minime1967
29/03/2005, 17:16
حنكشتيكا يؤسس نقابة للكذابين
بقلم الكاتب سعيد الغزالي
خاص بـ"أمين"
لماذا لا يؤسس حنكشتيكا نقابة للكذابين؟
لا شك أنها فكرة رائعة، خطرت ببال حنكشتيكا كخطوة لاصلاح المجتمع من المفسدين. سيطلق عليها اسم نقابة الكذابين للاصلاح، ستكون النقابة الاكبر في العالم العربي بل الدولي أيضا.. وشروط عضويتها هو الاعتراف فقط بارتكاب كذبة واحده، وهي نقابة تقبل أعضاءا من الرجال والنساء، وكل الجنسيات، القوميات، كل اتباع الديانات، للمفكرين، للمؤمنين، للملحدين، للعلمانيين، للاغنياء، للفقراء، للتابعين والزعماء.
من منا لم يكذب ولو لمرة واحدة في العمر!
يعني هذا أننا جميعا مؤهلون للعضوية فيها. وقد تكون النقابة الاولى في العالم التي يعترف أعضاؤها بالكذب طواعية دون ضغوطات من المحاكم، ورجال الدين، والمجتمع المدني. لو أن الرؤساء الذين شنوا الحروب كانوا اعضاء في النقابة، واعترفوا بكذبهم، لانقذنا حياة الملايين من البشر. لا يمكن لنا كذلك أن نحصي تريليونات الدولارات التي انفقت على اسلحة الدمار، كان يمكن استخدام هذه الاموال في مشاريع مفيدة للبشرية.
لو ان الزعماء العرب كانوا أعضاء في النقابة، لانقذنا الامة العربية من ضياع خمسين عاما من الفساد السياسي والمالي والفكري. لما كنا بحاجة إلى ثلاثين قمة عربية كاذبة، ولا إلى 22 دولة فاشلة، ولا إلى ستين لهجة، وملة وعرق. لن تنتشر بين صفوفنا مجموعات المتطرفين، ولا عصابات المافيا. لن تصل البطالة إلى أعلى مستوياتها، لن ينخفض الانتاج إلى أدنى مستوياته، لن تكون السجون بديلا عن المصانع والمزارع. لن تنتشر مدن الصفيح كالبكتيريا حول المدن، لن تندلع الحروب الاهلية، ولا الصراعات العرقية.
لو كانت لدينا نقابة للكذابين يعترفون فيها باكاذيبهم، لن نكون بحاجة إلى رجال دين يدعون أنهم الصلة بيننا وبين الله، ولن نكون بحاجة قوات للشرطة، واجهزة سرية للمخابرات، ومستشفيات كثيرة لعلاج مصابي الحروب وعيادات للصحة النفسية، ولا إلى مراكز إصلاح الشباب، ومكافحة الجهل والفقر.
ورب معترض يقول ان الحروب ستشتعل أيضا بسبب الاعتراف بالكذب، ولكن الشرور الناجمة عن الاعتراف بالكذب تقل كثيرا عن الشرور الناجمة عن اقتراف الكذب.
الكذابون وهم الاكثر انتشارا لا ينخرطون في أي نقابة خاصة بالكذب، لانهم يدعون الصدق، ولو كانوا صادقين لهرولوا للانضمام للنقابة منذ أن كانوا أطفالا. فالكذب يبدأ من سن الطفولة، والكبار يشجعون أطفالهم عليه، معتقدين انه سيحميهم من قهر السلطان، ويملأ أمعائهم الخاوية، ويضمن لهم مستقبلا كزعماء كذابين للمجتمع.
قد يزعم البعض ان هذا ليس أكثر من وقاحة كلامية، ولكن حنكشتيكا يعتقد ان هناك مصداقية لهذا الكلام.
ألا نعترف باكاذيبنا اضطرارا. ألم نعترف احيانا بهذه الاكاذيب أمام رجال الدين طالبين الشفاعة، او أمام القضاة في المحاكم، الا ترصد صحف كثيرة الكذب الذي تمارسه الشخصيات النجومية على صدر صفحاتها. إننا نكذب كل يوم، ونبرر أكاذيبنا. فلماذا لا يؤسس حنكشتيكا نقابة للكذابين.
الشعراء، المؤرخون، الرؤساء، الصحافيون، الباحثون، منظمو استطلاعات الرأي يكذبون. إن كل نقاباتنا ومؤسسات المجتمع المدني تحمل واجهات كاذبة: مثل مؤسسات الديمقراطية ..الحوار.. التسامح...الوحدة ..الحريات الانسانية.. حقوق الطفل.. المرأة – وبرغم وجود هذه المؤسسات بالمئات والالاف – لا
توجد ديمقراطية، ولا حوار، ولا تسامح، ولا وحده، ولا حريات، ولا حقوق. سنضم كل هذه المؤسسات إذن لنقابة الكذابين.. وقد يتفرع عنها مؤسسات اخرى مثل منظمة الكذابين لنشر الصدق والديمقراطية، واللجنة العالمية الكاذبة للحوار الاممي بين الاديان، والهيئة الوطنية العليا للافتراء الاهلي.
لا تقتصر ممارسة الكذب على شعب دون آخر، ولا على رئيس دون آخر، كلهم يكذبون. والكذب لا يرتبط بمكان ولا زمان، إنه موجود في كل قصة، وقصيدة شعر، مقالة صحفية، خطبة في صلاة جمعة، وصلاة قداس الاحد، في كل محاضرة تهريج عن الوحدة، القومية، في كل مؤسسة ترفع راية الاصلاح، وكل حزب سياسي يتقن فن الرقص الكلامي واستخدام الجراح القومية، والهزائم والنكبات المستديمة من أجل المنفعة الشخصية.
أعضاء النقابة ليسوا من أوباش الشعب، وليسوا من المجرمين، ورواد السجون، لم يرتكبوا مخالفات قانونية ظاهرة، بل إن اعضائها البارزين المميزين هم من الزعماء، اعضاء السلك الدبلوماسي، القاده العسكريون، المحللون السياسيون والاعلاميون. الاعلاميون والدبلوماسيون يعملون كناطقين رسميين لمؤسسات الكذب الرسمية. وهؤلاء لديهم القدرة على الجمع بين الاضداد. يؤمنون بالعنف والسلام، بالسيادة والاستسلام، بالتمرد والخنوع.يقولون لا ويفعلون نعم، ويقولون نعم ويفعلون لا.
ألم يرسلوا الجنود إلى ميادين المعارك محملين بالقصائد والاناشيد والبطولة، وعندما يسقطون، ينعتوهم بالشهداء، ثم يضاجعون زوجاتهم وبناتهم، ويعتقلون أبنائهم، وينفون ما تبقى من عائلاتهم.
هؤلاء الكذابون الذين ارتفعت مراتبهم في النقابة واصبحوا من حملة الاوسمة والنياشين لديهم قدرات كبيرة في مجالات الخطابة حول المقدسات، المحرمات، الخطوط الحمراء، الثوابت الوطنية، حق عودة اللاجئين، تحرير القدس، الاقصى، كنيسة المهد، القيامة، وفي أول فرصة متاحة ينقضون على هذه الحقوق.
أليس هؤلاء هم المتحدثون عن حرية المرأة، بينما يعتقلون زوجاتهم في غرف النوم.
ليس هناك حاجة إلى فلسفة الكذب.
سيكون للنقابة أرشيف ضخم ضخم من المعلومات المليئة بأطنان من الرياء والنفاق في عشرات الالاف من الكتب، والدراسات. ستمتلك النقابة خبرات كبيرة في الانشاء والتنظير، نتاج عشرات الالاف من الاحزاب، ومئات الالاف من الاعلاميين، وما اكثرهم في هذا الوطن العربي. ستتمكن النقابة من تصدير خبراتها إلى مختلف أنحاء العالم.
وحنكشتيكا يحق له ان يكون رئيسا لهذه النقابة. لقد ابتدع نفسه بنفسه. وكتب عن نفسه ووصف نفسه بالبطولة. وصل إلى سدة الحكم، وترقى بسرعة في النقابة من عضو بلا نياشين ارتكب كذبة واحده إلى رئيس لا يتوقف عن الكذب – فليس الوطن والتاريخ والوحدة والدين والقومية والثقافة والفقة والشعر أكثر من جملة إنشائية كاذبة. لا قيمة لها. وعندما تأتي الدبابة لتحتل الوطن، يركع لها حنكشتيكا ويعلن أنه انتصر.
