القيصر 76
22/03/2005, 18:05
جندي امريكي يروي تفاصيل معركة الفلوجة
أينما تدير وجهك ترى المزيد والمزيد من الجنود يقتلون وتُبتر أطرافهم.
الدعم الشعبي تزايد والمقاومة طريق الخلاص.
نشرت صحيفة سوسيالست ووركر رسالة لجندي امريكي في العراق كان قد ارسلها الى الصحيفة التي كتبت:
هذا نص رسالة من جندي أمريكي في العراق، يعرف باسم هيكلي، ينقل بوضوح قسوة الهجوم الأمريكي على الفلوجة.
أينما تدير وجهكّ ترى المزيد والمزيد من الجنود يقتلون وتُبتر أطرافهم بعد مواجهات بشعة مع مقاتلين مصمّمين. إنها أيام مروّعة لقوات الولايات المتحدة في العراق.
التمرد يتصاعد بشكل لا يُصَدّق خاصة في أماكن معيّنة مثل بغداد، والموصل، وبعقوبة. رجال العصابات منظمين بشكل جيد ويعرفون كيف يستخدمون السلاح البسيط بأيديهم، يستخدمون أيضاً تقنيات أكثر تقدما. حتى في مدينة الفلوجة المُدَمّرة تدميرا شاملاً، بدأت قوات المتمردين بالظهور من جديد. لديهم تصميم صلب للنصر أو الموت الصعب. الآن بدأت تظهر الكثير من الانتقادات، وحتى السياسيين بدأوا يدركون أن هذه الحرب لا يمكن الانتصار بها بأي وجه من الوجوه.
لا أعرف كيف يعتقد البعض أن نصرٍاً كاملاً ممكن تحقيقه؟ قواتنا تكسب أرضا هنا وهناك، وهي تسفك بإفراط دماءً غزيرة من المدنيين والمتمردين مع كل تخم يتم الاستحواذ عليه، هذا من الناحية التقليدية، لكن بالرغم من ذلك، يعود المقاتلون ، مثلما حصل في الفلوجة مؤخراً، مثل أسراب من الزنابير الغاضبة ليهاجموننا بنوبة وحشية من الجنون.
كنتُ في الفلوجة خلال اليومين الأخيرين من الهجوم النهائي. اختلفت مهمتي كثيرا عن تلك المَهام الشجاعة والمرهقة المُناطة برجال المشاة والمارينز الشجعان الذين خاضوا المعارك الرئيسة. كنت مرافقاً، في الحقيقة كنت ضمن مجموعة مهمتها حماية ضابط كبير في منطقة القتال.
ذهب هذا الضابط المتغطرس بعينه إلى معركة الفلوجة الأخيرة بنفس الروحية التي يذهب فيها متفرج متعصّب ليشاهد تصفيات الربع النهائي لفريق مدرسة ثانوية بكرة القدم.
ما أن وصلنا معسكر الفلوجة الذي تحتله مشاة المارينز وشاهدنا المدفعية تطلق نيرانها على المدينة، حتى تحول الرجل فجأة إلى متهوّر يريد أن يلعبَ دوراً في المعركة التي شارفت على الانتهاء بعد أن كانت أصلاً قد حولت الفلوجة إلى رماد. كانت هناك إشاعة بين الجنود أن كل ما يريده هذا الضابط هو أن يُعمّمَ فكرة عنه بأنه أقسى راعي بقر في غرب الفرات.
بعد وصولنا إلى خطوط الجبهة تقدم ضابط ليقدم صورة عن الموقف للضابط الذي نحميه، قال: القتال في المدينة على أشدّه كثافةً... أخفّ عربة مدرعة سُمح لها بدخول القطاع هي دبابات برادلي. بالرغم من أن همفي المصفّحة متينة جداً ولا تخترقها نيران الأسلحة الصغيرة إلا أنها عادة لا تصمد جيداً أمام قاذفات الصواريخ المحمولة على الكتف والقنابل التي تزرع على جوانب الطريق مثلما تصمد الدبابات المدرّعة، في منطقة القتال هناك هجمات عنيفة بقاذفات الصواريخ ينفّذها متمردون وقفوا في كل ركن من أركان الشوارع يسدّدون نحو الأهداف الخفيفة كالشاحنات. هزّ الضابط رأسه وقال: قطاعكم سيكون هادئاً.
في آخر المطاف تم نصح الضابط، المتحمس أكثر من اللازم، بعدم الدخول إلى القطاع وإلا سيكون طُعماً مميتاً للمتمردين المتأهبين خلال ساعات الغروب الخطيرة هذه. أُقتُرِحَ عليه أن ينتظر حتى الصباح كي يدخل المدينة "ليتفقد الأضرار" بعد أن يتم استكمال القصف الجوي الليلي.
ولغاية اللحظة التي كانت فيها الشمس تغرب في الأفق الأحمر الغائم، كانت المدفعية ما تزال تواصل دكّ مساحة 12% مما تبقى من مدينة الفلوجة التي كنا قد انتهينا من تدميرها أصلاً.
