dot
30/07/2006, 19:23
بقلم: نبيل أبو جعفر .
لم تجر الرياح كما تشتهي سفن براميل "طوال العمر" عندما تعدّى القتال "الأيام الستة" دون حسم فاضطروا الى اجراء تعديل بسيط على موقفهم!!
استغرب البعض مسارعة السعودية الى تحميل المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله مسؤولية العملية العسكرية التي أدت الى أسر جنديين اسرائيليين واعتبارها "مغامرة غير محسوبة تمّت دون الرجوع الى السلطة الشرعية"!
ولكن أحداً لم يتوقّف مليّاً أمام ربط الناطق الرسمي باسم "طويلي العمر"، بين هذه العملية وعملية أسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط في قطاع غزة بأسلوب خبيث، يمكن أن يقرأه كل طرفٍ على هواه، ويأخذه بالمعنى الذي يريده، خصوصاً عند قوله بالنص: ان المملكة إذ تستعرض بقلق بالغ الأحداث المؤلمة الدامية التي تدور في فلسطين ولبنان، تودّ أن تُعلن بوضوح أنه لا بدّ من التفرقة بين المقاومة الشرعية و بين المغامرات غير المحسوبة التي تقوم بها عناصر داخل الدولة ومن ورائها، دون الرجوع الى السلطة الشرعية في دولتها، ودون التشاور مع الدول العربية"!!
هذا الأسلوب الحربائي والمبطّن في الخلط والتعميم دون تسمية، يمكن أن يحتمل أكثر من تفسير، وأن ينطبق مضمونه على أكثر من تنظيم، فضلاً عن انسجامه مع التصرّف التاريخي للمملكة بوجهين ولسانين، الذي يفسح المجال للمسؤولين السعوديين سحبه على العمليتين – إذا أرادوا -، أو إشعار حركة حماس – إذا ما أُحرجوا – بأنها ليست هي المقصودة كحزب الله!
ولكن الأميركان وحلفاءهم لا يرون فيه غير تفسير واحد يشمل كلاً من الحزب والحركة في آن، على اعتبار أن التنظيمين "ارهابيين" في نظرهم، كما أن "الوصف" السعودي التعميمي يمكن أن ينطبق على الاثنين معا!!
وحيث أن الثابت عدم عودة حزب الله الى دولته ليسألها المشورة، وقد "فاجأها" بتوقيته للعملية، حسب الكلام السعودي، وتصريحات أكثر من نصف أعضاء الوزارة اللبنانية المشترى معظمها بالريال والبرميل، فإن حركة حماس ليست أكثر التزاماً منه بالمشورة والتوقيت، لأنها لم تعد هي الأخرى الى دولتها، ذلك لأن هذه الدولة – التي لم تقم بعد – تتمثّل في نظر الأميركان وحلفائهم بالرئيس محمود عباس، وتُختزل بشخصه حصراً، وهو لم يُستَشَر أيضاً في عملية خطف جلعاد، وفوجئ بتوقيتها كذلك!
هذه القراءة المزدوجة لما يعنيه الموقف السعودي الرسمي لا يُمكن أن تكون قد غابت عن ذهن "طويلي العمر" عندما نَحَتوا بيانهم "التاريخي"، وما زالوا مصممين على جوهره وسط لهيب النيران التي تأكل لبنان وتقتل أبناءه (وكذلك الأمر في فلسطين)، مكتفين كعادتهم بإبداء استعدادهم للتبرع المالي من أجل "دعم الأخوان في لبنان"، وهذا التبرع الذي يعادل "كبسة زر" لنصف يوم أو أكثر أو أقل من انتاج المملكة النفطي، لا يتناقض – بالمناسبة – مع تحذيرهم بأن "الوقت قد حان كي تتحمّل هذه العناصر المسؤولية الكاملة عن هذه التصرفات، وأن يقع عليها وحدها عبء الأزمة التي أوجدتها"!، أي بصريح العبارة أن يدفع حزب الله – وغيره- ثمن هذه المغامرات، سياسياً وعسكرياً.. الخ، باعتبار أنهم سيُهزمون حتماً في نظر حكام المملكة!