حنكشتيكا مثل بقية الكذابين لا يكف عن الحديث عن الوحدة والتضامن والانجازات، يتغنى بالقومية والامجاد، وبطولات صلاح الدين، وخالد بن الوليد، يتحدث عن عدالة الخليفة عمر، والتكافل الاجتماعي، ثم يستأسد على أبناء شعبه، لكنه يهرب جبانا ذليلا من ميادين المواجهة مع الاجنبي.
استطاع حنكشتيكا ان يكذب على الناس بزعم ان الانتخابات التي زيفها كانت شرعية، وستبقى شرعية إلى أن يتوفاه الله. لا يزال حنكشتيكا يتمسك بموقعه النقابي كرئيس لنقابة الكذابين، لأن لديه منافع كثيرة. لديه مكاتب وميزانيات وعلاقات مع الرئيس، والاجهزة الامنية.
يتقن فن الكذب لدرجة أنه يصدق أكاذيبة، وهو يتصور ان مهمته كاعلامي هو تعظيم الرئيس، وترويع الكتاب والمفكرين الاحرار وخنق الحريات.
لم يتردد أبدا من استخدام الرئيس كسيف يهدد به، او صندوق خيري للتبرعات. انخدع الكثيرون به خوفا من سيفه او طمعا في ذهبه. ليس لديه امكانيات خطابية أو كتابية، لكنه يستطيع أن يكشف لك عن سبق صحافي مفبرك.
فهناك بيانات وزارة الاعلام، وهناك بيانات وكالة الانباء الرسمية، والصحف الرسمية. وهناك المؤتمرات الصحافية. وهناك جيش من البلهاء الإعلاميين الذين يكتبون ما يسمعون.
نظر حنكشتيكا إلى وجهه بالمرآة، فإطمأن قليلا. تبدو شخصيته مقنعة. فالشيب الذي غزا شعره يعبر عن تجربته العميقة، صوته هادىء، وفيه سحر. وضع حنكشتيكا قناعا من المساحيق على وجهه ليستر العيوب الجلدية. غطى عيونه بنظارات سوداء. ارتدى بذلة أنيقة مع ربطة عنق. استقل سيارة حديثة. قابل الرئيس وقدم له عريضة لمساعدة الصحافيين الفقراء. نال المساعده وخرج.
أوعز حنكشتيكا إلى سكرتيرته بالاتصال بالصحافيين واخبارهم عن بدء مشروع إسكان. حضر الصحافيون مثل قطيع النعاج. أستمعوا إلى خطابه، وأحلامه الزائفه. في اليوم التالي: كتبت النعاج عن حنكشيتكا وإنجازاته.
اتصل حنكشتيكا بنعجة وعرض عليها راتب مقابل الوشاية بزملائها، وكتابة تقرير شهري عن الزملاء الخونة الذين ينشرون الاكاذيب عن الرئيس. وافقت النعجة على القيام بهذا الدور. المشكلة ان هذه النعجة لم تقبض أي علف شهري رغم تقاريرها المفيدة.
قام حنكشتيكا بكتابة عريضة باسم عدد من النعاج الجائعة العارية طالبا المساعدة من الرئيس، لكن الرئيس فطن إلى أن العريضة لم تكن موقعة، ولم يمنحه المساعدة. عاد حنكشتيكا غاضبا إلى مكتبه، وبعث برسائل تهديد إلى النعاج مهدد بذبحها وتقديمها ولائم للرئيس.
زعم حنكشتيكا أن لديه مكاتب في كل مدينة، وقام بتحصيل فواتير
قبض من أصحاب المكاتب مقابل عمولة لهم.
نظم حنكشتيكا مهرجانات سنوية لتكريم النعاج، مانحا الجوائز لؤيديه من النعاج البيضاء المسالمة حارما السوداء منها من علف التكريم. أصطحب حنكشتيكا النعاج نفسها في رحلات خارجية إلى بلاد مجاورة بعد أن ضمن تغطية التكاليف من وزارة المالية ومن الدولة المضيفة ايضا، وبهذا فقد ضمن لنفسه ربحا مضاعفا.
أدمن حنكشتيكا على الكذب، فهو يتخيل الاشياء ويعتقد أنها حقائق. أصبحت كل حياته كذبة كبيرة، وعندما مات الرئيس، صار حنكشتيكا ديمقراطيا، مدافعا عن الحقوق النقابية، لكن ذاكرة حنكشتيكا كانت ضعيفة جدا فهو لا يتذكر أكاذيبه السابقة.
