dot
29/08/2006, 12:47
بقلم: د. عبدالله السويجي
كان اجتياح جيش العدو الصهيوني للبنان وحصاره لبيروت في العام 1982 بداية انطلاق حزب الله، ليحل محل المقاومة الفلسطينية. ومنذ ذلك التاريخ حتى العام ،2000 وهذا الحزب ومعه أطراف أخرى في المقاومة الوطنية اللبنانية تقاوم الاحتلال الصهيوني الذي احتفظ على مدى عشرين عاما تقريبا بشريط حدودي أمني تقلص إلى عمق 18 كيلومترا. وقد كبدته المقاومة خسائر فادحة لم يستطع على أثرها البقاء، وقام بالانسحاب من منطقة جنوب لبنان، آخذا معه ما تبقى من جيش لبنان الجنوبي بقيادة (إنطوان لحد) الذي جاهر بعمالته للعدو الصهيوني، وشكل تهديدا مباشرا لقرى الجنوب وسكانها على مدى سنوات طويلة، بينما هو الآن مجرد شخص مهمل داخل الكيان الصهيوني.
اعتبر حزب الله على وجه الخصوص، والمقاومة اللبنانية بشكل عام، الانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان انتصارا عظيما، تحقق بعزيمة المقاتلين، ولهذا رأى أن من حقه الاحتفاظ بالسيادة على تلك المنطقة، وليس سرا أن حزب الله تنازع مع حركة أمل على مناطق النفوذ في الجنوب اللبناني، حتى استقر الوضع تحت سيطرة حزب الله، بعدما ارتضت حركة أمل أن تحول جزءا كبيرا من عملها إلى عمل سياسي. ومنذ ذلك الانتصار لمقاتلي حزب الله، وقوة هذا الحزب آخذة بالتعاظم، مستنداً في ذلك إلى قاعدة تتشكل من أغلبية شيعية وأقلية سنية.
ولا نذيع سراً حين نقول إن حزب الله تربطه علاقة استراتيجية عقائدية مع نظام ولاية الفقيه في إيران، وهو محسوب على الاتجاه المتشدد في النظام الإيراني المدعوم من المرشد مباشرة وهو علي خامنئي، بينما حركة أمل محسوبة على الاتجاه المعتدل الذي كان يقوده الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، رغم أن الاتجاهين غير متناقضين، إلا أنهما قد يختلفان في التعاطي مع الأمور الداخلية الإيرانية، وكان حظ حزب الله متألقا حين فاز محمود أحمدي نجاد برئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لتتوحد الرئاسة بولاية الفقيه، نظرا لأن الرئيس نجاد من المتشددين والمباركين من قبل علي خامنئي مرشد الجمهورية الإيرانية، مما وفر دعما غير محدود لحزب الله.
لقد استطاع حزب الله أن يسد الفراغ الذي أحدثه غياب الدولة في الجنوب لسنوات طويلة، فوفر خدمات نوعية تعليمية وصحية وبنى تحتية وخدمات للمناطق التي يسيطر عليها، وسد حاجة مناصريه ومقاتليه والمنتمين إليه، وبات هو المرجعية الحقيقية لنسبة كبيرة من الطائفة الشيعية في لبنان، في وقت تعاني فيه الدولة من ضعف اقتصادي وخدماتي، فكان من الطبيعي أن يقابل بالالتفاف حوله. إضافة إلى ذلك، وهو الأهم، فإن عمقه الاستراتيجي يتجسد في إيمان مناصريه القوي بالدين الإسلامي، وبالمذهب الشيعي، ولذلك، فإن الانتماء الأكبر هو انتماء للعقيدة، وهنا تكمن مصدر القوة الكبرى للحزب والمراهنة على ديمومته.
إن المشروع المحلي لحزب الله المرتبط بالمشروع الخارجي والامتداد الاستراتيجي، يتناغم ويلتقي بطبيعته مع المشروع الإيراني في صراعه مع الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني، الذي يشكل أداة لتنفيذ المشروعات الأمريكية، إن كان في فلسطين أو العراق أو أفغانستان أو لبنان، ولهذا، فإن القضاء على هكذا حزب عملية أقرب إلى المستحيل. والحديث عن صراع على الحدود اللبنانية مع جيش الكيان الصهيوني هو حديث عن صراع تنفيذ سياسات تتعلق بالمنطقة بأسرها، وهذه السياسات لا تنفصل عما يحدث في العراق أو أفغانستان أو ليبيا أو مصر أو فلسطين، وحين جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية فإنها طرحت مباشرة الصراع في الشرق الأوسط، وشرق أوسط جديد، وهذا الشرق الأوسط بالنسبة لها، هو منطقة خالية من أي مقاومة مهما كان شكلها، حتى لو كانت مقاومة فكرية وثقافية بالكلمات، وإجهاض ازدهار الفكر الديني والقضاء على التنظيمات الإسلامية، والسيطرة على اقتصاد المنطقة وجعلها سوقاً للمنتجات الأمريكية إضافة إلى ترسيخ الدولة الصهيونية وضمان تفوقها. وليس غريبا أن تأتي الدكتورة رايس لتتحدث وتتفاوض باسم الكيان الصهيوني، وتقبل أو ترفض وقف إطلاق النار، وكأن الحرب معها مباشرة، بل هي كذلك.
إنه من المؤكد، أن قوات حزب الله لا تستطيع الوقوف أمام تقدم الآلة العسكرية الصهيونية، ولكن من الجانب الآخر، لا تستطيع هذه الآلة الصمود على الأرض التي تصلها، وقد أثبتت التجربة أن وجود جيش العدو الصهيوني مكلف جدا، بشرياً ومادياً واقتصادياً. ومن جانب آخر، إن أي محاولة لاجتثاث حزب الله من الجنوب، أو من الساحة اللبنانية، هو اجتثاث لفئة كبيرة من الشعب اللبناني، وهذا ما أشار إليه النائب سعد الحريري.
هل كل ما تقدم يوحي بأن حزب الله ليس في مأزق؟ بالتأكيد لا، إن حزب الله يواجه الآن تحديا مباشرا، وقد تمثل في الهجمة الصهيونية العسكرية على معاقله، وتدمير ما شيده خلال ست سنوات من العمل المضني، ومحاولة تصفية العديد من عناصره العسكريين والمدنيين، وتشتيت الالتفاف الشعبي حوله، إلا أن كل هذا فشل فشلا ذريعا رغم الدمار المادي وعدد الضحايا والجرحى والمعاقين. أما التحدي الذي يواجهه حزب الله بصمت، أي بعد وقف إطلاق النار الهش، ومحاولة الدولة بسط سيطرتها على أراضي الجنوب اللبناني، وربما تشمل مزارع شبعا بعد أن تنسحب منها القوات الصهيونية، وتطبيق قرار مجلس الأمن ،1559 والذي يقضي بنزع سلاح حزب الله وسلاح التنظيمات الفلسطينية في المخيمات، إضافة إلى انتشار الآلاف من جنود قوات حفظ السلام (اليونيفيل) التي لم تعرف طبيعتها بعد، فكيف سيتعامل حزب الله مع التحديات القادمة؟
إن أمام حزب الله أكثر من احتمال، الأول أن يبقي جبهة الجنوب مشتعلة، وإن صمتت الآن رضوخا للتوجه الحكومي ومسايرة للسياسة العامة للدولة، وإعادة تجميع قواه من جديد، خاصة أن الكيان الصهيوني يطمح في خلق حزام أمني داخل الأراضي اللبنانية تقيه من صواريخ حزب الله، ويأمل أن يتم ذلك مع انتشار الجيش اللبناني والقوات الدولية. أما الاحتمال الثاني فهو أن يعطى الجيش اللبناني الضوء الأخضر للانتشار الحقيقي في الجنوب، وهذا ما يحدث الآن، وقد صرح السيد نصر الله سابقا أنه لا مانع لديه من انتشار الجيش، شرط أن يكون قادرا على حماية الأراضي والأجواء اللبنانية من أي انتهاك أو اعتداء. والثالث أن يتراجع خطوتين