dot
22/07/2006, 18:38
بقلم: الياس حنا.
من مشروع الشرق الاوسط الجديد مع شمعون بيريز، الى مشروع الشرق الاوسط الكبير مع الرئيس جورج بوش، تبقى الساحة الاسلامية عموماً، والساحة العربية خصوصاً هي الاساس، وهي المقصودة بالتغيير المطلوب. هكذا تبدو الساحة العربية ساحة الاختبار وساحة الصراع الجديد. لا بل هي تشكّل، وحُدّدت من الولايات المتحدة كأنها العدو البديل عن الاتحاد السوفياتي. والا فما معنى نقل استراتيجيا الاحتواء الاميركية من الدب الروسي، الى مزيد من الاحتواء للعالم العربي والاسلامي؟ ويكفي هنا ان نرصد الوجود الاميركي العسكري في المنطقة، ونراجع الخطاب الاميركي والحروب التي خِيضت حتى الآن، لنعرف عمق التورّط الاميركي في المنطقة. او بشكل آخر، لنعرف ونعي أهمية المنطقة للاستراتيجيا الاميركية الكبرى، وخصوصاً بعد سقوط الدب الروسي، ووقوع حوادث 11 ايلول .2001
لكن الفرق بين مشروع بيريز وجورج بوش، يتمثل في التوقيت، وفي اختلاف الظروف الدولية والاقليمية جذرياً. ويتمثل خصوصاً في وضع العرب الذي وصل الى أسفل الدرك. مع بيريز، استند المشروع الى دمج اسرائيل Integration في المنطقة عبر توزيع المهمات بين الدول العربية واسرائيل. اما مع بوش، فإن مشروع الشرق الاوسط الكبير، يرتكز على أن يكون العرب هم المنقذون، وهم وسيلة الاختبار، وهم ليسوا شركاء، الا اذا نفّذوا لائحة المطلوبات منهم وهي كبيرة جداً جداً. كما يتناول المشروع الجديد التغيير الجذري لدى العرب في عقولهم كما في قلوبهم.
يعتقد العرب ويشعرون ان تسمية منطقتهم بالشرق الاوسط، هي اصلاً تسمية تنبع من تعصّب عرقي Ethnocentric. فأوروبا بالتحديد في ذلك الوقت، كانت تشكّل قلب العالم ومركزه. وانطلاقاً منها، اي اوروبا، بدأت التسميات. فأتى الشرق الاوسط (1) الادنى وبالتالي الشرق الاقصى. وهم ايضاً الآن، اي العرب، يشعرون انهم ثانية يشكّلون موضوع المناقشة، واطلاق التسميات. فحالياً هم ضمن المنطقة المزمع العمل فيها، ألا وهي الشرق الاوسط الكبير. فماذا عن الشرق الاوسط الكبير؟
لا يمكن النظر والتحليل في المشروع الاميركي الجديد، الا عبر البحث والتمعّن، ومعرفة الاستراتيجيا الاميركية الكبرى Grand Strategy في النظام العالمي الجديد. وفي هذا الاطار يقول المؤرخ الانكليزي بول كينيدي، ان الاستراتيجيات الكبرى يجب ان ترتكز على استراتيجيا للسلم، وعلى استراتيجيا للحرب. اي بمعنى آخر، تقوم استراتيجيا الحرب التي تتبعها الدول الكبرى في الصراعات الدموية، على ما كانت قد اعدّته هذه الدول الكبرى - العظمى، من استراتيجيات أبّان وقت السلم (اي الاستراتيجيا الكبرى ايام السلم). فالسلم عادة، او غياب الحرب كما يفضّل تسميتها الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين، يكون لفترات اطول بكثير من فترات الحرب. لكن واذا وقعت الحرب، فإنه على الدول العظمى ان تستعمل ما كانت قد اعدته ايام السلم. خاضت اميركا الحرب الباردة. خرجت منها تقريباً منتصرة. مُنيت بكارثة 11 ايلول، فقط لانها ارادت استعمال استراتيجيا مرّ عليها الزمن بعد سقوط الدب الروسي. أي بمعنى آخر، لم تنفع الاستراتيجيا الكبرى الاميركية التي اعدّتها ايام السلم للقتال في اوروبا وضد السوفيات، لقتال العدو الجديد عندما تطلّب الامر ذلك. وذلك لأن الوضع تغيّر، وتغيّر العدو، وتبدّلت موازين القوى، واصبح الارهاب تحت الغطاء الديني يشكّل العدو الاول والوحيد وبامتياز، وذلك بحسب ما عبّر عنه المفكّر والخبير في شؤون الارهاب ولتر لاكور في كتابه الجديد "لا نهاية للحرب" (2).