بقي حنكشتيكا على رأس النقابة، دون أن يتمكن جيش الاعلاميين من زحزحته من موقعه. لم تكن مؤسسة حنكشتيكا القائمة على قواعد الرياء هي المؤسسة الوحيدة الناجحة التي بقيت قائمة رغم الزلازل التي عصفت بالبلد. فهناك أسماء كثيرة مشابهة: المركز الاعلامي، الوزارة الاعلامية، المجلس الاعلامي.
لقد مارست هذه المؤسسات الكذب بكل أنواعه، خصوصا الكذب الدعائي، وهو تعظيم الشخوص السياسية، والحزبية، والنقابية، وإظهارها في مظاهر القوة والتسامي والانفة الوطنية لتغطية الشعور بالنقص والفشل السياسي.
تحاول هذه المؤسسات أن تثبت أن هناك انجازات على الارض، مؤكدة أن الشعب يلتف حولها، في الوقت الذي لا تحظى اجتماعاتها وبياناتها وقراراتها بأي اهتمام شعبي.
ألصقت هذه المؤسسات تهم الخيانة الوطنية والجاسوسية بكل الاشخاص الذين رفضوا المشاركة في مهرجانات الكذب، بل بررت لنفسها الانزلاق إلى مواقف خيانية متمترسة خلف قلاع المناصب السياسية والحزبية والامنية والاعلامية. استطاعت هذه المؤسسات بما تملكه من قدرات مالية وقمعية وسياسية أن تحول الكذب إلى موقف وطني.
فعندما يكون الكذب وطنيا، يصبح موقفا وطنيا، وبالتالي يصبح صدقا وطنيا يتسلح به الاعلاميون، استعدادا لاطلاق النار على كل من يخالف الصدق الوطني.
بعد انكشاف أمر حنكشتيكا بشكل فظ مبتذل، وبعد تدهور أوضاع النعاج، تداعو إلى اجتماع طارىء. أصر حنكشتيكا على حضور الاجتماع بغرض إفشاله. وشارك في المداولات التي تحولت إلى صياح الديكة، وكادت الايدي تشتبك. أثار هذا الامر الحبور في نفس حنكشيتكا. فلم يكن حنكشتيكا الاعلامي الوحيد الذي لازمته الصفات القبيحة كالانتهازية، والارتزاق، وغياب المهنية، والكذب. فمن بين دعاة الاصلاح، أشخاص لهم طموحات شخصية.
تحدث أحدهم كيف أن النقيب المعين من قبل الحكومة سرق أموال النقابة ، ولم يحاسبه أحد على فعلته. لم يخجل آخر أن يعترف بأنه كان يتلقى أموالا من حنكشتيكا. ذكر ثالث كيف أن محاولاته التقرب من النقيب المعين عن طريق كتابة خطاباته باءت بالفشل.
استمات إعلامي آخر بالدفاع عن النقيب المعين لأنه يمثل الشرعية، وأن الاجتماع ليس أكثر من محاولة إنقلابية للتمرد على الشرعية، ولكن النعاج لا تتمرد، بل تريد علفا.
لم يكن هذا هو الاجتماع الأول – لقد عقدت في السابق اجتماعات اخرى، باءت جميعها بالفشل، وذلك لأن تغيير الرئيس لم يغيرمفهوم النقابة كمؤسسة يرأسها نقيب النعاج يصدر تصريحات سياسية موالية للحكومة. فلا يزال الكثيرون ينظرون إلى النقابة كمنبر سياسي لحشد المؤيدين للاشتراك في مزاد علني اسمه الانتخابات.
تدهورت الاوضاع الامنية والاقتصادية والسياسية في البلد. ولم تقف نعجة واحدة لتقول الحقيقة.
لقد كان الجميع متورطون – هؤلاء الاولاد الذين يسمون أنفسهم إعلاميين كان يقبلون بالحلوى كرشاوي صغيرة من حنكشتيكا، بل كانوا يسعون لبيع ولائهم السياسي وحتى الشخصي لمن يشتر، مقابل رضى النقيب أو غيره من الجالسين على كراسي المناصب المدنية والعسكرية والحزبية.
هؤلاء الاولاد الذين يسمون أنفسهم إعلاميين سكتوا عن الزيف الذي يبث في كافة أجهزة الاعلام المحلية والعالمية، فكانوا من المتورطين في صناعة الكذب التي أصبحت نقابة للكذابين.
* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في مدينة القدس ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
Top :lol:
بقلم الكاتب سعيد الغزالي
خاص بـ"أمين"
لماذا لا يؤسس حنكشتيكا نقابة للكذابين؟
لا شك أنها فكرة رائعة، خطرت ببال حنكشتيكا كخطوة لاصلاح المجتمع من المفسدين. سيطلق عليها اسم نقابة الكذابين للاصلاح، ستكون النقابة الاكبر في العالم العربي بل الدولي أيضا.. وشروط عضويتها هو الاعتراف فقط بارتكاب كذبة واحده، وهي نقابة تقبل أعضاءا من الرجال والنساء، وكل الجنسيات، القوميات، كل اتباع الديانات، للمفكرين، للمؤمنين، للملحدين، للعلمانيين، للاغنياء، للفقراء، للتابعين والزعماء.
من منا لم يكذب ولو لمرة واحدة في العمر!
يعني هذا أننا جميعا مؤهلون للعضوية فيها. وقد تكون النقابة الاولى في العالم التي يعترف أعضاؤها بالكذب طواعية دون ضغوطات من المحاكم، ورجال الدين، والمجتمع المدني. لو أن الرؤساء الذين شنوا الحروب كانوا اعضاء في النقابة، واعترفوا بكذبهم، لانقذنا حياة الملايين من البشر. لا يمكن لنا كذلك أن نحصي تريليونات الدولارات التي انفقت على اسلحة الدمار، كان يمكن استخدام هذه الاموال في مشاريع مفيدة للبشرية.
لو ان الزعماء العرب كانوا أعضاء في النقابة، لانقذنا الامة العربية من ضياع خمسين عاما من الفساد السياسي والمالي والفكري. لما كنا بحاجة إلى ثلاثين قمة عربية كاذبة، ولا إلى 22 دولة فاشلة، ولا إلى ستين لهجة، وملة وعرق. لن تنتشر بين صفوفنا مجموعات المتطرفين، ولا عصابات المافيا. لن تصل البطالة إلى أعلى مستوياتها، لن ينخفض الانتاج إلى أدنى مستوياته، لن تكون السجون بديلا عن المصانع والمزارع. لن تنتشر مدن الصفيح كالبكتيريا حول المدن، لن تندلع الحروب الاهلية، ولا الصراعات العرقية.
لو كانت لدينا نقابة للكذابين يعترفون فيها باكاذيبهم، لن نكون بحاجة إلى رجال دين يدعون أنهم الصلة بيننا وبين الله، ولن نكون بحاجة قوات للشرطة، واجهزة سرية للمخابرات، ومستشفيات كثيرة لعلاج مصابي الحروب وعيادات للصحة النفسية، ولا إلى مراكز إصلاح الشباب، ومكافحة الجهل والفقر.
ورب معترض يقول ان الحروب ستشتعل أيضا بسبب الاعتراف بالكذب، ولكن الشرور الناجمة عن الاعتراف بالكذب تقل كثيرا عن الشرور الناجمة عن اقتراف الكذب.
الكذابون وهم الاكثر انتشارا لا ينخرطون في أي نقابة خاصة بالكذب، لانهم يدعون الصدق، ولو كانوا صادقين لهرولوا للانضمام للنقابة منذ أن كانوا أطفالا. فالكذب يبدأ من سن الطفولة، والكبار يشجعون أطفالهم عليه، معتقدين انه سيحميهم من قهر السلطان، ويملأ أمعائهم الخاوية، ويضمن لهم مستقبلا كزعماء كذابين للمجتمع.
قد يزعم البعض ان هذا ليس أكثر من وقاحة كلامية، ولكن حنكشتيكا يعتقد ان هناك مصداقية لهذا الكلام.
ألا نعترف باكاذيبنا اضطرارا. ألم نعترف احيانا بهذه الاكاذيب أمام رجال الدين طالبين الشفاعة، او أمام القضاة في المحاكم، الا ترصد صحف كثيرة الكذب الذي تمارسه الشخصيات النجومية على صدر صفحاتها. إننا نكذب كل يوم، ونبرر أكاذيبنا. فلماذا لا يؤسس حنكشتيكا نقابة للكذابين.
الشعراء، المؤرخون، الرؤساء، الصحافيون، الباحثون، منظمو استطلاعات الرأي يكذبون. إن كل نقاباتنا ومؤسسات المجتمع المدني تحمل واجهات كاذبة: مثل مؤسسات الديمقراطية ..الحوار.. التسامح...الوحدة ..الحريات الانسانية.. حقوق الطفل.. المرأة – وبرغم وجود هذه المؤسسات بالمئات والالاف – لا
توجد ديمقراطية، ولا حوار، ولا تسامح، ولا وحده، ولا حريات، ولا حقوق. سنضم كل هذه المؤسسات إذن لنقابة الكذابين.. وقد يتفرع عنها مؤسسات اخرى مثل منظمة الكذابين لنشر الصدق والديمقراطية، واللجنة العالمية الكاذبة للحوار الاممي بين الاديان، والهيئة الوطنية العليا للافتراء الاهلي.
لا تقتصر ممارسة الكذب على شعب دون آخر، ولا على رئيس دون آخر، كلهم يكذبون. والكذب لا يرتبط بمكان ولا زمان، إنه موجود في كل قصة، وقصيدة شعر، مقالة صحفية، خطبة في صلاة جمعة، وصلاة قداس الاحد، في كل محاضرة تهريج عن الوحدة، القومية، في كل مؤسسة ترفع راية الاصلاح، وكل حزب سياسي يتقن فن الرقص الكلامي واستخدام الجراح القومية، والهزائم والنكبات المستديمة من أجل المنفعة الشخصية.
أعضاء النقابة ليسوا من أوباش الشعب، وليسوا من المجرمين، ورواد السجون، لم يرتكبوا مخالفات قانونية ظاهرة، بل إن اعضائها البارزين المميزين هم من الزعماء، اعضاء السلك الدبلوماسي، القاده العسكريون، المحللون السياسيون والاعلاميون. الاعلاميون والدبلوماسيون يعملون كناطقين رسميين لمؤسسات الكذب الرسمية. وهؤلاء لديهم القدرة على الجمع بين الاضداد. يؤمنون بالعنف والسلام، بالسيادة والاستسلام، بالتمرد والخنوع.يقولون لا ويفعلون نعم، ويقولون نعم ويفعلون لا.
ألم يرسلوا الجنود إلى ميادين المعارك محملين بالقصائد والاناشيد والبطولة، وعندما يسقطون، ينعتوهم بالشهداء، ثم يضاجعون زوجاتهم وبناتهم، ويعتقلون أبنائهم، وينفون ما تبقى من عائلاتهم.
هؤلاء الكذابون الذين ارتفعت مراتبهم في النقابة واصبحوا من حملة الاوسمة والنياشين لديهم قدرات كبيرة في مجالات الخطابة حول المقدسات، المحرمات، الخطوط الحمراء، الثوابت الوطنية، حق عودة اللاجئين، تحرير القدس، الاقصى، كنيسة المهد، القيامة، وفي أول فرصة متاحة ينقضون على هذه الحقوق.
أليس هؤلاء هم المتحدثون عن حرية المرأة، بينما يعتقلون زوجاتهم في غرف النوم.
ليس هناك حاجة إلى فلسفة الكذب.
سيكون للنقابة أرشيف ضخم ضخم من المعلومات المليئة بأطنان من الرياء والنفاق في عشرات الالاف من الكتب، والدراسات. ستمتلك النقابة خبرات كبيرة في الانشاء والتنظير، نتاج عشرات الالاف من الاحزاب، ومئات الالاف من الاعلاميين، وما اكثرهم في هذا الوطن العربي. ستتمكن النقابة من تصدير خبراتها إلى مختلف أنحاء العالم.
وحنكشتيكا يحق له ان يكون رئيسا لهذه النقابة. لقد ابتدع نفسه بنفسه. وكتب عن نفسه ووصف نفسه بالبطولة. وصل إلى سدة الحكم، وترقى بسرعة في النقابة من عضو بلا نياشين ارتكب كذبة واحده إلى رئيس لا يتوقف عن الكذب – فليس الوطن والتاريخ والوحدة والدين والقومية والثقافة والفقة والشعر أكثر من جملة إنشائية كاذبة. لا قيمة لها. وعندما تأتي الدبابة لتحتل الوطن، يركع لها حنكشتيكا ويعلن أنه انتصر.