ليعيد تنظيم نفسه من جديد، أما الاحتمال الرابع والمستبعد هو تحويل نفسه إلى حزب سياسي فقط، لأنه في هذه الحال، سيفقد عمقه الاستراتيجي، وربما الدعم اللامحدود من إيران، وهذا أيضا مستبعد، لأنه وكما أسلفنا، تشكل إيران المرجعية العقائدية لحزب الله، ورأس الحربة للمشروع القائم على مناهضة السياسة الأمريكية والصهيونية في المنطقة. أما التحدي الأكبر الذي ليس له رقم لأنه من التحديات الكبيرة، هو مواجهة الأصوات الداخلية التي لم تصبر كثيرا بعد وقف إطلاق النار، وشرعت تحاسب حزب الله على جره لبنان إلى حرب كبيرة ومدمرة، من دون استشارة أحد، ومن دون تنسيق مع الحكومة، وقد بدأ هذه الهجمة النائب وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي خصص مؤتمره الصحافي عقب وقف إطلاق النار لمساءلة السيد حسن نصر الله، ومحاورته عبر أجهزة الإعلام، الأمر الذي استهجنه كثير من المتتبعين للسياسة في البنان، حيث أخذوا على وليد جنبلاط تسرعه في فتح حرب كلامية مع حزب الله، الذي يرى أنه خرج منتصرا من المعركة، وهو كذلك، لأنه لا يزال يحتفظ بقوة لا يستهان بها، وإن لم تبد للعيان نتيجة العمل السري. إلا أن حزب الله لم ينجر حتى الآن إلى المعركة الكلامية، أو على الأقل، لم ينجر أمينه العام، بل كانت الردود من شخصيات في الصف الثاني من قيادة الحزب، وهنا تبدو حنكة السيد حسن نصر الله في التعاطي السياسي المحلي، وحرصه على أن يبقى محافظا على هيبته التي تعاظمت خلال الحرب.
إن حزب الله أمام تحديات جادة وكبيرة، إلا أنه ليس في مأزق خطير ومدمر، لأنه ليس حزباً غريباً في أرض غريبة. إنه حزب يعيش وسط قاعدة شعبية عريضة تؤيده حتى الرمق الأخير. إنه حزب عقائدي، وبالتالي، فإنه سيبقى طالما بقيت هذه العقيدة، وطالما بقيت مرجعيته في إيران، ناهيك عن التفاهم الاستراتيجي بين سوريا وإيران على الأقل في المرحلة الحالية، إلا إذا حدث تطور دراماتيكي في السياسة السورية، ودخلت في مفاوضات مفاجئة مع العدو الصهيوني، وهذا التحالف السوري الإيراني ينعكس إيجابا على علاقات سوريا بحزب الله.
لقد دخل حزب الله، بعد خطفه لجنديين صهيونيين، وقيام الحكومة الصهيونية بعدوانها الواسع، ومع استمرار القصف والمعارك، إلى المعادلة السياسية في الشرق الأوسط برمته، وهو أمر لم يحدث منذ سنوات طويلة، فهو الجهة الوحيدة التي حققت الردع مع الكيان الصهيوني، فمنذ إنشاء الدولة العبرية، لم تتعرض مدن شمال فلسطين لقصف أو دمار كما تعرضت له وتتعرض له، ولم يتعطل شمال فلسطين المحتلة كما تعطل منذ 12 يوليو. ولهذا، فإن الحزب تحول إلى ورقة من أوراق اللعبة، وهنالك أوراق ضاغطة بين أوراقه، كما تحول إلى رقم صعب، بدلا من أبو عمار (الذي كان يطلق على نفسه الرقم الصعب)، مع فارق المقارنة في السياسات والتعاطي مع الأزمات، والجهوزية الأمنية والتماسك الداخلي. وإن أي حديث عن المنطقة يجب أن يمر من قناة حزب الله أو حلفائه. لكن هذا الدخول قد لا يجنبه التورط في قضايا عديدة، أهمها التجاذب السياسي حول عملية السلام في الشرق الأوسط.
إن الأيام القادمة ستحدد شكل التعاطي مع حزب الله، وتعاطي الحزب ذاته مع الواقع المستجد، خاصة عندما يحدث أي احتكاك بين الجيش اللبناني أو قوات “اليونيفيل” مع رجال الحزب، رغم أن هذا الأمر مستبعد كليا، لأن الحزب ليس له وجود عسكري علني في مناطقه، فهو يمارس عمله في سرية مطلقة، وهذا سبب قوته واستمراره.
