إنسان وبس
01/08/2006, 20:17
فتنة الوهابية
اعلم أن السلطان سليم الثالث حدث في مدة سلطنته فتن كثيرة منها ما تقدم ذكره ومنها فتنة الوهابية التي كانت في الحجاز حتى استولوا على الحرمين ومنعوا وصول الحج الشامي والمصري ومنها فتنة الفرنسيس لما استولوا على مصر من سنة ثلاث عشرة سنة الى ست عشرة ولنذكر ما يتعلق بهاتين الفتنتين علي سبيل الاختصار لأن كلا منهما مذكور تفصيلا في التواريخ وأفرد كل منهما بتأليف رسائل مخصوصة، أما فتنة الوهابية فكان ابتداء القتال فيها بينهم وبين أمير مكة مولانا الشريف غالب بن مساعد وهو نائب من جهة السلطنة العلية على الاقطار الحجازية وابتداء القتال بينهم وبينه من سنة خمس بعد المائتين والألف وكان ذلك في مدة سلطنة مولانا السلطان سليم الثالث ابن السلطان مصطفى الثالث ابن أحمد (وأما ابتداء أول ظهور الوهابية) فكان قبل ذلك بسنين كثيرة وكانت قوتهم وشوكتهم في بلادهم أولا ثم كثر شرهم وتزايد ضررهم واتسع ملكهم وقتلوا من الخلائق ما لا يحصون واستباحوا أموالهم وسبوا نساءهم وكان مؤسس مذهبهم الخبيث محمد بن عبدالوهاب وأصله من المشرق من بني تميم وكان من المعمرين فكاد يعد من المنظرين لأنه عاش قريب مائة سنة حتى انتشر عنه ضلالهم، كانت ولادته سنة ألف ومائة وإحدى عشرة وهلك سنة ألف ومائتين وأرخه بعضهم بقوله:
(بدا هلاك الخبيث) 1206
وكان في ابتداء أمره من طلبة العلم بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وكان أبوه رجلا صالحاً من أهل العلم وكذا أخوه الشيخ سليمان وكان أبوه وأخوه ومشايخه يتفرسون فيه أنه سيكون منه زيغ وضلال لما يشاهدونه من أقواله وأفعاله ونزعاته في كثير من المسائل، وكانوا يوبخونه ويحذرون الناس منه فحقق الله فراستهم فيه لما ابتدع ما ابتدعه من الزيغ والضلال الذي أغوى به الجاهلين وخالف فيه أئمة الدين وتوصل بذلك إلى تكفير المؤمنين فزعم أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم والتوسل به وبالأنبياء والأولياء والصالحين وزيارة قبورهم شرك وأن نداء النبي صلى الله عليه وسلّم عند التوسل به شرك وكذا نداء غيره من الأنبياء والأولياء والصالحين عند التوسل بهم شرك وأن من أسند شيئا لغير الله ولو على سبيل المجاز العقلي يكون مشركا نحو نفعني هذا الدواء وهذا الولي الفلاني عند التوسل به في شيء وتمسك بأدلة لا تنتج له شيئا من مرامه وأتى بعبارات مزورة زخرفها ولبس بها على العوام حتى تبعوه وألف لهم في ذلك رسائل حتى اعتقدوا كفر أكثر أهل التوحيد، واتصل بأمراء المشرق أهل الدرعية ومكث عندهم حتى نصروه وقاموا بدعوته وجعلوا ذلك وسيلة إلى تقوية ملكهم واتساعه وتسلطوا على الأعراب وأهل البوادي حتى تبعوهم وصاروا جنداً لهم بلا عوض وصاروا يعتقدون أن من لم يعتقد ما قاله ابن عبد الوهاب فهو كافر مشرك مهدر الدم والمال، وكان ابتداء ظهور أمره سنة ألف ومائة وثلاث وأربعين وابتداء انتشاره من بعد الخمسين ومائة وألف. وألّف العلماء رسائل كثيرة للرد عليه حتى أخوه الشيخ سليمان وبقية مشايخه وكان ممن قام بنصرته وانتشار دعوته من أمراء المشرق محمد بن سعود أمير الدرعية وكان من بني حنيفة قوم مسيلمة الكذاب، ولما مات محمد بن سعود قام بها ولده عبدالعزيز ابن محمد بن سعود، وكان كثير من مشايخ ابن عبدالوهاب بالمدينة يقولون سيضل هذا أو يضل الله به من أبعده وأشقاه فكان الأمر كذلك وزعم محمد بن عبد الوهاب أن مراده بهذا المذهب الذي ابتدعه إخلاص التوحيد والتبري من الشرك وأن الناس كانوا على شرك منذ ستمائة وأنه جدد للناس دينهم وحمل الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على أهل التوحيد كقوله تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) وكقوله تعالى ( ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك ) وكقوله تعالى ( والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشىء) (الرعد: 15) وأمثال هذه الآيات في القرآن كثيرة: فقال محمد بن عبدالوهاب من استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلّم أو بغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين أو ناداه أو سأله الشفاعة فإنه مثل هؤلاء المشركين ويدخل في عموم هذه الآيات وجعل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم وغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين مثل ذلك وقال في قوله تعالى حكاية عن المشركين في عبادة الأصنام ما إلا لتقربونا إلى الله زلفى إن المتوسلين مثل هؤلاء المشركين الذين يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى قال: فإن المشركين ما اعتقدوا في الأصنام أنها تخلق شيئا بل يعتقدون أن الخالق هو الله تعالى بدليل قوله تعالى (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنَّ الله) (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) مما حكم الله عليهم بالكفر والإشراك إلا لقولهم ليقربونا إلى الله زلفى فهؤلاء مثلهم، ومما ردوا به عليه في الرسائل المؤلفة للرد عليه أن هذا استدلال باطل فإن المؤمنين ما أتخذوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا الأولياء آلهة وجعلوهم شركاء لله بل أنهم يعتقدون أنهم عبيد الله مخلوقون ولا يعتقدون أنهم مستحقون العبادة وأما المشركون الذين نزلت فبهم هذه الآيات فكانوا يعتقدون استحقاق أصنامهم الألوهية، ويعظّمونها تعظيم الربوبية وإن كانوا يعتقدون أنها لا تخلق شيئاً وأما المؤمنون فلا بعتقدون في الأنبياء والأولياء استحقاق العبادة والألوهية ولا يعظمونهم تعظيم الربوبية بل يعتقدون أنهم عباد الله وأحبّاؤه الذين اصطفاهم واجتباهم وببركتهم يرحم عباده فيقصدون بالتبرك بهم رحمة الله تعالى، ولذلك شواهد كثيرة من الكتاب والسنة فاعتقاد المسلمين أن الخالق الضار والنافع المستحق العبادة هو الله وحده ولا يعتقدون التأثير لأحد سواه وأن الأنبياء والأولياء لا يخلقون شيئاً ولا يملكون ضراً ولا نفعا وإنما يرحم الله العباد ببركتهم فاعتقاد المشركين استحقاق أصنامهم العبادة والألوهية هو الذي أوقعهم في الشرك لا مجرد قولهم مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله لأنهم لما أقيمت عليهم الحجة بأنهم لا تستحق العبادة وهم يعتقدون استحقاقها العبادة قالوا معتذرين مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فكيف يجوز لا بن عبدالوهاب ومن تبعه أن يجعلوا المؤمنين الموحّدين مثل أولئك المشركين الذين يعتقدون ألوهية الأصنام فجميع الآيات المتقدمة وما كان مثلها خاص بالكفار والمشركين ولا يدخل فيه أحد من المؤمنين روى البخاري عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلّم في وصف الخوارج أنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فحمَّلوها على المؤمنين وفي رواية عن بن عمر أيضاً أنه صلى الله عليه وسلّم قال أْخَوفُ ما أخاف على أمتي رجل يتأول القرآن بصنعه في غير موضعه فهو وما قبله صادق على هذه الطائفة ولو كان شيء مما صنعه المؤمنون من التوسل وغيره شركاً ماكان يصدر من النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه وسلف الأمة وخلفها ففي الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلّم كان من دعائه « اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك » وهذا توسل لاشك فيه وكان يُعلّم هذا الدعاءَ أصحابَه