حنكشتيكا مثل بقية الكذابين لا يكف عن الحديث عن الوحدة والتضامن والانجازات، يتغنى بالقومية والامجاد، وبطولات صلاح الدين، وخالد بن الوليد، يتحدث عن عدالة الخليفة عمر، والتكافل الاجتماعي، ثم يستأسد على أبناء شعبه، لكنه يهرب جبانا ذليلا من ميادين المواجهة مع الاجنبي.
استطاع حنكشتيكا ان يكذب على الناس بزعم ان الانتخابات التي زيفها كانت شرعية، وستبقى شرعية إلى أن يتوفاه الله. لا يزال حنكشتيكا يتمسك بموقعه النقابي كرئيس لنقابة الكذابين، لأن لديه منافع كثيرة. لديه مكاتب وميزانيات وعلاقات مع الرئيس، والاجهزة الامنية.
يتقن فن الكذب لدرجة أنه يصدق أكاذيبة، وهو يتصور ان مهمته كاعلامي هو تعظيم الرئيس، وترويع الكتاب والمفكرين الاحرار وخنق الحريات.
لم يتردد أبدا من استخدام الرئيس كسيف يهدد به، او صندوق خيري للتبرعات. انخدع الكثيرون به خوفا من سيفه او طمعا في ذهبه. ليس لديه امكانيات خطابية أو كتابية، لكنه يستطيع أن يكشف لك عن سبق صحافي مفبرك.
فهناك بيانات وزارة الاعلام، وهناك بيانات وكالة الانباء الرسمية، والصحف الرسمية. وهناك المؤتمرات الصحافية. وهناك جيش من البلهاء الإعلاميين الذين يكتبون ما يسمعون.
نظر حنكشتيكا إلى وجهه بالمرآة، فإطمأن قليلا. تبدو شخصيته مقنعة. فالشيب الذي غزا شعره يعبر عن تجربته العميقة، صوته هادىء، وفيه سحر. وضع حنكشتيكا قناعا من المساحيق على وجهه ليستر العيوب الجلدية. غطى عيونه بنظارات سوداء. ارتدى بذلة أنيقة مع ربطة عنق. استقل سيارة حديثة. قابل الرئيس وقدم له عريضة لمساعدة الصحافيين الفقراء. نال المساعده وخرج.
أوعز حنكشتيكا إلى سكرتيرته بالاتصال بالصحافيين واخبارهم عن بدء مشروع إسكان. حضر الصحافيون مثل قطيع النعاج. أستمعوا إلى خطابه، وأحلامه الزائفه. في اليوم التالي: كتبت النعاج عن حنكشيتكا وإنجازاته.
اتصل حنكشتيكا بنعجة وعرض عليها راتب مقابل الوشاية بزملائها، وكتابة تقرير شهري عن الزملاء الخونة الذين ينشرون الاكاذيب عن الرئيس. وافقت النعجة على القيام بهذا الدور. المشكلة ان هذه النعجة لم تقبض أي علف شهري رغم تقاريرها المفيدة.
قام حنكشتيكا بكتابة عريضة باسم عدد من النعاج الجائعة العارية طالبا المساعدة من الرئيس، لكن الرئيس فطن إلى أن العريضة لم تكن موقعة، ولم يمنحه المساعدة. عاد حنكشتيكا غاضبا إلى مكتبه، وبعث برسائل تهديد إلى النعاج مهدد بذبحها وتقديمها ولائم للرئيس.
زعم حنكشتيكا أن لديه مكاتب في كل مدينة، وقام بتحصيل فواتير
قبض من أصحاب المكاتب مقابل عمولة لهم.
نظم حنكشتيكا مهرجانات سنوية لتكريم النعاج، مانحا الجوائز لؤيديه من النعاج البيضاء المسالمة حارما السوداء منها من علف التكريم. أصطحب حنكشتيكا النعاج نفسها في رحلات خارجية إلى بلاد مجاورة بعد أن ضمن تغطية التكاليف من وزارة المالية ومن الدولة المضيفة ايضا، وبهذا فقد ضمن لنفسه ربحا مضاعفا.
أدمن حنكشتيكا على الكذب، فهو يتخيل الاشياء ويعتقد أنها حقائق. أصبحت كل حياته كذبة كبيرة، وعندما مات الرئيس، صار حنكشتيكا ديمقراطيا، مدافعا عن الحقوق النقابية، لكن ذاكرة حنكشتيكا كانت ضعيفة جدا فهو لا يتذكر أكاذيبه السابقة.
