-
دخول

عرض كامل الموضوع : أبناؤنا بين الواقع والطموح


براق
09/09/2006, 22:46
حسن وأخته ليلى في المرحلة الثانوية، يستيقظان قبل طلوع الشمس يصليان الصبح ويبدءان في تحضير الإفطار وحقيبة طعامهم المدرسي، لا ينسيان أختهما الصغرى في الروضة فهما يطعمانها معهما بعد إعداد حقيبتها أيضا، وسريعا يرتبان أسرتهم ويلبسون ثيابهم المدرسية التي قاموا بتجهيزها وكيها قبل نومهم، ومن ثم يخرج الأخوة سويا إلى المدرسة بعد وداع والدتهما وتقبيل يديها و…!
صورة وردية نكاد لا نراها في يومنا هذا، تدخل في إطار الأحلام، لاسيما حينما نرى حال أبنائنا.
أولادنا وبناتنا الذين نريدهم أكفاء في المجتمع غدا، لا يتحملون حتى جزءاً مما تحمله آباؤهم وأمهاتهم حينما كانوا في مثل سنهم، فالفتى ذو الخمس عشر ربيعا والذي هو في عرفنا طفل كان في الماضي رجلا يعيل أو يساعد في إعالة أسرة، والفتاة ذات الأربعة عشر والتي لا نراها اليوم إلا طفلة هي في الماضي زوجة بل وأم تتحمل مسئولية بيت وأطفال. أما اليوم فقد تبدلت الصورة، فمهما التفتنا فلن نجد إلا مشاهد تكشف عن مدى اتكالهم على الكبار في سائر شئونهم الصغيرة منها والكبيرة بل وحتى تلك التي يمكن لطفل صغير أداؤها.
هم لا يتقنون أبسط المهارات المطلوبة لكل فرد كونه إنسانا يرجى أن يتهيأ لتحمّل مسئولياته القادمة، فان غابت والدتهم لا يعرفون حتى قلي بيضة وإن غاب والدهم لا يستطيعون دق مسمار أو تبديل لمبة، كل ما يعرفونه بل وفي بعض الأحيان يلقنونه من قبل والديهم وأقربائهم هو أن وظيفتهم الوحيدة هي المذاكرة وتحصيل أفضل الدرجات في المدرسة وكأن بناء شخصياتهم وأهميتهم وعطاءهم في المجتمع مرهون فقط بحجم الشهادات العلمية التي تم تحصيلها.
حتى وإن أراد من حولهم تحفيزهم للتفوق فإنهم يسلبونهم أبسط مسؤولياتهم بداعي منحهم المزيد من الوقت والتفرغ لتحصيلهم الدراسي، وإمدادهم بكماليات هم ليسوا بحاجة إليها وربما تكون فوق طاقة أسرهم.
ماذا نتج عن ذلك في سلوك أبنائنا ؟. أنهم أضحوا استهلاكيين، ومطالبين دوما بمزيد من التسهيلات، فلا ترى اليوم فتى أو فتاة في الثانوية من العوائل ذوي الدخل المتوسط إلا ولديه هاتف نقال، وان صعدت قليلا في مستوى الدخل لا تراهم إلا ويملك الواحد منهم كمبيوتر محمول، يطالبون آباؤهم دوما برفاهية العيش دون أن يفكروا يوما بالمعاناة وحجم المكابدة والصعوبات التي مر بها آباؤهم سابقا ومازالوا يمرّون بها لتحصيل لقمة العيش، لا يساهمون في أي عمل في البيت أو خارجه ينفع أسرهم ومجتمعهم، فحلقتهم التي يدورون حولها هي أنفسهم وحاجاتها الآنية، ومقدار الكماليات المطلوبة التي من شأنها منحهم المتعة والمزيد منها.
بهذا الواقع الذي يعيشه أبناؤنا ماذا نتوقع لهم من مستقبل، هل يرجى منهم أن يصبحوا قدوات صالحة لأبنائهم! هل يرجى منهم أن يحملوا شعلة الإصلاح في مجتمعاتهم، هل يرجى منهم أن يكونوا قادة ملهمين يقودون الإنسانية للخلاص من عذاباتها والارتقاء إلى عالم أفضل ! أم ماذا ! لا أظن أن مثل هذا الواقع قد ينتج أيا من هذا في المستقبل أو حتى شيئا منه، فالشعور بالمسؤولية والقدرة على الإنجاز، والمشاركة والتعاون وكل ما نطمح أن تتميز به شخصياتهم هي قيم أخلاقية لا يمكن أن يقطف ثمارها إلا إذا تم زرعها مبكرا ومنذ الصغر في نفوسهم، لا أن نفترض أن الحياة غدا ستمنحهم إياها.
أبناؤنا بحاجة إلى تغيير واقعهم الذي يعيشونه وأسلوبنا في التعاطي معهم، هم بذرة صالحة بحاجة إلى رعاية جيدة، والرعاية الجيدة هي الحال الوسط بين اللين والشدة، والتلازم الذي يجب أن يكون بين المنجز منهم والمكافئة منا بما يتناسب مع إنجازهم وربما علّمناهم كيف يستشعروا لذة المكافأة المعنوية من قبيل تحقيق الذات، والشعور بالنجاح والعطاء والإنجاز... الخ، وفي مشاركتهم أهليهم أعباء الحياة التي باستطاعتهم المساهمة فيها، فمثلاً وليس حصراً مساعدة الأولاد لوالدهم في عمله في العطلة الأسبوعية إن كان يملك دكانا أو ورشة مثلا ومعاونة البنات والأولاد لوالدتهم في الأعمال المنزلية المختلفة، وأخيرا وليس آخرا أن نضع حدوداً لامتلاكهم الكماليات.
وليتمرنوا من اليوم أن يكونوا أشداء معتمدين على أنفسهم ومتحملين حتى مسؤولية غيرهم، وليخرج الابن والابنة من بيوت أهليهم وهم أقدر على مواجهة الحياة فالطفل الذي يعتمد على نفسه في ترتيب غرفته، والاعتناء بنظافتها، ويساعد والديه في أعباء المنزل، ويشعر بالرحمة تجاه العاملة فيساهم في التخفيف من أعبائها هو الطفل الذي سيتصرف بروح المسئولية في المستقبل، فبقدر الصلابة والقوة التي نربيها فيهم، وبقدر ما نصيغ من صفات عالية وقدرة على تحمل المسؤولية في شخصياتهم، بقدر ما نصنع رجالاً ونساء يبنون أوطانهم وتفخر بهم مجتمعاتهم غدا.

منقول : نعيمة رجب - جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية