حسون
25/03/2005, 20:42
رهادة عبدوش
استوقفني تقرير لمنظمة الأمم المتحدة يصنّف سورية بين أكثر خمس دول في العالم ترتكب فيها جرائم شرف.
وهذه الإحصائية ليست عشوائية. فالصحف والمجلات في سورية تطالعنا يومياً بجرائم ترتكب باسم الشرف ما زالت أصداء بعضها تتردد في مسامعنا.
ففي أحد أحياء دمشق قتل رجل زوجته مفتخراً ومنادياً الناس: (تعالوا انظروا لقد قتلتها متلبسةً مع عشيقها. يدي عفنت وسوّست فبترتها)!
هذا القتل الذي تم بوحشية كان مصدر فخر له! وإهدار الروح وبكاء الأطفال المفجوعين بأمهم باعثٌ على الاعتزاز بالكرامة!
من المسؤول عن هذه الجريمة؟ هل الزوج القاتل؟ أم أنه هو أيضاً ضحية؟! فهو مكوّن من مجتمع جعل الشرف مرتبطاً بالمرأة، مبعداً إياه عن مفهومه الحقيقي المتعلّق بالإنسانية والأخلاق والفضيلة. وهو تحت سيادة قانون ساهم في تعزيز المفهوم الخاطئ للشرف فأيده في المادة 548 من قانون العقوبات السوري التي تنص على أنه: (يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود، أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما، أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد)! واللافت للنظر أن سورية والأردن، من بين الدول العربية، هما اللتان تحللان هذا القتل. أما باقي الدول العربية فأعطت العذر المخفف للقاتل مع التضييق على الزوجة وعشيقها فلا يشمل جميع الأصول والفروع. مع العلم أن السعودية والبحرين تطبقان الشريعة الإسلامية التي جاءت عندهما أرحم من القانون السوري. أما في تونس فقد عاقبت القاتل بالإعدام حسب القانون الصادر في 22/7/1993 فعدَّت هذه الجريمة جريمة كاملة يستحق مرتكبها الإعدام. وفي هذا كل العدل.
معظم رجال القانون في سورية يؤكدون أن إعفاء الفاعل من العقاب يؤدي إلى التستر بالدفاع عن الشرف والأخلاق في سبيل إرواء الجشع المادي، أو التمسك بمظاهر الكبرياء العائلية، غير عابئين بحقيقة الأخلاق والفضيلة. وهذا يشجع على الإجرام في معظم الحالات. ويؤدي إلى نتائج تتنافى وأهداف التشريع الجزائي بصورة عامة.
وهذا ما يجعلنا نعود إلى واقعة الجريمة لنتساءل: هل من الصعوبة أن يتفق الزوج -الذي يريد التخلص من زوجته لأسباب عديدة قد تكون مادية- مع رجل آخر على أن يعطيه مبلغاً من المال ويدخل عنوة إلى غرفتها، ويصطنع الزوج أنه دخل فجأة ووجدهما معاً وقتلها؟! وهذا ما حدث في جرائم كثيرة اكتشفها التحقيق، ولكن بعد أن تكون قد حدثت الجريمة وهرب القاتل، أو سقطت العقوبة بالتقادم!
ويبرز هنا تساؤل آخر إذا رأت المرأة زوجها في الحالة نفسها، ألا يرى القانون أن المرأة إنسانة تنفعل بالقدر نفسه الذي ينفعل به الرجل، مما قد يدفعها لقتل زوجها؟! لماذا إذاً تعاقب إذا فعلت ذلك ولا يعاقب الرجل؟
دولة الإمارات فقط من بين الدول العربية أعطت العذر المخفف للمرأة، كما للرجل، إذا فاجأت زوجها وقتلته. (المادة 334 من مادة العقوبات الإماراتي).
تساؤلات كثيرة تؤرقنا عندما نسمع بجرائم كهذه! جرائم (شرف) يؤيدها القانون بمسامحته للقاتل! هذا القانون الذي وضعته فرنسا عام 1810، في وقت لم يكن للمرأة أي حقوق، وأخذه عنها القانون السوري وما زال يطبقه بعد أن مضى عليه نحو مئتي عام! ألم يتطور مجتمعنا في هذين القرنين؟!
في كل الشرائع والأديان يستطيع الرجل تطليق زوجته إذا ارتكبت فعل الزنى. وهذا ما لا يمنح الرجل أي تبرير أو حجة للقتل.
أما مجتمعنا الذكوري فيبيح للرجل ما لا يبيح للأنثى! ثم يلحق العار بالمرأة لا بالرجل! وما هذا إلا نتيجة رواسب الماضي التي ما زالت تضغط على الفكر فتمنعه من التحرر والانطلاق ليبقينا ضحية (الشرف) التليد! الشرف الذي أخذنا منه القشور وتركنا ما صعب علينا حمله!
ولا معنى لمطالبة المجتمع بالتغير ما لم تتغير القوانين الناظمة لهذا الأمر. فالقانون هو الناظم الأساسي لعمل المجتمع. ولذلك لا بد من تغيير قانون العقوبات بحيث يلغي العذر المخفف ويعد جريمة الشرف جريمة قتل كغيرها تنطبق عليها عقوبة القاتل. حينئذ يمكننا أن ننتظر تغيراً مهماً في المجتمع تجاه هذه القضية الإنسانية الخطيرة.
