-
دخول

عرض كامل الموضوع : ما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا


Maestro
05/08/2006, 21:36
ما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا

شيئان يمكن بسهولة ملاحظتهما عند متابعة تلك (العلاقة) الفريدة بين التليفزيون والناس، أولهما قدرته على دفع الناس إلى الشوارع للاحتجاج على فعلٍ ما.. وثانيهما قدرته على (نشر تعابير جديدة) لتصبح مصطلحا يوميا شعبيا، وفي نفس الوقت يمكن أيضا بالمتابعة المثابرة التنبؤ بحدود تلك القدرة.. بحيث تعرف متى يعجز التليفزيون عن إخراج الناس إلى الشارع مهما علا نداؤه.. ومتى ينصرف الناس عن مصطلحاته..
فقد أصبح الآن من شبه المؤكد أن بمقدرة الإعلام (التليفزيوني الفضائي بالذات بما يملكه من ميزة الصورة والانتشار) أو بالأحرى أصبح بمقدرة أصحاب ومُلاك تلك الفضائيات توجيه الرأي العام حيث يريدون، وبات السياسيون والمثقفون يدركون ذلك.. وبالتالي يستخدمون التليفزيون لجذب الناس إلى صفهم في معاركهم.. كبرى كانت أو صغرى.. عادلة أو جائرة.. فردية أو عامة، كذلك يدرك القائمون على صناعة الإعلام قيمة حرفتهم.. فباتوا هم أيضا يستخدمونها لتمرير ما يتفق مع رؤاهم أو مصالحهم من أخبار وتحليلات وتهميش ما لا يخدمهم منها، (لا تصدقوا خزعبلات إدعاء الحياد والموضوعية وما إلى ذلك!) الإعلام إذن بات وسيلة في يد طرفين هدف كل منهما الوصول إلى ما يسمى (الجماهير)، أما تلك الجماهير فمهمتها تنحصر في عملية (الانجذاب) ذاتها! صحيح أن الفضائيات منحت الفرصة الأكبر في تاريخ الشعوب لتلك الجماهير كي يعلو صوتها أفرادا أو جماعات.. لكنها تبقى (جماهير).. تبقى كتلة قابلة للتشكيل، يدل على ذلك ما حدث في الأسابيع الثلاثة الأخيرة منذ بدء عدوان إسرائيل على لبنان.. فالناس أو الجماهير تمارس دور (الانجذاب) بآلية تبعث على الدهشة.. تنجذب للنداء التليفزيوني الأول ثم تبدأ في التراخي استعدادا لنداء جديد! تتساءل مثلا لماذا كل هذه التظاهرات الغاضبة في العواصم العربية رفضا لما تم في قانا اللبنانية من مجزرة للأطفال.. بينما هناك كل يوم تقريبا مجازر مشابهة وبأيدٍ إسرائيلية أيضا في غزة وفي لبنان نفسه؟! لا شيء وراء ذلك إلا طزاجة الصورة! خاصة صور الدماء والجثث! لكنك في الوقت نفسه يمكنك أن تستنتج (من خبرات سابقة مع الانتفاضة الفلسطينية والحرب الأمريكية على العراق) أنه إذا استمرت المجازر الإسرائيلية في لبنان أياما أو أسابيع أخر سوف تخف المظاهرات و(يعتاد) الناس مشاهد القتل اليومي في لبنان فلا يعودوا يغضبون.. إلى أن يحدث شيء أكبر وأكثر إثارة.. شيء جديد.. يستخدمه الإعلام التليفزيوني بحنكة درامية تستطيع حث الناس من جديد على (انجذاب) آخر.. وخروج آخر.. واحتجاج آخر.. قبل العودة مرة أخرى إلى مقاعدهم أمام التليفزيون انتظارا لخبر آخر عاجل أو نداء جديد! دائرة لا تنتهي ولا تفتح عند نقطة ما.. تذكرون مقتل محمد الدرة في غزة؟! تذكرون مجزرة ملجأ العامرية في بغداد؟! بل تذكرون مذبحة قانا الأولى؟! تذكرون ما سمي حينها (تظاهرات الغضب الشعبي)؟! العملية هي ذاتها.. صورة دموية مبهرة.. مستفزة.. تنادي الجماهير أول مرة لتغضب وتحتج، ثم عندما تبدأ الصورة في التكرار.. حتى ولو بشراسة أكبر.. لا تستجيب الجماهير للتليفزيون مهما عرض من صور للجثث.. ليجد نفسه وكأنه (يؤذن في مالطة!).. لأن تلك الجماهير فقدت (لذة الاستفزاز الأول) فراحت تتلهى- ببساطة- بمتابعة مباريات كرة القدم والمسلسلات وبرامج المسابقات!
القدرة الثانية للتليفزيون هي نشر تعابير جديدة لتصبح مصطلحا شعبيا متداولا.. أحدثها مصطلح (ما بعد).. الذي أطلقه حسن نصر الله.. معبود الجماهير الآن.. في خطاباته التليفزيونية عبر قناة المنار التي أخذت شهرتها العالمية من حيث كونها قناة حزب الله، مابعد حيفا.. وما بعد ما بعد حيفا، لقد أصبح هذا التعبير مصطلحا (محببا) في الشارع العربي! رغم أنه غير عاميّ بأي لهجة عربية.. لكنه جميل معبر.. وجد صدى عند جماهير يستقر بأعماقها حلم الوصول إلى (ما بعد) ما بين يديها! قبل تعبير (ما بعد) كانت هناك تعابير مثل (انتفاضة الأقصى) الذي أطلقته قناة الجزيرة في اليوم الأول للانتفاضة الفلسطينية الثانية.. فصار (الاسم الشرعي الوحيد) لتلك الانتفاضة! وغير ذلك هناك ذلك التعبير الثلاثي: (يشجب يستنكر ويدين)! ذلك التعبير الذي (يتكرر) في نشرات الأخبار مرتبطا دائما بالحكام العرب والجامعة العربية! تكراره في نشرات الأخبار على مدى عقود العرب الأخيرة جعله تعبيرا شعبيا ولكن هذه المرة من باب التهكم.. أشجب أستنكر وأدين بشدة! ومنذ سنوات استخدم أسامة بن لادن التليفزيون للوصول إلى تلك الجماهير بمصطلحاته وتعابيره الخاصة.. (غزوة) مانهاتن.. (فسطاط) الكفر وفسطاط الإيمان.. وغيرهم من تعبيرات لادنية صارت تستخدم في المقالات وفي الأحاديث الخاصة، وربما كان تعبير (العلوج) الذي أطلقه الصحاف في وصف الأمريكان من أشهر التعبيرات الجديدة التي نشرها التليفزيون بين الناس.. فصاروا يستعملونها حتى في النكات!

هاتان القدرتان للتليفزيون رغم أهميتهما القصوى.. دفع الناس إلى الشوارع للاحتجاج.. ووضع المصطلحات الجديدة على ألسنتهم، يبدو أنهما لا تكفيان، لا تكفيان لأي شيء بالضبط؟! لا تكفيان لإحداث (تغيير كبير جذري) يؤثر في الأحداث ويعيد ترتيب القوى.. يمكن الآن اكتشاف السر الخطير.. حرب إسرائيل على لبنان هي الحدث الذي يشير بوضوح إلى الشيء (الوحيد الفعال) في إعادة ترتيب القوى.. السلاح! ربما يقفز إلى الذهن سؤال.. (مجرد سؤال فلا تنزعجوا كثيرا).. بعد هذا النجاح التليفزيوني لمصطلحات حسن نصر الله.. هل تأتي لحظة يتجدد فيها مصطلح (دول الطوق)؟ وهل تحمل تلك اللحظة في رحمها أملا بولادة (حزب مسلح) في كل دولة من دول ذلك الطوق؟.. فتكون تلك الأحزاب مجتمعة.. الوسيلة الفعالة المثلى للوصول إلى (ما بعد ما بعد ما بعد حيفا)... إلى قلب إسرائيل؟!

** ريموت كنترول
( 1 ) ما زالت الأخبار تنقل تصدي قوات حزب الله لمحاولة التوغل البري للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان.. والحديث اليومي هو عن مواجهات عنيفة بين الطرفين.. فين الجيش اللبناني؟!
( 2 ) في إذاعة لندن قالت إحدى المتصلات ببرنامج اكسترا بي بي سي: بعد كل الصور اللي شفتها على التليفزيون أنا عندي إحساس غريب.. حاسة إني (متخدرة)!
( 3 ) في تليفزيون المنار كانت هناك جولة بين مواطنين لبنانيين متضررين من الدمار الذي تلحقه بهم نيران طائرات ومدفعية إسرائيل.. أحد المواطنين قال غاضبا في تعليقه على المعونات الغذائية العربية المتدفقة على لبنان:" العرب؟!.. شو العرب.. يعطونا معلبات التونة.. ويعطوا إسرائيل.. السلاح؟!"

هويدا طه