HashtNasht
08/12/2006, 08:47
فاتح المدرس: حضور الغياب ومساحة للتذكر
بقلم: عبد الله أبو راشد
سنوات سبع تفصلنا عن (فاتح المدرس)، الجسد المتواري في تراب رحيله الأبدي مساء يوم الثامن والعشرين من حزيران عام 1999. ومثلها تُقربنا من واحة فنه وابتكاره، دائم الخلود والوجود في الحركة الفنية التشكيلية السورية المؤسسية النقابية والخاصة وأماكن العروض العربية. لوحاته ترجمة عملية لمعابر صلة الوصل ما بين فنه ومُريديه كمرجعية ثقافية في كل مكوناتها الفكرية والجمالية، وأشبه بكتاب مفتوح على التأمل والقراءة المتجددة ما بين نصوصه وما يُحيط به من متطفلين ومُقلدين في نسخ كربونية باهتة.
لوحات الراحل فاتح المدرس العصية على التقليد ومُشرعة خطوطها وألوانها على مفهوم الوطن والمواطنة والتربة والشخوص الطيبين، تُُنبئ في كل إطلالة فنية تشكيلية سورية استعادية وجماعية عن سويعات حضور الغياب ومساحات التذكر من خلال ما يلمسه المُتلقي العابر والتخصصي من متعة المُشاهدة والدخول في مسالك لعبة الفنان البصرية، لاسيما إذا ما قُرنت مع لوحات مُقلديه وخاطفي طريقته في التعبير والتوصيل، وسرعان ما يكتشف قارئ النصوص مُفارقات عجيبة ما بين الأصل والتقليد، وتُعيد الأمور إلى نصابها ومكانها الصحيح في ذاكرة الفن التشكيلي السوري، وتحديد مراتب المُبتكرين في سلم قيم فلسفة الفن والجمال، وموضعهم الطبيعي في مُقدمة رواد الحداثة التعبيرية في الفن التشكيلي السوري والعربي.
لوحات الفنان التشكيلي فاتح المدرس كانت ومازالت تفيض حيوية وألفة وتقبلاً ومتعة تواصلية مع حقول الوصف ومفردات الصياغة التقنية. ومناطق الفكرة وحرية التعبير في لوحاته ومُبتكراته متعددة الميادين والثقافات والاتجاهات، هي سورية بامتياز فني وفكري وجمالي، على الرغم من فسحة الغياب ترتقي أعماله مُقدمة العروض وشهوة تجار الفن لاقتنائها. وتحتل سلم نجوميته ونزقه المعهود في مساحة الابتكار المنثور عموماً والفن التشكيلي خصوصاً عِبر دائرة الفعل الثقافي المحلي والعربي والعالمي، وتبقى أحجية قابلة للمطالعة، والحلول مفتوحة على ذاكرة المكان السوري وجمالياته وفطرية شخوصه ومكوناته. ولا فكاك لقارئ نصوصه البصرية إلا أن يمر عبِر واحة فلسفته الوجودية وطريقته في التفكير والتعبير سواء في ميادين كتاباته وأقواله ومقابلاته أم لوحاته المتمسكة بالأرض والإنسان والمتشربة لمعابر البساطة في التأليف والتوليف الحسي للأشياء وآليات رصف مفردات عناصره الفنية التشكيلية التي كثيراً ما تكون عازفة ومُفارقة لقواعد المنظور وعدم مراعاتها للنسب الذهبية النمطية وقواعد المنظور بالأشياء. ولا تلتزم مدرسةً واتجاهاً فنياً بعينه بل هي معنية بالتنوع والجمع لأكثر من مدرسة فنية، حتى في متن اللوحة الفنية الواحدة. وبالتالي مقدرته على تأسيس مدرسة جديدة في الفن التشكيلي السوري وحتى العربي تكون مرجعية لمُحبي فنه.
تقنياً تعامل الفنان فاتح المدرس مع سطوح وخامات لوحاته المتعددة باعتبارها أرضاً خصبةً تفتح شهيته على التهام مساحتها البيضاء قطعة تلو قطعة محكومة بالفراسة التعبيرية والخبرة في تحديد مواطن اللون وانسيابه، وغير معنية بالرسوم التخطيطية المسبقة، مأخوذة بتراكم الطبقات اللونية والبناء المتوالي لتجانس اللون وانحيازه دسامة وشفافية، حدة وحرارة لونية وفتوراً تناقضياً وبرودة مقصودة. طبقات لونية متناسلة من دائرة الألوان الأساسية ( الأحمر، والأصفر، والأزرق) مع كثير أو قليل من الأبيض ولا مكان للأسود الصريح في لوحاته، وإنما خبرته في المزج اللوني والتراكيب تجعل من ريشته الطيعة ترسم معالم جديدة لمشتقات الأزرق مع الملونات الأخرى بتدريجات اشتقاقية مدروسة توحي للمتلقي بأنها من واحة فصيلة الأسود. لوحاته تأخذ سياقات محض تعبيرية لصيقة بذاته المُبتكرة منحته خصوصية تجربة وتأليف، معنية بمساحات اللون التجريدية التي تقص حكايات الأرض وهموم الناس بطريقته الخاصة
النور- 251 (28/6/2006)
بقلم: عبد الله أبو راشد
سنوات سبع تفصلنا عن (فاتح المدرس)، الجسد المتواري في تراب رحيله الأبدي مساء يوم الثامن والعشرين من حزيران عام 1999. ومثلها تُقربنا من واحة فنه وابتكاره، دائم الخلود والوجود في الحركة الفنية التشكيلية السورية المؤسسية النقابية والخاصة وأماكن العروض العربية. لوحاته ترجمة عملية لمعابر صلة الوصل ما بين فنه ومُريديه كمرجعية ثقافية في كل مكوناتها الفكرية والجمالية، وأشبه بكتاب مفتوح على التأمل والقراءة المتجددة ما بين نصوصه وما يُحيط به من متطفلين ومُقلدين في نسخ كربونية باهتة.
لوحات الراحل فاتح المدرس العصية على التقليد ومُشرعة خطوطها وألوانها على مفهوم الوطن والمواطنة والتربة والشخوص الطيبين، تُُنبئ في كل إطلالة فنية تشكيلية سورية استعادية وجماعية عن سويعات حضور الغياب ومساحات التذكر من خلال ما يلمسه المُتلقي العابر والتخصصي من متعة المُشاهدة والدخول في مسالك لعبة الفنان البصرية، لاسيما إذا ما قُرنت مع لوحات مُقلديه وخاطفي طريقته في التعبير والتوصيل، وسرعان ما يكتشف قارئ النصوص مُفارقات عجيبة ما بين الأصل والتقليد، وتُعيد الأمور إلى نصابها ومكانها الصحيح في ذاكرة الفن التشكيلي السوري، وتحديد مراتب المُبتكرين في سلم قيم فلسفة الفن والجمال، وموضعهم الطبيعي في مُقدمة رواد الحداثة التعبيرية في الفن التشكيلي السوري والعربي.
لوحات الفنان التشكيلي فاتح المدرس كانت ومازالت تفيض حيوية وألفة وتقبلاً ومتعة تواصلية مع حقول الوصف ومفردات الصياغة التقنية. ومناطق الفكرة وحرية التعبير في لوحاته ومُبتكراته متعددة الميادين والثقافات والاتجاهات، هي سورية بامتياز فني وفكري وجمالي، على الرغم من فسحة الغياب ترتقي أعماله مُقدمة العروض وشهوة تجار الفن لاقتنائها. وتحتل سلم نجوميته ونزقه المعهود في مساحة الابتكار المنثور عموماً والفن التشكيلي خصوصاً عِبر دائرة الفعل الثقافي المحلي والعربي والعالمي، وتبقى أحجية قابلة للمطالعة، والحلول مفتوحة على ذاكرة المكان السوري وجمالياته وفطرية شخوصه ومكوناته. ولا فكاك لقارئ نصوصه البصرية إلا أن يمر عبِر واحة فلسفته الوجودية وطريقته في التفكير والتعبير سواء في ميادين كتاباته وأقواله ومقابلاته أم لوحاته المتمسكة بالأرض والإنسان والمتشربة لمعابر البساطة في التأليف والتوليف الحسي للأشياء وآليات رصف مفردات عناصره الفنية التشكيلية التي كثيراً ما تكون عازفة ومُفارقة لقواعد المنظور وعدم مراعاتها للنسب الذهبية النمطية وقواعد المنظور بالأشياء. ولا تلتزم مدرسةً واتجاهاً فنياً بعينه بل هي معنية بالتنوع والجمع لأكثر من مدرسة فنية، حتى في متن اللوحة الفنية الواحدة. وبالتالي مقدرته على تأسيس مدرسة جديدة في الفن التشكيلي السوري وحتى العربي تكون مرجعية لمُحبي فنه.
تقنياً تعامل الفنان فاتح المدرس مع سطوح وخامات لوحاته المتعددة باعتبارها أرضاً خصبةً تفتح شهيته على التهام مساحتها البيضاء قطعة تلو قطعة محكومة بالفراسة التعبيرية والخبرة في تحديد مواطن اللون وانسيابه، وغير معنية بالرسوم التخطيطية المسبقة، مأخوذة بتراكم الطبقات اللونية والبناء المتوالي لتجانس اللون وانحيازه دسامة وشفافية، حدة وحرارة لونية وفتوراً تناقضياً وبرودة مقصودة. طبقات لونية متناسلة من دائرة الألوان الأساسية ( الأحمر، والأصفر، والأزرق) مع كثير أو قليل من الأبيض ولا مكان للأسود الصريح في لوحاته، وإنما خبرته في المزج اللوني والتراكيب تجعل من ريشته الطيعة ترسم معالم جديدة لمشتقات الأزرق مع الملونات الأخرى بتدريجات اشتقاقية مدروسة توحي للمتلقي بأنها من واحة فصيلة الأسود. لوحاته تأخذ سياقات محض تعبيرية لصيقة بذاته المُبتكرة منحته خصوصية تجربة وتأليف، معنية بمساحات اللون التجريدية التي تقص حكايات الأرض وهموم الناس بطريقته الخاصة
النور- 251 (28/6/2006)