فراشة
10/04/2007, 00:24
باولو كويلو: "تجرّأ على أن تكون مختلفًا!"
كان إنسانا هيبّيًا ومؤلفَ أغان لأشهر نجوم البرازيل، وكتب للمسرح وعمل في شركة اسطوانات، ودفع به أهله غير مرة إلى المِصحّة النفسية لاعتقادهم بأنه مُصاب بلوثة عقلية! لقاء خاص أجراه الكاتب رياض بيدس مع الكاتب العالمي باولو كويلو
حاوره: رياض بيدس
على تظهير غلاف "الخيميائي" (طبعة هاربر تورش، 2002) يكتب الكاتب الياباني كينزابورو أوي، الحائز جائزة نوبل للآداب، الجملة الثاقبة التالية: "يعرف باولو كويلو سرّ الخيمياء الأدبية." وفي هذا القول الكثير من الحقيقة، إذ استطاع الكاتب كويلو خلال فترة قصيرة نسبيًا أن يفرض نفسه على الساحة الأدبية العالمية، وأن يغدو كاتبًا مقروءًا على نحو واسع، وأن تُترجم أعماله إلى لغات عديدة جدًا، والأهم من هذا كله أن تحظى كتاباته بملايين القرّاء والمعجبين في أنحاء العالم وأن تجد صدى في نفوس قارئيه.
فهناك عدد لا يُستهان به من قرّاء كويلو الذين شغفوا بعالمه، بالذات كتابيه الأوليْن، لا يزالون تحت تأثير عالم هذا الكاتب "الحكواتي" البارع، كما أنّ قسمًا من القرّاء تغيّرت حيواتهم بفعل التفاعل مع كتابة وعوالم هذا الكاتب، الذي تطرح أعماله أسئلة كثيرة وأحيانا تستفزّ مُتلقّيها.
وُلد باولو كويلو سنة 1947 في ريو دي جانيرو، وقبل أن ينصرف إلى كتابة الأدب كان إنسانا هيبّيًا ومؤلفَ أغان لأشهر نجوم البرازيل، وكتب للمسرح وعمل في شركة اسطوانات، ودفع به أهله غير مرة إلى المِصحّة النفسية لاعتقادهم بأنه مُصاب بلوثة عقلية، وشارك في الحركات السياسية اليسارية في بلاده، واُعتقل وسافر كثيرًا. وفي كلِّ هذه الحياة الحافلة التي عاشها كان حلم الكتابة يراوده ويستحثه على أن يكتب ويعطي الكاتب الذي فيه الفرصة اللائقة من أجل الانطلاق والعيش والحياة والتطوّر.
في سنة 1986 حجّ كويلو إلى مزار القديس يعقوب، المزار الإسباني القديم، وبعدها كتب كتابه الأول عن هذه التجربة أسماه "حاج كومبوستيلا"، ثم عمل بعدها بسنة على كتابة كتابه الأشهر "الخيميائي"، الذي كرّسه واحدًا من أكثر كتّاب العالم شهرة وقرّاءً. وتتالت أعماله الأخرى التي فرضته كاتبًا شعبيًا واسع الانتشار، فأصدر: "فيرونيكا تقرّر أن تموت" و"على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت" و"الشيطان والآنسة بريم" و"الجبل الخامس" و"مكتوب" و"إحدى عشرة دقيقة" و"الزهير"، وغيرها من الكتب الأخرى.
النُميّز بين الدين والروحانية
لإلقاء بعض الضوء على ظاهرة هذا الكاتب السّاحر، كان هذا الحوار الذي أُجري بواسطة الإنترنت:
- في كتبك التي قرأتها تتحدث على نحو مباشر أو غير مباشر عن الله. أيوجد عندك تعريف أو تصوّر شخصي عما يكونه الله، أو من المحتمل ان يكونه؟ هل لك أن تتوسّع في شرح هذا الأمر؟ وما الذي تعنيه بروح العالم؟
"في بداية حياتي أردت أن أحصل على أجوبة لكلّ شيء، لكني الآن أدرك أنه ليس بوسعي أن أحصل على هذه الأجوبة. أعرف فقط أنني حي وأن هناك شيئا يُظهر ذاته جليا في حياتي، وهذا هو الله. أومن إيمانا قويًا بأنّ كلّ ما نراه، كل شيء موجود قدامنا، ليس إلا الجزء المرئي الظاهر فقط من الواقع، لكن هناك جزءًا غير مرئي تسيطر عليه العواطف والانفعالات والمشاعر. هذا هو مفهومنا أو ما ندركه عن العالم، لكنّ الله كائن -على حد تعبير وليم بليك- في حبة رمل وفي زهرة. هذه الطاقة موجودة في كل مكان.
"وبرغم ذلك، إنه لهامّ جدًا أن نميّز بين الدين والروحانية؛ أنا كاثوليكي، لذا فان الدين بالنسبة لي هو طريقة لأن تكون لنا مجموعة قواعد ونظم وعبادة جماعية مع أشخاص يشتركون في الأسرار المقدسة عينها. لكن كل الأديان، في النهاية، تسعى إلى الإشارة والدلالة إلى ذات النور المشترك بينها جميعًا. وأحيانا يكون بين النور وبيننا الكثير من القواعد والقوانين. بعض من هذه القواعد هام، والبعض الآخر منها يجب ألا يعمينا وألا يضعف من كثافة هذا النور الذي هو روح العالم."
- على نحوٍ ما أنت حاجّ . أما زلت ذلك الحاجّ الذي كنته ذات مرة؟ وماذا يعني لك أن تكون حاجّا أو مسافرا في رحلة كما فعلت ذات مرة، وربما لا زلت تفعل؟ وبعدها أن تتشارك هذه التجربة الغنية مع الآخرين بالكتابة عنها؟
"أنا كاتب حاجّ. لقد سافرت دائما وكثيرا، وقابلت أناسا من مختلف الخلفيات وتعلّمت الكثير من الطرق والأساليب للاقتراب من الروحانية. ليست للروحانية أية علاقة فيما إذا كنتُ مؤمنا بالله أم غير مؤمن: إنها ليست إلا طريقة لفهم الحياة. وعن طريق تساؤلاتي توصلّت إلى قناعة مؤداها أنّ على الإنسان أن يقوم بتحقيق أسطورته الشخصية؛ ما هي الأسطورة الشخصية؟ إنها السبب الذي يجعلنا نشِطين ومفعمين بالحياة. وفي حالتي، كانت هذه الأسطورة هي أن أشارك وأتقاسم أفكاري مع الآخرين من خلال الكتابة.
"لدينا أحلام ليست هي بالضرورة تلك الأحلام التي يريدها لنا آباؤنا أو المجتمع. لذا علينا التخلّص من فكرة تحقيق ما يتوقع الناس منا أن نقوم به، وبدلا من ذلك أن نبدأ العمل على ما نتوقع نحن من حياتنا. إنّ الرسالة في رواية "فيرونيكا تقرّر أن تموت" هي التالية: تجرّأ على أن تكون مختلفًا. أنت فريد من نوعك، وعليك أن تقبل ما أنت عليه من فرادة، بدلا من أن تقوم بمحاولة إعادة استنساخ أقدار الأشخاص الآخرين أو أنماط حيواتهم. الجنون هو أن تتصرّف على مثال شخص ليس ما هو أنت عليه أو تكونه. الحالة الطبيعية هي أن تكون قادرًا على أن تُعبِّر عن مشاعرك (وفي حال توقفك عن الخوف من مشاركة حقيقة ما يدور في قلبك، فإنك تغدو إنسانًا حُرًّا). وبدءا من اللحظة التي لا تخاف فيها ان تشارك حقيقة قلبك وما يدور فيه، فانك تغدو انسانا حرًّا."
كل ما عليك فعله هو أن تنظر إلى الجبل...
- لقد تأثرتُ جدًا في أول كتبك المُسمّى «حاج كومبوستيلا»، إلى درجة أنني قرأته ثلاث مرات. أذكر أنّ قراءتي الأولى للحج تزامنت مع قراءتي لواحد من أفضل الكتب النفسية ((The road less traveled، لمؤلفه ام. سكوت بك، ولمفاجأتي السارة أنني بعد سنين وجدتُ تعليقا من هذا الدكتور مُدونّا على غلاف كتاب «الخيميائي» (النسخة الإنجليزية). على أي حال، لقد حاولتُ في عاصمتيْن أوروبيتيْن كذا مرة في حفل لتوقيع كتبك أن أقابلك لمحاورتك عن كتابك «حاج كومبوستيلا»، إلا أنّ طوابير القرّاء التي كانت في انتظارك لتوقيع كتبك كانت تجعلني أتراجع وأعود إلى البيت «خائبا من نفسي». فيما أسئلة كثيرة تتردد وتضج في رأسي . بصراحة كنت أريد أن أحاورك عن كتابك «حاج كومبوستيلا» فقط؛ إذ عندما قرأتُ هذا الكتاب الأوتوبيوغرافي الذي هزّني من الأعماق كنتُ دائمًا أتساءل: ما هو أو أين الخط الدقيق بين العمل الروائي (الخيالي)، واللاخيالي، أي الواقعي في هذا العمل الجميل؟ وهل كانت هذه الرحلة أو الحج عبارة عن تقدّم عظيم ومفاجئ في حياتك؟
"رواية "حاج كومبوستيلا"، بالأساس، هي قصتي. لقد كتبت عن رحلتي الحقيقية، عن قصتي الصادقة. في كتبي الأخرى أستعمل وأستغل حياتي كمجازٍ واستعارةٍ، وليس هناك بين كتبي الأخرى ما هو أوتوبيوغرافي كما في كتابي الأول. ولكن كي أجيبك عن سؤالك، أيّهما كان الأكثر أهمية في حياتي، الطريق أم الكتاب؟ ما أستطيع قوله: كلا الأمريْن؛ ففي الحج بدا لي واضحًا، وعلى نحو متزايد، أنني لم أكن سعيدًا وأنه يتوجب عليّ أن أفعل شيئًا حيال هذا الأمر، وأن أتوقف عن اختلاق الأعذار. لقد أدركتُ أنه لا يتوجّب عليّ أن أخوض سلسلة من التجارب المُعقدة كي أحقّق هدفي. كل ما عليك فعله هو أن تنظر إلى الجبل، فقط، وأن تحصل على صلة مع الله. لا ينبغي أن تفهم الجبل كي تشعر بذلك.
"في البداية، بعدما عدتُ من الرحلة، كنت أعيش حالة من الهبوط المفاجئ. ووجدت صعوبة كبيرة في العودة إلى حياتي الطبيعية والتأقلم معها. كنت نافد الصّبر بَرمًا، وذلك لرغبتي في تغيير حياتي بسرعة شديدة. بيد أنّ التغييرات تحدث عندما تكون مستعدًا. لقد استغرقني بضعة أشهر لأدرك أنّ ما عليّ التركيز عليه هو كتابة كتاب فقط، بدلا من القيام بأدوار ومهام مختلفة كما كنت أفعل في السابق. كانت رحلة الحجّ هي موضوعي. وحالما شرعتُ في الأمر خطوت أولى خطواتي صوب حلمي.
"السفر في رحلة حج هو من عمل على إعادة إيقاظ ذلك الوعي فيّ، لكنك لست مجبرا على السير في طريق سانتياغو لكي تحصل على الفوائد. فالحياة ذاتها هي عبارة عن رحلة حج، إذ كل يوم يختلف عن الآخر، وبإمكانك يوميًا أن تحظى بلحظة ساحرة، غير أننا لا نرى الفرص السانحة لنا، وذلك لأننا نفكر: "آه، هذا مُمل، فأنا مسافر إلى مكان عملي." لكننا كلنا في حالة من السفر والحج، شئنا أم أبينا ذلك. والغاية، أو الهدف إذا شئتَ، أو السانتياغو الحقيقي، هو الموت. عليك أن تعمل على الاستفادة قدر ما تستطيع من الرحلة، إذ -في النهاية- لا تملك شيئا سوى الرحلة. إنه ليس هامّا ما تجمعه بلغة الثراء الماديّ، لأنك على أيّ حال ستموت. إذًا، لماذا لا تعيش؟ عندما تدرك أنه بمقدورك أن تكون شجاعًا، وهذا هو أول شرط من شروط البحث الروحي- عليك أن تجازف."
يتبع.....:D
كان إنسانا هيبّيًا ومؤلفَ أغان لأشهر نجوم البرازيل، وكتب للمسرح وعمل في شركة اسطوانات، ودفع به أهله غير مرة إلى المِصحّة النفسية لاعتقادهم بأنه مُصاب بلوثة عقلية! لقاء خاص أجراه الكاتب رياض بيدس مع الكاتب العالمي باولو كويلو
حاوره: رياض بيدس
على تظهير غلاف "الخيميائي" (طبعة هاربر تورش، 2002) يكتب الكاتب الياباني كينزابورو أوي، الحائز جائزة نوبل للآداب، الجملة الثاقبة التالية: "يعرف باولو كويلو سرّ الخيمياء الأدبية." وفي هذا القول الكثير من الحقيقة، إذ استطاع الكاتب كويلو خلال فترة قصيرة نسبيًا أن يفرض نفسه على الساحة الأدبية العالمية، وأن يغدو كاتبًا مقروءًا على نحو واسع، وأن تُترجم أعماله إلى لغات عديدة جدًا، والأهم من هذا كله أن تحظى كتاباته بملايين القرّاء والمعجبين في أنحاء العالم وأن تجد صدى في نفوس قارئيه.
فهناك عدد لا يُستهان به من قرّاء كويلو الذين شغفوا بعالمه، بالذات كتابيه الأوليْن، لا يزالون تحت تأثير عالم هذا الكاتب "الحكواتي" البارع، كما أنّ قسمًا من القرّاء تغيّرت حيواتهم بفعل التفاعل مع كتابة وعوالم هذا الكاتب، الذي تطرح أعماله أسئلة كثيرة وأحيانا تستفزّ مُتلقّيها.
وُلد باولو كويلو سنة 1947 في ريو دي جانيرو، وقبل أن ينصرف إلى كتابة الأدب كان إنسانا هيبّيًا ومؤلفَ أغان لأشهر نجوم البرازيل، وكتب للمسرح وعمل في شركة اسطوانات، ودفع به أهله غير مرة إلى المِصحّة النفسية لاعتقادهم بأنه مُصاب بلوثة عقلية، وشارك في الحركات السياسية اليسارية في بلاده، واُعتقل وسافر كثيرًا. وفي كلِّ هذه الحياة الحافلة التي عاشها كان حلم الكتابة يراوده ويستحثه على أن يكتب ويعطي الكاتب الذي فيه الفرصة اللائقة من أجل الانطلاق والعيش والحياة والتطوّر.
في سنة 1986 حجّ كويلو إلى مزار القديس يعقوب، المزار الإسباني القديم، وبعدها كتب كتابه الأول عن هذه التجربة أسماه "حاج كومبوستيلا"، ثم عمل بعدها بسنة على كتابة كتابه الأشهر "الخيميائي"، الذي كرّسه واحدًا من أكثر كتّاب العالم شهرة وقرّاءً. وتتالت أعماله الأخرى التي فرضته كاتبًا شعبيًا واسع الانتشار، فأصدر: "فيرونيكا تقرّر أن تموت" و"على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت" و"الشيطان والآنسة بريم" و"الجبل الخامس" و"مكتوب" و"إحدى عشرة دقيقة" و"الزهير"، وغيرها من الكتب الأخرى.
النُميّز بين الدين والروحانية
لإلقاء بعض الضوء على ظاهرة هذا الكاتب السّاحر، كان هذا الحوار الذي أُجري بواسطة الإنترنت:
- في كتبك التي قرأتها تتحدث على نحو مباشر أو غير مباشر عن الله. أيوجد عندك تعريف أو تصوّر شخصي عما يكونه الله، أو من المحتمل ان يكونه؟ هل لك أن تتوسّع في شرح هذا الأمر؟ وما الذي تعنيه بروح العالم؟
"في بداية حياتي أردت أن أحصل على أجوبة لكلّ شيء، لكني الآن أدرك أنه ليس بوسعي أن أحصل على هذه الأجوبة. أعرف فقط أنني حي وأن هناك شيئا يُظهر ذاته جليا في حياتي، وهذا هو الله. أومن إيمانا قويًا بأنّ كلّ ما نراه، كل شيء موجود قدامنا، ليس إلا الجزء المرئي الظاهر فقط من الواقع، لكن هناك جزءًا غير مرئي تسيطر عليه العواطف والانفعالات والمشاعر. هذا هو مفهومنا أو ما ندركه عن العالم، لكنّ الله كائن -على حد تعبير وليم بليك- في حبة رمل وفي زهرة. هذه الطاقة موجودة في كل مكان.
"وبرغم ذلك، إنه لهامّ جدًا أن نميّز بين الدين والروحانية؛ أنا كاثوليكي، لذا فان الدين بالنسبة لي هو طريقة لأن تكون لنا مجموعة قواعد ونظم وعبادة جماعية مع أشخاص يشتركون في الأسرار المقدسة عينها. لكن كل الأديان، في النهاية، تسعى إلى الإشارة والدلالة إلى ذات النور المشترك بينها جميعًا. وأحيانا يكون بين النور وبيننا الكثير من القواعد والقوانين. بعض من هذه القواعد هام، والبعض الآخر منها يجب ألا يعمينا وألا يضعف من كثافة هذا النور الذي هو روح العالم."
- على نحوٍ ما أنت حاجّ . أما زلت ذلك الحاجّ الذي كنته ذات مرة؟ وماذا يعني لك أن تكون حاجّا أو مسافرا في رحلة كما فعلت ذات مرة، وربما لا زلت تفعل؟ وبعدها أن تتشارك هذه التجربة الغنية مع الآخرين بالكتابة عنها؟
"أنا كاتب حاجّ. لقد سافرت دائما وكثيرا، وقابلت أناسا من مختلف الخلفيات وتعلّمت الكثير من الطرق والأساليب للاقتراب من الروحانية. ليست للروحانية أية علاقة فيما إذا كنتُ مؤمنا بالله أم غير مؤمن: إنها ليست إلا طريقة لفهم الحياة. وعن طريق تساؤلاتي توصلّت إلى قناعة مؤداها أنّ على الإنسان أن يقوم بتحقيق أسطورته الشخصية؛ ما هي الأسطورة الشخصية؟ إنها السبب الذي يجعلنا نشِطين ومفعمين بالحياة. وفي حالتي، كانت هذه الأسطورة هي أن أشارك وأتقاسم أفكاري مع الآخرين من خلال الكتابة.
"لدينا أحلام ليست هي بالضرورة تلك الأحلام التي يريدها لنا آباؤنا أو المجتمع. لذا علينا التخلّص من فكرة تحقيق ما يتوقع الناس منا أن نقوم به، وبدلا من ذلك أن نبدأ العمل على ما نتوقع نحن من حياتنا. إنّ الرسالة في رواية "فيرونيكا تقرّر أن تموت" هي التالية: تجرّأ على أن تكون مختلفًا. أنت فريد من نوعك، وعليك أن تقبل ما أنت عليه من فرادة، بدلا من أن تقوم بمحاولة إعادة استنساخ أقدار الأشخاص الآخرين أو أنماط حيواتهم. الجنون هو أن تتصرّف على مثال شخص ليس ما هو أنت عليه أو تكونه. الحالة الطبيعية هي أن تكون قادرًا على أن تُعبِّر عن مشاعرك (وفي حال توقفك عن الخوف من مشاركة حقيقة ما يدور في قلبك، فإنك تغدو إنسانًا حُرًّا). وبدءا من اللحظة التي لا تخاف فيها ان تشارك حقيقة قلبك وما يدور فيه، فانك تغدو انسانا حرًّا."
كل ما عليك فعله هو أن تنظر إلى الجبل...
- لقد تأثرتُ جدًا في أول كتبك المُسمّى «حاج كومبوستيلا»، إلى درجة أنني قرأته ثلاث مرات. أذكر أنّ قراءتي الأولى للحج تزامنت مع قراءتي لواحد من أفضل الكتب النفسية ((The road less traveled، لمؤلفه ام. سكوت بك، ولمفاجأتي السارة أنني بعد سنين وجدتُ تعليقا من هذا الدكتور مُدونّا على غلاف كتاب «الخيميائي» (النسخة الإنجليزية). على أي حال، لقد حاولتُ في عاصمتيْن أوروبيتيْن كذا مرة في حفل لتوقيع كتبك أن أقابلك لمحاورتك عن كتابك «حاج كومبوستيلا»، إلا أنّ طوابير القرّاء التي كانت في انتظارك لتوقيع كتبك كانت تجعلني أتراجع وأعود إلى البيت «خائبا من نفسي». فيما أسئلة كثيرة تتردد وتضج في رأسي . بصراحة كنت أريد أن أحاورك عن كتابك «حاج كومبوستيلا» فقط؛ إذ عندما قرأتُ هذا الكتاب الأوتوبيوغرافي الذي هزّني من الأعماق كنتُ دائمًا أتساءل: ما هو أو أين الخط الدقيق بين العمل الروائي (الخيالي)، واللاخيالي، أي الواقعي في هذا العمل الجميل؟ وهل كانت هذه الرحلة أو الحج عبارة عن تقدّم عظيم ومفاجئ في حياتك؟
"رواية "حاج كومبوستيلا"، بالأساس، هي قصتي. لقد كتبت عن رحلتي الحقيقية، عن قصتي الصادقة. في كتبي الأخرى أستعمل وأستغل حياتي كمجازٍ واستعارةٍ، وليس هناك بين كتبي الأخرى ما هو أوتوبيوغرافي كما في كتابي الأول. ولكن كي أجيبك عن سؤالك، أيّهما كان الأكثر أهمية في حياتي، الطريق أم الكتاب؟ ما أستطيع قوله: كلا الأمريْن؛ ففي الحج بدا لي واضحًا، وعلى نحو متزايد، أنني لم أكن سعيدًا وأنه يتوجب عليّ أن أفعل شيئًا حيال هذا الأمر، وأن أتوقف عن اختلاق الأعذار. لقد أدركتُ أنه لا يتوجّب عليّ أن أخوض سلسلة من التجارب المُعقدة كي أحقّق هدفي. كل ما عليك فعله هو أن تنظر إلى الجبل، فقط، وأن تحصل على صلة مع الله. لا ينبغي أن تفهم الجبل كي تشعر بذلك.
"في البداية، بعدما عدتُ من الرحلة، كنت أعيش حالة من الهبوط المفاجئ. ووجدت صعوبة كبيرة في العودة إلى حياتي الطبيعية والتأقلم معها. كنت نافد الصّبر بَرمًا، وذلك لرغبتي في تغيير حياتي بسرعة شديدة. بيد أنّ التغييرات تحدث عندما تكون مستعدًا. لقد استغرقني بضعة أشهر لأدرك أنّ ما عليّ التركيز عليه هو كتابة كتاب فقط، بدلا من القيام بأدوار ومهام مختلفة كما كنت أفعل في السابق. كانت رحلة الحجّ هي موضوعي. وحالما شرعتُ في الأمر خطوت أولى خطواتي صوب حلمي.
"السفر في رحلة حج هو من عمل على إعادة إيقاظ ذلك الوعي فيّ، لكنك لست مجبرا على السير في طريق سانتياغو لكي تحصل على الفوائد. فالحياة ذاتها هي عبارة عن رحلة حج، إذ كل يوم يختلف عن الآخر، وبإمكانك يوميًا أن تحظى بلحظة ساحرة، غير أننا لا نرى الفرص السانحة لنا، وذلك لأننا نفكر: "آه، هذا مُمل، فأنا مسافر إلى مكان عملي." لكننا كلنا في حالة من السفر والحج، شئنا أم أبينا ذلك. والغاية، أو الهدف إذا شئتَ، أو السانتياغو الحقيقي، هو الموت. عليك أن تعمل على الاستفادة قدر ما تستطيع من الرحلة، إذ -في النهاية- لا تملك شيئا سوى الرحلة. إنه ليس هامّا ما تجمعه بلغة الثراء الماديّ، لأنك على أيّ حال ستموت. إذًا، لماذا لا تعيش؟ عندما تدرك أنه بمقدورك أن تكون شجاعًا، وهذا هو أول شرط من شروط البحث الروحي- عليك أن تجازف."
يتبع.....:D