ويأمرهم بالإتيان به وبسط ذلك طويل مذكور في الكتب وفي الرسائل التي في الرد على ابن عبدالوهاب وصح عنه أنه صلى الله عليه وسلّم لما ماتت فاطمة بنت أسد أُمّ علي رضي الله عنهما ألحدها صلى الله عليه وسلّم في القبر بيده الشريفة وقال «اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد وَوسِّعْ عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي إنك أرحم الراحمين» وصح أنه صلى الله عليه وسلّم سأله أعمى أن يرد الله بصره بدعائه فأمر بالطهارة وصلاة ركعتين ثم يقول اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يامحمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضي اللهم شَفِّعه فِيَّ» ففعل فرد الله عليه بصره وصح أن آدم عليه السلام توسل بنبينا صلى الله عليه وسلّم حين أكل من الشجرة لأنه لما رأى اسمه صلى الله عليه وسلّم مكتوبا على العرش وعلى غرف الجنة وعلى جباه الملائكة سأل عنه فقال الله له هذا ولد من أولادك لولاه ماخلقتك، فقال اللهم بحرمة هذا الولد ارحم هذا الوالد فنودي يا آدم لو تشفعت إلينا بمحمد في أهل السماء والأرض لشفعتاك وتوسل عمر بن الخطاب بالعباس رضي الله عنه لما استسقى الناس، وغير ذلك مما هو مشهور فلا حاجة إلى الإطالة بذكره والتوسل الذي في حديث الأعمى قد استعمله الصحابة والسلف بعد وفاته صلى الله عليه وسلّم وفيه لفظ يا محمد ذلك نداء عند التوسل ومن تتبع كلام الصحابة والتابعين يجد شيئاً كثيراً من ذلك كقول بلال بن الحارث الصحابي رضي الله عنه عند قبر النبي صلى الله عليه وسلّم يارسول الله استسق لأمتك كالنداء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلّم عند زيارة القبور وممن ألف في الرد على ابن عبدالوهاب أكبر مشايخه وهو الشيخ محمدبن سليمان الكردي مؤلف حواشي شرح ابن حجر على مت بافضل فقال من جملة كلامه يا ابن عبدالوهاب إني أنصحك الله تعالى أن تكف لسانك عن المسلمين فإن سمعت من شخص أنه يعتقد تأثير ذلك المستغاث به من دون الله فعرفه الصواب وأين له الأدلة على أنه لا تأثير لغير الله فإن أبى فكفره حينئذ بخصوصه ولا سبيل لك إلى تكفير السواد الأعظم من المسلمين، وأنت شاذ عن السواد الأعظم فنسبة الكفر إلى من شذ عن السواد الأعظم أقرب لأنه اتبع غير سبيل المؤمنين قال تعالى ( ومن يشاقق الرسول من بعد ماتيبن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية اهـ وأما زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم فقد فعلها الصحابة رضى الله عنهم ومن بعدهم من السلف والخلف وجاء من فضلها أحاديث أفردت بالتأليف ومما جاء في النداء لغير الله تعالى من غائب وميت وجماد قوله صلى الله عليه وسلّم «إذا أفلتت دابة أحدكم بأرض قلاة فليناد ياعباد الله أحبسوا فإن لله عباداً يجيبونه» وفي حديث آخر «إذا أضل أحدكم شيئاً أو أراد عونا وهو بأرض ليس فيها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني وفي رواية أغيثوني فإن لله عباداً لا ترونهم» وكان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا سافر فأقبل الليل قال يا أرض ربي وربك الله وكان صلى الله عليه وسلّم إذا زار قال السلام عليكم يا أهل القبور وفي التشهد الذي يأتي به كل مسلم في كل صلاة صورة النداء في قوله السلام عليك أيها النبي والحاصل أن النداء والتوسل ليس في شيء منهما ضرر إلا إذا اعتقد التأثير لمن ناداه أو توسل به ومتى كان معتقداً أن التأثير لله لا لغير الله فلا ضرر في ذلك وكذلك إسناد فعل من الأفعال لغير الله لا يضر إلا إذا اعتقد التأثير ومتى لم يعتقد التأثير فإنه يحمل على المجاز العقلي كقوله نفعني هذا الدواء أو فلان الولي فهو مثل قوله: أشبعني هذا الطعام،