عند هبوط الليل انسحبت العديد من الوحدات إلى خارج المدينة استعداداً لقصف جوي واسع النطاق كان مقرراً له أن يستمر 12 ساعة.
كانت مجموعتنا تجلس في أعلى عربتنا الهمفي المتوقفة خارج المدينة، واحدٌ خلف مدفعها الرشاش وآخرون يمسحون الأرض في الأفق البعيد بنواظيرهم الليلية ليراقبوا نشاطات العدو. كنا في منطقة تقع خارج أرض العمليات يفترض أنها آمنة، لكن بالرغم من ذلك فمع عدم وجود أسلاك شائكة تحيط بنا، ومع دبابات مبعثرة قليلة تتولى حمايتنا فبإمكاننا أن نفترض إن أي غفلة صغيرة تأخذنا عن أدق التفاصيل التي تجري على الأرض ستسبب لنا كارثة.
بينما كان الظلامُ يُسدل خيوطه والمدفعية تواصل قصفها، سمعنا ضجيجا مرعبا يملأ السماء.
هاهي الطائرات المقاتلة جاءت في موعدها لتعلن عن نفسها بسلسلة من القصف المكثف. بين قصف الطائرات المُهلك وقصف المدفعية المكثّف بدت السماء لبضع دقائق كما لو أنها في حريق هائل. في البداية تُشاهد ومضة من الضوء في الأفق، ثم تسمع انفجارات هائلة تكفي لأن تقلب معدتكَ، وتضغط على مقلة العين بحيث تشعر إنها وصلت إلى رئتيك. بالرغم من أن القصف يستهدف منطقة تبعد أكثر من خمس كيلومترات عنّا إلا إنك تشعر كما لو أنه يجري أمام وجهكَ تماماً. في البداية من المستحيل ألا تجفل مع كل قذيفة غير متوقعة، لكن بعد عشرات من الانفجارات تصبح مشاعرك متيقظة ومتوافقة مع القصف.
في هذه الأثناء كانت المدفعية تواصل قصفها، بعض القذائف كانت شديدة الانفجار، البعض الآخر مجرد للتنوير. لكني سمعت من الجنود أن البعض منها كانت قذائف الفسفور الأبيض وهو الاسم الجديد الذي نطلقه هذه الأيام على النابالم. وبين الفينة والفينة يمكنك أن تسمع مدفعية الدبابات وهي تطلق نيرانها من المشارف المعزولة للمنطقة المستهدفة، تارة تسمع مدفعها وتارة أخرى تسمع نيران مدفعها الرشاش، وفي الحالة الأخيرة يمكنك أن تشاهد ماسورة مدفع الدبابة من وميض نيران رشاشها.
لا يمكن لأحد أن يتصور أن حياً يمكن أن يدب وسط هذه المجزرة المميتة. لكن فجأة تأتي رسالة عبر الراديو اللاسلكي تعلن عن تعرض وحدة من قواتنا تقف خارج المدينة للنيران، في هذه الأثناء كنت أراقب من أعلى الهمفي بواسطة ناظوري الليلي النيران التي تنطلق باتجاهنا. استخدام جهاز الرؤية الليلية أمر مثير بحد ذاته، تستطيع أن تمسح السماء والأرض بوضوح تام مهما كانت العتمة. في هذه الأثناء شاهدت دخول الطائرات المروحية المقاتلة ميدان المعركة وبشكل خاص المروحيات من طراز كوبرا واباتشي الأكثر قدرة على التدمير بقاذفات صواريخها التي تنطلق تباعا على شكل سلسلة من الصلي المتواصل... شاهدت الطائرات المروحية وهي تحوم فوق أرض المذبحة.
بعدها واصلت المزيد من المدفعية، والمزيد من الدبابات، والمزيد من الطائرات النفاثة، والمزيد من الطائرات المروحية تقذف حممها على منطقة صغيرة من الأرض... لم تكن حربا، كانت مذبحة.
وأنا الآن أستعيد في ذهني تلك الضربات الجوية التي استمرت حتى صباح اليوم التالي، لا أستطيع أن أصدق الدرجة التي وصلت إليها تقنيتنا الحديثة، لا أستطيع أن استعيد هذا من دون دهشة كاملة، لكني في الوقت نفسه أتقيأ اشمئزازا من المعاني والأهداف التي تقف وراء استخدام هذه التقنية.
لقد حصل لي مرات كثيرة أن أتأمل خلال الهجوم على الفلوجة أموراً لم أفهمها ومازلت أجهلها. أقول بينما كان المقاومون في الفلوجة يحاربوننا بشجاعة وإقدام بأسلحة قديمة تعود للحرب الباردة، ونحن نحوم فوق رؤوسهم نقذفهم بالحمم المدمرة... (يمكن القول أن العراقيين يقاتلون الدبابة بالسكين) لكن بالرغم من ذلك فإن المقاومين يجهدون أنفسهم ويكدحون ويعملون المستحيل لمقاومتنا، الكثير منهم قاتلوا حتى الموت. أي إرادة وتصميم يملكون!
