HashtNasht
23/10/2006, 06:19
بقلم : سليم البيك*
كانت للحركة الشيوعية في فلسطين بداية إشكالية تعود للظروف التي حكمت هناك في ذالك الوقت. ظهرت بوادر الحركة في فلسطين عام 1920 و كانت اولى البلاد العربية في التعرف على ذالك الفكر الثوري. كان ذلك حين بدأ ممثلون عن ( حزب العمال الاشتراكي – البوعالي تسيون ) , و الذي تأسس عام 1919في فلسطين, بطرق أبواب الكومنترن للانضمام إليه. بعد عدة أعوام من المراسلات بين ( البوعالي تسيون ) و الكومنترن, أصدرت اللجنة التنفيذية للأخير بياناً أعلنت فيه قطع العلاقة مع قيادة الحزب لرفضها الشروط التي وضعها الكومنترن للقبول بالحزب كفرع له في فلسطين. و اهم الشروط كانت التخلي عن الطموحات القومية لليهود في فلسطين و حل الحزب و انضمام عناصره إلى الاحزاب الشيوعية في البلدان التي تقيم فيها.
أسفرت الميول الشوفينية لدى ( البوعالي تسيون ) عن انشقاق داخل الحزب لتخرج الاقلية تحت اسم ( حزب الشيوعيين الفلسطينيين ) عام 1922 . و انضم هذا الحزب إلى الكومنترن بلا شروط. و كان الكومنترن قد توجه " إلى كل الأحزاب الشيوعية للنضال ضد ( البوعالي تسيون ) ." و برز وقف ( حزب الشيوعيين الفلسطينيين ) الواضح و الحازم تجاه الشوفينية اليهودية و الصهيونية باعتبارها شكلاً من أشكال الإمبريالية. جدير بالذكر هنا بأن أعضاء الحزب كانوا من اليهود, فقد بدأ العرب بالانضمام للحزب الشيوعي الفلسطيني في النصف الأول من عشرينيات القرن الماضي.
اتحد ( حزب الشيوعيين الفلسطينيين ) مع قسم من ( البوعالي تسيون ) عام 1923 ليشكلوا ( الحزب الشيوعي الفلسطيني ), و تم التأكيد على " أن ينطلق الأساس البرنامجي للحزب من مقررات الكومنترن تجاه الموقف من الحركة القومية العربية و النضال ضد الصهيونية." و كان الكومنترن حذراً في تعامله مع ( الحزب الشيوعي الفلسطيني ) حيث فضل أن " يتحفظ على تمثيل الحزب في اللجنة التنفيذية للكومنترن و ذلك إلى أن يقطع بصورة فعلية و رسمية علاقاته مع ( البوعالي تسيون )", و بقي الحزب يؤكد خوضه " نضالاً حازماً ضد المنظمة العالمية الصهيونية", و ضد " أقوى الأسلحة في البرجوازية الصهيونية" و هي ( البوعالي تسيون ) التي " برزت خيانتهم المكشوفة لدى إصدارهم نداء يدعو العمال اليهود إلى دعم برنامج ( أرض اسرائيل) ."
وضع الحزب الشيوعي الفلسطيني نصب عينيه النضال ضد المنظمات الصهيونية التي تقوم " بنشاط دعائي و بجمع الأموال من البلدان المختلفة" و تقوم كذلك " بصنع السياسة الإنجليزية و النشاط الإقتصادي الاستيطاني في فلسطين." و أكد مراراً أنه " ينبغي تعبئة كل الطاقات في النضال ضد الصهيونية و توسيع نضال الكومنترن و تطويره ضد الصهيونية و من أجل تحقيق هذا الهدف ينبغي على الكومنترن تكثيف النشاط بين العمال اليهود و بين الجماهير اليهودية التي تدفع إلى الهجرة إلى فلسطين." و واصل الحزب في تلك الفترة النضال و الدعوة إلى " تطبيع النضال ضد الفاشية و الصهيونية و ضد الإمبريالية بطابع عالمي" و إلى " جلاء القوات البريطانية و إلغاء وعد بلفور و ضمان وحدة البلاد العربية." و قد وجه الحزب بياناً إلى عمال العالم جاء فيه:" الرفاق العمال, من المستعمرة البريطانية الصهيونية البعيدة, فلسطين, نتوجه إليكم باسم عمال فلسطين المطاردين و المضطهدين.....تسعى العصابات الصهيونية في فلسطين إلى تجريد سكان البلاد الأصليين, من العمال و الفلاحين, من أراضيهم....لتدعيم سلطة البرجوازية العالمية و إقامة قاعدة لحماية الإمبريالية البريطانية المتوحشة. إن الطائرات البريطانية و جيوشها المأجورين الصهيونيين يحاولون تدعيم سيطرتهم على هذه المنطقة الإستراتيجية للاستمرار في نهب سكانها و استغلالهم.....لقد جعلوا سكان البلاد الأصليين يعيشون في أشد حالات البؤس و الفقر و البطالة في الوقت الذي يجلبون فيه إلى فلسطين مهاجرين جدداً و أسلحة جديدة لدعم التطلعات الأنجلو - صهيونية."
و بخصوص انتفاضة البراق, فقد أكد الكومنترن أن " انتفاضة آب 1929 محطة تاريخية مهمة في تاريخ البلاد" , أما ثورة فلسطين الكبرى و الإضراب عام 1936 , فكانت دافعاً لمواصلة النضال حيث أن " الثورة الأخيرة التي قام بها الشعب العربي الفلسطيني في سبيل الدفاع عن خبزه و حقوقه الديمقراطية بينت درجة تطور الحركة التحررية الوطنية في الأقطار العربية و نضوج التفكير في مقاومة الاستعمار بأساليب الكفاح الثورية" و ذكر الحزب أن من أهم العوامل التي تمخضت عنها هذه الثورة كانت " تمادي الاستعمار البريطاني في تنفيذ سياسة الصهيونية و ظهور هذا التمادي بشكل واضح في الخمس سنوات الأخيرة التي تدفقت فيها الهجرة اليهودية بصورة هائلة.....و اشتداد الحركة الوطنية التحررية في الأقطار العربية.....ثم ظهور حركة القسام التي كان لها أثرها الفعال في ضرب سياسة التفاهم مع الاستعمار."
بدأ الحزب الشيوعي الفلسطيني في النصف الأول من العشرينيات على نشر الأفكار الثورية بين الجماهير العربية التي ستكون " مركزاً للحركة الشيوعية في البلاد" و أدرك الحزب وقتها بأن " مشاركة العرب في الحركة الثورية هو أمر ضروري لتدعيم بناء الحزب في المستقبل" و قد دخل تدريجياً, بتوجيه من قيادة الكومنترن, في عملية التعريب حيث أقر بأنه " ينبغي جذب أكبر عدد من الرفاق العرب إلى المواقع المسؤولة في الحزب" و أن " الهدف الرئيسي للحزب هو العمل بين جماهير الكادحين العرب ", و قد كان للكومنترن دوره في عملية تعريب الحزب حيث أكد غير مرة أن " الشيوعيين اليهود لا يجب أن يكونوا موجهين أو معلمين بل مساعدين للرفاق العرب" في أطر الحزب حيث أن القيادة الحزبية تكون عربية و ليست يهودية, و أن " المهمة المركزية المطروحة أمام الحزب حالياً هي مهمة التعريب."
و عمل الحزب على التقرب من الحركات العربية الثورية المناهضة للصهيونية و الإمبريالية حيث أكد الكومنترن أنه على الحزب " إقامة صلات مع المنظمات القومية العربية" و أنه " يتوجب على الحزب أن يفضح دون هوادة الدور الخياني الذي تضطلع به فئة الإقطاعيين و أغنياء الفلاحين و أن تناضل ضد التأثير الذي تمارسه على الحركة الوطنية التحررية.....وأن يدعم كل تحرك ثوري تقوم به في النضال ضد الإمبريالية الإنجليزية" و مشى الحزب على هذا الطريق حيث ذكر أن " الحركة القومية تظل الحليف الأنفع - إن لم يكن الوحيد- للطبقة العاملة في نضالها ضد الإمبريالية و من أجل التحرر."
إضافة لإدراك الحزب ضرورة النضال ضد الإمبريالية و حليفتها الصهيونية, و ضرورة عملية التعريب في الحزب و التحالف مع الفئات القومية الثورية, أدرك الحزب ضرورة التحريض في الأوساط اليهودية حيث أكد أنه " يجب على الحزب أن يعمل بين العمال اليهود خلف شعار تعزيز النضال الحازم ضد الصهيونية" و ضرورة العمل ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين حيث أصدر تقريراً يوضح أنه " بينما يعاني المواطنون العرب من الفقر و الجوع و مصادرة الأراضي, يجد المستوطنون الصهاينة و المهاجرون اليهود أنفسهم في أوضاع معيشية جيدة.....و يخططون من أجل الاستفادة إلى الحد الأقصى من فرصة وصول هتلر إلى السلطة في ألمانيا, من اجل تنظيم موجات جديدة من الهجرة الواسعة إلى فلسطين" و كذلك " دعا الحزب الفلاحين إلى التمسك بأراضيهم و عدم تركها و ذلك بعد أن قام أحد الملاكين العرب الكبار ببيعها إلى الصهيونيين", و قد أكد الكومنترن على " مواصلة النضال من اجل الوقف الفوري للهجرة اليهودية و النضال الثوري ضد طرد الفلاحين العرب من أراضيهم و العمال العرب من منشآتهم و إلغاء الانتداب البريطاني و وعد بلفور" و كان ذلك في إحدى رسائله إلى الحزب.
من كل ما تقدم نلمس الدور النضالي الذي كان للشيوعيين في مواجهة الصهيونية و الإمبريالية, في الوقت الذي لم تكن فيه حركة قومية أو دينية تعي و تناهض , و بشكل حازم, الصهيونية و أهدافها الشوفينية. ففي أوائل العشرينيات قدم الشيوعيون إلى فلسطين من صفوف أحزاب شيوعية أوروبية. نعم, كانوا يهوداً, و لكنهم وضعوا الأسس لبناء حزب عربي ثوري بأغلبية قواعده و بقيادته, و لو أنهم التزموا أكثر بقرارات الكومنترن لكانت صورتهم أنقى, و فضحوا الصهيونية في الوقت الذي كان شعبنا الفلسطيني, و العربي, يعاني من الأمية و مظاهر تخلف اجتماعي كان قد فرضه عليه الاحتلال التركي تحت اسم الخلافة لسنوات طويلة. تناول المقال فترة تاريخ الحزب من 1920 حتى 1937 أي حتى الانفصال بين الحزب و الكومنترن, ذلك أن مرجعي هو ( فلسطين في الأرشيف السري للكومنترن ) للباحث ماهر الشريف عن دار المدى. الأرشيف الذي نشر للمرة الأولى كونه كان سرياً.العبارات بين قوسين مأخوذة من تقارير و رسائل متبادلة بين الحزب الشيوعي الفلسطيني و اللجنة التنفيذية أو القسم الشرقي للكومنترن. لم أمر على ذكر بعض التكتلات و المعارضات الشوفينية داخل الحزب و كذلك الالتباس الذي بان في بعض مواقف الحزب ذلك أني حاولت الإختصار قدر الامكان و كذلك التركيز على الخط العام للحزب و هموم الحزب الأساسية, على كل حال, تمت المعالجة و التوجيه من الكومنترن, و أنا, الآن هنا, أعتقد بصوابها. بغض النظر عن تاريخ الحزب اللاحق و التبعية و الجزر الفكري و السياسي الذي رافقه, لا يمكننا تجاهل تلك الحركة, تلك الشمس الحمراء التي قامت بدور تنويري تثويري لشعب عانى الاضطهاد الطبقي و القومي, و الذي لا يزال بعد 58 عاماً يثور, ينتفض, و يثور.
*. كاتب فلسطيني مقيم في أبو ظبي
كانت للحركة الشيوعية في فلسطين بداية إشكالية تعود للظروف التي حكمت هناك في ذالك الوقت. ظهرت بوادر الحركة في فلسطين عام 1920 و كانت اولى البلاد العربية في التعرف على ذالك الفكر الثوري. كان ذلك حين بدأ ممثلون عن ( حزب العمال الاشتراكي – البوعالي تسيون ) , و الذي تأسس عام 1919في فلسطين, بطرق أبواب الكومنترن للانضمام إليه. بعد عدة أعوام من المراسلات بين ( البوعالي تسيون ) و الكومنترن, أصدرت اللجنة التنفيذية للأخير بياناً أعلنت فيه قطع العلاقة مع قيادة الحزب لرفضها الشروط التي وضعها الكومنترن للقبول بالحزب كفرع له في فلسطين. و اهم الشروط كانت التخلي عن الطموحات القومية لليهود في فلسطين و حل الحزب و انضمام عناصره إلى الاحزاب الشيوعية في البلدان التي تقيم فيها.
أسفرت الميول الشوفينية لدى ( البوعالي تسيون ) عن انشقاق داخل الحزب لتخرج الاقلية تحت اسم ( حزب الشيوعيين الفلسطينيين ) عام 1922 . و انضم هذا الحزب إلى الكومنترن بلا شروط. و كان الكومنترن قد توجه " إلى كل الأحزاب الشيوعية للنضال ضد ( البوعالي تسيون ) ." و برز وقف ( حزب الشيوعيين الفلسطينيين ) الواضح و الحازم تجاه الشوفينية اليهودية و الصهيونية باعتبارها شكلاً من أشكال الإمبريالية. جدير بالذكر هنا بأن أعضاء الحزب كانوا من اليهود, فقد بدأ العرب بالانضمام للحزب الشيوعي الفلسطيني في النصف الأول من عشرينيات القرن الماضي.
اتحد ( حزب الشيوعيين الفلسطينيين ) مع قسم من ( البوعالي تسيون ) عام 1923 ليشكلوا ( الحزب الشيوعي الفلسطيني ), و تم التأكيد على " أن ينطلق الأساس البرنامجي للحزب من مقررات الكومنترن تجاه الموقف من الحركة القومية العربية و النضال ضد الصهيونية." و كان الكومنترن حذراً في تعامله مع ( الحزب الشيوعي الفلسطيني ) حيث فضل أن " يتحفظ على تمثيل الحزب في اللجنة التنفيذية للكومنترن و ذلك إلى أن يقطع بصورة فعلية و رسمية علاقاته مع ( البوعالي تسيون )", و بقي الحزب يؤكد خوضه " نضالاً حازماً ضد المنظمة العالمية الصهيونية", و ضد " أقوى الأسلحة في البرجوازية الصهيونية" و هي ( البوعالي تسيون ) التي " برزت خيانتهم المكشوفة لدى إصدارهم نداء يدعو العمال اليهود إلى دعم برنامج ( أرض اسرائيل) ."
وضع الحزب الشيوعي الفلسطيني نصب عينيه النضال ضد المنظمات الصهيونية التي تقوم " بنشاط دعائي و بجمع الأموال من البلدان المختلفة" و تقوم كذلك " بصنع السياسة الإنجليزية و النشاط الإقتصادي الاستيطاني في فلسطين." و أكد مراراً أنه " ينبغي تعبئة كل الطاقات في النضال ضد الصهيونية و توسيع نضال الكومنترن و تطويره ضد الصهيونية و من أجل تحقيق هذا الهدف ينبغي على الكومنترن تكثيف النشاط بين العمال اليهود و بين الجماهير اليهودية التي تدفع إلى الهجرة إلى فلسطين." و واصل الحزب في تلك الفترة النضال و الدعوة إلى " تطبيع النضال ضد الفاشية و الصهيونية و ضد الإمبريالية بطابع عالمي" و إلى " جلاء القوات البريطانية و إلغاء وعد بلفور و ضمان وحدة البلاد العربية." و قد وجه الحزب بياناً إلى عمال العالم جاء فيه:" الرفاق العمال, من المستعمرة البريطانية الصهيونية البعيدة, فلسطين, نتوجه إليكم باسم عمال فلسطين المطاردين و المضطهدين.....تسعى العصابات الصهيونية في فلسطين إلى تجريد سكان البلاد الأصليين, من العمال و الفلاحين, من أراضيهم....لتدعيم سلطة البرجوازية العالمية و إقامة قاعدة لحماية الإمبريالية البريطانية المتوحشة. إن الطائرات البريطانية و جيوشها المأجورين الصهيونيين يحاولون تدعيم سيطرتهم على هذه المنطقة الإستراتيجية للاستمرار في نهب سكانها و استغلالهم.....لقد جعلوا سكان البلاد الأصليين يعيشون في أشد حالات البؤس و الفقر و البطالة في الوقت الذي يجلبون فيه إلى فلسطين مهاجرين جدداً و أسلحة جديدة لدعم التطلعات الأنجلو - صهيونية."
و بخصوص انتفاضة البراق, فقد أكد الكومنترن أن " انتفاضة آب 1929 محطة تاريخية مهمة في تاريخ البلاد" , أما ثورة فلسطين الكبرى و الإضراب عام 1936 , فكانت دافعاً لمواصلة النضال حيث أن " الثورة الأخيرة التي قام بها الشعب العربي الفلسطيني في سبيل الدفاع عن خبزه و حقوقه الديمقراطية بينت درجة تطور الحركة التحررية الوطنية في الأقطار العربية و نضوج التفكير في مقاومة الاستعمار بأساليب الكفاح الثورية" و ذكر الحزب أن من أهم العوامل التي تمخضت عنها هذه الثورة كانت " تمادي الاستعمار البريطاني في تنفيذ سياسة الصهيونية و ظهور هذا التمادي بشكل واضح في الخمس سنوات الأخيرة التي تدفقت فيها الهجرة اليهودية بصورة هائلة.....و اشتداد الحركة الوطنية التحررية في الأقطار العربية.....ثم ظهور حركة القسام التي كان لها أثرها الفعال في ضرب سياسة التفاهم مع الاستعمار."
بدأ الحزب الشيوعي الفلسطيني في النصف الأول من العشرينيات على نشر الأفكار الثورية بين الجماهير العربية التي ستكون " مركزاً للحركة الشيوعية في البلاد" و أدرك الحزب وقتها بأن " مشاركة العرب في الحركة الثورية هو أمر ضروري لتدعيم بناء الحزب في المستقبل" و قد دخل تدريجياً, بتوجيه من قيادة الكومنترن, في عملية التعريب حيث أقر بأنه " ينبغي جذب أكبر عدد من الرفاق العرب إلى المواقع المسؤولة في الحزب" و أن " الهدف الرئيسي للحزب هو العمل بين جماهير الكادحين العرب ", و قد كان للكومنترن دوره في عملية تعريب الحزب حيث أكد غير مرة أن " الشيوعيين اليهود لا يجب أن يكونوا موجهين أو معلمين بل مساعدين للرفاق العرب" في أطر الحزب حيث أن القيادة الحزبية تكون عربية و ليست يهودية, و أن " المهمة المركزية المطروحة أمام الحزب حالياً هي مهمة التعريب."
و عمل الحزب على التقرب من الحركات العربية الثورية المناهضة للصهيونية و الإمبريالية حيث أكد الكومنترن أنه على الحزب " إقامة صلات مع المنظمات القومية العربية" و أنه " يتوجب على الحزب أن يفضح دون هوادة الدور الخياني الذي تضطلع به فئة الإقطاعيين و أغنياء الفلاحين و أن تناضل ضد التأثير الذي تمارسه على الحركة الوطنية التحررية.....وأن يدعم كل تحرك ثوري تقوم به في النضال ضد الإمبريالية الإنجليزية" و مشى الحزب على هذا الطريق حيث ذكر أن " الحركة القومية تظل الحليف الأنفع - إن لم يكن الوحيد- للطبقة العاملة في نضالها ضد الإمبريالية و من أجل التحرر."
إضافة لإدراك الحزب ضرورة النضال ضد الإمبريالية و حليفتها الصهيونية, و ضرورة عملية التعريب في الحزب و التحالف مع الفئات القومية الثورية, أدرك الحزب ضرورة التحريض في الأوساط اليهودية حيث أكد أنه " يجب على الحزب أن يعمل بين العمال اليهود خلف شعار تعزيز النضال الحازم ضد الصهيونية" و ضرورة العمل ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين حيث أصدر تقريراً يوضح أنه " بينما يعاني المواطنون العرب من الفقر و الجوع و مصادرة الأراضي, يجد المستوطنون الصهاينة و المهاجرون اليهود أنفسهم في أوضاع معيشية جيدة.....و يخططون من أجل الاستفادة إلى الحد الأقصى من فرصة وصول هتلر إلى السلطة في ألمانيا, من اجل تنظيم موجات جديدة من الهجرة الواسعة إلى فلسطين" و كذلك " دعا الحزب الفلاحين إلى التمسك بأراضيهم و عدم تركها و ذلك بعد أن قام أحد الملاكين العرب الكبار ببيعها إلى الصهيونيين", و قد أكد الكومنترن على " مواصلة النضال من اجل الوقف الفوري للهجرة اليهودية و النضال الثوري ضد طرد الفلاحين العرب من أراضيهم و العمال العرب من منشآتهم و إلغاء الانتداب البريطاني و وعد بلفور" و كان ذلك في إحدى رسائله إلى الحزب.
من كل ما تقدم نلمس الدور النضالي الذي كان للشيوعيين في مواجهة الصهيونية و الإمبريالية, في الوقت الذي لم تكن فيه حركة قومية أو دينية تعي و تناهض , و بشكل حازم, الصهيونية و أهدافها الشوفينية. ففي أوائل العشرينيات قدم الشيوعيون إلى فلسطين من صفوف أحزاب شيوعية أوروبية. نعم, كانوا يهوداً, و لكنهم وضعوا الأسس لبناء حزب عربي ثوري بأغلبية قواعده و بقيادته, و لو أنهم التزموا أكثر بقرارات الكومنترن لكانت صورتهم أنقى, و فضحوا الصهيونية في الوقت الذي كان شعبنا الفلسطيني, و العربي, يعاني من الأمية و مظاهر تخلف اجتماعي كان قد فرضه عليه الاحتلال التركي تحت اسم الخلافة لسنوات طويلة. تناول المقال فترة تاريخ الحزب من 1920 حتى 1937 أي حتى الانفصال بين الحزب و الكومنترن, ذلك أن مرجعي هو ( فلسطين في الأرشيف السري للكومنترن ) للباحث ماهر الشريف عن دار المدى. الأرشيف الذي نشر للمرة الأولى كونه كان سرياً.العبارات بين قوسين مأخوذة من تقارير و رسائل متبادلة بين الحزب الشيوعي الفلسطيني و اللجنة التنفيذية أو القسم الشرقي للكومنترن. لم أمر على ذكر بعض التكتلات و المعارضات الشوفينية داخل الحزب و كذلك الالتباس الذي بان في بعض مواقف الحزب ذلك أني حاولت الإختصار قدر الامكان و كذلك التركيز على الخط العام للحزب و هموم الحزب الأساسية, على كل حال, تمت المعالجة و التوجيه من الكومنترن, و أنا, الآن هنا, أعتقد بصوابها. بغض النظر عن تاريخ الحزب اللاحق و التبعية و الجزر الفكري و السياسي الذي رافقه, لا يمكننا تجاهل تلك الحركة, تلك الشمس الحمراء التي قامت بدور تنويري تثويري لشعب عانى الاضطهاد الطبقي و القومي, و الذي لا يزال بعد 58 عاماً يثور, ينتفض, و يثور.
*. كاتب فلسطيني مقيم في أبو ظبي