بعد 11 ايلول وبدء الحرب الاميركية على الارهاب، يمكننا القول ان اميركا تريد رسم صورة جديدة للعالم تناسبها. وقد ظهر هذا جلياً في استراتيجيا الامن القومي الاميركية NSS(3). وانطلاقاً من الاستراتيجيا الاميركية الكبرى والتي ظهرت في استراتيجيا الامن القومي، يمكننا القول ان اميركا هي في صدد بناء استراتيجيا كبرى ابان السلم النسبي (كما ذكرنا آنفاً) حالياً تعمد من خلالها الى تثبيت هيمنتها على العالم، وخصوصاً ان كل الظروف الدولية وفي الابعاد كلها، تناسبها بشكل لم يسبق له مثيل. على ان تشكّل هذه الاستراتيجيا ابان السلم العمود الفقري لأي حرب مستقبلية قد تقع. من هنا نلاحظ التغييرات الجذرية الاميركية على صعيد القوات المسلحة، من تسليح، تنظيم وطريقة قتال جديدة، وثورة في الشؤون العسكرية التي تخوضها اميركا في ظل عجز الدول الكبرى الاخرى عن مجاراتها في هذا المجال. انطلاقاً من هذه الصورة الكبرى، وهذه المقاربة، علينا ان نفهم، او ان نضع ونعي المشروع الاميركي للشرق الاوسط الكبير. فهو جزء من كل. لكن اهميته، او قلقنا منه، ينبع من انه يتناولنا مباشرة كما ذكرنا سابقاً.
ركائز الاستراتيجيا الاميركية
ترتكز الاستراتيجيا الاميركية الكبرى على الامور الآتية:
- منع وقوع اي حادثة مماثلة لـ11 ايلول على الارض الاميركية.
- لذلك وجب ضرب الارهاب اينما كان، ومنعه من حيازة اسلحة الدمار الشامل.
- منع قيام أي منافس لها على صعيد الدول الكبرى، او قيام اي تكتلات قد تهدّد هيمنتها في المستقبل.
واخيراً وليس آخراً، نشر القيم التي ترتكز عليها الديموقراطية الاميركية حتى ولو بحدّ السيف.
في اختصار تريد اميركا تأمين السلام العالمي عبر الامبراطورية المهيمنة Peace through hegemony.
وتنفيذاً لذلك، بدأت اميركا، او هي قيد إجراء تعديلات جذرية على اوضاعها السابقة وفي الابعاد كلها: العسكرية، الاقتصادية والسياسية. وفي دراسة، او تقرير رفعه البنتاغون الى الكونغرس يحدّد فيه كيفية مقاربته لتنفيذ الاستراتيجيا الاميركية الكبرى على المسارح العالمية لتحقيق الاهداف الاميركية، اقترح ما يأتي:
- العمل على ترتيب الاوضاع الاقليمية في كل مسرح مهم. على كل، كانت اميركا قد قسمت العالم مناطق عسكرية مهمة على رأسها جنرال برتبة اربع نجوم.
- في كل منطقة اقترح البنتاغون في تقريره ان تسيطر اميركا على المسرح من خلال اتباع مفهوم توازن القوى بين الدول الموجودة في هذا المسرح.
- أن يكون لاميركا وجود عسكري عصري يمكنه حسم اي معركة او ازمة قد تنشأ، وذلك من دون انتظار مجيء قوات جديدة من مسارح اخرى.
- من هنا نلاحظ قرارات وزير الدفاع رونالد رامسفيلد لاعادة تحديث القوات الاميركية، واعادة انتشارها على قواعد جديدة تعالج الاخطار المستجدة.
- وتبدو المؤشرات التي تثبت هذا السلوك جلية على المسرح الآسيوي مع كل من كوريا الجنوبية، اليابان واوستراليا والتي تشكّل المثلث الاستراتيجي الأهم للولايات المتحدة، وخصوصاً بعد 11 ايلول، وبدء صعود الصين، بالاضافة الى معضلة كوريا الشمالية. يُضاف الى هذا طلب مُهم تقدمت به الهند تطلب فيه من الولايات المتحدة ان تضعها كدولة ضمن مسؤولية القيادة الوسطى، بدل ان تكون في نطاق قيادة الباسفيك Pacific Command. واذا تحقق هذا الامر، فإن الهند ستصبح لاعباً اساسياً على الساحة الاسلامية عموماً والعربية خصوصا. وقد يُفسّر هذا الطلب ما وصلت اليه العلاقة الهندية - الاسرائيلية، في مجال التبادل والتعاون العسكريين.
من مشروع الشرق الاوسط الجديد مع شمعون بيريز، الى مشروع الشرق الاوسط الكبير مع الرئيس جورج بوش، تبقى الساحة الاسلامية عموماً، والساحة العربية خصوصاً هي الاساس، وهي المقصودة بالتغيير المطلوب. هكذا تبدو الساحة العربية ساحة الاختبار وساحة الصراع الجديد. لا بل هي تشكّل، وحُدّدت من الولايات المتحدة كأنها العدو البديل عن الاتحاد السوفياتي. والا فما معنى نقل استراتيجيا الاحتواء الاميركية من الدب الروسي، الى مزيد من الاحتواء للعالم العربي والاسلامي؟ ويكفي هنا ان نرصد الوجود الاميركي العسكري في المنطقة، ونراجع الخطاب الاميركي والحروب التي خِيضت حتى الآن، لنعرف عمق التورّط الاميركي في المنطقة. او بشكل آخر، لنعرف ونعي أهمية المنطقة للاستراتيجيا الاميركية الكبرى، وخصوصاً بعد سقوط الدب الروسي، ووقوع حوادث 11 ايلول .2001
لكن الفرق بين مشروع بيريز وجورج بوش، يتمثل في التوقيت، وفي اختلاف الظروف الدولية والاقليمية جذرياً. ويتمثل خصوصاً في وضع العرب الذي وصل الى أسفل الدرك. مع بيريز، استند المشروع الى دمج اسرائيل Integration في المنطقة عبر توزيع المهمات بين الدول العربية واسرائيل. اما مع بوش، فإن مشروع الشرق الاوسط الكبير، يرتكز على أن يكون العرب هم المنقذون، وهم وسيلة الاختبار، وهم ليسوا شركاء، الا اذا نفّذوا لائحة المطلوبات منهم وهي كبيرة جداً جداً. كما يتناول المشروع الجديد التغيير الجذري لدى العرب في عقولهم كما في قلوبهم.
يعتقد العرب ويشعرون ان تسمية منطقتهم بالشرق الاوسط، هي اصلاً تسمية تنبع من تعصّب عرقي Ethnocentric. فأوروبا بالتحديد في ذلك الوقت، كانت تشكّل قلب العالم ومركزه. وانطلاقاً منها، اي اوروبا، بدأت التسميات. فأتى الشرق الاوسط (1) الادنى وبالتالي الشرق الاقصى. وهم ايضاً الآن، اي العرب، يشعرون انهم ثانية يشكّلون موضوع المناقشة، واطلاق التسميات. فحالياً هم ضمن المنطقة المزمع العمل فيها، ألا وهي الشرق الاوسط الكبير. فماذا عن الشرق الاوسط الكبير؟
لا يمكن النظر والتحليل في المشروع الاميركي الجديد، الا عبر البحث والتمعّن، ومعرفة الاستراتيجيا الاميركية الكبرى Grand Strategy في النظام العالمي الجديد. وفي هذا الاطار يقول المؤرخ الانكليزي بول كينيدي، ان الاستراتيجيات الكبرى يجب ان ترتكز على استراتيجيا للسلم، وعلى استراتيجيا للحرب. اي بمعنى آخر، تقوم استراتيجيا الحرب التي تتبعها الدول الكبرى في الصراعات الدموية، على ما كانت قد اعدّته هذه الدول الكبرى - العظمى، من استراتيجيات أبّان وقت السلم (اي الاستراتيجيا الكبرى ايام السلم). فالسلم عادة، او غياب الحرب كما يفضّل تسميتها الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين، يكون لفترات اطول بكثير من فترات الحرب. لكن واذا وقعت الحرب، فإنه على الدول العظمى ان تستعمل ما كانت قد اعدته ايام السلم. خاضت اميركا الحرب الباردة. خرجت منها تقريباً منتصرة. مُنيت بكارثة 11 ايلول، فقط لانها ارادت استعمال استراتيجيا مرّ عليها الزمن بعد سقوط الدب الروسي. أي بمعنى آخر، لم تنفع الاستراتيجيا الكبرى الاميركية التي اعدّتها ايام السلم للقتال في اوروبا وضد السوفيات، لقتال العدو الجديد عندما تطلّب الامر ذلك. وذلك لأن الوضع تغيّر، وتغيّر العدو، وتبدّلت موازين القوى، واصبح الارهاب تحت الغطاء الديني يشكّل العدو الاول والوحيد وبامتياز، وذلك بحسب ما عبّر عنه المفكّر والخبير في شؤون الارهاب ولتر لاكور في كتابه الجديد "لا نهاية للحرب" (2).
بعد 11 ايلول وبدء الحرب الاميركية على الارهاب، يمكننا القول ان اميركا تريد رسم صورة جديدة للعالم تناسبها. وقد ظهر هذا جلياً في استراتيجيا الامن القومي الاميركية NSS(3). وانطلاقاً من الاستراتيجيا الاميركية الكبرى والتي ظهرت في استراتيجيا الامن القومي، يمكننا القول ان اميركا هي في صدد بناء استراتيجيا كبرى ابان السلم النسبي (كما ذكرنا آنفاً) حالياً تعمد من خلالها الى تثبيت هيمنتها على العالم، وخصوصاً ان كل الظروف الدولية وفي الابعاد كلها، تناسبها بشكل لم يسبق له مثيل. على ان تشكّل هذه الاستراتيجيا ابان السلم العمود الفقري لأي حرب مستقبلية قد تقع. من هنا نلاحظ التغييرات الجذرية الاميركية على صعيد القوات المسلحة، من تسليح، تنظيم وطريقة قتال جديدة، وثورة في الشؤون العسكرية التي تخوضها اميركا في ظل عجز الدول الكبرى الاخرى عن مجاراتها في هذا المجال. انطلاقاً من هذه الصورة الكبرى، وهذه المقاربة، علينا ان نفهم، او ان نضع ونعي المشروع الاميركي للشرق الاوسط الكبير. فهو جزء من كل. لكن اهميته، او قلقنا منه، ينبع من انه يتناولنا مباشرة كما ذكرنا سابقاً.
ركائز الاستراتيجيا الاميركية
ترتكز الاستراتيجيا الاميركية الكبرى على الامور الآتية:
- منع وقوع اي حادثة مماثلة لـ11 ايلول على الارض الاميركية.
- لذلك وجب ضرب الارهاب اينما كان، ومنعه من حيازة اسلحة الدمار الشامل.
- منع قيام أي منافس لها على صعيد الدول الكبرى، او قيام اي تكتلات قد تهدّد هيمنتها في المستقبل.
واخيراً وليس آخراً، نشر القيم التي ترتكز عليها الديموقراطية الاميركية حتى ولو بحدّ السيف.
في اختصار تريد اميركا تأمين السلام العالمي عبر الامبراطورية المهيمنة Peace through hegemony.
وتنفيذاً لذلك، بدأت اميركا، او هي قيد إجراء تعديلات جذرية على اوضاعها السابقة وفي الابعاد كلها: العسكرية، الاقتصادية والسياسية. وفي دراسة، او تقرير رفعه البنتاغون الى الكونغرس يحدّد فيه كيفية مقاربته لتنفيذ الاستراتيجيا الاميركية الكبرى على المسارح العالمية لتحقيق الاهداف الاميركية، اقترح ما يأتي:
- العمل على ترتيب الاوضاع الاقليمية في كل مسرح مهم. على كل، كانت اميركا قد قسمت العالم مناطق عسكرية مهمة على رأسها جنرال برتبة اربع نجوم.
- في كل منطقة اقترح البنتاغون في تقريره ان تسيطر اميركا على المسرح من خلال اتباع مفهوم توازن القوى بين الدول الموجودة في هذا المسرح.
- أن يكون لاميركا وجود عسكري عصري يمكنه حسم اي معركة او ازمة قد تنشأ، وذلك من دون انتظار مجيء قوات جديدة من مسارح اخرى.
- من هنا نلاحظ قرارات وزير الدفاع رونالد رامسفيلد لاعادة تحديث القوات الاميركية، واعادة انتشارها على قواعد جديدة تعالج الاخطار المستجدة.
- وتبدو المؤشرات التي تثبت هذا السلوك جلية على المسرح الآسيوي مع كل من كوريا الجنوبية، اليابان واوستراليا والتي تشكّل المثلث الاستراتيجي الأهم للولايات المتحدة، وخصوصاً بعد 11 ايلول، وبدء صعود الصين، بالاضافة الى معضلة كوريا الشمالية. يُضاف الى هذا طلب مُهم تقدمت به الهند تطلب فيه من الولايات المتحدة ان تضعها كدولة ضمن مسؤولية القيادة الوسطى، بدل ان تكون في نطاق قيادة الباسفيك Pacific Command. واذا تحقق هذا الامر، فإن الهند ستصبح لاعباً اساسياً على الساحة الاسلامية عموماً والعربية خصوصا. وقد يُفسّر هذا الطلب ما وصلت اليه العلاقة الهندية - الاسرائيلية، في مجال التبادل والتعاون العسكريين.