المصدر : الخليج
كان اجتياح جيش العدو الصهيوني للبنان وحصاره لبيروت في العام 1982 بداية انطلاق حزب الله، ليحل محل المقاومة الفلسطينية. ومنذ ذلك التاريخ حتى العام ،2000 وهذا الحزب ومعه أطراف أخرى في المقاومة الوطنية اللبنانية تقاوم الاحتلال الصهيوني الذي احتفظ على مدى عشرين عاما تقريبا بشريط حدودي أمني تقلص إلى عمق 18 كيلومترا. وقد كبدته المقاومة خسائر فادحة لم يستطع على أثرها البقاء، وقام بالانسحاب من منطقة جنوب لبنان، آخذا معه ما تبقى من جيش لبنان الجنوبي بقيادة (إنطوان لحد) الذي جاهر بعمالته للعدو الصهيوني، وشكل تهديدا مباشرا لقرى الجنوب وسكانها على مدى سنوات طويلة، بينما هو الآن مجرد شخص مهمل داخل الكيان الصهيوني.
اعتبر حزب الله على وجه الخصوص، والمقاومة اللبنانية بشكل عام، الانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان انتصارا عظيما، تحقق بعزيمة المقاتلين، ولهذا رأى أن من حقه الاحتفاظ بالسيادة على تلك المنطقة، وليس سرا أن حزب الله تنازع مع حركة أمل على مناطق النفوذ في الجنوب اللبناني، حتى استقر الوضع تحت سيطرة حزب الله، بعدما ارتضت حركة أمل أن تحول جزءا كبيرا من عملها إلى عمل سياسي. ومنذ ذلك الانتصار لمقاتلي حزب الله، وقوة هذا الحزب آخذة بالتعاظم، مستنداً في ذلك إلى قاعدة تتشكل من أغلبية شيعية وأقلية سنية.
ولا نذيع سراً حين نقول إن حزب الله تربطه علاقة استراتيجية عقائدية مع نظام ولاية الفقيه في إيران، وهو محسوب على الاتجاه المتشدد في النظام الإيراني المدعوم من المرشد مباشرة وهو علي خامنئي، بينما حركة أمل محسوبة على الاتجاه المعتدل الذي كان يقوده الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، رغم أن الاتجاهين غير متناقضين، إلا أنهما قد يختلفان في التعاطي مع الأمور الداخلية الإيرانية، وكان حظ حزب الله متألقا حين فاز محمود أحمدي نجاد برئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لتتوحد الرئاسة بولاية الفقيه، نظرا لأن الرئيس نجاد من المتشددين والمباركين من قبل علي خامنئي مرشد الجمهورية الإيرانية، مما وفر دعما غير محدود لحزب الله.
لقد استطاع حزب الله أن يسد الفراغ الذي أحدثه غياب الدولة في الجنوب لسنوات طويلة، فوفر خدمات نوعية تعليمية وصحية وبنى تحتية وخدمات للمناطق التي يسيطر عليها، وسد حاجة مناصريه ومقاتليه والمنتمين إليه، وبات هو المرجعية الحقيقية لنسبة كبيرة من الطائفة الشيعية في لبنان، في وقت تعاني فيه الدولة من ضعف اقتصادي وخدماتي، فكان من الطبيعي أن يقابل بالالتفاف حوله. إضافة إلى ذلك، وهو الأهم، فإن عمقه الاستراتيجي يتجسد في إيمان مناصريه القوي بالدين الإسلامي، وبالمذهب الشيعي، ولذلك، فإن الانتماء الأكبر هو انتماء للعقيدة، وهنا تكمن مصدر القوة الكبرى للحزب والمراهنة على ديمومته.
إن المشروع المحلي لحزب الله المرتبط بالمشروع الخارجي والامتداد الاستراتيجي، يتناغم ويلتقي بطبيعته مع المشروع الإيراني في صراعه مع الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني، الذي يشكل أداة لتنفيذ المشروعات الأمريكية، إن كان في فلسطين أو العراق أو أفغانستان أو لبنان، ولهذا، فإن القضاء على هكذا حزب عملية أقرب إلى المستحيل. والحديث عن صراع على الحدود اللبنانية مع جيش الكيان الصهيوني هو حديث عن صراع تنفيذ سياسات تتعلق بالمنطقة بأسرها، وهذه السياسات لا تنفصل عما يحدث في العراق أو أفغانستان أو ليبيا أو مصر أو فلسطين، وحين جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية فإنها طرحت مباشرة الصراع في الشرق الأوسط، وشرق أوسط جديد، وهذا الشرق الأوسط بالنسبة لها، هو منطقة خالية من أي مقاومة مهما كان شكلها، حتى لو كانت مقاومة فكرية وثقافية بالكلمات، وإجهاض ازدهار الفكر الديني والقضاء على التنظيمات الإسلامية، والسيطرة على اقتصاد المنطقة وجعلها سوقاً للمنتجات الأمريكية إضافة إلى ترسيخ الدولة الصهيونية وضمان تفوقها. وليس غريبا أن تأتي الدكتورة رايس لتتحدث وتتفاوض باسم الكيان الصهيوني، وتقبل أو ترفض وقف إطلاق النار، وكأن الحرب معها مباشرة، بل هي كذلك.
إنه من المؤكد، أن قوات حزب الله لا تستطيع الوقوف أمام تقدم الآلة العسكرية الصهيونية، ولكن من الجانب الآخر، لا تستطيع هذه الآلة الصمود على الأرض التي تصلها، وقد أثبتت التجربة أن وجود جيش العدو الصهيوني مكلف جدا، بشرياً ومادياً واقتصادياً. ومن جانب آخر، إن أي محاولة لاجتثاث حزب الله من الجنوب، أو من الساحة اللبنانية، هو اجتثاث لفئة كبيرة من الشعب اللبناني، وهذا ما أشار إليه النائب سعد الحريري.
هل كل ما تقدم يوحي بأن حزب الله ليس في مأزق؟ بالتأكيد لا، إن حزب الله يواجه الآن تحديا مباشرا، وقد تمثل في الهجمة الصهيونية العسكرية على معاقله، وتدمير ما شيده خلال ست سنوات من العمل المضني، ومحاولة تصفية العديد من عناصره العسكريين والمدنيين، وتشتيت الالتفاف الشعبي حوله، إلا أن كل هذا فشل فشلا ذريعا رغم الدمار المادي وعدد الضحايا والجرحى والمعاقين. أما التحدي الذي يواجهه حزب الله بصمت، أي بعد وقف إطلاق النار الهش، ومحاولة الدولة بسط سيطرتها على أراضي الجنوب اللبناني، وربما تشمل مزارع شبعا بعد أن تنسحب منها القوات الصهيونية، وتطبيق قرار مجلس الأمن ،1559 والذي يقضي بنزع سلاح حزب الله وسلاح التنظيمات الفلسطينية في المخيمات، إضافة إلى انتشار الآلاف من جنود قوات حفظ السلام (اليونيفيل) التي لم تعرف طبيعتها بعد، فكيف سيتعامل حزب الله مع التحديات القادمة؟
إن أمام حزب الله أكثر من احتمال، الأول أن يبقي جبهة الجنوب مشتعلة، وإن صمتت الآن رضوخا للتوجه الحكومي ومسايرة للسياسة العامة للدولة، وإعادة تجميع قواه من جديد، خاصة أن الكيان الصهيوني يطمح في خلق حزام أمني داخل الأراضي اللبنانية تقيه من صواريخ حزب الله، ويأمل أن يتم ذلك مع انتشار الجيش اللبناني والقوات الدولية. أما الاحتمال الثاني فهو أن يعطى الجيش اللبناني الضوء الأخضر للانتشار الحقيقي في الجنوب، وهذا ما يحدث الآن، وقد صرح السيد نصر الله سابقا أنه لا مانع لديه من انتشار الجيش، شرط أن يكون قادرا على حماية الأراضي والأجواء اللبنانية من أي انتهاك أو اعتداء. والثالث أن يتراجع خطوتين ليعيد تنظيم نفسه من جديد، أما الاحتمال الرابع والمستبعد هو تحويل نفسه إلى حزب سياسي فقط، لأنه في هذه الحال، سيفقد عمقه الاستراتيجي، وربما الدعم اللامحدود من إيران، وهذا أيضا مستبعد، لأنه وكما أسلفنا، تشكل إيران المرجعية العقائدية لحزب الله، ورأس الحربة للمشروع القائم على مناهضة السياسة الأمريكية والصهيونية في المنطقة. أما التحدي الأكبر الذي ليس له رقم لأنه من التحديات الكبيرة، هو مواجهة الأصوات الداخلية التي لم تصبر كثيرا بعد وقف إطلاق النار، وشرعت تحاسب حزب الله على جره لبنان إلى حرب كبيرة ومدمرة، من دون استشارة أحد، ومن دون تنسيق مع الحكومة، وقد بدأ هذه الهجمة النائب وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي خصص مؤتمره الصحافي عقب وقف إطلاق النار لمساءلة السيد حسن نصر الله، ومحاورته عبر أجهزة الإعلام، الأمر الذي استهجنه كثير من المتتبعين للسياسة في البنان، حيث أخذوا على وليد جنبلاط تسرعه في فتح حرب كلامية مع حزب الله، الذي يرى أنه خرج منتصرا من المعركة، وهو كذلك، لأنه لا يزال يحتفظ بقوة لا يستهان بها، وإن لم تبد للعيان نتيجة العمل السري. إلا أن حزب الله لم ينجر حتى الآن إلى المعركة الكلامية، أو على الأقل، لم ينجر أمينه العام، بل كانت الردود من شخصيات في الصف الثاني من قيادة الحزب، وهنا تبدو حنكة السيد حسن نصر الله في التعاطي السياسي المحلي، وحرصه على أن يبقى محافظا على هيبته التي تعاظمت خلال الحرب.
إن حزب الله أمام تحديات جادة وكبيرة، إلا أنه ليس في مأزق خطير ومدمر، لأنه ليس حزباً غريباً في أرض غريبة. إنه حزب يعيش وسط قاعدة شعبية عريضة تؤيده حتى الرمق الأخير. إنه حزب عقائدي، وبالتالي، فإنه سيبقى طالما بقيت هذه العقيدة، وطالما بقيت مرجعيته في إيران، ناهيك عن التفاهم الاستراتيجي بين سوريا وإيران على الأقل في المرحلة الحالية، إلا إذا حدث تطور دراماتيكي في السياسة السورية، ودخلت في مفاوضات مفاجئة مع العدو الصهيوني، وهذا التحالف السوري الإيراني ينعكس إيجابا على علاقات سوريا بحزب الله.
لقد دخل حزب الله، بعد خطفه لجنديين صهيونيين، وقيام الحكومة الصهيونية بعدوانها الواسع، ومع استمرار القصف والمعارك، إلى المعادلة السياسية في الشرق الأوسط برمته، وهو أمر لم يحدث منذ سنوات طويلة، فهو الجهة الوحيدة التي حققت الردع مع الكيان الصهيوني، فمنذ إنشاء الدولة العبرية، لم تتعرض مدن شمال فلسطين لقصف أو دمار كما تعرضت له وتتعرض له، ولم يتعطل شمال فلسطين المحتلة كما تعطل منذ 12 يوليو. ولهذا، فإن الحزب تحول إلى ورقة من أوراق اللعبة، وهنالك أوراق ضاغطة بين أوراقه، كما تحول إلى رقم صعب، بدلا من أبو عمار (الذي كان يطلق على نفسه الرقم الصعب)، مع فارق المقارنة في السياسات والتعاطي مع الأزمات، والجهوزية الأمنية والتماسك الداخلي. وإن أي حديث عن المنطقة يجب أن يمر من قناة حزب الله أو حلفائه. لكن هذا الدخول قد لا يجنبه التورط في قضايا عديدة، أهمها التجاذب السياسي حول عملية السلام في الشرق الأوسط.
إن الأيام القادمة ستحدد شكل التعاطي مع حزب الله، وتعاطي الحزب ذاته مع الواقع المستجد، خاصة عندما يحدث أي احتكاك بين الجيش اللبناني أو قوات “اليونيفيل” مع رجال الحزب، رغم أن هذا الأمر مستبعد كليا، لأن الحزب ليس له وجود عسكري علني في مناطقه، فهو يمارس عمله في سرية مطلقة، وهذا سبب قوته واستمراره.
المصدر : الخليج