محمحد
16/05/2007, 00:15
منذ سنوات والرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز يمارس ما يمكن أن يُطلق عليه الليبراليون العرب الجدد سياسة "الجنون" أو اللاواقعية... ولأن سياسته تجاه الامبراطورية الامريكية، التي يخر ضعفا أمامها جل "قياداتنا" العربية "الشجاعة على شعوبها"، لا تحمل في الحقيقة الكثير من المستحيلات التي يجدها هؤلاء العرب مستحيلة فقد كانت مزيجا من الاستقلالية الحقيقية والاعتماد على الشارع الفنزويلي "الفقير" وقيادة تملك من الوعي والجرأة والإحساس بالمسؤولية، على أقلها مسؤولية المنصب، ما أهل فنزويلا للخروج من حالة السجن القسري المضروب منذ عقود على دول الموز المحيطة في أمريكا اللاتينية والجنوبية.. هوغو تشافيز واجه ما واجه من محاولات إسقاطه عبر انقلابات وتحريك للشارع السياسي المرتبط بالمصالح الامريكية، وبالرغم من ذلك فقد كان الرئيس الاول الذي زار بغداد وهي تحت الحصار متحديا السياسة الامريكية وتحدث حالما عن علاقات عربية مع دول أمريكا اللاتينية للخروج من هيمنة السياسة الامريكية على مقدرات الشعوب.. وبالرغم من ذلك ظل "الزعماء" العرب أقل شجاعة من أن يعلنوا ولو لفظيا عن رغبتهم في الخروج من التبعية والالتحاق، الواضحة وضوح الشمس بالسياسة الامريكية.. من العجيب أننا نكتشف تلك التبعية بعد أن يرحل الزعيم لنكتشف العلاقة المتجذرة ولو من خلال علاقات مباشرة بالسي اي ايه والام 16 وغيرها من الاستخبارات الغربية التي تملك مهمة حماية هؤلاء .. ما تملكه "فنزويلا تشافيز" تملكه أيضا كل البلدان العربية التي صارت ماركة مسجلة باسم الزعماء والعوائل الحاكمة والادعاء غير ذلك يودي بصاحبه إلى اقبية وزنازين وقبور مجهولة العنوان، فقر وتأخر ونفط، الفرق البسيط أن الرجل، وهو تشافيز، لم يخلع مبادئه بمجرد أن دخل القصر الجمهوري ولم يعتز ببدلاته الباريسيسة المجلوبة له بطائرات خاصة مع كل مستلزمات الغذاء بل الرجل بقي وطنيا بملبسه ومأكله وتصرفه، وهذا يعني أنه جعل من قضية الوطنية في زمن العولمة محل إعتزاز لدى الفنزويلي العادي وهو الذي إعتمد عليه تشافيز فوقف الجيش عاجزا حتى عن الانقلاب عليه بدعم من السفارة الامريكية ومستشاريها المتغلغلين في المؤسسة العسكرية، تماما مثلما هي تفعل في بلداننا داخل قصور زعماءنا... لم يزدري الاقليات.. بل لديه من المستشارين والموظفين من كل الاقليات بما فيهم العرب... ولم يخف من نهاية سلفادور اليندي ... وها هو مازال يحكم... بالرغم من كل مواقفه التي يعلنها ويمارسها بوجه السياسة الامريكية التي هددته علنا بالقتل إغتيالا... أقام أفضل العلاقات مع دول من العالم "الثالث" ومع الصين وروسيا قائمة على تطوير فنزويلا وليس "تكتيك" بهلواني للهروب من الضغوط الامريكية كما يفعل غيره في منطقتنا... لم يهرب من علاقته بكوبا المحاصرة امريكيا ولم يدعو كاسترو للحاق بالركب الامريكي.. ما تملكه فنزويلا يملكه العرب... تاريخا من الثورات الوطنية... وصراعات على الحكم... وحكم طبقات فاسدة متحكمة برقاب أغلبية أبناء البلد... إتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء... ونفط... لكن تشافيز كان لديه الجرأة ليقول بأنه على استعداد لوقف بيع النفط لأمريكا...وقع قبل فترة قصيرة إتفاقا مع الصين لإطلاق أول قمر صناعي فنزويلي، بينما مازال الزعماء في بلداننا يضعون الخطط لتعبيد بعض الطرقات في القرى النائية التي ليس فيها ماء صالح للشرب ولا كهرباء في القرن الحادي والعشرون... من أين لرئيس دولة بمستوى فنزويلا كل هذه القوة والارادة التي ظهرت منذ سنوات قليلة؟ قضية التراكم التي ظلت على مدى عقود لا تختلف كثيرا من حيث الفقر عن دول عربية لم تكن محل تمويه خلف جدران عالية من السرية والمحرمات والابنية الشاهقة في كاراكاس التي يحيط بها حزام من البؤس ومدن الفقراء العشوائية لعدد من السكان لا يتجاوز في 2005 الـ 24 مليون نسمة، وبالرغم من ذلك فلم يخذل تشافيز شعبه ولم يخذله شعبه في أكثر اللحظات قسوة وصعوبة وفي ظل التهديدات الامريكية المتكررة للاطاحة بحكومة خرجت من منطق قبول التعامل معها كدولة غير راشدة تحتاج ليد الرعاية الامريكية وهو ما لم يرق للشركات العابرة التي تحيك الكثير من السياسات الامريكية في علاقتها بدول مصنفة كأسواق إستهلاكية أولا و كبقرة حلوب تعطي كل ما لديها لرفاهية الغربي.. في فنزويلا نجد ، كما في الكثير من دول العرب، "معارضات" تحتضنها أمريكا وتضخ لها السي اي ايه دماءا كثيرا من الدولارات والتزويرات المعنوية والسياسية... لكن تشافيز لم يقبل أن يكون واحدا من الضعفاء الذين لا يقدرون أن يناقشوا مصالحهم فيرضون بالكثير مما تطلبه أمريكا منهم... وبين العقلانية والواقعية التي لم يعد من غيرهما في عقل المفكر السياسي العربي لتبرير كل هذه الانحناءات السياسية والاخلاقية في العلاقة مع الذات والآخر، نجد أن الشعب الفنزويلي قد أصر أن ينجح حزب رئيسه ضمن قراءة مختلفة للواقعية والعقلانية التي يتمسك بها أشد العرب دعوة لحكم الحزب الواحد والقائد الاوحد والمشاريع الاقتصادية التي تفشل حتى في إدارة مدجنة أو مزرعة تسمين أبقار... لم ينجح تشافيز بـ 99 بالمئة ولا بـ 89 بالمئة في حالات الخداع الأقل فضيحة... بل يكتفي الرجل بما يصل إلى 60 بالمئة بدون أن يقوم بعملية إرسال بلطجيته لتقود العمال والفلاحين والطلاب في حافلات تابعة لسلطة "القائد" لتدلي بصوتها... ولا من خلال إستلاب الديمقراطية باستلاب العقل باسم الولاء المطلق لرجال دين لا يرون ضررا في الوقوف على المنابر من أجل المساهمة في ترديد جمهور المؤمنين ليحمي الله "القائد" الحكيم ! لم ينجح حزب تشافيز مؤخرا لأن عصابات حزبه خرجت بالعصي والهروات لتضرب الصحافيين والاعلاميين والمصوتين .... وسواءا قبل أم لم يقبل البعض فإن سياساتنا تنتج عقلية منافقة تمارس تقية من الدرجة الممتازة تلعب لعبة الحفاظ على الروح وفق رجعية القول "اليد التي لا تقدر عليها قبلها ثم ادعوا عليها بالكسر"... بل يذهب النفاق المنتج بعناية فائقة متخذا منحى اللامبالاة أو "إمشي الحيط الحيط"...والوصول إلى نتيجة بأن لا شيء يمكن أن يكون مفيدا ... ليس المقصود هنا ولا بأي حال من الأحوال أن نقبل بحكم الفرد... لكننا نلاحظ حتى في "النموذج الديمقراطي" العراقي – الاحتلالي بأن الصفر زائدا صفر يساوي قائدا أوحدا تحت أرقام قد تكون 887 على سبيل المثال لتكون الخلفية "الزعيم".... مهزلة تلك لا نرى في بنغلادش مثيلا لها.... بنغلادش التي فيها ديمقراطية وتعددية ولا حتى في الهند أو ماليزيا.... لكننا هنا لا نمارس فقط ديمقراطية الطائفة والمذهب، بل الأقاليم والمدن والمناطق باستعراض عنترية قدرة "الزعيم" على إختطاف عاطفة الايمان بنظام المرجعية أو القومية.. ليس المقصود أيضا فقط العراق، لكنه طالما أريد للعراق أن يكون مثلا لتلك الديمقراطية فإن المقدمات كلها تبشر بنظام محاصصة طائفية ومذهبية ومناطقية ستتقاتل فيما بعد على حدود هذه المحافظة وتلك...