dot
15/11/2006, 15:51
بقلم:عاطف الغمري
تخطت الانتخابات الأخيرة للكونجرس حدود كونها قضية محلية تخص الأمريكيين إلى اكتسابها أهمية للعالم، بعد أن أصبح معروفا أن قضايا أساسية تخص مصير العالم.. كالحرب والسلام والأمن الدولي، أصبحت معلقة بهذه النتائج. وأن التأثير الأكبر سوف يأتي إلينا بنتائجه في العالم العربي وفي منطقة الشرق الأوسط، بعد ان تحول ما يجري في منطقتنا متمثلاً في حرب العراق، إلى محور توجهات الناخبين ومواقفهم من التصويت، وترجيح كفة النتائج لصالح الديمقراطيين، وفوزهم بالسيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب.
ولكن من المهم للخروج بتقييم اكثر دقة وواقعية للنتائج التي ستسفر عنها هذه الانتخابات بالنسبة لهذه القضايا خاصة في العراق، أن نضع النتائج في إطار أوسع من الفكر الاستراتيجي، وطبيعة النظام السياسي الأمريكي وطريقة عمله، وليس فقط في الإطار المحدود المتعلق بكون المعركة الانتخابية كانت صراعا بين الجمهوريين والديمقراطيين وعلى ضوء هذه الحقيقة يمكن ان نضع خطوطا تحت قاعدتين أساسيتين، هما:
(1) إذا كانت الخسائر الأمريكية في حرب العراق قد لعبت الدور الأهم في خسارة الجمهوريين لمجلسي الكونجرس، فإن للحرب قضيتين وليس قضية واحدة، هما الحرب في حد ذاتها، ثم النجاح أو الفشل فى الحرب.
فلقد نتج الغضب الكبير من حرب العراق، عن طريق إدارة حكومة بوش للحرب، وتقديراته هو وفريقه المعاون من المحافظين الجدد، التي ثبت خطأها، من قبل ان تبدأ الحرب في مارس/آذار ،2003 ثم بعد ذلك طوال هذه الفترة حتى الآن 2006.
ولو كان بوش قد انتصر في حرب العراق، لكان الموقف منه ومن حزبه قد تغير في هذه الانتخابات، ولكان قد نال تأييدا أقوى له وللجمهوريين في صناديق الانتخابات.
(2) القاعدة الثانية: ان ما تحقق سياسيا لا ينبغي التفريط فيه. فبصرف النظر عن الفشل والانتكاسات التي عادت على حكومة بوش من الحرب في العراق، فإنه حقق للولايات المتحدة مكسبين استراتيجيين هما التواجد بنفوذ سياسي واسع ومؤثر، وقبول من الحكومة العراقية بإيجاد نحو خمس قواعد عسكرية كبرى دائمة في العراق. وهذه القاعدة تسري على من يأتي للحكم من ديمقراطيين أو جمهوريين.
هنا يكون السؤال عن الموقف من العراق في ظل أغلبية ديمقراطية في مجلسي الكونجرس، والديمقراطيون أيضا بينهم خلاف حول التصرف تجاه العراق، وليس متوقعا أن يطلبوا انسحابا عاجلا من العراق.
وبالنسبة للجمهوريين فالانقسامات صارت شائعة داخل قاعدتهم الحزبية فعندهم رئيس تراجعت شعبيته إلى أدنى درجة، كما أن في داخل جماعة المحافظين الجدد مخاوف أساسية من انهيار مشروعهم العالمي المسمى مشروع القرن الأمريكي الجديد، للهيمنة على العالم بدءا من إحكام قبضتهم على الشرق الأوسط، ثم الامتداد إلى ما وراءه. وكان رهانهم قائما على ان نجاح مشروعهم، متوقف على الانتصار في العراق، أما الخسارة فستكون انكسارا للمشروع، ولذلك حدثت انشقاقات في صفوف المحافظين الجدد أنفسهم، حتى بين أشد المؤيدين من البداية لحرب العراق، من الشخصيات غير المشاركة في الحكم، وأصبحت من أشد أسباب مخاوفهم ان تكون حرب العراق بداية النهاية للقرن الأمريكي، وأن يظهر نوع من التعددية للقوى الكبرى على قمة العالم، تشاركها فيها الصين وقوى دولية أخرى.
