dot
07/12/2006, 23:19
قبل أيام تسرب إلى الصحافة الحكومية خبر مفاده أن «وزارة الاقتصاد كشفت من خلال عمليات الجرد السنوية عن وجود دفاتر تموينية مزورة تبلغ قيمتها 108 مليارات ليرة سورية». الخبر الذي لم يكن حيادياً على الإطلاق رافقه أيضاً تحليلات ومقالات من جانب الصحفيين الحكوميين تهدف إلى ربط مسألة التزوير بمسألة إيصال الدعم إلى مستحقيه، وذلك في مسعى حثيث لإثبات نظرية نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية الذي يقول: «إن 10% من الأغنياء يستفيدون 50 ضعفاً مقارنة بالفقراء من دعم الدولة للمواد الاستهلاكية». وهي نظرية ظهرت في أعقاب أزمة المازوت المصطنعة في العام الفائت، حين صورت الحملة الصحفية الأزمة بأنها أصبحت خارج السيطرة، وأن الحل الوحيد لوقف التهريب هو رفع أسعار المازوت محلياً إلى مستوى الأسعار العالمية،أي رفع الدعم، ولكن التطورات السياسية في لبنان أفشلت اللعبة ورُد المهربون على أعقابهم، مثلما حصل تماماَ أثناء أزمة الليرة حين أمهلت القيادة السياسية ثلاثة أيام وإلا فإن المحاسبة ستكون شديدة، وكانت النتيجة فعلاً هي الهدوء والاستقرار إلى سعر صرف الليرة،ثم لاحقاَ إلى المازوت، لكن الأسئلة التي بقيت غير مفهومة حتى الآن، لماذا كان المازوت يتوفر بالصهاريج المتنقلة وبأسعار تصل إلى ثلاثة أضعاف سعره الحقيقي في حين أنه كان مفقوداً في المحطات الخاصة، ولماذا تستورد الدولة أجود أنواع الرز المدعوم في حين أن المواطن يحصل على رز لايصلح علفاً للدجاج، وكيف حدث التزوير في القسائم التموينية وما علاقة القطاع الخاص بها، ولماذا تلجأ الصحافة الحكومية إلى طرح موضوع التهريب والتزوير فقط حين يكون الأمر متعلقاً بالدعم ولا تتجرأ على طرح موضوع التهريب والتزوير حينما يتعلق الأمر بالدخان مثلاً، من يلعب بالدعم، وكيف، ولمصلحة من؟
شروط صرف القسيمة
من الشروط الواجب توفرها في القسيمة التموينية الصالحة للصرف أن تكون مستوفية جميع أوصافها وبياناتها الرئيسية، أي أن يكون لها رقم عددي وكتابي وأسم وأن يكون عليها رقم الفئة والعلامة المائية، ويتوجب على البائع في كل منفذ ختم الوجه الخلفي للقسيمة بمجرد استلامها من المواطن لمنع تداول هذه القسائم من قبل جهة أخرى، ثم يقوم البائع بتسليم القسائم المصروفة لديه خلال كل شهر (أصبح الآن ثلاثة أشهر) إلى مركز بيع الجملة التابع للمؤسسة العامة الاستهلاكية في المحافظة، على أن تكون القسائم الخاصة بكل مادة في كل منفذ ضمن مغلف أو كيس مختوم بالشمع الأحمر، ثم يقوم العامل المستلم للمغلفات بإعداد جداول يبين فيها مقدار القسائم المسلمة بحسب فئاتها وعددها من واقع الجداول المرفقة بالأكياس المختومة على ثلاثة نسخ، إحداها توقع من قبل لجنة العد والتدقيق إشعاراً باستلام المغلفات وتبقى لدى المركز، وتسلم النسخة الثانية إلى لجنة العد والتدقيق مع القسائم للتدقيق والمقارنة، والنسخة الثالثة تبقى لدى مسلم القسائم التموينية.
تقوم لجان العد والتدقيق بعد القسائم عداً فعلياً ومقارنة النتيجة مع البيانات المنظمة لدى المراكز المستلمة منها مع التأكيد كلياً على سلامة القسائم من التزوير والتحريف والتلاعب، وأن يكون الوجه الخلفي للقسائم مختوماَ بخاتم منفذ البيع، ثم إعادة قسائم كل متعامل إلى مغلفه الأصلي بعد العد بحسب الرزم عند التسليم (لسهولة الرجوع إليها)، ثم تنظم اللجنة محضراً بنتائج العد الفعلي للقسائم المسلمة من كل مركز على خمس نسخ متضمناً النقص أو الزيادة في حال وجودها، وترسل النسخة الأولى منه إلى المركز المسلم والثانية لمحاسبة المركز لإجراء التدقيق المحاسبي والثالثة لإدارة الفرع أما الرابعة فتحفظ لدى اللجنة كأصل والخامسة إلى لجنة الإتلاف إشعاراً باستلام القسائم التموينية المدققة والموضوعة ضمن الأكياس المغلفة، وتعتبر هذه المحاضر أساساً تحاسب بموجبه كافة منافذ البيع ، وعلى اللجنة بعد الانتهاء من التدقيق والعد تنظيم محاضرها وإعادة إغلاق الأكياس وختمها، ثم يوقع كافة العناصر على بطاقة الكيس مع ذكر تاريخ إغلاقه وتحديد أرقام القسائم الموضوعة بداخله والاحتفاظ بها لمدة شهر من تاريخ انتهاء العد تكون خلالها جاهزة لإجراء التفتيش والتدقيق من الجهات التالية: «الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، الجهاز المركزي للرقابة المالية ـ اللجنة الرئيسية للإشراف على توزيع البطاقات التموينية وصرفها، لجنة التفقد المحلية في كل محافظة ـ الرقابة الداخلية في المؤسسة العامة الاستهلاكية، الرقابة الداخلية في إدارة المؤسسة العامة الاستهلاكية ).
يأتي بعد ذلك دور لجنة الإتلاف التي عليها التأكد من صحة عمل لجان العد والتدقيق في المحافظة، من خلال تدقيق عينات عشوائية من القسائم المتجمعة لدى هذه اللجان بحيث لاتقل نسبة العينات المدققة عن 20 % من إجمالي القسائم الشهرية، ثم تقوم لجنة الإتلاف بعد التدقيق باستلام أكياس القسائم من لجان العد والتدقيق تمهيداً لإتلافها عند اكتمال مدة ثلاثة أشهر من تاريخ انتهاء مفعول القسيمة التموينية ويعتبر مدير فرع المؤسسة الاستهلاكية هو المشرف والمسؤول إدارياً عن أعمال لجنة الإتلاف، وهو الذي يصدق شهرياً على محضر ضبط عملها بعد رفعها إليه أصولاً.
ولكن ما الذي كان يحدث على أرض الواقع؟
سيناريو التزوير
من خلال التحقيق الذي أجريناه والوثائق التي حصلنا عليها والمقارنات الحسابية تبين لنا السيناريو التالي:
- يقوم البائع سواء كان «مركزاَ للمؤسسة أو جمعية أو متعاملاَ» باستجرار مادتي السكر والرز وفق السعر المقنن 10 ليرات للسكر و12 ل.س للرز.
- كل قسيمة تموينية تساوي 3 كغ سكر و 1.5 كغ رز.
- أغلب منافذ البيع نتيجة الفساد وغياب الرقابة كانت تقوم ببيع المواد المقننة وفق السعر الحر (30 ل.س للسكر و 35 ل.س للرز).
- يستفيد البائع من هذه العملية 20 ل.س عن كل كغ سكر و 23 ل.س عن كل كغ رز.
- ينتج عن ذلك حدوث نقص في القسائم المستلمة من منافذ البيع لأن كل بائع يجب أن يسلم في النهاية الجهات المسؤولة قسيمة تموينية مقابل كل كغ سكر ورز قام باستجراره.
- لتلافي النقص يقوم البائع بإرضاء لجان العد والتدقيق من خلال مبالغ شهرية مخصصة وبالتالي تقوم لجان العد والتدقيق بتزوير السجلات وأرقام الأكياس والقسائم الموجودة داخلها.
- تبقى في النهاية لجنة الإتلاف التي يجب أن تدقق 20% من العينات الموجودة لدى لجنة العد والتدقيق فتقوم لجنة العد بتوجيه لجنة الإتلاف نحو أكياس محددة لايوجد فيها تزوير ثم تذهب تلك الأكياس إلى الإتلاف بعد أن يأخذ كل واحد نصيبه.
- باقي الجهات الرقابية التي ذكرناها والتي من حقها مراقبة السجلات والمحاضر لدى لجان العد والتدقيق يبدو أنها لم تقم بممارسة صلاحياتها في المراقبة أو أنهااشتركت في بالتزوير.
وهنا قد يتساءل القارئ: كيف استطعنا أن نبني هذه الاستنتاجات وماهي الأدلة التي تثبت صحتها؟
بعد قراءتنا لشروط صرف القسائم التموينية وآلية توزيع المواد المقننة، كان علينا أن نقف على كل حلقة من الحلقات المتعلقة بتوزيع ومراقبة المواد المقننة «سكر ـ رز»، وكانت الحلقة الأولى والأسهل في التحقيق هي حلقة مراكز التوزيع، حيث استطعنا من خلال طوابير المواطنين أمام تلك المراكز أن نحصل على معلومة هامة، وهي أن كمية المواد المقننة في تلك المراكز لاتكفي أو لاتغطي كمية القسائم الموجودة لدى المواطنين، وهذا الأمر أدى بدوره إلى احتمالين، إما أن كمية المواد المقننة التي تقوم المؤسسة العامة بتزويدها لمراكز التوزيع غير كافية، أو أنها تقوم بتزويد تلك المراكز بما يلزم لكن قسماً كبيراً منها يذهب إلى مطارح أخرى، إذ لايوجد أي احتمال ثالث في هذه الحالة.
بالنسبة للاحتمال الأول كان من السهل نفيه لأن كمية المواد المقننة تزيد عن الحاجة، لا بل أن المؤسسة الاستهلاكية أعلنت أكثر من مرة على أنها مستعدة لتسليم من يرغب من التجار كميات كبيرة من السكر مهما بلغت، لاسيما وأن لدى المؤسسة مخزوناً يزيد عن 150 طناً من السكر لزوم القسائم التموينية.
شروط صرف القسيمة
من الشروط الواجب توفرها في القسيمة التموينية الصالحة للصرف أن تكون مستوفية جميع أوصافها وبياناتها الرئيسية، أي أن يكون لها رقم عددي وكتابي وأسم وأن يكون عليها رقم الفئة والعلامة المائية، ويتوجب على البائع في كل منفذ ختم الوجه الخلفي للقسيمة بمجرد استلامها من المواطن لمنع تداول هذه القسائم من قبل جهة أخرى، ثم يقوم البائع بتسليم القسائم المصروفة لديه خلال كل شهر (أصبح الآن ثلاثة أشهر) إلى مركز بيع الجملة التابع للمؤسسة العامة الاستهلاكية في المحافظة، على أن تكون القسائم الخاصة بكل مادة في كل منفذ ضمن مغلف أو كيس مختوم بالشمع الأحمر، ثم يقوم العامل المستلم للمغلفات بإعداد جداول يبين فيها مقدار القسائم المسلمة بحسب فئاتها وعددها من واقع الجداول المرفقة بالأكياس المختومة على ثلاثة نسخ، إحداها توقع من قبل لجنة العد والتدقيق إشعاراً باستلام المغلفات وتبقى لدى المركز، وتسلم النسخة الثانية إلى لجنة العد والتدقيق مع القسائم للتدقيق والمقارنة، والنسخة الثالثة تبقى لدى مسلم القسائم التموينية.
تقوم لجان العد والتدقيق بعد القسائم عداً فعلياً ومقارنة النتيجة مع البيانات المنظمة لدى المراكز المستلمة منها مع التأكيد كلياً على سلامة القسائم من التزوير والتحريف والتلاعب، وأن يكون الوجه الخلفي للقسائم مختوماَ بخاتم منفذ البيع، ثم إعادة قسائم كل متعامل إلى مغلفه الأصلي بعد العد بحسب الرزم عند التسليم (لسهولة الرجوع إليها)، ثم تنظم اللجنة محضراً بنتائج العد الفعلي للقسائم المسلمة من كل مركز على خمس نسخ متضمناً النقص أو الزيادة في حال وجودها، وترسل النسخة الأولى منه إلى المركز المسلم والثانية لمحاسبة المركز لإجراء التدقيق المحاسبي والثالثة لإدارة الفرع أما الرابعة فتحفظ لدى اللجنة كأصل والخامسة إلى لجنة الإتلاف إشعاراً باستلام القسائم التموينية المدققة والموضوعة ضمن الأكياس المغلفة، وتعتبر هذه المحاضر أساساً تحاسب بموجبه كافة منافذ البيع ، وعلى اللجنة بعد الانتهاء من التدقيق والعد تنظيم محاضرها وإعادة إغلاق الأكياس وختمها، ثم يوقع كافة العناصر على بطاقة الكيس مع ذكر تاريخ إغلاقه وتحديد أرقام القسائم الموضوعة بداخله والاحتفاظ بها لمدة شهر من تاريخ انتهاء العد تكون خلالها جاهزة لإجراء التفتيش والتدقيق من الجهات التالية: «الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، الجهاز المركزي للرقابة المالية ـ اللجنة الرئيسية للإشراف على توزيع البطاقات التموينية وصرفها، لجنة التفقد المحلية في كل محافظة ـ الرقابة الداخلية في المؤسسة العامة الاستهلاكية، الرقابة الداخلية في إدارة المؤسسة العامة الاستهلاكية ).
يأتي بعد ذلك دور لجنة الإتلاف التي عليها التأكد من صحة عمل لجان العد والتدقيق في المحافظة، من خلال تدقيق عينات عشوائية من القسائم المتجمعة لدى هذه اللجان بحيث لاتقل نسبة العينات المدققة عن 20 % من إجمالي القسائم الشهرية، ثم تقوم لجنة الإتلاف بعد التدقيق باستلام أكياس القسائم من لجان العد والتدقيق تمهيداً لإتلافها عند اكتمال مدة ثلاثة أشهر من تاريخ انتهاء مفعول القسيمة التموينية ويعتبر مدير فرع المؤسسة الاستهلاكية هو المشرف والمسؤول إدارياً عن أعمال لجنة الإتلاف، وهو الذي يصدق شهرياً على محضر ضبط عملها بعد رفعها إليه أصولاً.
ولكن ما الذي كان يحدث على أرض الواقع؟
سيناريو التزوير
من خلال التحقيق الذي أجريناه والوثائق التي حصلنا عليها والمقارنات الحسابية تبين لنا السيناريو التالي:
- يقوم البائع سواء كان «مركزاَ للمؤسسة أو جمعية أو متعاملاَ» باستجرار مادتي السكر والرز وفق السعر المقنن 10 ليرات للسكر و12 ل.س للرز.
- كل قسيمة تموينية تساوي 3 كغ سكر و 1.5 كغ رز.
- أغلب منافذ البيع نتيجة الفساد وغياب الرقابة كانت تقوم ببيع المواد المقننة وفق السعر الحر (30 ل.س للسكر و 35 ل.س للرز).
- يستفيد البائع من هذه العملية 20 ل.س عن كل كغ سكر و 23 ل.س عن كل كغ رز.
- ينتج عن ذلك حدوث نقص في القسائم المستلمة من منافذ البيع لأن كل بائع يجب أن يسلم في النهاية الجهات المسؤولة قسيمة تموينية مقابل كل كغ سكر ورز قام باستجراره.
- لتلافي النقص يقوم البائع بإرضاء لجان العد والتدقيق من خلال مبالغ شهرية مخصصة وبالتالي تقوم لجان العد والتدقيق بتزوير السجلات وأرقام الأكياس والقسائم الموجودة داخلها.
- تبقى في النهاية لجنة الإتلاف التي يجب أن تدقق 20% من العينات الموجودة لدى لجنة العد والتدقيق فتقوم لجنة العد بتوجيه لجنة الإتلاف نحو أكياس محددة لايوجد فيها تزوير ثم تذهب تلك الأكياس إلى الإتلاف بعد أن يأخذ كل واحد نصيبه.
- باقي الجهات الرقابية التي ذكرناها والتي من حقها مراقبة السجلات والمحاضر لدى لجان العد والتدقيق يبدو أنها لم تقم بممارسة صلاحياتها في المراقبة أو أنهااشتركت في بالتزوير.
وهنا قد يتساءل القارئ: كيف استطعنا أن نبني هذه الاستنتاجات وماهي الأدلة التي تثبت صحتها؟
بعد قراءتنا لشروط صرف القسائم التموينية وآلية توزيع المواد المقننة، كان علينا أن نقف على كل حلقة من الحلقات المتعلقة بتوزيع ومراقبة المواد المقننة «سكر ـ رز»، وكانت الحلقة الأولى والأسهل في التحقيق هي حلقة مراكز التوزيع، حيث استطعنا من خلال طوابير المواطنين أمام تلك المراكز أن نحصل على معلومة هامة، وهي أن كمية المواد المقننة في تلك المراكز لاتكفي أو لاتغطي كمية القسائم الموجودة لدى المواطنين، وهذا الأمر أدى بدوره إلى احتمالين، إما أن كمية المواد المقننة التي تقوم المؤسسة العامة بتزويدها لمراكز التوزيع غير كافية، أو أنها تقوم بتزويد تلك المراكز بما يلزم لكن قسماً كبيراً منها يذهب إلى مطارح أخرى، إذ لايوجد أي احتمال ثالث في هذه الحالة.
بالنسبة للاحتمال الأول كان من السهل نفيه لأن كمية المواد المقننة تزيد عن الحاجة، لا بل أن المؤسسة الاستهلاكية أعلنت أكثر من مرة على أنها مستعدة لتسليم من يرغب من التجار كميات كبيرة من السكر مهما بلغت، لاسيما وأن لدى المؤسسة مخزوناً يزيد عن 150 طناً من السكر لزوم القسائم التموينية.