Zahi
17/07/2007, 05:14
"سورية الحديثة" بدون كهرباء
غادر العالم بعضه منذ قرون وبعضه الآخر منذ عقود، العادة السيئة، انقطاع التيار الكهربائي، حتى أن دولا مثل دول الخليج العربي لا تعرف أجيالها الحالية ما معنى انقطاع التيار الكهربائي، على الرغم أن هذه الدول لا تمتلك من المصادر الطبيعية للطاقة شيئا يذكر مقارنة مع دولة كسورية.
يأبى أشاوسة النظام لدينا الإقلاع عن كل عاداتهم السيئة، مصرّين أن يضيفوا الى فاتورة هموم المواطن هماً ملازماً وأبداً الى جانب أعباء تكاد تقضي عليه. ولا عجب أبدا في ذلك فأنت تعيش في دولة الشعارات والقائد الأوحد والمعلم الرمز وال"سياسة " هي "سياسة ": لا يجوز ترك ذلك الكائن المسمى مواطن أن يتنفس طوال اليوم فيجب محاصرته في ال 24 ساعة حتى لا تترك له دقيقة واحدة يفكر فيها في أحوال الكون ولماذا تحول الى قرد "يتنطنط" طوال اليوم لكي يسد احتياجاته البيولوجية من طعام وشراب و...
ما هو برنامج المواطن السوري أثناء فترة انقطاع التيار الكهربائي؟
في الليل: بداهة، ستكمل سهرتك على فتيل الفانوس و"اللمبة" أو ضوء الشموع وفي حال عدم توفر أي من هذه الوسائل، لا بأس على ضوء القمر. وتبتغي سلطاتنا الكرتونية من جراء ذلك اعادة الخصوبة الى أرواحنا التي تشققت وكما هو معروف فان السهر على ضوء القمر يندّي أرواحنا ويخصب مخيلتنا وهذا قد يحيلنا الى عشاق أو شعراء أقحاح!!
أبشع فترة لانقطاع التيار العتيد، خاصة ونحن في صيف ملتهب، هي فترة الظهيرة. فساعات من الواحدة الى الرابعة أو الخامسة تحيلك من شاعر مرهف الحس الى قاتل مجنون، وعندما لا تجد ما "نفشش فيه خلقك" فانك تسبّ أمك وأبيك اللذان جاءا بك الى هذه ال سوريا..
إذا كنت عازبا مثلي ولا أحد يشاركك خلّوتك فانك ستتحول الى طرزان، أقصد من الثياب فقط (لا طرزانات في سوريا الا طرزانات النظام البطل) وستحاول قتلا لوقت يقتلك ممارسة رياضة المشي من الغرفة الى المطبخ الى المرحاض ذهابا وإيابا ألف مرة وفي كل دورة داخل المنزل تسب على الكهربا وأبو الكهربا وعلى أمك وأبيك وتلعن التقنين ثم تتذكر الحرامية الذين نهبوا البلد وخذ مسبات، ثم تحاول استعادة توازنك وتتكلم مع نفسك مخاطبها قائلا: طول بالك يا رجل، شنو صار؟ تكيف مع الجو، مع الواقع، هدي.. تجلس على أقرب أريكة، تأتي بالجرائد الثلاث أو " الأيقونات الثلاث " حسب تسمية صاحبي الخبيث والتي جلبتهن من المكتبة المجاورة. تمسك بالأولى وعلى الصفحة الأولى تقرأ ودع واستقبل وهنأ، الى الأسفل بقليل، كلاما لمسؤول كبير، واضح فيه الكذب، ويستدّل عليه من استدارة حروف القاف والفاء والزاي حيث يقول: ".. حقق البلد قفزات كبيرة في تطوره الاقتصادي ". ولا يكلّف مسؤولنا العتيد نفسه إثبات صحة ذلك وكيف يتطور الاقتصاد والكهرباء تنقطع باستمرار على معامل"هم " المُخسّرة أصلا ومنذ زمن بعيد.
ترمي بالصفحة الأولى على الأرض، ممسكا بالثالثة والرابعة، تقرأ: ".. أنجز عمالنا عملا طوعيا بمناسبة (...) محققين في ذلك وفرا كبيرا على الاقتصاد الوطني قدر بملايين الليرات السورية". طبعا الخبر لا يذكر الى جيوب من دخلت تلك الملايين!!
في صفحة الرياضة نقرأ عن خسارات متتالية لفرقنا الرياضية في دول مختلفة.
تمرّ أثناء قتلك للوقت بصفحة الأبراج، فتكتشف أن برجك اليوم قد انتقل مضمونه الى برج آخر. حيث أقرأ جميع الأبراج وأختار منها ما يناسبني، وللعلم فمصممي صفحة الأبراج في "الأيقونات الثلاث"، هم خبراء في علم النفس ومتخصصين لمخاطبة الشعب السوري البائس وجميع الأبراج تحثّ المواطن السوري على: اصبر، طول بالك، أنت في طريقك الى قبض مبلغ مالي كبير، غدا، مفاجأة غير متوقعة، الأسابيع والشهور والسنوات القادمة تحمل إليك أخباراً سارة، لا تيأس فالخلاص قريب.. الخ
أحد الخبثاء أجرى استبيان عنونه: "المواطن السوري والأبراج في صحفنا الثلاث". خلص الى بعض النتائج الهامة من مثل: أن مشتري جرائدنا الثلاث لا يهمهم فيها الا صفحة الأبراج والكلمات المتقاطعة، كذلك يقول أحد الذين شملهم الاستبيان أنه ينفق الخمس ليرات – وهو ثمن الجريدة - مقابل أحلام وردية لا يبخل فيها القائمون على تلك الصحف.
كدّت أنسى مصيبتي بانقطاع التيار الكهربائي بالمصيبة التي أمامي والمتمثلة بالجرائد الثلاث القابعة أمامي، لولا صراخ جاري وشتائمه المتوالية حيث بدأ يفقد أعصابه سابا الكهرباء والتقنين والتيار وكافة التيارات الأخرى من قومية ودينية وماركسية. لحظات سادها هدوء قلق ثم صفعة قوية تناهى صوت ارتطامها بخدّ، لا أدري أهو خدّ زوجته أم أحد أولاده الصغار؟
الساعة تقترب من الثالثة ظهرا، مضى من الوقت على الانقطاع ساعتين وعيوني تراقب بين لحظة وأخرى أجنحة مروحتي المعلقة في السقف وفي سري أتضرع إليها أن تدور وتعاندني، تأبى الدوران.
الحرّ يسيطر على كل تلافيف دماغي، أمسكت سماعة الهاتف محاولا إفراغ شحنة الغضب التي تتملكني في "الموظف" الذي سيرد عليّ، لكن لا مجيب، الطنين المنبعث في أذني يضيف غضبا آخر، لا حياة لمن تنادي، الرقم مشغول، يبدو أن الشعب السوري بأجمعه الآن يتصل بمديريات الكهرباء في القطر.
أخبار الشرق - أحمد مولود الطيار / الرقة
غادر العالم بعضه منذ قرون وبعضه الآخر منذ عقود، العادة السيئة، انقطاع التيار الكهربائي، حتى أن دولا مثل دول الخليج العربي لا تعرف أجيالها الحالية ما معنى انقطاع التيار الكهربائي، على الرغم أن هذه الدول لا تمتلك من المصادر الطبيعية للطاقة شيئا يذكر مقارنة مع دولة كسورية.
يأبى أشاوسة النظام لدينا الإقلاع عن كل عاداتهم السيئة، مصرّين أن يضيفوا الى فاتورة هموم المواطن هماً ملازماً وأبداً الى جانب أعباء تكاد تقضي عليه. ولا عجب أبدا في ذلك فأنت تعيش في دولة الشعارات والقائد الأوحد والمعلم الرمز وال"سياسة " هي "سياسة ": لا يجوز ترك ذلك الكائن المسمى مواطن أن يتنفس طوال اليوم فيجب محاصرته في ال 24 ساعة حتى لا تترك له دقيقة واحدة يفكر فيها في أحوال الكون ولماذا تحول الى قرد "يتنطنط" طوال اليوم لكي يسد احتياجاته البيولوجية من طعام وشراب و...
ما هو برنامج المواطن السوري أثناء فترة انقطاع التيار الكهربائي؟
في الليل: بداهة، ستكمل سهرتك على فتيل الفانوس و"اللمبة" أو ضوء الشموع وفي حال عدم توفر أي من هذه الوسائل، لا بأس على ضوء القمر. وتبتغي سلطاتنا الكرتونية من جراء ذلك اعادة الخصوبة الى أرواحنا التي تشققت وكما هو معروف فان السهر على ضوء القمر يندّي أرواحنا ويخصب مخيلتنا وهذا قد يحيلنا الى عشاق أو شعراء أقحاح!!
أبشع فترة لانقطاع التيار العتيد، خاصة ونحن في صيف ملتهب، هي فترة الظهيرة. فساعات من الواحدة الى الرابعة أو الخامسة تحيلك من شاعر مرهف الحس الى قاتل مجنون، وعندما لا تجد ما "نفشش فيه خلقك" فانك تسبّ أمك وأبيك اللذان جاءا بك الى هذه ال سوريا..