بعض الجنود رسمونهم أغبياء لمجرد التفكير بأن لديهم فرصة لدحر أقوى جيش في العالم، لكني أقول أنهم شجعان. المسألة ليست كذلك، إنهم لا يقاتلون من أجل أن يحرزوا نصراً فورياً. ومن هو الذي حقق نصرا تقليديا في حرب غير تقليدية؟ إنهم يقاتلون من أجل طردنا من أرضهم... وكما يبدو جلياً الآن فإن مثل هذا النصر بأيديهم لم يعد بأيدي الولايات المتحدة.
لقد حوّلنا الفلوجة إلى كومة من الركام... ادّعينا النصر... قلنا للعالم أن الفلوجة أصبحت تحت سيطرتنا الكاملة والشاملة... زعم عسكريونا أن عدداً قليلاً جداً من المدنيين قد أصيبوا... تحدثنا عن مقتل آلاف من المتمردين... شبكتا تلفزيون سي. أن. أن.، وفوكس عزفت وغنّت وأطلقت التهاني على شاشاتها بأن معركة الفلوجة ستدخل التاريخ باعتبارها نصراً كاملاً، وشهادة على عظمة الولايات المتحدة وتفوقها في المعارك الحديثة.
لكن بالرغم من ذلك، فبعد أن انزاح غبار المعركة، وجلس الجنرالات في المكاتب الدافئة والمريحة يدخنون سيكار النصر، انفجرت خطوط الجبهة في الفلوجة ثانية بسلاح الهاون الذي لا يُقهر، وقاذفات الصواريخ، والهجمات بالأسلحة الصغيرة على القوات الأمريكية وقوات التحالف.
التقارير الأخيرة تشير إلى أن العديد من المتمردين ظهروا من جديد على سطح مدينة الفلوجة المدمّرة بعد أن كنا أصلا قد زعمنا أن الموقف تحت سيطرتنا وبدأنا نركّز اهتمامنا على مشكلة أخرى في مدينة الموصل. فجأة نقلنا من جديد إهتمامنا إلى الفلوجة. هل ستكذب وزارة الدفاع وصحفنا القومية على الرأي العام من جديد لتدعي بتحقيق نصرٍ جديد؟
ليس بالضرورة أن نفعل ذلك. تقليديا، نحن انتصرنا بالمعركة، لا يمكن لأي شخص أن يعترض على ذلك، فقد دمّرنا مدينة بأكملها، وقتلنا الآلاف من سكانها. لكن المسألة الرئيسية أن العسكريين والرأي العام نسوا أن يحللوا أن هذه الحرب هي، من دون أي شك، حرب عصابات مائة بالمائة.
في بعض الأحيان أستغرب ما إذا كان ضباطنا، خريجو جامعة (ويست بوينت)، قد درسوا التعقيدات البسيطة لحرب العصابات وفعاليتها.
خلال مجرى الحرب أوجّه بين الفينة والفينة وبصورة عشوائية سؤالاً لملازم أو نقيب ما إذا كان قد تصفّح في يوم من الأيام كتاباً عن حرب العصابات التي خاضها جيفارا. نصفهم تقريباً يعترفون أنهم لم يقوموا بذلك. شخصيا أرى في هذا أمراً غريباً. نحن هنا في العراق حيث تقف أمامنا سنوات طويلة من حرب العصابات، وقادتنا العسكريون، كما يبدو، لا يعرفون البتة ماذا تعني.
بإمكان أبسط شخص أن يقول لك أن المقاتل في حرب العصابات هو من يستخدم أسلوب "إضرب واهرب ليحاول كسر قوة تقليدية أقوى. العنصر الأكثر أهمية في حرب العصابات هي القوى السياسية التي تقودها. لقد حقّقت الكثير من قوات حرب العصابات عبر التاريخ أهدافها بنجاح، بلادنا وحربها للاستقلال لا يمكن اقصاؤها عن هذا المفهوم.
ينبغي علينا أن نتعلم درسا من حرب العصابات خلال حرب فيتنام التي لم يمض عليها سوى 30 عاماً، لكن التاريخ له طريقة غريبة في تكرار نفسه. كانت حرب فيتنام مثالا نموذجياً للأثر السريع الذي تتركه الهجمات المميتة على القوات التقليدية، وإن كان خلال فترة طويلة نسبيا، لتحقيق مواقف شعبية مناوئة للحرب تؤدي إلى إيقافها في آخر الأمر.
أكد جيفارا في كتابه حرب العصابات أن العنصر الأكثر أهمية في حرب العصابات هو الدعم الشعبي. وبهذا الدعم يمكن ضمان النصر تماماً.
يملك العراقيون الكثير من العناصر الرئيسة لتحقيق عصيان ناجح. ليس فقط لأنهم يملكون، كما يبدو، إمدادات لا نهاية لها من الذخيرة والأسلحة، بل لأنهم يملكون ميزة الذوبان في بيئتهم، سواء كانت هذه البيئة سوقا مزدحمة، أو بستانا مكتظّاً بأشجار النخيل. لقد استخدم المتمردون العراقيون هذه المزايا إلى أقصاها، لكن الميزة الأكثر أهمية والأكثر صلة بحربهم هو الدعم الشعبي الذي تيلقونه من أبناء بلدهم.
ما يحتاجه عسكريونا وحكومتنا إدراكه أن كل خطأ نعمله يمثل نقطة لصالح التمرد العراقي. وفي كل مرّة يُقتل فيها رجل أو امرأة أو طفل برئ نتيجة لعمل عسكري قمنا به، عمداً أو عن غير عمد، يصبح المتمردون أكثر قوة.
حتى لو أن مدنياً بريئاً نُحِرَ على يد أحد مقاتلي الحرية، فإن ذلك المقاتل سيظل يُنظّرُ إليه بعين الشعب بأنه محارب من أجل الشعب، في حين لو ارتكبت قوة الاحتلال العمل نفسه فستظل تُلام على أنها ارتكبت جريمة شنعاء.
كل ما يتعلق بهذه الحرب سياسي... كل كمين، كل قصف، كل موت. عندما يتم اختطاف عامل أو جندي من قوات التحالف، ثم يعدم فإن هذا يضيف المزيد من التشجيع والإحساس بتحقيق العدالة للمتمردين المتحمسين بدعم الرأي العام لهم، في حين يخفض هذا من معنويات المحتل ويزيدهم غضباً.
وسائل إعلامنا ستبرهن على أنها أحد عناصر سقوطنا أيضاً. كلما تكشف وسائل إعلامنا المزيد من الإساءات والوحشية، كلما ترخى قبضتنا على هذه الأمة التي كانت في يوم من الأيام علمانية. وكلما نشرت المزيد من صور المذابح والقتل العنيف الذي يتعرض له اخوتنا في السلاح، كلما ازداد الاحتجاج الشعبي الذي تواجهه امريكا وخسرت الحكومة مبررات الاستمرار بهذه الكارثة الدموية.
طالما بقيت هذه الأخطاء التي لا مجال لتجنبها ترتكب من قبل قوى تقليدية، فإن حرب المقاومة ستنجح بالتأكيد.
في حالة العراق، فإن التدمير الكامل للقوة العسكرية للولايات المتحدة أمر مستحيل، لكن من خلال هذه المثابرة المستمرة والنفس الطويل العنيد الذي يمتلكه المقاومون سيتمكن المتمردون من طردنا خارج العراق. ستبرهن الأيام أن هذه الحقيقة هي نتيجة حربية لا يمكن تجنبها.
لقد خسرنا الكثير من الجنود في المعركة النهائية للسيطرة على الفلوجة، وأصيب عدد أكبر بجروح خطيرة. وبعد الدمار الذي أنزلناه بهذه المدينة من أجل احتوائها فقط لا غير، سيموت أيضاً المزيد من الجنود عبثا من أجل إبقاء الفلوجة على هذا الشكل. لا أرى في ذلك عدلاً.
شاهدت نظرات غريبة في عيون جندي استطلاع عندما تكلمت معه بعد المعركة. قصصه عن الدم المتخثّر والقتل العنيف تُفقد الشجاعة وتُثير الأعصاب. التضحية التي قدمها هو وسريته كانت بلا حدود. لقد قاتلوا يوميا مع قليل من النوم أو من دون نوم، والقليل من الراحة، ومن دون وجبات ساخنة.
ولأسباب واضحة لم يتمكنوا أبداً من إيجاد الوقت لإرسال رسائل بالبريد الإلكتروني لأمهاتهم ليخبروهم أن كل شيء على ما يرام. بعض أفراد سريته لن ينالوا أبداً فرصة لطمأنة امهاتهم، لأن هؤلاء الجنود هم ميتون الآن.
أخبرني الجندي كيف أن واحداً من أفضل عرفائه قد قُتِلَ أمامه تماماً. كان يحتمي خلف حائطٍ في زقاق ضيّق طويل، وعندما ظهر ليطلق النار من رشاشته أصيب ببطنه بواسطة قذيفة آر. بي. جي. القذيفة نفسها انفجرت لترسل شظايا في كل اتجاه واحدة أصابت رجل مّحدّثي. لقد أظهر لي قطعة لحم محترقة على طول رجله اليسرى.
أنهى حديثه قائلاً أنه ليس أكثر من صبي مغفّل من كاليفورنيا لم يكُ يعتقد أبداً أن الجيش سيرسله إلى هذا الجحيم بمثل هذه السرعة وبعد انضمامه مباشرة. أبلغني أنه يحتاج أن يأخذ دشاً أنه تعب من هذا الجحيم. ثم مشى بعيدا ببطء وبندقيته تهتز تحت ذراعه
أينما تدير وجهك ترى المزيد والمزيد من الجنود يقتلون وتُبتر أطرافهم.
الدعم الشعبي تزايد والمقاومة طريق الخلاص.
نشرت صحيفة سوسيالست ووركر رسالة لجندي امريكي في العراق كان قد ارسلها الى الصحيفة التي كتبت:
هذا نص رسالة من جندي أمريكي في العراق، يعرف باسم هيكلي، ينقل بوضوح قسوة الهجوم الأمريكي على الفلوجة.
أينما تدير وجهكّ ترى المزيد والمزيد من الجنود يقتلون وتُبتر أطرافهم بعد مواجهات بشعة مع مقاتلين مصمّمين. إنها أيام مروّعة لقوات الولايات المتحدة في العراق.
التمرد يتصاعد بشكل لا يُصَدّق خاصة في أماكن معيّنة مثل بغداد، والموصل، وبعقوبة. رجال العصابات منظمين بشكل جيد ويعرفون كيف يستخدمون السلاح البسيط بأيديهم، يستخدمون أيضاً تقنيات أكثر تقدما. حتى في مدينة الفلوجة المُدَمّرة تدميرا شاملاً، بدأت قوات المتمردين بالظهور من جديد. لديهم تصميم صلب للنصر أو الموت الصعب. الآن بدأت تظهر الكثير من الانتقادات، وحتى السياسيين بدأوا يدركون أن هذه الحرب لا يمكن الانتصار بها بأي وجه من الوجوه.
لا أعرف كيف يعتقد البعض أن نصرٍاً كاملاً ممكن تحقيقه؟ قواتنا تكسب أرضا هنا وهناك، وهي تسفك بإفراط دماءً غزيرة من المدنيين والمتمردين مع كل تخم يتم الاستحواذ عليه، هذا من الناحية التقليدية، لكن بالرغم من ذلك، يعود المقاتلون ، مثلما حصل في الفلوجة مؤخراً، مثل أسراب من الزنابير الغاضبة ليهاجموننا بنوبة وحشية من الجنون.
كنتُ في الفلوجة خلال اليومين الأخيرين من الهجوم النهائي. اختلفت مهمتي كثيرا عن تلك المَهام الشجاعة والمرهقة المُناطة برجال المشاة والمارينز الشجعان الذين خاضوا المعارك الرئيسة. كنت مرافقاً، في الحقيقة كنت ضمن مجموعة مهمتها حماية ضابط كبير في منطقة القتال.
ذهب هذا الضابط المتغطرس بعينه إلى معركة الفلوجة الأخيرة بنفس الروحية التي يذهب فيها متفرج متعصّب ليشاهد تصفيات الربع النهائي لفريق مدرسة ثانوية بكرة القدم.
ما أن وصلنا معسكر الفلوجة الذي تحتله مشاة المارينز وشاهدنا المدفعية تطلق نيرانها على المدينة، حتى تحول الرجل فجأة إلى متهوّر يريد أن يلعبَ دوراً في المعركة التي شارفت على الانتهاء بعد أن كانت أصلاً قد حولت الفلوجة إلى رماد. كانت هناك إشاعة بين الجنود أن كل ما يريده هذا الضابط هو أن يُعمّمَ فكرة عنه بأنه أقسى راعي بقر في غرب الفرات.
بعد وصولنا إلى خطوط الجبهة تقدم ضابط ليقدم صورة عن الموقف للضابط الذي نحميه، قال: القتال في المدينة على أشدّه كثافةً... أخفّ عربة مدرعة سُمح لها بدخول القطاع هي دبابات برادلي. بالرغم من أن همفي المصفّحة متينة جداً ولا تخترقها نيران الأسلحة الصغيرة إلا أنها عادة لا تصمد جيداً أمام قاذفات الصواريخ المحمولة على الكتف والقنابل التي تزرع على جوانب الطريق مثلما تصمد الدبابات المدرّعة، في منطقة القتال هناك هجمات عنيفة بقاذفات الصواريخ ينفّذها متمردون وقفوا في كل ركن من أركان الشوارع يسدّدون نحو الأهداف الخفيفة كالشاحنات. هزّ الضابط رأسه وقال: قطاعكم سيكون هادئاً.
في آخر المطاف تم نصح الضابط، المتحمس أكثر من اللازم، بعدم الدخول إلى القطاع وإلا سيكون طُعماً مميتاً للمتمردين المتأهبين خلال ساعات الغروب الخطيرة هذه. أُقتُرِحَ عليه أن ينتظر حتى الصباح كي يدخل المدينة "ليتفقد الأضرار" بعد أن يتم استكمال القصف الجوي الليلي.
ولغاية اللحظة التي كانت فيها الشمس تغرب في الأفق الأحمر الغائم، كانت المدفعية ما تزال تواصل دكّ مساحة 12% مما تبقى من مدينة الفلوجة التي كنا قد انتهينا من تدميرها أصلاً.
عند هبوط الليل انسحبت العديد من الوحدات إلى خارج المدينة استعداداً لقصف جوي واسع النطاق كان مقرراً له أن يستمر 12 ساعة.
كانت مجموعتنا تجلس في أعلى عربتنا الهمفي المتوقفة خارج المدينة، واحدٌ خلف مدفعها الرشاش وآخرون يمسحون الأرض في الأفق البعيد بنواظيرهم الليلية ليراقبوا نشاطات العدو. كنا في منطقة تقع خارج أرض العمليات يفترض أنها آمنة، لكن بالرغم من ذلك فمع عدم وجود أسلاك شائكة تحيط بنا، ومع دبابات مبعثرة قليلة تتولى حمايتنا فبإمكاننا أن نفترض إن أي غفلة صغيرة تأخذنا عن أدق التفاصيل التي تجري على الأرض ستسبب لنا كارثة.
بينما كان الظلامُ يُسدل خيوطه والمدفعية تواصل قصفها، سمعنا ضجيجا مرعبا يملأ السماء.
هاهي الطائرات المقاتلة جاءت في موعدها لتعلن عن نفسها بسلسلة من القصف المكثف. بين قصف الطائرات المُهلك وقصف المدفعية المكثّف بدت السماء لبضع دقائق كما لو أنها في حريق هائل. في البداية تُشاهد ومضة من الضوء في الأفق، ثم تسمع انفجارات هائلة تكفي لأن تقلب معدتكَ، وتضغط على مقلة العين بحيث تشعر إنها وصلت إلى رئتيك. بالرغم من أن القصف يستهدف منطقة تبعد أكثر من خمس كيلومترات عنّا إلا إنك تشعر كما لو أنه يجري أمام وجهكَ تماماً. في البداية من المستحيل ألا تجفل مع كل قذيفة غير متوقعة، لكن بعد عشرات من الانفجارات تصبح مشاعرك متيقظة ومتوافقة مع القصف.
في هذه الأثناء كانت المدفعية تواصل قصفها، بعض القذائف كانت شديدة الانفجار، البعض الآخر مجرد للتنوير. لكني سمعت من الجنود أن البعض منها كانت قذائف الفسفور الأبيض وهو الاسم الجديد الذي نطلقه هذه الأيام على النابالم. وبين الفينة والفينة يمكنك أن تسمع مدفعية الدبابات وهي تطلق نيرانها من المشارف المعزولة للمنطقة المستهدفة، تارة تسمع مدفعها وتارة أخرى تسمع نيران مدفعها الرشاش، وفي الحالة الأخيرة يمكنك أن تشاهد ماسورة مدفع الدبابة من وميض نيران رشاشها.
لا يمكن لأحد أن يتصور أن حياً يمكن أن يدب وسط هذه المجزرة المميتة. لكن فجأة تأتي رسالة عبر الراديو اللاسلكي تعلن عن تعرض وحدة من قواتنا تقف خارج المدينة للنيران، في هذه الأثناء كنت أراقب من أعلى الهمفي بواسطة ناظوري الليلي النيران التي تنطلق باتجاهنا. استخدام جهاز الرؤية الليلية أمر مثير بحد ذاته، تستطيع أن تمسح السماء والأرض بوضوح تام مهما كانت العتمة. في هذه الأثناء شاهدت دخول الطائرات المروحية المقاتلة ميدان المعركة وبشكل خاص المروحيات من طراز كوبرا واباتشي الأكثر قدرة على التدمير بقاذفات صواريخها التي تنطلق تباعا على شكل سلسلة من الصلي المتواصل... شاهدت الطائرات المروحية وهي تحوم فوق أرض المذبحة.
بعدها واصلت المزيد من المدفعية، والمزيد من الدبابات، والمزيد من الطائرات النفاثة، والمزيد من الطائرات المروحية تقذف حممها على منطقة صغيرة من الأرض... لم تكن حربا، كانت مذبحة.
وأنا الآن أستعيد في ذهني تلك الضربات الجوية التي استمرت حتى صباح اليوم التالي، لا أستطيع أن أصدق الدرجة التي وصلت إليها تقنيتنا الحديثة، لا أستطيع أن استعيد هذا من دون دهشة كاملة، لكني في الوقت نفسه أتقيأ اشمئزازا من المعاني والأهداف التي تقف وراء استخدام هذه التقنية.
لقد حصل لي مرات كثيرة أن أتأمل خلال الهجوم على الفلوجة أموراً لم أفهمها ومازلت أجهلها. أقول بينما كان المقاومون في الفلوجة يحاربوننا بشجاعة وإقدام بأسلحة قديمة تعود للحرب الباردة، ونحن نحوم فوق رؤوسهم نقذفهم بالحمم المدمرة... (يمكن القول أن العراقيين يقاتلون الدبابة بالسكين) لكن بالرغم من ذلك فإن المقاومين يجهدون أنفسهم ويكدحون ويعملون المستحيل لمقاومتنا، الكثير منهم قاتلوا حتى الموت. أي إرادة وتصميم يملكون!
بعض الجنود رسمونهم أغبياء لمجرد التفكير بأن لديهم فرصة لدحر أقوى جيش في العالم، لكني أقول أنهم شجعان. المسألة ليست كذلك، إنهم لا يقاتلون من أجل أن يحرزوا نصراً فورياً. ومن هو الذي حقق نصرا تقليديا في حرب غير تقليدية؟ إنهم يقاتلون من أجل طردنا من أرضهم... وكما يبدو جلياً الآن فإن مثل هذا النصر بأيديهم لم يعد بأيدي الولايات المتحدة.
لقد حوّلنا الفلوجة إلى كومة من الركام... ادّعينا النصر... قلنا للعالم أن الفلوجة أصبحت تحت سيطرتنا الكاملة والشاملة... زعم عسكريونا أن عدداً قليلاً جداً من المدنيين قد أصيبوا... تحدثنا عن مقتل آلاف من المتمردين... شبكتا تلفزيون سي. أن. أن.، وفوكس عزفت وغنّت وأطلقت التهاني على شاشاتها بأن معركة الفلوجة ستدخل التاريخ باعتبارها نصراً كاملاً، وشهادة على عظمة الولايات المتحدة وتفوقها في المعارك الحديثة.
لكن بالرغم من ذلك، فبعد أن انزاح غبار المعركة، وجلس الجنرالات في المكاتب الدافئة والمريحة يدخنون سيكار النصر، انفجرت خطوط الجبهة في الفلوجة ثانية بسلاح الهاون الذي لا يُقهر، وقاذفات الصواريخ، والهجمات بالأسلحة الصغيرة على القوات الأمريكية وقوات التحالف.
التقارير الأخيرة تشير إلى أن العديد من المتمردين ظهروا من جديد على سطح مدينة الفلوجة المدمّرة بعد أن كنا أصلا قد زعمنا أن الموقف تحت سيطرتنا وبدأنا نركّز اهتمامنا على مشكلة أخرى في مدينة الموصل. فجأة نقلنا من جديد إهتمامنا إلى الفلوجة. هل ستكذب وزارة الدفاع وصحفنا القومية على الرأي العام من جديد لتدعي بتحقيق نصرٍ جديد؟
ليس بالضرورة أن نفعل ذلك. تقليديا، نحن انتصرنا بالمعركة، لا يمكن لأي شخص أن يعترض على ذلك، فقد دمّرنا مدينة بأكملها، وقتلنا الآلاف من سكانها. لكن المسألة الرئيسية أن العسكريين والرأي العام نسوا أن يحللوا أن هذه الحرب هي، من دون أي شك، حرب عصابات مائة بالمائة.
في بعض الأحيان أستغرب ما إذا كان ضباطنا، خريجو جامعة (ويست بوينت)، قد درسوا التعقيدات البسيطة لحرب العصابات وفعاليتها.
خلال مجرى الحرب أوجّه بين الفينة والفينة وبصورة عشوائية سؤالاً لملازم أو نقيب ما إذا كان قد تصفّح في يوم من الأيام كتاباً عن حرب العصابات التي خاضها جيفارا. نصفهم تقريباً يعترفون أنهم لم يقوموا بذلك. شخصيا أرى في هذا أمراً غريباً. نحن هنا في العراق حيث تقف أمامنا سنوات طويلة من حرب العصابات، وقادتنا العسكريون، كما يبدو، لا يعرفون البتة ماذا تعني.
بإمكان أبسط شخص أن يقول لك أن المقاتل في حرب العصابات هو من يستخدم أسلوب "إضرب واهرب ليحاول كسر قوة تقليدية أقوى. العنصر الأكثر أهمية في حرب العصابات هي القوى السياسية التي تقودها. لقد حقّقت الكثير من قوات حرب العصابات عبر التاريخ أهدافها بنجاح، بلادنا وحربها للاستقلال لا يمكن اقصاؤها عن هذا المفهوم.
ينبغي علينا أن نتعلم درسا من حرب العصابات خلال حرب فيتنام التي لم يمض عليها سوى 30 عاماً، لكن التاريخ له طريقة غريبة في تكرار نفسه. كانت حرب فيتنام مثالا نموذجياً للأثر السريع الذي تتركه الهجمات المميتة على القوات التقليدية، وإن كان خلال فترة طويلة نسبيا، لتحقيق مواقف شعبية مناوئة للحرب تؤدي إلى إيقافها في آخر الأمر.
أكد جيفارا في كتابه حرب العصابات أن العنصر الأكثر أهمية في حرب العصابات هو الدعم الشعبي. وبهذا الدعم يمكن ضمان النصر تماماً.
