-
دخول

عرض كامل الموضوع : عن الجليل وأيلول - سليم البيك


HashtNasht
08/10/2006, 04:33
بقلم: سليم البيك


- حان الرحيل يا فينوس..
تعبتْ من الجمال, فعَدَلت عن وقفتها وسحبت انحناءات جسدها الملتوية على مفترقات أزمنة, أحجبت عن العشاق نهديها المتهدلين ككثبان على مساحات من الرمل, التقطت يد كيوبيد الشقي وتنهدت:
- ارم سهامك بعيداً ولنرحل, فلا جميلات بعدها ولا عشاق تَصيبهم..
كان الزمان يتأهب لرحلة أخرى, لحفلة أخرى, إلى فلسطين هذه المرة, ليحاصر جليلها, فما فتئت هذه الأرض تثير فيه شيئاً من العجز. اعتاد على تعثره الدائم بالأيام, فما استطاع المشي بدونها, والأيام تتناوب في عشق الأرض, فلكل يوم ساعاته التي يعشق الجليلَ فيها ويمارس عشقه كيفما اتفق والجليل, ولم يرق للزمان أن يسود عشقٌ على الأيام.
لم يفرّق الزمان بين جنبات الأيام لازدحامها على مدخل الأمل. كانت كلها أيام, نهارات وليالي, لا تمييز بين يوم وآخر, لا أساس للون ولا لطقس. كان يتوجس من فتنة الأيام بالجليل والعلاقات المؤقتة بين كل منها, وبين الجليل. ارتعش قلقاً, وهو حامي فينوس, أن تأتي الأيام أو أحدها بما أودعه الجليلُ فيها, فلا مؤقت ولا زمان ولا فينوس بعد الآن.
- ولكنك الأجمل, لا عشق بدونك ولا عشاق أقنصهم, ارفعي الشال عن نهديك ليجد التائه عشيقة تلمه..
- ألم ترها حين مررنا على غربي الجليل؟ لن يتوه أحد هناك مهما رفعتُ ومهما قنصتَ.
في يوم لم يته من أواخر الشهر..
اختار الله أن ينازل براعته في أيلول. حاول أن يلحق الشهر قبل تمرير الأخير الحمل للتشرينين, أن يلحق السنة, أن يلحق بنفسه ولادة تلك الجليلية. همس: هي آتية, لم لا تكون في عهدي إذاً؟ أراد أن يختلي الجليل بالأيام عن كل الأمكنة و كل الأزمنة, و عزف أحلى مقطوعاته ليلتحفوا بها, و رقّص كورال البرتقال على نغم الأنوثة في بياراته لتهلهل للمولود الجديد.
أراد, بعد كل هذا الزمان, أن يَطمئن بأنه سينتشي يوما بخلقه, بأن جمالاً يُخلق الآن يستحق كل هذه القرابين من الخلق, من جمالات نسبية منسية, على مذبح جمال أوحد, فكفر الله بنسبية الجمال التي جربها في خلقه, و اهتدى في أيلول للطريقة الأمثل لخلق أنثى. فهمَ, ليس متأخراً, بأن الجليل و أيلول إن لحقهما, لحق ملكة جديدة تُسبّح فينوسُ بجلالها.
شدها من يدها و دموعه كالتائهة على خدوده:
- لن أغادر الجليل..
- لم أكن بجماله.. قلت أبقى لأجلك, تحب اللهو بسهامك على تلاله.. لم أكن بجمال بحره و جباله وأشجاره وصخوره... أما و أن أجد من تخجلني بجمالها تولد وتكبر في حضرتي وأبقى, فهذا ما...
- لن أقنصها, أعدك, لن تجد من يعشقها.
- وفر سهامك لتجارب ربها, آه يا "زيوس" كم أنت قاصر.
تصر فلسطين على أن تزداد قدسية وأنوثة بنسائها الجدد, تصر على اللجوء من جمال لآخر, ولا مكان للتخييم على أرصفة أي من الجمالات المؤقتة إلى أن تعود لذاتها وطنها في أنثى أخرى ولدت حين أحب الجليل أيلولة.
هناك في الجليل حيث تلاحقت الأيام لتسبق الزمان إلى جمال كان رماه مرة على إحدى رفوفه, جاء ينفض ما تكالبت عليه من غبرة النكبات, عله يكفّر عن خطاياه, يلحق أياماً كان يوماً سيدها. تتعثر الأيام بساعات بعضها وتتيه فيما بينها ليضل كلٌّ طريقه لأمل نُسي على الرف محتضناً الجمال بعيداً عن أعين الزمان.
وحده "السابع والعشرون" نجا بساعاته من الزمان وسطوته, اهتدى لجمال أمل ظل يبحث عنه مرة كل شهر كل سنة, إلى أن بانت بشائره فرقص منتشياً على موسيقى الله مبشراً بحب جديد, رقص لفلسطين حين تجلت أنوثة, مع الجليل المتيم بلاجئ.
- ألن نرقص معهم؟
- ألديك ما يكفي من السهام؟ ارمها على الأشجار والصخور, فللعشق كل الأمكنة في الجليل, كل شيء عاشق ومعشوق هنا. أما الناس, فـ "السابع و العشرون" أعفاك منهم, كما أعفاني من وحدتي. فلنرقص إلى أن يزدحم الجليل بمن كان لاجئاً, لنبدأ حينها الرقص من جديد


* كاتب فلسطيني مقيم في أبو ظبي.

chefadi
08/10/2006, 05:54
رائع كتيييييييييييييير
مشكور ابو نهلة :gem:
تحياتي الك و سليم البيك :D

سرسورة
09/10/2006, 01:57
رائع جدا جدا....:D :D

butterfly
13/10/2006, 01:13
كالعادة ... رهيبة
شكرا أبو نهلة :mimo: