يونغ، كمسيحي، الانضمام الى منظمتنا". وسنكون ممتنين اليه إذا ساعدنا مع أنه غير عضو في منظمتنا.

واستشهد يارون، الممثل الشرعي للراهب روف آيزن، بمقاطع من كتاب ثيودور هرتزل "دولة اليهود" (1896) حيث يقول المؤلف بأن الدولة [اليهودية] لن تكون ثيوقراطية [دينية]. وهذا يتعارض مع الطلب الذي قدمه دانيال. وأن هذا الكلام يرتبط بلغة المستقبل للدولة العبرية التي لا يمكن أن تكون عبرية، واليوم بإمكاننا القول ونحن مسرورون: "لا يمكن التحادث فيما بيننا بالعبرية. .. وإننا سنحافظ على سلطاتنا الروحية في معابدها تماماً كما نحافظ على جيشنا داخل حدود ثكناته".

. . . لا يستطيع اليهودي القومي، ولو كان منشقاً عن دينه، القول: "ليس لدي شأن في إله إسرائيل، هذه القوة تدب الحياة في شعبنا، وهي كذلك الأمر تؤثر في الأمور الروحية وطرق حياتهم منذ ألوف السنين. ومَن لا يؤمن بإله إسرائيل، أي الذين لا يشعرون بالعالم العلوي الذي استمد منه أسلافنا قوتهم الروحية، لا يمكن أن يكون إنساناً كاملاً، ولا يهودياً قومياً ولو أنه يعيش على الأرض المقدسة ويتكلم اللغة المقدسة. . . ".

. . . ومن الضروري أن نذكر أن إعلان تأسيس دولة إسرائيل، بدأ بوصف "العلاقة التاريخية والتقليدية" للشعب اليهودي بفلسطين حيث تكونت الشخصية الروحية والدينية والسياسية لشعب لم ينقطع عن الصلاة والأمل في العودة الى أرضه واستعادة حريته السياسية.

هذا هو روح قانون العودة. ولا يمكن لأي إنسان أن يفصل معنى هذا القانون عن المصادر المنصرمة التي استمد منها فحواه. وفي هذه المصادر، لا يمكن الفصل بين القومية والدين المتلاحمين.

إن اليهودي الذي يسلخ نفسه عن ميراث شعبه في الماضي وذلك بتحويل دينه، لا يعود مسيحياً في المفهوم القومي الذي عبّر عنه قانون العودة. وليس مهماً إذا كان تحويله هذا لأغراض اقتناص الفرص أم لاعتقاد داخلي حقيقي كما هو الحال بالنسبة الى القضية التي هي أمامنا. رفض الأخ دانيال ماضيه القومي، وحتى أنه الآن لا يمكنه الاندماج، عضوياً، وبصورة خاصة أن هذا التحول الديني اتخذ شكلاً متطرفاً وذلك بدخوله في الدير. . .

إن الراهب "روف آيزن" سلخ نفسه عن الشخصية المشتركة للشعب اليهودي وربط مصيره بمصير قوى تخالف تعاليمها التعاليم التي أطاعها، هذا هو الواقع، ومثل تلك التعاليم لا تزال تؤمن بها الغالبية العظمى من اليهود اليوم، في إسرائيل وخارجها، وهذا الشعور نابع من حس قومي إيجابي وليس من رغبة لدفع للكنيسة حساباتها لقاء موقفها من اليهود في الماضي. وبالنسبة الى المستقبل، فإن لا أحد يعرف ماذا يخبئه ذلك المستقبل وكيف ستتطور الشخصية القومية للشعب الذي يعيش في صهيون. . .

. .. في رأيي أن اليهودي الذي يعتبر نفسه غير متدين يجب تسجيل ديانته وفقاً لنظام تسجيل السكان الصادر في العام 1949.

القاضي الرابع: مانّي

وأما القاضي الرابع الذي انضم الى القاضيين "سيلبيرغ" و "لاندو" في رفض طلب الأخ دانيال فكان القاضي "ماني". وقد أورد جملتين فقط وهما: "إنني أوافق موافقة كاملة على ما قاله زميلاي، ولا أعتقد أن بإمكاني إضافة أي شيء على ذلك".

ومن الممكن القل أن جذور رأي القاضي "ماني" كانت الوحيدة يهودية – شرقية أكثر من أن تكون أوروبية – يهودية، كما أنه شاطر اليقظة العامة لليهود الشرقيين إزاء هذه المشكلة. ففي العالم العربي، حيث يوجد معظم اليهود الشرقيين في إسرائيل، إن الدين لا يزال يسيطر على معظم العقول، كما أنه يسيطر على القانون. وكذلك الأمر، فإن المفكرين العلمانيين في المجالات الفكرية والفلسفية والقانونية قليلون. وهذا هو الحال في الأوساط غير المسلمة في العالم العربي، وكان اليهود في هذه المنطقة لا يتعرضون الى مشكلة الشخصية القومية العلمانية، والانسلاخ عن الدين.

القاضي الخامس: موافق

وأما القاضي الخامس والأخير الذي أعطى رأيه في قضية "روف آيزن" فهو القاضي "بيرينسون" الذي كان ذا عقل ليبرالي كما كان الحال مع القاضي كوهين. وعلى الرغم من ذلك فقد وافق على حكم المحافظ والتقليدي سيلبيرغ وعلى رأي الصهيوني القومي "لاندو". وبالنسبة اليه فقد كانت القضية قضية تحررية تواجه صراعاً بين الليبرالية والصهيونية، إلا أنه وافق أخيراً على الصهيونية. وقال في هذا الصدد:

إن قضية "روف آيزن" ليست قضية عادية. قضية يهودي اندفع الى تغيير دينه لأسباب مألوفة، وذلك لاعتبارات مادية واجتماعية وراء هذا التغيير. وهذه الاعتبارات هي: الاستيعاب والانصهار، والاندماج، الزواج المختلط، تحسين الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة الى أسباب مشابهة تؤدي الى انفصال عن الشعب اليهودي وقيمه. إن هذا لا ينطبق على "روف آيزن". فهو رجل بارز لم يبتغِ منافع مادية أو ملذات دنيوية. فقد ولد يهودياً، كما تربّى على ذلك، وقاسى لكونه يهودياً، وعمل كيهودي، ولم يعمل ضد شعبه عندما وقع في الأسر على يد المسيحيين. وهو يذكر أنه بفضل وعيه حافظ على قوميته اليهودية. وهو يثبت أن عقيدته المسيحية لم تفصله عن قوميته اليهودية. ولهذا، فإن وجهة نظره أنه يجب عدم حرمانه من الحقوق التي يتمتع بها المواطن الإسرائيلي. . .

وعلق القاضي "بيرينسون" على آراء وزير الداخلية "بار – يهودا" الذي قال أنه، شخصياً، يعتبر "روف آيزن" يهودياً، ويعارض التعريف الحالي: والحكومي الرسمي – اليهودي. وفي هذا الصدد، يقول "بيرينسون": مع أنني لا أعتقد أن أي إنسان يستطيع أن يبرر معالجة الوزير بار – يهودا لهذه المشكلة من الناحية القانونية، إلا أنني إزاء جوهر هذه المشكلة أتعاطف مع تلك المعالجة. فإذا ما استخدمت عاطفتي فإنني سأوافق على قضية "روف آيزن"، إلا أنه لسوء الحظ فإنني غير حرّ في القيام بذلك، لأنه علي تأويل عبارة "يهودي" كما ورد في قانون العودة وليس وفقاً الى عواطفي. . .

العودة الى "قانون العودة"!
إن قانون العودة في نظر الممثلين من كلا الطرفين هو قانون قومي هدفه تحقيق أهداف إسرائيل، وعلى كل واحد تأويل عبارة "يهودي" وفقاً لهذا القانون، أي تأويل علماني قومي وليس تأويلاً دينياً.

من جهة أخرى، فإن مدعي عام الدولة جادل بأن اليهودي الذي يغيّر دينه ويعتنق ديانة أخرى ينسلخ عن الوسط اليهودي، ولا يبقى يهودياً.

وإذا ما سُمح لي إصدار تقرير حول هذه المشكلة وذلك استناداً الى اعتقادي الشخصي، فإنني لن أتردد في الاعتراف بـ "روف آيزن" بأنه عضو من الشعب اليهودي.

وخلاصة قولي هي أن اليهودي الذي غيّر الى دين آخر لا يمكن اعتباره يهودياً وذلك وفقاً للكنيست وفي نظر الشعب.

واستناداً الى المعيار الديني، فاليهودي يهودي: سواء أكان متديناً أم غير متدين لأنه انقطع عن يهوديته عندما تحول الى دين آخر. ولم يقرر هذا القانون الديني، وإنما القانون المدني.

وقبل سنوات عديدة كنا نقول: علينا أن نفصل فصلاً مطلقاً ما بين القومية والدين. فالقومية والدين لا يمكن أن يلتقيا، واستناداً الى هذا الفصل بإمكاننا القول: اليهودي هو شخص ينتمي الى دين (حتى ولو كان غير متدين). وأما العبراني فهو شخص ينتمي الى أمة.

في الأيام الأولى لقيام الدولة، أُعلن أن جميع اليهود فيها يتمتعون بالحقوق المتساوية. ونص بيان إعلان الدولة على أن مؤسسيها قد أقاموا "دولة اليهود" أي "دولة إسرائيل". إن "دولة اليهود" قد سبقت "دولة إسرائيل". وهذا يعني أن الدولة تخص اليهود، ووجدت من أجل اليهود، وأي شخص غير يهودي ليس لديه أي دور فيها.

وأما النقطة الثانية الواردة في بيان إعلان قيام إسرائيل فهي "قانون العودة" الذي ينص على أنه يحق لكل يهودي الهجرة الى إسرائيل والعيش فيها، واستناداً الى هذا الحق الأساسي، فإن هذا القانون قد ميّز ما بين اليهودي وغير اليهودي.

وأما النقطة الثالثة فهي قانون المواطنية الذي يُمنح الصفة الى اليهودي حالما تطأ قدماه تراب إسرائيل. وهذا الحق لا يتمتع به غير اليهود حتى ولو كانت الزوجة يهودية.

وكل هذا يؤكد على أن إسرائيل قامت من أجل كل اليهود وليس لغيرهم. وعندما أُعلن أن اليهود هم طائفة دينية، خلق هذا وضعاً غير متسامح ومناوئ للدولة والقومية.

نسبياً، القومية مفهوم حديث. فهي نتاج الحضارة الغربية. ووجدت في أحد كبريات الثورات الإنسانية وذلك في نهاية العصر الوسيط. وحتى ذلك الوقت، فإن الشخصية الدينية كانت حاسمة في المجتمع.

ولدت القومية بعدما قبلت الجماهير اليهودية بمبدأ الثورة القومية التي كانت غايتها خلق أمة من العدم. إلا أن الصهيونيين ارتكبوا خطأ فادحاً إذ أنهم افتقروا الى الشجاعة ليعلنوا: ليس هناك أمة يهودية، إننا نريد أن نخلقها، وإننا ندعو اليها جميع اليهود المضطهدين ليهاجروا الى فلسطين. وكل الذين سيستجيبون ويرحلون الى إسرائيل سيكونون أمة جديدة.

لقد خدع الصهيونيون أنفسهم. وتجنبوا المواجهة مع الدين اليهودي. إنهم أرادوا أن يوحدوا العصور الوسطى مع العصر الحديث. إذ قالوا: إننا أمة فريدة من نوعها لأنه ليس فيها خلاف بين الدين والقومية. والرموز الدينية هي رموز قومية. وكل اليهود في العالم، وكل أولئك اليهود الذين ينتمون الى الطائفة الدينية اليهودية يشكلون الأمة اليهودية!

الدعوة الكنعانية
حاشية: لا بد من الإشارة الى الرأي الذي اعتنقته ونادت به جماعة من المثقفين اليهود الشبان في أواسط الثلاثينات من هذا القرن، ومفاده أن الجيل الناشئ من اليهود المقيمين والمولودين في فلسطين والناطقين باللغة العبرية – يؤلف كياناً قومياً جديداً. وأطلق هؤلاء على أنفسهم تسمية "الكنعانيين" للدلالة على الأواصر التي تربطهم بأرض كنعان (اسم فلسطين سابقاً) وعلى صلة قرابتهم بالقوم الذين سكنوا أرض كنعان قبل مجيء اليهود "العبرانيين" كغزاة على زمن التوراة!

والنقطة الحاسمة في هذه النظرة التي هاجمها الصهيونيون والزعماء الدينيون دون استثناء، معتبرينها هرطقة خطيرة للغاية، ترتكز الى تصميمهم على نفي الانتماء الى الجماعة الدينية اليهودية، والتشديد على هوية قومية تنتمي الى الأرض بدلاً من التعلّق بالمعايير الطائفية والدينية الضيقة التي تتمسك بها اليهودية وتترجمها في ميدان الممارسة الى إجراءات تعسفية ومبتسرة من شأنها خلق إشكاليات يصعب حلها، وليس أقلها عبرة قضية تعريف مَنْ هو اليهودي وتحديد هويته، في دولة تدّعي أنها دولته. فلا يزال السؤال مطروحاً:

"مَنْ هو اليهودي في دولة اليهود؟".