غير أن الرياح لم تجر كما تشتهي سفن براميل النفط، فبعد مرور "الأيام الستة" الأولى من العدوان، واستمرار الفعل المقاوم على أشدّه وأكثر، دون أن يحصل ما حصل في "حرب الأيام الستة" – كما تصوّروا أو وُعدوا – أصبح لزاماً على "طويلي العمر" أن يتصرّفوا، ففاجأنا مجلس وزرائهم الذي ترأسه الملك عبد الله بادخال "تعديل بسيط" على موقفه استوجب الإشارة السريعة الى "الحرب الاسرائيلية المسعورة"، والغمز من قناة حماس الى جانب حزب الله، على ما أسماه "انفلات بعض العناصر والتيارات وانزلاقها الى قرارات منفردة استغلّتها اسرائيل أبشع استغلال في لبنان وفلسطين"، للتخفيف من ردود الفعل الغاضبة حتى داخل السعودية على الموقف المندّد لعملية حزب الله.
الممكن وغير الممكن
لا شك أن السعودية تدرك – كما نُدرك – أن الموقف من الحزب ذاته أو أي حزب، يمكن أن يختلف عليه أي اثنين، وهذا أمرُ طبيعي، لكن الفعل المقاوم للاحتلال لا يُمكن التعامل معه بأسلوب المناكفة والعداء، ولا يجوز التشكيك فيه، فكيف بتحميله وحده كامل المسؤولية دون الاشارة ولو ذراً للرماد في العيون الى مسؤولية اسرائيل وإجرامها المكثف، وغطرستها في التعامل مع قضية أسرانا ومعتقلينا، حتى أصبح من الطبيعي أن يهزّ أسر جندي اسرائيلي الكرة الأرضية، ولا يرفّ جفنُ لأحد أمام تدمير بلدٍ تلو آخر وقتل شعبيهما والاحتفاظ بآلاف الأسرى لدى الكيان الصهيوني!
من البديهي القول أن هذا الموقف المبدئي لا ينطبق فقط على لبنان وفلسطين والعراق وغيرها، بل على السعودية ذاتها إذا ما تعرّضت للعدوان وقرّرت أن تقاوم بالسلاح، وقد دَفَعَنا الى التأكيد عليه أن الموقف السعودي الرسمي أتى بعد عدة أيام فقط من حديث غريب تفوّه به الأمير تركي الفيصل، سفير المملكة في واشنطن، أمام ندوة المنتدى العربي – الأميركي بالعاصمة الأميركية، وقد استوقف كلامه زميلنا عبد الباري عطوان، رئيس تحرير "القدس العربي" في افتتاحية يوم 12 تموز/ يوليو الجاري، خصوصاً عندما قال " أن أبرز التحدّيات التي تواجهها بلاده هي "إقناع الفلسطينيين بالتخلّي عن النضال المسلّح" وانتهاج أسلوب المهاتما غاندي، ومارتن لوثر كنغ، في اعتماد الاعتراض السلمي والعصيان المدني!
.. ولأن هذا الكلام قد أتى بعد عدة أيام أيضاً من خطف الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط، فقد استغربه زميلنا عبد الباري أكثر، انطلاقاً من أن الأمير "أحد أحفاد الملك عبد العزيز الذي وحّد السعودية بالسيف، وأن بلده هي التي دعمت المجاهدين الأفغان، وأنه البلد الذي انطلقت منه الدعوة المحمدية وجيوش الفتح الاسلامي" كما قال.
طبعاً يدرك عبد الباري مثلنا وأكثر أن هذه الفقرة الأخيرة حول الدعوة والفتوحات لا علاقة لها بآل سعود من قريب أو بعيد، ومع ذلك، اعتبر أن الموقف السعودي يحتاج الى وقفة لمناقشته "بالعقل والمنطق"، على اعتبار أنه مفاجئ وغريب "!"، مع أن العقل والمنطق يعكسان دون أي نقاش أنه الوجه الحقيقي لمملكة آل سعود بلا مساحيق ولا "مكياج"!
لن ندلّل على غرابته بكلام للرئيس الأسير صدام حسين قاله قبل 17 عاماً من اليوم في اجتماع رسمي عقد ببغداد في أحد أيام رمضان من العام 1989، بين القيادة العراقية وكامل أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بحضور الشيخ عبد الحميد السائح، عندما قال في سياق استعراض المواقف السعودية المشتطّة في الابتعاد عن القضية الأساس: "كابول ليست أولى القبلتين ولا ثالث الحرمين الشريفين، انها القدس". بل سندلل على ذلك بكلام للأمير تركي نفسه الذي قال متبجحاً بعد احتلال العراق، وقد كان يومها سفيراً لبلاده في لندن "إن المملكة حاولت جاهدة طوال عشر سنوات اقناع الولايات المتحدة باسقاط نظام صدام ولكنها لم تفلح"!
قالها بلسان فصيح كفصاحة حديثه عن محاولة المملكة الجادّة اقناع الفلسطينيين بالتخلّي عن النضال المسلح وانتهاج أسلوب غاندي ولوثر كنج، وهذا يثبت للأعمى أن كلام السعودية شيء وما تفعله شيء آخر، وأن تأكيدها النفاقي المستمر على عدم التدخل في شؤون الأشقاء والدول الأخرى ليس إلا الصورة المُجمّلة للوجه القبيح.
وعليه، فإن أي نقد "مهذّب" لسياسة السعودية وما تقوم به، كما لو كان الأمر لا يعدو مجرّد اختلاف في وجهات النظر، ولا بدّ أن يُساهم أكثر في طمس هذه الحقيقة التي لا تجرؤ على كشفها الصحف، ولا حتى الأقلام الحرّة، إما خوفاً من ملاحقة أنظمتها لها تحت بند "إساءة العلاقة مع الأشقاء"، أو خشية ملاحقتها أمام القضاء بدون هوادة، بفعل تأثير المال وثقل البرميل... وغير ذلك!
من إمام اليمن الى اليوم
الحقيقة المسكوت عنها تتلخص في أن المملكة كانت وما تزال تخوض معارك غيرها ضد أمتها على الدوام. وباستثناء معركة توحيدها بالسيف لأجل أن تُحكَمْ من قبل آل سعود، فقد دأبت المملكة على العمل كمعولٍ بيد الادارات الأميركية المتعاقبة، ليس بدءاً بحرب اليمن، ولا انتهاء بأفغانستان والعراق أو حتى ملاحقة جماعة بن لادن داخل الأزقّة وبيوت الناس.
لم تجر الرياح كما تشتهي سفن براميل "طوال العمر" عندما تعدّى القتال "الأيام الستة" دون حسم فاضطروا الى اجراء تعديل بسيط على موقفهم!!
استغرب البعض مسارعة السعودية الى تحميل المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله مسؤولية العملية العسكرية التي أدت الى أسر جنديين اسرائيليين واعتبارها "مغامرة غير محسوبة تمّت دون الرجوع الى السلطة الشرعية"!
ولكن أحداً لم يتوقّف مليّاً أمام ربط الناطق الرسمي باسم "طويلي العمر"، بين هذه العملية وعملية أسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط في قطاع غزة بأسلوب خبيث، يمكن أن يقرأه كل طرفٍ على هواه، ويأخذه بالمعنى الذي يريده، خصوصاً عند قوله بالنص: ان المملكة إذ تستعرض بقلق بالغ الأحداث المؤلمة الدامية التي تدور في فلسطين ولبنان، تودّ أن تُعلن بوضوح أنه لا بدّ من التفرقة بين المقاومة الشرعية و بين المغامرات غير المحسوبة التي تقوم بها عناصر داخل الدولة ومن ورائها، دون الرجوع الى السلطة الشرعية في دولتها، ودون التشاور مع الدول العربية"!!
هذا الأسلوب الحربائي والمبطّن في الخلط والتعميم دون تسمية، يمكن أن يحتمل أكثر من تفسير، وأن ينطبق مضمونه على أكثر من تنظيم، فضلاً عن انسجامه مع التصرّف التاريخي للمملكة بوجهين ولسانين، الذي يفسح المجال للمسؤولين السعوديين سحبه على العمليتين – إذا أرادوا -، أو إشعار حركة حماس – إذا ما أُحرجوا – بأنها ليست هي المقصودة كحزب الله!
ولكن الأميركان وحلفاءهم لا يرون فيه غير تفسير واحد يشمل كلاً من الحزب والحركة في آن، على اعتبار أن التنظيمين "ارهابيين" في نظرهم، كما أن "الوصف" السعودي التعميمي يمكن أن ينطبق على الاثنين معا!!
