here i am
21/07/2006, 06:28
بيتي الذي كنت أكرهه....يقع في الضاحية الجنوبية
رولا الحسين
ولدت فيه، وانتظرت على مدخله باص مدرستي. راقبت من على شباك غرفته شابا أعجبني ودرست في غرفة جلوسه مواداً لا اذكر منها شيئاً الآن، وسرحت شعري أمام مرآة مطبخه...ولم أحبه يوماً.
أغضبتني شرفته التي لا يملكها، وصغر حجمه وزحمة المنطقة التي يقع فيها وزخرفة واجهات محالها التجارية ويافطاتها ونصبها التذكارية التي تفتقر لأي حس جمالي والأعلام السوداء والصفراء والخضراء التي تزين أعمدة الكهرباء فيها.
ولا زلت احقد على امي وابي حين انضموا مع الجيران لاستبدال المظهر الجمالي الوحيد في المبنى الذي يقع بيتنا فيه؛ استبدلوا "الأباجور" الأخضر الجميل بالألمنيوم الفضي البارد التافه، في محاولة منهم لمجاراة موضة ذاك الوقت.فوقعت انا أسيرة ديكور ما بعد حداثي وذوق "كيتشيّ" من الدرجة الأولى لا أزال حتى اليوم أحاربه.
أظنهم حين استبدلوا تلك الشبابيك أرادوا أخرى تطل على ايام نهاراتها مشمسة أكثر ولا تخترقها رصاصات الحرب التي مضت مجددا. أرادوها شبابيك واعدة، تدخل على غرف أولادهم أحلاما جميلة ليلاً وفراشات ملونات صباحاً...لم أكن أعي ذلك حينها وكنت لا أزال اكره البيت وشبابيكه.
لم يكونوا يعلمون حينها أن ألأحلام تدخل من "الأباجور" ولن يجلب لهم الألمنيوم سوى الكوابيس، وأنه سيأتي يوماً يتحسرون به على الخشب الأخضر ذاك.
صمد البيت أثناء الكوابيس، دون ان يسمح الخوف لأمي بأن ننزل الى الملجأ كباقي الجيران. لا زلت لا افهم كرهها للملجأ وعنادها، وحرمتني في ذلك من لعبة "البرجيس" التي يعرفها جيل حرب بكامله ...إلا أنا. وحرمت ذاكرتي من رائحة الملجأ والفتها.
هي كرهت الملجأ وأنا كرهت البيت.
في البيت الذي اكرهه زاوية مفضلة لي...ولها. تلك الكنبة التي استبدلت اربعة مرات على مرّ اقامتنا فيه.وضعناها عند مدخل الغرفة على الجهة اليمنى. كنبة القيلولة ومشاهدة التلفزيون وشرب القهوة والتفكير. نتناوب امي وانا عليها ونتشاركها فيما يتشارك الآخرون الكنبات الأخرى. عند زياراتي الآن الى البيت، تترك لي امي الكنبة لأستعملها وحدي واستمتع بها وحدي خلال إقامتي القصيرة.هي أجمل ما في هذا البيت الذي اكرهه.
استغرب فعلا كرهي لمكان عشت فيه كل وقتي وتشاركت معه خوفي والحروب التي مضت.
الآن هو خائف وحده وانا خائفة وحدي.
انا قلقة عليه وهو قلق علي.
محاط بزجاج يتساقط وابنية تتهاوى ونار تأكل كل شيئ.
محاصر بيتي الذي كرهته من دوني.وانا محاصرة من دونه.
محاصر داخل مربع يلتهب. قد تحميه شبابيك الالمنيوم، واباجوره الذي خسره.
لا زال حتى الآن صامد ينتظرني ..وينتظر لكي أعود اليه وأكرهه.
غبيّ ان ظن انني اكرهه بهذه الطريقة. احمق ان ظن انني اتمنى لو يتهاوى او ان لي رغبة في فقدانه.
كرهي له جزءا من ارتباطي به، ومن طبيعة علاقتي به.
كرهي شخصي جداً ولي وحدي قرار التصرف بهذا الكره.
ليس لكرهي سعة لصاروخ او رصاصة حتى. وليس لكرهي سعة لطرف آخر.
في كرهي حبٌ مخبأ، ارجو ان يدركه.
رولا الحسين
ولدت فيه، وانتظرت على مدخله باص مدرستي. راقبت من على شباك غرفته شابا أعجبني ودرست في غرفة جلوسه مواداً لا اذكر منها شيئاً الآن، وسرحت شعري أمام مرآة مطبخه...ولم أحبه يوماً.
أغضبتني شرفته التي لا يملكها، وصغر حجمه وزحمة المنطقة التي يقع فيها وزخرفة واجهات محالها التجارية ويافطاتها ونصبها التذكارية التي تفتقر لأي حس جمالي والأعلام السوداء والصفراء والخضراء التي تزين أعمدة الكهرباء فيها.
ولا زلت احقد على امي وابي حين انضموا مع الجيران لاستبدال المظهر الجمالي الوحيد في المبنى الذي يقع بيتنا فيه؛ استبدلوا "الأباجور" الأخضر الجميل بالألمنيوم الفضي البارد التافه، في محاولة منهم لمجاراة موضة ذاك الوقت.فوقعت انا أسيرة ديكور ما بعد حداثي وذوق "كيتشيّ" من الدرجة الأولى لا أزال حتى اليوم أحاربه.
أظنهم حين استبدلوا تلك الشبابيك أرادوا أخرى تطل على ايام نهاراتها مشمسة أكثر ولا تخترقها رصاصات الحرب التي مضت مجددا. أرادوها شبابيك واعدة، تدخل على غرف أولادهم أحلاما جميلة ليلاً وفراشات ملونات صباحاً...لم أكن أعي ذلك حينها وكنت لا أزال اكره البيت وشبابيكه.
لم يكونوا يعلمون حينها أن ألأحلام تدخل من "الأباجور" ولن يجلب لهم الألمنيوم سوى الكوابيس، وأنه سيأتي يوماً يتحسرون به على الخشب الأخضر ذاك.
صمد البيت أثناء الكوابيس، دون ان يسمح الخوف لأمي بأن ننزل الى الملجأ كباقي الجيران. لا زلت لا افهم كرهها للملجأ وعنادها، وحرمتني في ذلك من لعبة "البرجيس" التي يعرفها جيل حرب بكامله ...إلا أنا. وحرمت ذاكرتي من رائحة الملجأ والفتها.
هي كرهت الملجأ وأنا كرهت البيت.
في البيت الذي اكرهه زاوية مفضلة لي...ولها. تلك الكنبة التي استبدلت اربعة مرات على مرّ اقامتنا فيه.وضعناها عند مدخل الغرفة على الجهة اليمنى. كنبة القيلولة ومشاهدة التلفزيون وشرب القهوة والتفكير. نتناوب امي وانا عليها ونتشاركها فيما يتشارك الآخرون الكنبات الأخرى. عند زياراتي الآن الى البيت، تترك لي امي الكنبة لأستعملها وحدي واستمتع بها وحدي خلال إقامتي القصيرة.هي أجمل ما في هذا البيت الذي اكرهه.
استغرب فعلا كرهي لمكان عشت فيه كل وقتي وتشاركت معه خوفي والحروب التي مضت.
الآن هو خائف وحده وانا خائفة وحدي.
انا قلقة عليه وهو قلق علي.
محاط بزجاج يتساقط وابنية تتهاوى ونار تأكل كل شيئ.
محاصر بيتي الذي كرهته من دوني.وانا محاصرة من دونه.
محاصر داخل مربع يلتهب. قد تحميه شبابيك الالمنيوم، واباجوره الذي خسره.
لا زال حتى الآن صامد ينتظرني ..وينتظر لكي أعود اليه وأكرهه.
غبيّ ان ظن انني اكرهه بهذه الطريقة. احمق ان ظن انني اتمنى لو يتهاوى او ان لي رغبة في فقدانه.
كرهي له جزءا من ارتباطي به، ومن طبيعة علاقتي به.
كرهي شخصي جداً ولي وحدي قرار التصرف بهذا الكره.
ليس لكرهي سعة لصاروخ او رصاصة حتى. وليس لكرهي سعة لطرف آخر.
في كرهي حبٌ مخبأ، ارجو ان يدركه.