16/2/2005
النور
استوقفني تقرير لمنظمة الأمم المتحدة يصنّف سورية بين أكثر خمس دول في العالم ترتكب فيها جرائم شرف.
وهذه الإحصائية ليست عشوائية. فالصحف والمجلات في سورية تطالعنا يومياً بجرائم ترتكب باسم الشرف ما زالت أصداء بعضها تتردد في مسامعنا.
ففي أحد أحياء دمشق قتل رجل زوجته مفتخراً ومنادياً الناس: (تعالوا انظروا لقد قتلتها متلبسةً مع عشيقها. يدي عفنت وسوّست فبترتها)!
هذا القتل الذي تم بوحشية كان مصدر فخر له! وإهدار الروح وبكاء الأطفال المفجوعين بأمهم باعثٌ على الاعتزاز بالكرامة!
من المسؤول عن هذه الجريمة؟ هل الزوج القاتل؟ أم أنه هو أيضاً ضحية؟! فهو مكوّن من مجتمع جعل الشرف مرتبطاً بالمرأة، مبعداً إياه عن مفهومه الحقيقي المتعلّق بالإنسانية والأخلاق والفضيلة. وهو تحت سيادة قانون ساهم في تعزيز المفهوم الخاطئ للشرف فأيده في المادة 548 من قانون العقوبات السوري التي تنص على أنه: (يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود، أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما، أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد)! واللافت للنظر أن سورية والأردن، من بين الدول العربية، هما اللتان تحللان هذا القتل. أما باقي الدول العربية فأعطت العذر المخفف للقاتل مع التضييق على الزوجة وعشيقها فلا يشمل جميع الأصول والفروع. مع العلم أن السعودية والبحرين تطبقان الشريعة الإسلامية التي جاءت عندهما أرحم من القانون السوري. أما في تونس فقد عاقبت القاتل بالإعدام حسب القانون الصادر في 22/7/1993 فعدَّت هذه الجريمة جريمة كاملة يستحق مرتكبها الإعدام. وفي هذا كل العدل.
معظم رجال القانون في سورية يؤكدون أن إعفاء الفاعل من العقاب يؤدي إلى التستر بالدفاع عن الشرف والأخلاق في سبيل إرواء الجشع المادي، أو التمسك بمظاهر الكبرياء العائلية، غير عابئين بحقيقة الأخلاق والفضيلة. وهذا يشجع على الإجرام في معظم الحالات. ويؤدي إلى نتائج تتنافى وأهداف التشريع الجزائي بصورة عامة.
وهذا ما يجعلنا نعود إلى واقعة الجريمة لنتساءل: هل من الصعوبة أن يتفق الزوج -الذي يريد التخلص من زوجته لأسباب عديدة قد تكون مادية- مع رجل آخر على أن يعطيه مبلغاً من المال ويدخل عنوة إلى غرفتها، ويصطنع الزوج أنه دخل فجأة ووجدهما معاً وقتلها؟! وهذا ما حدث في جرائم كثيرة اكتشفها التحقيق، ولكن بعد أن تكون قد حدثت الجريمة وهرب القاتل، أو سقطت العقوبة بالتقادم!
ويبرز هنا تساؤل آخر إذا رأت المرأة زوجها في الحالة نفسها، ألا يرى القانون أن المرأة إنسانة تنفعل بالقدر نفسه الذي ينفعل به الرجل، مما قد يدفعها لقتل زوجها؟! لماذا إذاً تعاقب إذا فعلت ذلك ولا يعاقب الرجل؟
دولة الإمارات فقط من بين الدول العربية أعطت العذر المخفف للمرأة، كما للرجل، إذا فاجأت زوجها وقتلته. (المادة 334 من مادة العقوبات الإماراتي).
تساؤلات كثيرة تؤرقنا عندما نسمع بجرائم كهذه! جرائم (شرف) يؤيدها القانون بمسامحته للقاتل! هذا القانون الذي وضعته فرنسا عام 1810، في وقت لم يكن للمرأة أي حقوق، وأخذه عنها القانون السوري وما زال يطبقه بعد أن مضى عليه نحو مئتي عام! ألم يتطور مجتمعنا في هذين القرنين؟!
في كل الشرائع والأديان يستطيع الرجل تطليق زوجته إذا ارتكبت فعل الزنى. وهذا ما لا يمنح الرجل أي تبرير أو حجة للقتل.
أما مجتمعنا الذكوري فيبيح للرجل ما لا يبيح للأنثى! ثم يلحق العار بالمرأة لا بالرجل! وما هذا إلا نتيجة رواسب الماضي التي ما زالت تضغط على الفكر فتمنعه من التحرر والانطلاق ليبقينا ضحية (الشرف) التليد! الشرف الذي أخذنا منه القشور وتركنا ما صعب علينا حمله!
ولا معنى لمطالبة المجتمع بالتغير ما لم تتغير القوانين الناظمة لهذا الأمر. فالقانون هو الناظم الأساسي لعمل المجتمع. ولذلك لا بد من تغيير قانون العقوبات بحيث يلغي العذر المخفف ويعد جريمة الشرف جريمة قتل كغيرها تنطبق عليها عقوبة القاتل. حينئذ يمكننا أن ننتظر تغيراً مهماً في المجتمع تجاه هذه القضية الإنسانية الخطيرة.
16/2/2005
النور