وحيث أن الثابت عدم عودة حزب الله الى دولته ليسألها المشورة، وقد "فاجأها" بتوقيته للعملية، حسب الكلام السعودي، وتصريحات أكثر من نصف أعضاء الوزارة اللبنانية المشترى معظمها بالريال والبرميل، فإن حركة حماس ليست أكثر التزاماً منه بالمشورة والتوقيت، لأنها لم تعد هي الأخرى الى دولتها، ذلك لأن هذه الدولة – التي لم تقم بعد – تتمثّل في نظر الأميركان وحلفائهم بالرئيس محمود عباس، وتُختزل بشخصه حصراً، وهو لم يُستَشَر أيضاً في عملية خطف جلعاد، وفوجئ بتوقيتها كذلك!
هذه القراءة المزدوجة لما يعنيه الموقف السعودي الرسمي لا يُمكن أن تكون قد غابت عن ذهن "طويلي العمر" عندما نَحَتوا بيانهم "التاريخي"، وما زالوا مصممين على جوهره وسط لهيب النيران التي تأكل لبنان وتقتل أبناءه (وكذلك الأمر في فلسطين)، مكتفين كعادتهم بإبداء استعدادهم للتبرع المالي من أجل "دعم الأخوان في لبنان"، وهذا التبرع الذي يعادل "كبسة زر" لنصف يوم أو أكثر أو أقل من انتاج المملكة النفطي، لا يتناقض – بالمناسبة – مع تحذيرهم بأن "الوقت قد حان كي تتحمّل هذه العناصر المسؤولية الكاملة عن هذه التصرفات، وأن يقع عليها وحدها عبء الأزمة التي أوجدتها"!، أي بصريح العبارة أن يدفع حزب الله – وغيره- ثمن هذه المغامرات، سياسياً وعسكرياً.. الخ، باعتبار أنهم سيُهزمون حتماً في نظر حكام المملكة!
غير أن الرياح لم تجر كما تشتهي سفن براميل النفط، فبعد مرور "الأيام الستة" الأولى من العدوان، واستمرار الفعل المقاوم على أشدّه وأكثر، دون أن يحصل ما حصل في "حرب الأيام الستة" – كما تصوّروا أو وُعدوا – أصبح لزاماً على "طويلي العمر" أن يتصرّفوا، ففاجأنا مجلس وزرائهم الذي ترأسه الملك عبد الله بادخال "تعديل بسيط" على موقفه استوجب الإشارة السريعة الى "الحرب الاسرائيلية المسعورة"، والغمز من قناة حماس الى جانب حزب الله، على ما أسماه "انفلات بعض العناصر والتيارات وانزلاقها الى قرارات منفردة استغلّتها اسرائيل أبشع استغلال في لبنان وفلسطين"، للتخفيف من ردود الفعل الغاضبة حتى داخل السعودية على الموقف المندّد لعملية حزب الله.
الممكن وغير الممكن
لا شك أن السعودية تدرك – كما نُدرك – أن الموقف من الحزب ذاته أو أي حزب، يمكن أن يختلف عليه أي اثنين، وهذا أمرُ طبيعي، لكن الفعل المقاوم للاحتلال لا يُمكن التعامل معه بأسلوب المناكفة والعداء، ولا يجوز التشكيك فيه، فكيف بتحميله وحده كامل المسؤولية دون الاشارة ولو ذراً للرماد في العيون الى مسؤولية اسرائيل وإجرامها المكثف، وغطرستها في التعامل مع قضية أسرانا ومعتقلينا، حتى أصبح من الطبيعي أن يهزّ أسر جندي اسرائيلي الكرة الأرضية، ولا يرفّ جفنُ لأحد أمام تدمير بلدٍ تلو آخر وقتل شعبيهما والاحتفاظ بآلاف الأسرى لدى الكيان الصهيوني!
من البديهي القول أن هذا الموقف المبدئي لا ينطبق فقط على لبنان وفلسطين والعراق وغيرها، بل على السعودية ذاتها إذا ما تعرّضت للعدوان وقرّرت أن تقاوم بالسلاح، وقد دَفَعَنا الى التأكيد عليه أن الموقف السعودي الرسمي أتى بعد عدة أيام فقط من حديث غريب تفوّه به الأمير تركي الفيصل، سفير المملكة في واشنطن، أمام ندوة المنتدى العربي – الأميركي بالعاصمة الأميركية، وقد استوقف كلامه زميلنا عبد الباري عطوان، رئيس تحرير "القدس العربي" في افتتاحية يوم 12 تموز/ يوليو الجاري، خصوصاً عندما قال " أن أبرز التحدّيات التي تواجهها بلاده هي "إقناع الفلسطينيين بالتخلّي عن النضال المسلّح" وانتهاج أسلوب المهاتما غاندي، ومارتن لوثر كنغ، في اعتماد الاعتراض السلمي والعصيان المدني!
.. ولأن هذا الكلام قد أتى بعد عدة أيام أيضاً من خطف الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط، فقد استغربه زميلنا عبد الباري أكثر، انطلاقاً من أن الأمير "أحد أحفاد الملك عبد العزيز الذي وحّد السعودية بالسيف، وأن بلده هي التي دعمت المجاهدين الأفغان، وأنه البلد الذي انطلقت منه الدعوة المحمدية وجيوش الفتح الاسلامي" كما قال.
طبعاً يدرك عبد الباري مثلنا وأكثر أن هذه الفقرة الأخيرة حول الدعوة والفتوحات لا علاقة لها بآل سعود من قريب أو بعيد، ومع ذلك، اعتبر أن الموقف السعودي يحتاج الى وقفة لمناقشته "بالعقل والمنطق"، على اعتبار أنه مفاجئ وغريب "!"، مع أن العقل والمنطق يعكسان دون أي نقاش أنه الوجه الحقيقي لمملكة آل سعود بلا مساحيق ولا "مكياج"!
لن ندلّل على غرابته بكلام للرئيس الأسير صدام حسين قاله قبل 17 عاماً من اليوم في اجتماع رسمي عقد ببغداد في أحد أيام رمضان من العام 1989، بين القيادة العراقية وكامل أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بحضور الشيخ عبد الحميد السائح، عندما قال في سياق استعراض المواقف السعودية المشتطّة في الابتعاد عن القضية الأساس: "كابول ليست أولى القبلتين ولا ثالث الحرمين الشريفين، انها القدس". بل سندلل على ذلك بكلام للأمير تركي نفسه الذي قال متبجحاً بعد احتلال العراق، وقد كان يومها سفيراً لبلاده في لندن "إن المملكة حاولت جاهدة طوال عشر سنوات اقناع الولايات المتحدة باسقاط نظام صدام ولكنها لم تفلح"!
قالها بلسان فصيح كفصاحة حديثه عن محاولة المملكة الجادّة اقناع الفلسطينيين بالتخلّي عن النضال المسلح وانتهاج أسلوب غاندي ولوثر كنج، وهذا يثبت للأعمى أن كلام السعودية شيء وما تفعله شيء آخر، وأن تأكيدها النفاقي المستمر على عدم التدخل في شؤون الأشقاء والدول الأخرى ليس إلا الصورة المُجمّلة للوجه القبيح.
وعليه، فإن أي نقد "مهذّب" لسياسة السعودية وما تقوم به، كما لو كان الأمر لا يعدو مجرّد اختلاف في وجهات النظر، ولا بدّ أن يُساهم أكثر في طمس هذه الحقيقة التي لا تجرؤ على كشفها الصحف، ولا حتى الأقلام الحرّة، إما خوفاً من ملاحقة أنظمتها لها تحت بند "إساءة العلاقة مع الأشقاء"، أو خشية ملاحقتها أمام القضاء بدون هوادة، بفعل تأثير المال وثقل البرميل... وغير ذلك!
من إمام اليمن الى اليوم
الحقيقة المسكوت عنها تتلخص في أن المملكة كانت وما تزال تخوض معارك غيرها ضد أمتها على الدوام. وباستثناء معركة توحيدها بالسيف لأجل أن تُحكَمْ من قبل آل سعود، فقد دأبت المملكة على العمل كمعولٍ بيد الادارات الأميركية المتعاقبة، ليس بدءاً بحرب اليمن، ولا انتهاء بأفغانستان والعراق أو حتى ملاحقة جماعة بن لادن داخل الأزقّة وبيوت الناس.