rana
20/05/2004, 10:13
المصباح…
لم يكن يفعل شيئا˝ فلماذا افتقدته الى هذا الحد؟
-عندما كنت صغيرة بدا لي أن الأب مثل مصباح الثلاجة, ففي كل بيت واحد منهما , لكن لا أحد يعرف تماما˝ ماذا يفعلان حين ينغلق الباب.
كان أبي يغادر البيت كل صباح و يبدو سعيدا" برؤيتنا ثانية" حين يعود مساء"..
كان يفتح سدادة قارورة المخللات حين يعجز الجميع عن فتحها..
كان الوحيد في البيت لا يخشى النزول بمفرده الى القبو..
كان يجرح وجهه و هو يحلق ذقنه، لكن أحدا" لم يتقدّم ليقبله أو يهتم بما حصل له، و كان من المفهوم أنه حين يهطل المطر يذهب هو الى موقف السيارات ليوصلها الى باب البيت، و حين يمرض أحدنا هو من كان يذهب لإحضار الدواء.
كان دائما" مشغولا"، كان يقطع أغصان الورد كي لا تخزنا الأشواك و نحن نسير للباب الأمامي، و هو الذي كان يزيت عجلات مزلاجي كي تجري على نحو أسرع، و حين حصلت على دراجتي الهوائية كان هو الذي يركض الى جانبي، و قطع ألف كيلومتر على الأقل قبل أن أسيطر عليها وحدي.
هو الذي كان يوقع بيانات علاماتي المدرسية..و قد أخذ لي صورا" لا تحصى من دون أن يظهر في واحدة منها..و هو الذي كان يشد لأمي حبال الغسيل المرتخية.و كنت أخاف من آباء كل الأولاد إلا أبي.أعددت له الشاي ذات مرة و كان عبارة عن ماء فيه سكر،و مع ذلك جلس في المقعد الصغير و أخبرني أنه كان لذيذا"، و بدا مرتاحا" جدا".
ذهبت معه مرة" الى النهر و أخذت ألقي الحجارة فيه، كان يصيد السمك فهدد بإلقائي في النهر وراء الحجارة، و لم أكن واثقة أنه سيفعل لذلك واجهته بنظرة تحد و رميت حجرا" آخر.
عندما كنت ألهو بلعبة البيت كنت أعطي الدمية الأم مهمات كثيرة، و لم أكن أعرف ماذا أوكل للدمية الأب، لذلك كنت أجعله يقول: إنني ذاهب للعمل الآن، ثم أقذف به تحت السرير..
و ذات صباح عندما كنت في التاسعة من عمري لم ينهض أبي ليذهب الى العمل ..
ذهب الى المستشفى ووافته المنية في اليوم التالي..
جاء جمع غفير الى بيتنا و أحضروا معهم أنواع الأطعمة و الحلوى..
ذهبت الى حجرتي و تلمست تحت السرير بحثا" عن الدمية الأب، و حين وجدته نفضت عنه الغبار ووضعته على الفراش.
لم يكن يفعل شيئا˝ قط .و لم أكن أتصور أن ذهابه سيؤلمني الى هذا الحد..
لكنه لا يزال يؤلمني حتى الآن..
( من مجلة المختار )
لم يكن يفعل شيئا˝ فلماذا افتقدته الى هذا الحد؟
-عندما كنت صغيرة بدا لي أن الأب مثل مصباح الثلاجة, ففي كل بيت واحد منهما , لكن لا أحد يعرف تماما˝ ماذا يفعلان حين ينغلق الباب.
كان أبي يغادر البيت كل صباح و يبدو سعيدا" برؤيتنا ثانية" حين يعود مساء"..
كان يفتح سدادة قارورة المخللات حين يعجز الجميع عن فتحها..
كان الوحيد في البيت لا يخشى النزول بمفرده الى القبو..
كان يجرح وجهه و هو يحلق ذقنه، لكن أحدا" لم يتقدّم ليقبله أو يهتم بما حصل له، و كان من المفهوم أنه حين يهطل المطر يذهب هو الى موقف السيارات ليوصلها الى باب البيت، و حين يمرض أحدنا هو من كان يذهب لإحضار الدواء.
كان دائما" مشغولا"، كان يقطع أغصان الورد كي لا تخزنا الأشواك و نحن نسير للباب الأمامي، و هو الذي كان يزيت عجلات مزلاجي كي تجري على نحو أسرع، و حين حصلت على دراجتي الهوائية كان هو الذي يركض الى جانبي، و قطع ألف كيلومتر على الأقل قبل أن أسيطر عليها وحدي.
هو الذي كان يوقع بيانات علاماتي المدرسية..و قد أخذ لي صورا" لا تحصى من دون أن يظهر في واحدة منها..و هو الذي كان يشد لأمي حبال الغسيل المرتخية.و كنت أخاف من آباء كل الأولاد إلا أبي.أعددت له الشاي ذات مرة و كان عبارة عن ماء فيه سكر،و مع ذلك جلس في المقعد الصغير و أخبرني أنه كان لذيذا"، و بدا مرتاحا" جدا".
ذهبت معه مرة" الى النهر و أخذت ألقي الحجارة فيه، كان يصيد السمك فهدد بإلقائي في النهر وراء الحجارة، و لم أكن واثقة أنه سيفعل لذلك واجهته بنظرة تحد و رميت حجرا" آخر.
عندما كنت ألهو بلعبة البيت كنت أعطي الدمية الأم مهمات كثيرة، و لم أكن أعرف ماذا أوكل للدمية الأب، لذلك كنت أجعله يقول: إنني ذاهب للعمل الآن، ثم أقذف به تحت السرير..
و ذات صباح عندما كنت في التاسعة من عمري لم ينهض أبي ليذهب الى العمل ..
ذهب الى المستشفى ووافته المنية في اليوم التالي..
جاء جمع غفير الى بيتنا و أحضروا معهم أنواع الأطعمة و الحلوى..
ذهبت الى حجرتي و تلمست تحت السرير بحثا" عن الدمية الأب، و حين وجدته نفضت عنه الغبار ووضعته على الفراش.
لم يكن يفعل شيئا˝ قط .و لم أكن أتصور أن ذهابه سيؤلمني الى هذا الحد..
لكنه لا يزال يؤلمني حتى الآن..
( من مجلة المختار )