إذا كنت عازبا مثلي ولا أحد يشاركك خلّوتك فانك ستتحول الى طرزان، أقصد من الثياب فقط (لا طرزانات في سوريا الا طرزانات النظام البطل) وستحاول قتلا لوقت يقتلك ممارسة رياضة المشي من الغرفة الى المطبخ الى المرحاض ذهابا وإيابا ألف مرة وفي كل دورة داخل المنزل تسب على الكهربا وأبو الكهربا وعلى أمك وأبيك وتلعن التقنين ثم تتذكر الحرامية الذين نهبوا البلد وخذ مسبات، ثم تحاول استعادة توازنك وتتكلم مع نفسك مخاطبها قائلا: طول بالك يا رجل، شنو صار؟ تكيف مع الجو، مع الواقع، هدي.. تجلس على أقرب أريكة، تأتي بالجرائد الثلاث أو " الأيقونات الثلاث " حسب تسمية صاحبي الخبيث والتي جلبتهن من المكتبة المجاورة. تمسك بالأولى وعلى الصفحة الأولى تقرأ ودع واستقبل وهنأ، الى الأسفل بقليل، كلاما لمسؤول كبير، واضح فيه الكذب، ويستدّل عليه من استدارة حروف القاف والفاء والزاي حيث يقول: ".. حقق البلد قفزات كبيرة في تطوره الاقتصادي ". ولا يكلّف مسؤولنا العتيد نفسه إثبات صحة ذلك وكيف يتطور الاقتصاد والكهرباء تنقطع باستمرار على معامل"هم " المُخسّرة أصلا ومنذ زمن بعيد.
ترمي بالصفحة الأولى على الأرض، ممسكا بالثالثة والرابعة، تقرأ: ".. أنجز عمالنا عملا طوعيا بمناسبة (...) محققين في ذلك وفرا كبيرا على الاقتصاد الوطني قدر بملايين الليرات السورية". طبعا الخبر لا يذكر الى جيوب من دخلت تلك الملايين!!
في صفحة الرياضة نقرأ عن خسارات متتالية لفرقنا الرياضية في دول مختلفة.
تمرّ أثناء قتلك للوقت بصفحة الأبراج، فتكتشف أن برجك اليوم قد انتقل مضمونه الى برج آخر. حيث أقرأ جميع الأبراج وأختار منها ما يناسبني، وللعلم فمصممي صفحة الأبراج في "الأيقونات الثلاث"، هم خبراء في علم النفس ومتخصصين لمخاطبة الشعب السوري البائس وجميع الأبراج تحثّ المواطن السوري على: اصبر، طول بالك، أنت في طريقك الى قبض مبلغ مالي كبير، غدا، مفاجأة غير متوقعة، الأسابيع والشهور والسنوات القادمة تحمل إليك أخباراً سارة، لا تيأس فالخلاص قريب.. الخ
أحد الخبثاء أجرى استبيان عنونه: "المواطن السوري والأبراج في صحفنا الثلاث". خلص الى بعض النتائج الهامة من مثل: أن مشتري جرائدنا الثلاث لا يهمهم فيها الا صفحة الأبراج والكلمات المتقاطعة، كذلك يقول أحد الذين شملهم الاستبيان أنه ينفق الخمس ليرات – وهو ثمن الجريدة - مقابل أحلام وردية لا يبخل فيها القائمون على تلك الصحف.
كدّت أنسى مصيبتي بانقطاع التيار الكهربائي بالمصيبة التي أمامي والمتمثلة بالجرائد الثلاث القابعة أمامي، لولا صراخ جاري وشتائمه المتوالية حيث بدأ يفقد أعصابه سابا الكهرباء والتقنين والتيار وكافة التيارات الأخرى من قومية ودينية وماركسية. لحظات سادها هدوء قلق ثم صفعة قوية تناهى صوت ارتطامها بخدّ، لا أدري أهو خدّ زوجته أم أحد أولاده الصغار؟
الساعة تقترب من الثالثة ظهرا، مضى من الوقت على الانقطاع ساعتين وعيوني تراقب بين لحظة وأخرى أجنحة مروحتي المعلقة في السقف وفي سري أتضرع إليها أن تدور وتعاندني، تأبى الدوران.
الحرّ يسيطر على كل تلافيف دماغي، أمسكت سماعة الهاتف محاولا إفراغ شحنة الغضب التي تتملكني في "الموظف" الذي سيرد عليّ، لكن لا مجيب، الطنين المنبعث في أذني يضيف غضبا آخر، لا حياة لمن تنادي، الرقم مشغول، يبدو أن الشعب السوري بأجمعه الآن يتصل بمديريات الكهرباء في القطر.
أخبار الشرق - أحمد مولود الطيار / الرقة