كما أثار قلقهم أيضا تقويض القوة الناعمة الأمريكية المتمثلة في قوة جاذبية النموذج الأمريكي في الحياة والادارة والسياسة، بالإغراء والإبهار والقبول به اقتناعا به، وليس بالفرض بالقوة.
وما أظهرته حرب العراق من محدودية القوة العسكرية. في مواجهة مجموعات مسلحة أقل قدرة وتسليحا. وما أكدته نتائج الانتخابات من غضب الناخبين سوف يؤثر بعمق على مستقبل السياسة الخارجية، ليس فقط في العراق بل في غيره.
يبقى السؤال: هل يحدث تغيير في التوجهات السياسية التي حدثت في عهد بوش، وقلبت أوضاع قواعد كانت قد استقرت قبله في عالمنا العربي؟
منها مثلا ان بوش تسبب في هز استقرار منطقة، تعتبر من أشد مناطق الأزمات في العالم سخونة، وهي الشرق الأوسط، وذلك بعد أن أوجد بوش تراجعا في ترتيب مبدأ الاستقرار الاقليمي للشرق الأوسط، ضمن أولويات السياسة الخارجية، وكان هذا المبدأ قد استقر منذ عهد الرئيس بوش الأب على رأس أولويات سياسته الخارجية في المنطقة، وتمت صياغته على أساس أنه يمثل مصلحة وطنية، ومصلحة أمن قومي للولايات المتحدة، وأن مما يدعم هذا الاستقرار الاقليمي إيجاد حل شامل ودائم للنزاع العربي “الاسرائيلي”. واستمر الأخذ بنفس المفهوم في عهد كلينتون، إلى أن انقلب عليه بوش وفريق معاونيه من المحافظين الجدد.
فهل يكون لدى الديمقراطيين قدرة وإرادة معا، لإعادة هذا المبدأ إلى ما كان عليه، أم أن حجم الضغوط الصهيونية سوف يمنعهم من ذلك، بالاضافة إلى أن القوى اليهودية الأمريكية تعتبر ما حققه المحافظون الجدد ل”إسرائيل” مكسبا، ستتمسك به، كعادة السلوك “الاسرائيلي” الذي يرى أن ما يحصل عليه ولو بالعدوان يتحول إلى مكسب يعتبر التخلي عنه تنازلا عن حق لهم. فضلا عما هو معروف تقليديا من سطوة اليهود الأمريكيين داخل الحزب الديمقراطي.
وبالنسبة للرئيس بوش وسياساته في فترة السنتين المتبقيتين له حتى عام ،2008 فلا شك ان نتيجة الانتخابات التي كان نصيبه فيها الخسارة، وادراكه ان النتيجة كانت استفتاء شعبيا عليه شخصيا وعلى سياساته، وأن تدني شعبيته قد أضر بحزبه الجمهوري، كل ذلك سوف يقيد يده في السنتين المتبقيتين. ربما يقال انه عنيد لا يعترف بأخطائه، وانه حتى اللحظة الأخيرة قبل اجراء الانتخابات، كان مصرا على عدم تغيير سياسته في العراق، وقوله إننا لن ننسحب من العراق قبل ان نتم مهمتنا. لكن يمكن أن يقال أيضا إن أي رئيس أمريكي وهذا تراث وتقليد مستمر لا يرضى بأن ينتهي دوره بمجرد خروجه من البيت الأبيض، وأن استمرارية دوره يحكمها ما يخلفه وراءه من إنجاز.
يبقى أن تقييمنا للنتائج المتوقعة في منطقتنا من هزيمة الجمهوريين في انتخابات الكونجرس وفوز الديمقراطيين بالأغلبية في المجلسين، يقاس على ضوء القواعد العامة للفكر الاستراتيجي الأمريكي، وطبيعة عمل نظامهم السياسي، وليس فقط على ضوء ما كان من منافسة بين جمهوريين وديمقراطيين.
تخطت الانتخابات الأخيرة للكونجرس حدود كونها قضية محلية تخص الأمريكيين إلى اكتسابها أهمية للعالم، بعد أن أصبح معروفا أن قضايا أساسية تخص مصير العالم.. كالحرب والسلام والأمن الدولي، أصبحت معلقة بهذه النتائج. وأن التأثير الأكبر سوف يأتي إلينا بنتائجه في العالم العربي وفي منطقة الشرق الأوسط، بعد ان تحول ما يجري في منطقتنا متمثلاً في حرب العراق، إلى محور توجهات الناخبين ومواقفهم من التصويت، وترجيح كفة النتائج لصالح الديمقراطيين، وفوزهم بالسيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب.
ولكن من المهم للخروج بتقييم اكثر دقة وواقعية للنتائج التي ستسفر عنها هذه الانتخابات بالنسبة لهذه القضايا خاصة في العراق، أن نضع النتائج في إطار أوسع من الفكر الاستراتيجي، وطبيعة النظام السياسي الأمريكي وطريقة عمله، وليس فقط في الإطار المحدود المتعلق بكون المعركة الانتخابية كانت صراعا بين الجمهوريين والديمقراطيين وعلى ضوء هذه الحقيقة يمكن ان نضع خطوطا تحت قاعدتين أساسيتين، هما:
(1) إذا كانت الخسائر الأمريكية في حرب العراق قد لعبت الدور الأهم في خسارة الجمهوريين لمجلسي الكونجرس، فإن للحرب قضيتين وليس قضية واحدة، هما الحرب في حد ذاتها، ثم النجاح أو الفشل فى الحرب.
فلقد نتج الغضب الكبير من حرب العراق، عن طريق إدارة حكومة بوش للحرب، وتقديراته هو وفريقه المعاون من المحافظين الجدد، التي ثبت خطأها، من قبل ان تبدأ الحرب في مارس/آذار ،2003 ثم بعد ذلك طوال هذه الفترة حتى الآن 2006.
ولو كان بوش قد انتصر في حرب العراق، لكان الموقف منه ومن حزبه قد تغير في هذه الانتخابات، ولكان قد نال تأييدا أقوى له وللجمهوريين في صناديق الانتخابات.
(2) القاعدة الثانية: ان ما تحقق سياسيا لا ينبغي التفريط فيه. فبصرف النظر عن الفشل والانتكاسات التي عادت على حكومة بوش من الحرب في العراق، فإنه حقق للولايات المتحدة مكسبين استراتيجيين هما التواجد بنفوذ سياسي واسع ومؤثر، وقبول من الحكومة العراقية بإيجاد نحو خمس قواعد عسكرية كبرى دائمة في العراق. وهذه القاعدة تسري على من يأتي للحكم من ديمقراطيين أو جمهوريين.
هنا يكون السؤال عن الموقف من العراق في ظل أغلبية ديمقراطية في مجلسي الكونجرس، والديمقراطيون أيضا بينهم خلاف حول التصرف تجاه العراق، وليس متوقعا أن يطلبوا انسحابا عاجلا من العراق.
وبالنسبة للجمهوريين فالانقسامات صارت شائعة داخل قاعدتهم الحزبية فعندهم رئيس تراجعت شعبيته إلى أدنى درجة، كما أن في داخل جماعة المحافظين الجدد مخاوف أساسية من انهيار مشروعهم العالمي المسمى مشروع القرن الأمريكي الجديد، للهيمنة على العالم بدءا من إحكام قبضتهم على الشرق الأوسط، ثم الامتداد إلى ما وراءه. وكان رهانهم قائما على ان نجاح مشروعهم، متوقف على الانتصار في العراق، أما الخسارة فستكون انكسارا للمشروع، ولذلك حدثت انشقاقات في صفوف المحافظين الجدد أنفسهم، حتى بين أشد المؤيدين من البداية لحرب العراق، من الشخصيات غير المشاركة في الحكم، وأصبحت من أشد أسباب مخاوفهم ان تكون حرب العراق بداية النهاية للقرن الأمريكي، وأن يظهر نوع من التعددية للقوى الكبرى على قمة العالم، تشاركها فيها الصين وقوى دولية أخرى.
كما أثار قلقهم أيضا تقويض القوة الناعمة الأمريكية المتمثلة في قوة جاذبية النموذج الأمريكي في الحياة والادارة والسياسة، بالإغراء والإبهار والقبول به اقتناعا به، وليس بالفرض بالقوة.
وما أظهرته حرب العراق من محدودية القوة العسكرية. في مواجهة مجموعات مسلحة أقل قدرة وتسليحا. وما أكدته نتائج الانتخابات من غضب الناخبين سوف يؤثر بعمق على مستقبل السياسة الخارجية، ليس فقط في العراق بل في غيره.
يبقى السؤال: هل يحدث تغيير في التوجهات السياسية التي حدثت في عهد بوش، وقلبت أوضاع قواعد كانت قد استقرت قبله في عالمنا العربي؟
منها مثلا ان بوش تسبب في هز استقرار منطقة، تعتبر من أشد مناطق الأزمات في العالم سخونة، وهي الشرق الأوسط، وذلك بعد أن أوجد بوش تراجعا في ترتيب مبدأ الاستقرار الاقليمي للشرق الأوسط، ضمن أولويات السياسة الخارجية، وكان هذا المبدأ قد استقر منذ عهد الرئيس بوش الأب على رأس أولويات سياسته الخارجية في المنطقة، وتمت صياغته على أساس أنه يمثل مصلحة وطنية، ومصلحة أمن قومي للولايات المتحدة، وأن مما يدعم هذا الاستقرار الاقليمي إيجاد حل شامل ودائم للنزاع العربي “الاسرائيلي”. واستمر الأخذ بنفس المفهوم في عهد كلينتون، إلى أن انقلب عليه بوش وفريق معاونيه من المحافظين الجدد.
فهل يكون لدى الديمقراطيين قدرة وإرادة معا، لإعادة هذا المبدأ إلى ما كان عليه، أم أن حجم الضغوط الصهيونية سوف يمنعهم من ذلك، بالاضافة إلى أن القوى اليهودية الأمريكية تعتبر ما حققه المحافظون الجدد ل”إسرائيل” مكسبا، ستتمسك به، كعادة السلوك “الاسرائيلي” الذي يرى أن ما يحصل عليه ولو بالعدوان يتحول إلى مكسب يعتبر التخلي عنه تنازلا عن حق لهم. فضلا عما هو معروف تقليديا من سطوة اليهود الأمريكيين داخل الحزب الديمقراطي.
وبالنسبة للرئيس بوش وسياساته في فترة السنتين المتبقيتين له حتى عام ،2008 فلا شك ان نتيجة الانتخابات التي كان نصيبه فيها الخسارة، وادراكه ان النتيجة كانت استفتاء شعبيا عليه شخصيا وعلى سياساته، وأن تدني شعبيته قد أضر بحزبه الجمهوري، كل ذلك سوف يقيد يده في السنتين المتبقيتين. ربما يقال انه عنيد لا يعترف بأخطائه، وانه حتى اللحظة الأخيرة قبل اجراء الانتخابات، كان مصرا على عدم تغيير سياسته في العراق، وقوله إننا لن ننسحب من العراق قبل ان نتم مهمتنا. لكن يمكن أن يقال أيضا إن أي رئيس أمريكي وهذا تراث وتقليد مستمر لا يرضى بأن ينتهي دوره بمجرد خروجه من البيت الأبيض، وأن استمرارية دوره يحكمها ما يخلفه وراءه من إنجاز.
يبقى أن تقييمنا للنتائج المتوقعة في منطقتنا من هزيمة الجمهوريين في انتخابات الكونجرس وفوز الديمقراطيين بالأغلبية في المجلسين، يقاس على ضوء القواعد العامة للفكر الاستراتيجي الأمريكي، وطبيعة عمل نظامهم السياسي، وليس فقط على ضوء ما كان من منافسة بين جمهوريين وديمقراطيين.