يملك العراقيون الكثير من العناصر الرئيسة لتحقيق عصيان ناجح. ليس فقط لأنهم يملكون، كما يبدو، إمدادات لا نهاية لها من الذخيرة والأسلحة، بل لأنهم يملكون ميزة الذوبان في بيئتهم، سواء كانت هذه البيئة سوقا مزدحمة، أو بستانا مكتظّاً بأشجار النخيل. لقد استخدم المتمردون العراقيون هذه المزايا إلى أقصاها، لكن الميزة الأكثر أهمية والأكثر صلة بحربهم هو الدعم الشعبي الذي تيلقونه من أبناء بلدهم.
ما يحتاجه عسكريونا وحكومتنا إدراكه أن كل خطأ نعمله يمثل نقطة لصالح التمرد العراقي. وفي كل مرّة يُقتل فيها رجل أو امرأة أو طفل برئ نتيجة لعمل عسكري قمنا به، عمداً أو عن غير عمد، يصبح المتمردون أكثر قوة.
حتى لو أن مدنياً بريئاً نُحِرَ على يد أحد مقاتلي الحرية، فإن ذلك المقاتل سيظل يُنظّرُ إليه بعين الشعب بأنه محارب من أجل الشعب، في حين لو ارتكبت قوة الاحتلال العمل نفسه فستظل تُلام على أنها ارتكبت جريمة شنعاء.
كل ما يتعلق بهذه الحرب سياسي... كل كمين، كل قصف، كل موت. عندما يتم اختطاف عامل أو جندي من قوات التحالف، ثم يعدم فإن هذا يضيف المزيد من التشجيع والإحساس بتحقيق العدالة للمتمردين المتحمسين بدعم الرأي العام لهم، في حين يخفض هذا من معنويات المحتل ويزيدهم غضباً.
وسائل إعلامنا ستبرهن على أنها أحد عناصر سقوطنا أيضاً. كلما تكشف وسائل إعلامنا المزيد من الإساءات والوحشية، كلما ترخى قبضتنا على هذه الأمة التي كانت في يوم من الأيام علمانية. وكلما نشرت المزيد من صور المذابح والقتل العنيف الذي يتعرض له اخوتنا في السلاح، كلما ازداد الاحتجاج الشعبي الذي تواجهه امريكا وخسرت الحكومة مبررات الاستمرار بهذه الكارثة الدموية.
طالما بقيت هذه الأخطاء التي لا مجال لتجنبها ترتكب من قبل قوى تقليدية، فإن حرب المقاومة ستنجح بالتأكيد.
في حالة العراق، فإن التدمير الكامل للقوة العسكرية للولايات المتحدة أمر مستحيل، لكن من خلال هذه المثابرة المستمرة والنفس الطويل العنيد الذي يمتلكه المقاومون سيتمكن المتمردون من طردنا خارج العراق. ستبرهن الأيام أن هذه الحقيقة هي نتيجة حربية لا يمكن تجنبها.
لقد خسرنا الكثير من الجنود في المعركة النهائية للسيطرة على الفلوجة، وأصيب عدد أكبر بجروح خطيرة. وبعد الدمار الذي أنزلناه بهذه المدينة من أجل احتوائها فقط لا غير، سيموت أيضاً المزيد من الجنود عبثا من أجل إبقاء الفلوجة على هذا الشكل. لا أرى في ذلك عدلاً.
شاهدت نظرات غريبة في عيون جندي استطلاع عندما تكلمت معه بعد المعركة. قصصه عن الدم المتخثّر والقتل العنيف تُفقد الشجاعة وتُثير الأعصاب. التضحية التي قدمها هو وسريته كانت بلا حدود. لقد قاتلوا يوميا مع قليل من النوم أو من دون نوم، والقليل من الراحة، ومن دون وجبات ساخنة.
ولأسباب واضحة لم يتمكنوا أبداً من إيجاد الوقت لإرسال رسائل بالبريد الإلكتروني لأمهاتهم ليخبروهم أن كل شيء على ما يرام. بعض أفراد سريته لن ينالوا أبداً فرصة لطمأنة امهاتهم، لأن هؤلاء الجنود هم ميتون الآن.
أخبرني الجندي كيف أن واحداً من أفضل عرفائه قد قُتِلَ أمامه تماماً. كان يحتمي خلف حائطٍ في زقاق ضيّق طويل، وعندما ظهر ليطلق النار من رشاشته أصيب ببطنه بواسطة قذيفة آر. بي. جي. القذيفة نفسها انفجرت لترسل شظايا في كل اتجاه واحدة أصابت رجل مّحدّثي. لقد أظهر لي قطعة لحم محترقة على طول رجله اليسرى.
أنهى حديثه قائلاً أنه ليس أكثر من صبي مغفّل من كاليفورنيا لم يكُ يعتقد أبداً أن الجيش سيرسله إلى هذا الجحيم بمثل هذه السرعة وبعد انضمامه مباشرة. أبلغني أنه يحتاج أن يأخذ دشاً أنه تعب من هذا الجحيم. ثم مشى بعيدا ببطء وبندقيته تهتز تحت ذراعه