moh84
23/09/2006, 09:55
المصدر:من مذكرات مالك فايز المصري
كان شهر رمضان عند الكبار شهر نسك وعبادة.حتى أولئك الذين عرفوا بفسوقهم وانحرافهم عن جادة الدين في الأيام العادية.يلبثون أن يتجهوا إلى الله بقلوبهم في شهر رمضان فيتوقفون عن المعاصي،يقبلون على الصوم والصلاة ويقرا ون القران ويختمونه مرة على الأقل خلال شهر،وكذلك يفعل المتدينون،بل أنهم يكلفون احد المشايخ أو أكثر بقراءة القران وختمه ويهدونه إلى أرواح الموتى من ذويهم،ويولمون منذ نهاية الختامة وليمة خاصة يحضرها الشيخ وأهل البيت،وأهل اليسار من الأتقياء على إقامة مائدة الإفطار في شهر رمضان،فهذه مأدبة للجيران وهذه للأهل والأقارب،وأخرى للغرباء المقيمين في المدينة،واني لأذكر هذه المآدب لاسيما تلك التي كان يقيمها والدي للغرباء،وفي طليعتهم أولئك القادمون من بخارى،والذين كانوا يتاجرون بالخردوات على بسطا تهم بالقرب من المساجد ،في تلك المآدب كانت تقدم ألوان متنوعة من الأطعمة تشتمل على الحساء والمحشي واللحم المحمر وبعض أنواع الخضار وكبة الأرز باللبن التي اشتهرت بها نابلس،ومن المفروغ منه إن الكنافة النابلسية بالجبن كانت في صدر لائحة الأطعمة،البعض يتناولها في بداية الفطور،والبعض يتناولها في الختام.
ومن المعروف إن بعض أنواع الأسر كانت أبواب بيوتها مفتوحة طوال الشهر لاستقبال الضيوف سواء من فقراء المدينة أو من الوافدين إليها.
وبعد صلاة العشاء تغص المساجد بالمصلين لأداء صلاة التراويح،وقد كنا ونحن أطفال صغار نطل على جموع المصلين من طاقات المسجد،ثم أصبحنا نشرك في تلك الصلوات عندما كبرنا بعض الشيء وهنالك يعمد من إلى المساجد التي توجد بها الأضرحة لتلاوة بعض الأوراد لاسيما قصيدة البرد للبوصري وقد شاركت فيها وانتابتني حالة من الدروشة جعلتني احلق في سماوات الطرب الوجداني.
وعندما أصبحت يافعا كان والدي يصطحبني معه إلى دواوين بعض العائلات،فقد درجت بعض العائلات العريقة في المدينة على استقبال الزوار في دواوينها حيث تقدم القهوة،ويتبادل الناس فيها الأحاديث والطرائف،ولعل اشد ما اذكره من تلك الدواوين تأثيرا،ذلك الديوان القائم في حارتنا القديمة،ديوان آل عسقلان،حيث كنت اشعر فيه بألفة ومودة،عندما يقدمني والدي إلى الاختيارية واجلس إلى جانبه استمع إلى طرائف الشيخ احمد البسطامي وأحاديثه الطلية كما استمع إلى الأستاذ أبي رزق (عبد الرؤوف رزق المصري) لاسيما عندما يتناول أسماء العائلات والأسر مرجعا تلك الأسماء إلى أصول تتعلق بالمنشأ الجغرافي للعائلة كالشامي،والبغدادي،والحلبي والكرمي، واليافي، والعورتاني.....الخ.أو إلى مهنة إفراد العائلة واشتهر بها،كالخياط،والنجار،والخط يب ،والقهوجي،والطباخ،والعتال ...الخ.أو إلى صفة خلقية ظاهرة،كالأشقر،والأسمر،وال أعرج،والأعور،والطويل، والقصير...الخ.أو الى أصل قبلي،كالتميمي والقيسي، إلى مذهب ديني كالحنبلي،والمالكي،والحنفي ،والشافعي ...الخ .أو إلى طرفة نادرة مثل اسم قناديلو واصلها "القناة دي له "_أي هذه القناة له_وقد رواها قائلها باللهجة المصرية فقلده الناس واصبحو يرددون "القنادي له "... حتى أصبحت لقبا للعائلة،أو كلقب العفوري، واصله ان طفلا اصطاد عصفورا فاختطفه أخوه منه ،فلحقه وهو يصيح عفوري ...، يريد قول “عصفوري...عصفوري "،ولكن كان لا يستطيع نطق حرف الصاد ،فطلعت "عفوري عفوري" وهكذا اكتسبت هذا الطفل تلك الكنية وأصبحت لقبا له ولأولاده،فيما بعد.
ومن العادات الشائعة لدى تجار المدينة إن يصلوا الرحم بالهدايا ،وكان تجار الأقمشة _أعمامي ووالدي منهم_يخصصون يوما في رمضان يوزعون فيه الأقمشة على فقراء وفقيرات العائلة ومن لهم صلة بهم،بحيث كانت تصلهم مخصصاتهم إلى بيوتهم مباشرة،وما زالت هذه العادة متبعة لدى إخواني وأبناء عمومتي الذين واصلوا تجارة الأقمشة بعد آبائهم.
وفي خلال شهر رمضان يبدأ التحضير لكسوة العيد ،فيؤخذ الأطفال الذكور إلى الخياطين لأخذ مقاساتهم وتقدير أطوال الأقمشة اللازمة لملابسهم سواء كانت عربية أو إفرنجية ،ويؤخذ الأطفال ذكورا وإناثا إلى الكندرجية"صانعي الأحذية "لأخذ مقاسات أرجلهم والاتفاق على ألوان الأحذية وموديلاتها ،أما ملابس البنات فانه يعهد إلى الأهل بخياطتها أو ترسل إلى الخياطات المحترفات لخياطتها. وكان الصنايعية من الخياطين والكندرجية يسهرون في رمضان ولاسيما في الليالي الأخيرة منه لانجاز المطلوب قبل العيد.
وفي يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان، وكانوا يسمونه "الجمعة اليتيمة" فتكتظ المساجد بجموع المصلين للصلاة والاستماع إلى خطبة الجمعة،واني لأذكر إحدى تلك الخطب للشيخ محمد تفاحة مفتي البلدة وإمام المسجد الكبير فيها وهو يزف الصحابة رضوان الله عليهم بعبارات مسجوعة رنانة بدءا بابي بكر الصديق،ثم الفروق عمر بن الخطاب،ثم ذي النورين عثمان بن عفان،وأسد الله الغالب علي بن أبي طالب.
وبينما يترقب الناس حلول العيد،يتوافدون على الحلاقين لقص شعورهم،وكان الآباء يكرمون الحلاقين إكراما خاصا بهذه المناسبة،وفي ليلة العيد أو الليلة السابقة يذهب الأولاد بصحبة ذويهم إلى الحمامات ولا أوحش الله منك يا شهر الخيرات والبركات.
وقبل إن يهل علينا فجر العيد المبارك اثبت هنا مقاطع من خطبة من التراث النابلسي كان قد أعدها احد الأدباء الظرفاء على غرار خطبة عيد الفطر التقليدية.ويستذكر فيها بعض أحوال الصائمين،ثم بعض بركات رمضان وموائده الشهية ويختمها بغمزات تتعلق بإسراف النابلسين في العيد في صنع الطعام والتهامه
كان شهر رمضان عند الكبار شهر نسك وعبادة.حتى أولئك الذين عرفوا بفسوقهم وانحرافهم عن جادة الدين في الأيام العادية.يلبثون أن يتجهوا إلى الله بقلوبهم في شهر رمضان فيتوقفون عن المعاصي،يقبلون على الصوم والصلاة ويقرا ون القران ويختمونه مرة على الأقل خلال شهر،وكذلك يفعل المتدينون،بل أنهم يكلفون احد المشايخ أو أكثر بقراءة القران وختمه ويهدونه إلى أرواح الموتى من ذويهم،ويولمون منذ نهاية الختامة وليمة خاصة يحضرها الشيخ وأهل البيت،وأهل اليسار من الأتقياء على إقامة مائدة الإفطار في شهر رمضان،فهذه مأدبة للجيران وهذه للأهل والأقارب،وأخرى للغرباء المقيمين في المدينة،واني لأذكر هذه المآدب لاسيما تلك التي كان يقيمها والدي للغرباء،وفي طليعتهم أولئك القادمون من بخارى،والذين كانوا يتاجرون بالخردوات على بسطا تهم بالقرب من المساجد ،في تلك المآدب كانت تقدم ألوان متنوعة من الأطعمة تشتمل على الحساء والمحشي واللحم المحمر وبعض أنواع الخضار وكبة الأرز باللبن التي اشتهرت بها نابلس،ومن المفروغ منه إن الكنافة النابلسية بالجبن كانت في صدر لائحة الأطعمة،البعض يتناولها في بداية الفطور،والبعض يتناولها في الختام.
ومن المعروف إن بعض أنواع الأسر كانت أبواب بيوتها مفتوحة طوال الشهر لاستقبال الضيوف سواء من فقراء المدينة أو من الوافدين إليها.
وبعد صلاة العشاء تغص المساجد بالمصلين لأداء صلاة التراويح،وقد كنا ونحن أطفال صغار نطل على جموع المصلين من طاقات المسجد،ثم أصبحنا نشرك في تلك الصلوات عندما كبرنا بعض الشيء وهنالك يعمد من إلى المساجد التي توجد بها الأضرحة لتلاوة بعض الأوراد لاسيما قصيدة البرد للبوصري وقد شاركت فيها وانتابتني حالة من الدروشة جعلتني احلق في سماوات الطرب الوجداني.
وعندما أصبحت يافعا كان والدي يصطحبني معه إلى دواوين بعض العائلات،فقد درجت بعض العائلات العريقة في المدينة على استقبال الزوار في دواوينها حيث تقدم القهوة،ويتبادل الناس فيها الأحاديث والطرائف،ولعل اشد ما اذكره من تلك الدواوين تأثيرا،ذلك الديوان القائم في حارتنا القديمة،ديوان آل عسقلان،حيث كنت اشعر فيه بألفة ومودة،عندما يقدمني والدي إلى الاختيارية واجلس إلى جانبه استمع إلى طرائف الشيخ احمد البسطامي وأحاديثه الطلية كما استمع إلى الأستاذ أبي رزق (عبد الرؤوف رزق المصري) لاسيما عندما يتناول أسماء العائلات والأسر مرجعا تلك الأسماء إلى أصول تتعلق بالمنشأ الجغرافي للعائلة كالشامي،والبغدادي،والحلبي والكرمي، واليافي، والعورتاني.....الخ.أو إلى مهنة إفراد العائلة واشتهر بها،كالخياط،والنجار،والخط يب ،والقهوجي،والطباخ،والعتال ...الخ.أو إلى صفة خلقية ظاهرة،كالأشقر،والأسمر،وال أعرج،والأعور،والطويل، والقصير...الخ.أو الى أصل قبلي،كالتميمي والقيسي، إلى مذهب ديني كالحنبلي،والمالكي،والحنفي ،والشافعي ...الخ .أو إلى طرفة نادرة مثل اسم قناديلو واصلها "القناة دي له "_أي هذه القناة له_وقد رواها قائلها باللهجة المصرية فقلده الناس واصبحو يرددون "القنادي له "... حتى أصبحت لقبا للعائلة،أو كلقب العفوري، واصله ان طفلا اصطاد عصفورا فاختطفه أخوه منه ،فلحقه وهو يصيح عفوري ...، يريد قول “عصفوري...عصفوري "،ولكن كان لا يستطيع نطق حرف الصاد ،فطلعت "عفوري عفوري" وهكذا اكتسبت هذا الطفل تلك الكنية وأصبحت لقبا له ولأولاده،فيما بعد.
ومن العادات الشائعة لدى تجار المدينة إن يصلوا الرحم بالهدايا ،وكان تجار الأقمشة _أعمامي ووالدي منهم_يخصصون يوما في رمضان يوزعون فيه الأقمشة على فقراء وفقيرات العائلة ومن لهم صلة بهم،بحيث كانت تصلهم مخصصاتهم إلى بيوتهم مباشرة،وما زالت هذه العادة متبعة لدى إخواني وأبناء عمومتي الذين واصلوا تجارة الأقمشة بعد آبائهم.
وفي خلال شهر رمضان يبدأ التحضير لكسوة العيد ،فيؤخذ الأطفال الذكور إلى الخياطين لأخذ مقاساتهم وتقدير أطوال الأقمشة اللازمة لملابسهم سواء كانت عربية أو إفرنجية ،ويؤخذ الأطفال ذكورا وإناثا إلى الكندرجية"صانعي الأحذية "لأخذ مقاسات أرجلهم والاتفاق على ألوان الأحذية وموديلاتها ،أما ملابس البنات فانه يعهد إلى الأهل بخياطتها أو ترسل إلى الخياطات المحترفات لخياطتها. وكان الصنايعية من الخياطين والكندرجية يسهرون في رمضان ولاسيما في الليالي الأخيرة منه لانجاز المطلوب قبل العيد.
وفي يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان، وكانوا يسمونه "الجمعة اليتيمة" فتكتظ المساجد بجموع المصلين للصلاة والاستماع إلى خطبة الجمعة،واني لأذكر إحدى تلك الخطب للشيخ محمد تفاحة مفتي البلدة وإمام المسجد الكبير فيها وهو يزف الصحابة رضوان الله عليهم بعبارات مسجوعة رنانة بدءا بابي بكر الصديق،ثم الفروق عمر بن الخطاب،ثم ذي النورين عثمان بن عفان،وأسد الله الغالب علي بن أبي طالب.
وبينما يترقب الناس حلول العيد،يتوافدون على الحلاقين لقص شعورهم،وكان الآباء يكرمون الحلاقين إكراما خاصا بهذه المناسبة،وفي ليلة العيد أو الليلة السابقة يذهب الأولاد بصحبة ذويهم إلى الحمامات ولا أوحش الله منك يا شهر الخيرات والبركات.
وقبل إن يهل علينا فجر العيد المبارك اثبت هنا مقاطع من خطبة من التراث النابلسي كان قد أعدها احد الأدباء الظرفاء على غرار خطبة عيد الفطر التقليدية.ويستذكر فيها بعض أحوال الصائمين،ثم بعض بركات رمضان وموائده الشهية ويختمها بغمزات تتعلق بإسراف النابلسين في العيد في صنع الطعام والتهامه