-
دخول

عرض كامل الموضوع : ما عندكم «واسطة»!


tiger
20/06/2006, 16:40
تفتقد الهواتف على مدى تسعة أشهر في العام اتصالات الباحثين عن «الواسطة» بالمفهوم العامي، أو «طالبي الشفاعة» بالمفهوم الفصيح. حينما يحصل الطلاب المتخرجون من الثانوية العامة على شهاداتهم ونتائجهم النهائية، ترتفع وتيرة «الواسطة»، كما ترتفع درجة حرارتها، حتى أنها تفوق درجة حرارة السودان الاستوائية. خلال فصل الصيف تبدأ رحلة متاعب الاتصالات بحثاً عن أصحاب «الواسطات» ورجال «العلاقات»، ويقابلها عملية تصريف للمكالمات، فهذا مسؤول يرد على هاتفه مدير مكتبه أو سكرتيره الخاص، أو أحد زملائه، لتقديم المبررات بأن ذلك المسؤول في اجتماعات أو مسافر خارج البلاد أو في مهمة عمل رسمية ولن يعود إلا بعد شهر أو... الخ. وهو هروب علني «مكشوف» من أصحاب الحاجة، كما يسمون أنفسهم، لكنه «مقبول» طالما أنه هروب من جحيم الواسطة والإحراجات، وما يمكن ان يلحقها من انتقادات.
الواسطة أو المحسوبية متفشية على نطاق واسع، ليس داخل المملكة فحسب، بل في كل انحاء العالم. والواسطة نوعان: إما محمودة أو مذمومة.
فالمحمودة هي مساعدة شخص ما للحصول على حقه، دون إلحاق الضرر بالآخرين، والواسطة المذمومة هي مساعدة شخص ما على أخذ ما لا يستحقه وما ليس له، وهو يلحق الضرر بالآخرين.
الواسطة المحمودة لا غبار عليها، لكونها لا تضر بأحد بل تساعد الآخرين على الحياة الكريمة، أما المذمومة فهي كالمرض الخبيث، تنتشر في المجتمع كالنار تلتهم الحطب، وانتشارها قد يسبب قهراً وإحباطاً داخل المجتمعات. والدتي لا تتورع عن وصفها لي بأن «لا فائدة مني ومن علاقاتي»، وأحاول دائماً أن أوضح لها أنني «لا أجيد الواسطة ولا أفهم أساليبها»، لكنها تصرّ على أنني لا أرغب في مساعدة الناس. وتدلل على عدم الفائدة مني بعدم التوسط لشقيقي الذي تخرج من الجامعة من قسم الرياضيات بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وعندما عيّن معلماً في قرية نائية لم أحرّك ساكناً، ولم أتوسط له، وبقي يعيش في تلك القرية أربع سنوات حتى شارف على قضاء المدة المطلوبة. وقبل يومين كلمني صديق لم أسمع صوته منذ وقت طويل وقال: «ابني تخرج، وأنت تملك علاقات جيدة، ولك معارف من الأمراء والوزراء والمسؤولين، فجمّلها معنا يا جميل!».
الواسطة شر لا بد منه، وزملائي يعرفون أنني أكثر شخص يتضايق ويتصبب عرقاً عندما «يتوسط» لأحد. فعلاً «لا أؤمن بالواسطة ولا أحبذها، ولم أعتمد عليها في حياتي، ولكنني أجد نفسي أحياناً مضطراً للجوء اليها». قليلون لا يؤمنون بـ «الواسطة»، ويرفضونها، إلا انه لو تعلّق الأمر بالحصول على عمل، فلن يترددوا في اللجوء اليها، في حال كانت الأبواب موصدة امامهم».
أمس، نشرت هذه الصحيفة رسالة بريدية من شابة سعودية اسمها فهدة، عنونتها بـ «لم أطلب الكثير!»، تقول فيها: «خذلتني الواسطة، وأنا الإنسانة البسيطة، وليس لي إلى ذلك سبيل، فما ذنبي ان غيري ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، أو يملك عصا سحرية يحركها كيفما شاء، وأينما ذهب؟». حتى تقول: «أنا لست ضد ان يوظف أحد... كلا! ولكن أنا ضد ان نُحشر نحن البسطاء تحت مظلة «مسكين ما عندك واسطة».
وأنا أقول: ما عندكم «واسطة»! فوالله لو كانت «الواسطة» رجلاً لقتلته.

جميل الذيابي