اعلم أن السلطان سليم الثالث حدث في مدة سلطنته فتن كثيرة منها ما تقدم ذكره ومنها فتنة الوهابية التي كانت في الحجاز حتى استولوا على الحرمين ومنعوا وصول الحج الشامي والمصري ومنها فتنة الفرنسيس لما استولوا على مصر من سنة ثلاث عشرة سنة الى ست عشرة ولنذكر ما يتعلق بهاتين الفتنتين علي سبيل الاختصار لأن كلا منهما مذكور تفصيلا في التواريخ وأفرد كل منهما بتأليف رسائل مخصوصة، أما فتنة الوهابية فكان ابتداء القتال فيها بينهم وبين أمير مكة مولانا الشريف غالب بن مساعد وهو نائب من جهة السلطنة العلية على الاقطار الحجازية وابتداء القتال بينهم وبينه من سنة خمس بعد المائتين والألف وكان ذلك في مدة سلطنة مولانا السلطان سليم الثالث ابن السلطان مصطفى الثالث ابن أحمد (وأما ابتداء أول ظهور الوهابية) فكان قبل ذلك بسنين كثيرة وكانت قوتهم وشوكتهم في بلادهم أولا ثم كثر شرهم وتزايد ضررهم واتسع ملكهم وقتلوا من الخلائق ما لا يحصون واستباحوا أموالهم وسبوا نساءهم وكان مؤسس مذهبهم الخبيث محمد بن عبدالوهاب وأصله من المشرق من بني تميم وكان من المعمرين فكاد يعد من المنظرين لأنه عاش قريب مائة سنة حتى انتشر عنه ضلالهم، كانت ولادته سنة ألف ومائة وإحدى عشرة وهلك سنة ألف ومائتين وأرخه بعضهم بقوله:
(بدا هلاك الخبيث) 1206
وكان في ابتداء أمره من طلبة العلم بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وكان أبوه رجلا صالحاً من أهل العلم وكذا أخوه الشيخ سليمان وكان أبوه وأخوه ومشايخه يتفرسون فيه أنه سيكون منه زيغ وضلال لما يشاهدونه من أقواله وأفعاله ونزعاته في كثير من المسائل، وكانوا يوبخونه ويحذرون الناس منه فحقق الله فراستهم فيه لما ابتدع ما ابتدعه من الزيغ والضلال الذي أغوى به الجاهلين وخالف فيه أئمة الدين وتوصل بذلك إلى تكفير المؤمنين فزعم أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم والتوسل به وبالأنبياء والأولياء والصالحين وزيارة قبورهم شرك وأن نداء النبي صلى الله عليه وسلّم عند التوسل به شرك وكذا نداء غيره من الأنبياء والأولياء والصالحين عند التوسل بهم شرك وأن من أسند شيئا لغير الله ولو على سبيل المجاز العقلي يكون مشركا نحو نفعني هذا الدواء وهذا الولي الفلاني عند التوسل به في شيء وتمسك بأدلة لا تنتج له شيئا من مرامه وأتى بعبارات مزورة زخرفها ولبس بها على العوام حتى تبعوه وألف لهم في ذلك رسائل حتى اعتقدوا كفر أكثر أهل التوحيد، واتصل بأمراء المشرق أهل الدرعية ومكث عندهم حتى نصروه وقاموا بدعوته وجعلوا ذلك وسيلة إلى تقوية ملكهم واتساعه وتسلطوا على الأعراب وأهل البوادي حتى تبعوهم وصاروا جنداً لهم بلا عوض وصاروا يعتقدون أن من لم يعتقد ما قاله ابن عبد الوهاب فهو كافر مشرك مهدر الدم والمال، وكان ابتداء ظهور أمره سنة ألف ومائة وثلاث وأربعين وابتداء انتشاره من بعد الخمسين ومائة وألف. وألّف العلماء رسائل كثيرة للرد عليه حتى أخوه الشيخ سليمان وبقية مشايخه وكان ممن قام بنصرته وانتشار دعوته من أمراء المشرق محمد بن سعود أمير الدرعية وكان من بني حنيفة قوم مسيلمة الكذاب، ولما مات محمد بن سعود قام بها ولده عبدالعزيز ابن محمد بن سعود، وكان كثير من مشايخ ابن عبدالوهاب بالمدينة يقولون سيضل هذا أو يضل الله به من أبعده وأشقاه فكان الأمر كذلك وزعم محمد بن عبد الوهاب أن مراده بهذا المذهب الذي ابتدعه إخلاص التوحيد والتبري من الشرك وأن الناس كانوا على شرك منذ ستمائة وأنه جدد للناس دينهم وحمل الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على أهل التوحيد كقوله تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) وكقوله