بقي حنكشتيكا على رأس النقابة، دون أن يتمكن جيش الاعلاميين من زحزحته من موقعه. لم تكن مؤسسة حنكشتيكا القائمة على قواعد الرياء هي المؤسسة الوحيدة الناجحة التي بقيت قائمة رغم الزلازل التي عصفت بالبلد. فهناك أسماء كثيرة مشابهة: المركز الاعلامي، الوزارة الاعلامية، المجلس الاعلامي.
لقد مارست هذه المؤسسات الكذب بكل أنواعه، خصوصا الكذب الدعائي، وهو تعظيم الشخوص السياسية، والحزبية، والنقابية، وإظهارها في مظاهر القوة والتسامي والانفة الوطنية لتغطية الشعور بالنقص والفشل السياسي.
تحاول هذه المؤسسات أن تثبت أن هناك انجازات على الارض، مؤكدة أن الشعب يلتف حولها، في الوقت الذي لا تحظى اجتماعاتها وبياناتها وقراراتها بأي اهتمام شعبي.
ألصقت هذه المؤسسات تهم الخيانة الوطنية والجاسوسية بكل الاشخاص الذين رفضوا المشاركة في مهرجانات الكذب، بل بررت لنفسها الانزلاق إلى مواقف خيانية متمترسة خلف قلاع المناصب السياسية والحزبية والامنية والاعلامية. استطاعت هذه المؤسسات بما تملكه من قدرات مالية وقمعية وسياسية أن تحول الكذب إلى موقف وطني.
فعندما يكون الكذب وطنيا، يصبح موقفا وطنيا، وبالتالي يصبح صدقا وطنيا يتسلح به الاعلاميون، استعدادا لاطلاق النار على كل من يخالف الصدق الوطني.
بعد انكشاف أمر حنكشتيكا بشكل فظ مبتذل، وبعد تدهور أوضاع النعاج، تداعو إلى اجتماع طارىء. أصر حنكشتيكا على حضور الاجتماع بغرض إفشاله. وشارك في المداولات التي تحولت إلى صياح الديكة، وكادت الايدي تشتبك. أثار هذا الامر الحبور في نفس حنكشيتكا. فلم يكن حنكشتيكا الاعلامي الوحيد الذي لازمته الصفات القبيحة كالانتهازية، والارتزاق، وغياب المهنية، والكذب. فمن بين دعاة الاصلاح، أشخاص لهم طموحات شخصية.
تحدث أحدهم كيف أن النقيب المعين من قبل الحكومة سرق أموال النقابة ، ولم يحاسبه أحد على فعلته. لم يخجل آخر أن يعترف بأنه كان يتلقى أموالا من حنكشتيكا. ذكر ثالث كيف أن محاولاته التقرب من النقيب المعين عن طريق كتابة خطاباته باءت بالفشل.
استمات إعلامي آخر بالدفاع عن النقيب المعين لأنه يمثل الشرعية، وأن الاجتماع ليس أكثر من محاولة إنقلابية للتمرد على الشرعية، ولكن النعاج لا تتمرد، بل تريد علفا.
لم يكن هذا هو الاجتماع الأول – لقد عقدت في السابق اجتماعات اخرى، باءت جميعها بالفشل، وذلك لأن تغيير الرئيس لم يغيرمفهوم النقابة كمؤسسة يرأسها نقيب النعاج يصدر تصريحات سياسية موالية للحكومة. فلا يزال الكثيرون ينظرون إلى النقابة كمنبر سياسي لحشد المؤيدين للاشتراك في مزاد علني اسمه الانتخابات.
تدهورت الاوضاع الامنية والاقتصادية والسياسية في البلد. ولم تقف نعجة واحدة لتقول الحقيقة.
لقد كان الجميع متورطون – هؤلاء الاولاد الذين يسمون أنفسهم إعلاميين كان يقبلون بالحلوى كرشاوي صغيرة من حنكشتيكا، بل كانوا يسعون لبيع ولائهم السياسي وحتى الشخصي لمن يشتر، مقابل رضى النقيب أو غيره من الجالسين على كراسي المناصب المدنية والعسكرية والحزبية.
هؤلاء الاولاد الذين يسمون أنفسهم إعلاميين سكتوا عن الزيف الذي يبث في كافة أجهزة الاعلام المحلية والعالمية، فكانوا من المتورطين في صناعة الكذب التي أصبحت نقابة للكذابين.
* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في مدينة القدس ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
Top :lol: