-
دخول

عرض كامل الموضوع : للفرح مواسم أخرى ( 2 )


wesam_ra2
26/05/2007, 21:59
ج 2


منذ أن رحلت حنان قبل عشرين عاما..

وفي صباح كل عيد..

دائما لابد من تلك الغصة ..



خربشات طفولية مرحة لازالت بعض خطوطها واضحة

( طال السهر وليالي العيد نامت ع كتف غنانينا

يا رايحين بعيد بعيد ظلوا اذكروا ليالينا )

أغنية تحبها الغالية الراحلة .. حفرتها بخط يدها على جدار الحديقة المجاورة كذكرى



وشيش القهوة وهي تفور وتطفو على ( البوتوغاز ) أيقظها من شرودها .. مسحت عن خدها دموعا كانت قد انسكبت غزيرة حارقة..

صوت صغيرها محمد يأتي من الغرفة الأخرى

- / ماما .. أين أنت..!؟ /

- / لا تخف .. أنا هنا .. إني قادمة /

- / ما هذه الأصوات يا أمي..!؟ /

- / إنها تكبيرات العيد.. كل عام وأنت بخير يا عيون ماما /

- / لماذا لم توقظيني لأذهب مع بابا ومظفر إلى الصلاة ..!؟ /

- / لأنك ما زلت صغيرا /

- / صغيرا.. !! ..آه .. أمي.. مرة أخرى../



تطبع على جبينه قبلة دافئة .. تضمه إلى صدرها قليلا .. يرتخي جسده بين ذراعيها .. تشم أنفاسه العطرة .. تعيده بهدوء إلى فراشه .. تبتسم في سرها وهي تراه قد غط من جديد في نوم عميق.. تدرك أن جرعة الحنان التي منحته إياها قد فعلت مفعولها



دلفت إلى الحمام لتدلل نفسها بالمياه الساخنة .. كل قطعة من جسدها دمل كبير يؤلمها .. تسرب الوجع مع قطرات الماء المنسكب .. شعرت بشيء من الاسترخاء والراحة .



يوم طويل و مضن قد رحل .. راجعت في ذاكرتها الأعمال التي قامت بها .. لعلها لم تنس شيئا ..

نظفت.. مسحت .. غسلت .. كوت.. طبخت .. جهزت..

وزعت صدقة الفطر على الفقراء من جيرانها .. لكنها . في خضم انشغالها بهم نسيت الأشياء الخاصة بها ..

بل ونسيت أيضا نفسها ..!!



لم تنم سوى ساعة واحدة من الليل .. بدأت العتمة تنكسر أمام إشراقة الصبح الخجول ..

تبدأ الأقدام بصعود الدرج .. أصوت ترحيب وقبلات وتهاني بالعيد السعيد

تطرق آذانها ..



أول ما ستفعله في هذا الصباح المبارك هو الاتصال بجارتها ومباركتها عيدها .. نعم .. هي تعلم إنها لا تستحق سوى التجاهل والنسيان بعد كل ما فعلته بها .. لقد آذتها كثيرا .. نشرت إشاعات مغرضة كثيرة عن بيتها وأطفالها وعلاقتها بزوجها وأهل زوجها .. لكن المسامح كريم .. واليوم عيد .. وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام ..ثم أن الغيرة طبيعة بشرية وأخوة يوسف قد فعلوها قبلها ..



أصوات الباعة مع ضحكات طفولية صادقة تكون ( كورالا ) بدائي يصم الآذان

أراجيح ..وحلوى .. ومزامير.. وبالونات طائرة .. وإعلانات عن أفلام هندية راقصة ..



- / يا حج محمد .. يويا اعطيني حصانك .. يويا *

لاشدو واركب ..يويا و ألحق اسكندر .. يويا

اسكندر ما مات .. يويا خلف بنات .. يويا

بناتو سود .. يويا متل القرود .. يويا /

أهزوجة لها طعم الملح في الذاكرة



طفلة تائهة بثوب وردي وقبعة .. تنظر ذات اليمين وذات الشمال .. باكية .. تبحث ملتاعة عن اليد التي كانت تمسك بها لتحميها من الضياع .. ليتها تمسكت بها أكثر .. ليتها لم تتركها ..

منذ دقائق كلهم كانوا هنا .. أين ذهبوا .. يا ربي أين ذهبوا .. أين .. أين .. أريد ماما .. أريد ماما..!!؟



وحيدة تحت رحمة المطر والبرد والليل .. لا أحد يسمع صوت بكائها.

وحل يغطي الطرقات.. يتسخ الحذاء الجديد .. يتلوث الفستان الوردي.. .. وتضيع القبعة ..

العالم مشغول بالعيد وهي تغرق .. تغرق .. تـــ ... غـــ ... ــــر ... ق ..

ألا ثمة يد تمسك بها .. لتنقذها ..!!؟



/ يا بصلاة محمد من رأى طفلة .. تلبس فستان وردي ..وعلى رأسها طاقية حمرا .. من يجدها يحضرها إلى جامع الصناعة.. وأجره على الله /*



صخب (عراضة )جاءت من الطرف الغربي للبلدة .. خمسون طفلا وطفلة كل يدعي بأنه هو الذي وجدها ..

تتضارب الروايات.. وتعلو أصوات التكذيب و التأييد.. وذات الفستان الوردي لاهية عنهم بمصمصة أصابعها الملوثة بـ( الشوكولاه )

كانت تشد ببراءة وحرص على ذيل فستانها المكور على أشياء تحبها ..

وكانوا كرماء جدا معها عندما ملئوا حضنها بالألعاب والحلوى..!!



- /الحمد لله كان حلما /

قالت الطفلة التائهة التي أصبحت الآن أما لأطفال أربعة.. يغطون في أسرتهم ويحلمون بالعيد وأيامه السعيدة الرائعة..



صوت التلفاز يعلن انتهاء برامجه ..

وشوشات صاخبة..

و شاشة سوداء مشوهة ..



في بيت صغير في أقصى أقاصي الكون .. بعيدة عن وطنها آلاف الكيلومترات.. تغفو متكورة على أريكتها .. تفتح عينيها بدهشة ..!!



لا بيت .. لا زوج .. لا أطفال .. لا وطن .. لا أعياد .. لا أحياء .. لا أموات

لا شيء سوى غربتها.. وخساراتها.. وخيباتها المتلاحقة ..!!



كل ما يربطها الآن بالعيد قد انتهى بانتهاء النقل الحي والمباشر للاحتفال بليلة العيد على التلفاز من الكعبة المشرفة



تطل من النافذة لترى الكون مغلفا بالبياض والصقيع .. رعدة باردة هزت بعنف جسدها ..

وحيدة هي حتى النخاع .. تجلدها سياط الثلج .. والبرد .. والضياع .. والغربة ..

ولا أحد يسمع صوت بكائها ..



هناك .. بعيدا .. حيث مسقط قلبها .. كلهم يحتفلون بالعيد

وهي تغرق .. تـــــ ...غــــــ... ـــــر... ق .. هل ثمة يد تمسك بها .. لتنقذها ..!!؟



// يا بصلاة محمد من رأى طفلة بجلد امرأة.. ترتدي السواد من رأسها إلى أخمصها.. وهي في خريفها الثالث بعد الأربعين مازالت تخاف من تأنيب أمها .. لأن ثيابها تلوثت بالوحل .. ولأنها أضاعت قبعتها .. و فردة حذائها ..

و تخاف .. تخاف حتى الموت من الضياع في العيد والبرد والزحمة ..!! //



// ملاحظة هامة : من يجدها يتصل بنا على الرقم /......../ وأجره على الله // _________________________________________________

* الكليجة : حلوى ديرية تصنع في العيد

* صيغة للتهنئة باللهجة الديرية

* أهزوجة يرددها الأطفال في الأراجيح

* جمل يرددها شخص كان يعهد إليه بالبحث عن الأشخاص أو الأشياء المفقودة تقوم الآن المساجد بهذه المهمة