تعالى ( ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك ) وكقوله تعالى ( والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشىء) (الرعد: 15) وأمثال هذه الآيات في القرآن كثيرة: فقال محمد بن عبدالوهاب من استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلّم أو بغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين أو ناداه أو سأله الشفاعة فإنه مثل هؤلاء المشركين ويدخل في عموم هذه الآيات وجعل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم وغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين مثل ذلك وقال في قوله تعالى حكاية عن المشركين في عبادة الأصنام ما إلا لتقربونا إلى الله زلفى إن المتوسلين مثل هؤلاء المشركين الذين يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى قال: فإن المشركين ما اعتقدوا في الأصنام أنها تخلق شيئا بل يعتقدون أن الخالق هو الله تعالى بدليل قوله تعالى (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنَّ الله) (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) مما حكم الله عليهم بالكفر والإشراك إلا لقولهم ليقربونا إلى الله زلفى فهؤلاء مثلهم، ومما ردوا به عليه في الرسائل المؤلفة للرد عليه أن هذا استدلال باطل فإن المؤمنين ما أتخذوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا الأولياء آلهة وجعلوهم شركاء لله بل أنهم يعتقدون أنهم عبيد الله مخلوقون ولا يعتقدون أنهم مستحقون العبادة وأما المشركون الذين نزلت فبهم هذه الآيات فكانوا يعتقدون استحقاق أصنامهم الألوهية، ويعظّمونها تعظيم الربوبية وإن كانوا يعتقدون أنها لا تخلق شيئاً وأما المؤمنون فلا بعتقدون في الأنبياء والأولياء استحقاق العبادة والألوهية ولا يعظمونهم تعظيم الربوبية بل يعتقدون أنهم عباد الله وأحبّاؤه الذين اصطفاهم واجتباهم وببركتهم يرحم عباده فيقصدون بالتبرك بهم رحمة الله تعالى، ولذلك شواهد كثيرة من الكتاب والسنة فاعتقاد المسلمين أن الخالق الضار والنافع المستحق العبادة هو الله وحده ولا يعتقدون التأثير لأحد سواه وأن الأنبياء والأولياء لا يخلقون شيئاً ولا يملكون ضراً ولا نفعا وإنما يرحم الله العباد ببركتهم فاعتقاد المشركين استحقاق أصنامهم العبادة والألوهية هو الذي أوقعهم في الشرك لا مجرد قولهم مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله لأنهم لما أقيمت عليهم الحجة بأنهم لا تستحق العبادة وهم يعتقدون استحقاقها العبادة قالوا معتذرين مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فكيف يجوز لا بن عبدالوهاب ومن تبعه أن يجعلوا المؤمنين الموحّدين مثل أولئك المشركين الذين يعتقدون ألوهية الأصنام فجميع الآيات المتقدمة وما كان مثلها خاص بالكفار والمشركين ولا يدخل فيه أحد من المؤمنين روى البخاري عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلّم في وصف الخوارج أنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فحمَّلوها على المؤمنين وفي رواية عن بن عمر أيضاً أنه صلى الله عليه وسلّم قال أْخَوفُ ما أخاف على أمتي رجل يتأول القرآن بصنعه في غير موضعه فهو وما قبله صادق على هذه الطائفة ولو كان شيء مما صنعه المؤمنون من التوسل وغيره شركاً ماكان يصدر من النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه وسلف الأمة وخلفها ففي الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلّم كان من دعائه « اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك » وهذا توسل لاشك فيه وكان يُعلّم هذا الدعاءَ أصحابَه ويأمرهم بالإتيان به وبسط ذلك طويل مذكور في الكتب وفي الرسائل التي في الرد على ابن عبدالوهاب وصح عنه أنه صلى الله عليه وسلّم لما ماتت فاطمة بنت أسد أُمّ علي رضي الله عنهما ألحدها صلى الله عليه وسلّم في القبر بيده الشريفة وقال «اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد وَوسِّعْ عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي إنك أرحم الراحمين» وصح أنه صلى الله عليه وسلّم سأله أعمى أن يرد الله بصره بدعائه فأمر بالطهارة وصلاة ركعتين ثم يقول اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يامحمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضي اللهم شَفِّعه فِيَّ» ففعل فرد الله عليه بصره وصح أن آدم عليه السلام توسل بنبينا صلى الله عليه وسلّم حين أكل من الشجرة لأنه لما رأى اسمه صلى الله عليه وسلّم مكتوبا على العرش وعلى غرف الجنة وعلى جباه الملائكة سأل عنه فقال الله له هذا ولد من أولادك لولاه ماخلقتك، فقال اللهم بحرمة هذا الولد ارحم هذا الوالد فنودي يا آدم لو تشفعت إلينا بمحمد في أهل السماء والأرض لشفعتاك وتوسل عمر بن الخطاب بالعباس رضي الله عنه لما استسقى الناس، وغير ذلك مما هو مشهور فلا حاجة إلى الإطالة بذكره والتوسل الذي في حديث الأعمى قد استعمله الصحابة والسلف بعد وفاته صلى الله عليه وسلّم وفيه لفظ يا محمد ذلك نداء عند التوسل ومن تتبع كلام الصحابة والتابعين يجد شيئاً كثيراً من ذلك كقول بلال بن الحارث الصحابي رضي الله عنه عند قبر النبي صلى الله عليه وسلّم يارسول الله استسق لأمتك كالنداء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلّم عند زيارة القبور وممن ألف في الرد على ابن عبدالوهاب أكبر مشايخه وهو الشيخ محمدبن سليمان الكردي مؤلف حواشي شرح ابن حجر على مت بافضل فقال من جملة كلامه يا ابن عبدالوهاب إني أنصحك الله تعالى أن تكف لسانك عن المسلمين فإن سمعت من شخص أنه يعتقد تأثير ذلك المستغاث به من دون الله فعرفه الصواب وأين له الأدلة على أنه لا تأثير لغير الله فإن أبى فكفره حينئذ بخصوصه ولا سبيل لك إلى تكفير السواد الأعظم من المسلمين، وأنت شاذ عن السواد الأعظم فنسبة الكفر إلى من شذ عن السواد الأعظم أقرب لأنه اتبع غير سبيل المؤمنين قال تعالى ( ومن يشاقق الرسول من بعد ماتيبن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية اهـ وأما زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم فقد فعلها الصحابة رضى الله عنهم ومن بعدهم من السلف والخلف وجاء من فضلها أحاديث أفردت بالتأليف ومما جاء في النداء لغير الله تعالى من غائب وميت وجماد قوله صلى الله عليه وسلّم «إذا أفلتت دابة أحدكم بأرض قلاة فليناد ياعباد الله أحبسوا فإن لله عباداً يجيبونه» وفي حديث آخر «إذا أضل أحدكم شيئاً أو أراد عونا وهو بأرض ليس فيها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني وفي رواية أغيثوني فإن لله عباداً لا ترونهم» وكان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا سافر فأقبل الليل قال يا أرض ربي وربك الله وكان صلى الله عليه وسلّم إذا زار قال السلام عليكم يا أهل القبور وفي التشهد الذي يأتي به كل مسلم في كل صلاة صورة النداء في قوله السلام عليك أيها النبي والحاصل أن النداء والتوسل ليس في شيء منهما ضرر إلا إذا اعتقد التأثير لمن ناداه أو توسل به ومتى كان معتقداً أن التأثير لله لا لغير الله فلا ضرر في ذلك وكذلك إسناد فعل من الأفعال لغير الله لا يضر إلا إذا اعتقد التأثير ومتى لم يعتقد التأثير فإنه يحمل على المجاز العقلي كقوله نفعني هذا الدواء أو فلان الولي فهو مثل قوله: أشبعني هذا الطعام،