-
دخول

عرض كامل الموضوع : سورية البلد الأغنى للأبحاث الأثرية والسوريون ليس لديهم المقدرة على تغطيتها


الأندلسي
20/07/2007, 08:18
إذا كانت صناعة السيارات أهم أعمدة الاقتصاد الألماني فعلينا أن نعلم أن مؤسسة فولكسفاغن وبمساعدة فعالة ساهمت في تأسيس محطة دمشق التابعة لمعهد الآثار الألماني في برلين عام 1980. هذه المحطة التي يؤكد أهمية إحداثها الدكتور هيرمان بارتسينغر رئيس هذا المعهد بقوله :" تستند هذه الأهمية من ناحية على حقيقة أن الفضاء السوري يعتبر من المناطق الرئيسية في الشرق الأدنى، ومن ناحية أخرى فقد تقاطعت في هذه البلاد وفي كل الأزمنة تيارات من مناطق حضارية أخرى أعطت لسوريا وتاريخها الحضاري والأثري الطابع المميز".
26 سنة مرت على إحداث هذا المحطة التي أسسها ميخائيل ماينكه وقد وضعت نصب عينيها كما قالت مديرة محطة دمشق الحالية د. كارين بارتل في ذكرى مرور 25 عاماً على تأسيسها:" برنامج عمل تحتل فيه دراسة النصب التذكارية في الآثار الكلاسيكية والمراحل الإسلامية موقع الصدارة".
تصدت محطة دمشق من خلال باحثيها إلى مناطق مختلفة من سوريا في دمشق وتدمر وحلب وبصرى والرقة والرصافة وقنوات وحماة والعاصي والجزيرة بحيث غطت من خلال بحوثها الأثرية تقريباً جميع الفترات الزمنية من تاريخ سوريا.
في صباح باكر استقبلتني د. كارين بارتل في مكتبها وكانت أشعة الشمس التي تدخل من نافذتها تدعو للتفاؤل لاسيما بعد أن شهدتُ إزالة السوق العتيق من الوجود والذي يعود للعصر المملوكي ويشهد على حقبة من تاريخ دمشق وذاكرتها وكان عليّ أن أطرد الكرب الذي ألمّ بي وأن أوجه أسئلتي للسيدة التي منحتني من ثمين وقتها وانشغالها الشديد.
"يعكس علماء الآثار في أعمالهم المشتركة من التعاون في أغلب الأحيان ما يتوجب علينا على المستوى السياسي القيام به" هذه كلمات يوشكا فيشر وزير الخارجية الألماني الأسبق لم تفارقني بعد مرور عامين تقريباً على مؤتمر عُقد في دمشق دعمه الاتحاد الأوروبي لتأهيل وتدريب الكوادر السورية حيث استشهدتْ بها الألمانية فيليتسيا ماينرسن وهذه الكلمات دفعتني لأسأل د. بارتل مازالت السياسة الخارجية مَدينةٌ بالفضل لدور علماء الآثار فهل تتوقع أن يكون اليوم لهم دور في تطوير العلاقة بين بلدينا فتجيب:" بطبيعة الحال يأخذ الآثاريون صورة حقيقية عن البلد ويقيمون علاقات إيجابية مع السوريين لكن في النهاية يجب أن لا نتفاءل كثيراً بتأثيرهم لعددهم القليل"!!
وإذا كان العمل المشترك بين آثاريّ ألمانيا وسوريا لا يقتصر على إعادة هيكلة الحياة الغابرة واكتساب المعارف العلمية فقط بل يشجع وبشكل أساسي على الاحترام والتفاهم المتبادلين وبعد أن تؤكد السيدة بارتل متانة التعاون المشترك وتقول بأن جميع المشاريع بيننا تقوم عليه وفي سبيل تطويره تضيف:" حبذا لو كان تقييم النتائج المشتركة يتم بعد نهاية العمل والآن هناك سعي لهذا".
لم يدهشني حقاً أن مؤسسة فولكسفاغن قد ساهمت في تأسيس محطة دمشق لاسيما أن تاريخ ألمانيا يبدأ من العصور الوسطى وطالما أن ألمانيا تشكل بعد الولايات المتحدة واليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم وتعطي لكل من التعليم والبحث العلمي والتطوير المكانة الأهم كما تحتل المرتبة الأولى في أوروبا من حيث عدد براءات الاختراع وحصدت 16 جائزة نوبل في العلوم التطبيقية والطب لكن ما يحزّ في النفس أن الحضارة في سوريا نشأت منذ عرف الإنسان التفكير والإبداع وكما يعرف الجميع فإن آثار هذه الحضارة تغطي مساحة سوريا فمتى ينظر الاقتصاد بعين الاعتبار لها؟! د. بارتل تؤكد حين تقول:" في الحقيقة نعم ساهمت مؤسسة فولكسفاغن في إنشاء معهد الآثار الألماني بدمشق وكانت لمرة واحدة ونعتمد في تمويل مشاريعنا على الحكومة وأيضاً هناك دعم الاتحاد الأوروبي من خلال العمل في حماة وهناك تطور والعمل يختلف عما كان عليه قبل عشر سنوات".
سبق لي أن ذكرت أن أبحاث الآثاريين الألمان غطت كل الحقب في سوريا ووثقت مدناً ومواقعاً وهي بالتأكيد تغني مراكز الأبحاث في الجامعات الألمانية ولهذا أصبحت محطة دمشق الأبرز في المنطقة لكن أهمية هذه الأبحاث يفترض أن تولي اهتمامنا كسوريين وعن هذه الأهمية تقول د. كارين بارتل:" في كل مدة يتم التركيز على منطقة والأهمية تعود للاهتمام الشخصي للآثاريين في الإطلاع وأيضاً حرص الجانب السوري على دراسة هذه المواقع. إن معهد الآثار بدمشق يتبع سياسة المعهد المركزي في برلين وهناك حفريات ترعاها جامعات بشكل منفصل كما أن اختصاص الباحث يلعب دوراً أساسياً في اختيار المواقع وسوريا من البلاد القليلة التي يمتد تاريخها من فجر التاريخ إلى العهد العثماني كما أنه من المهم للبشرية أن تعرف ما جرى هنا"!!
ولأن سوريا متحف كوني استأنفت السؤال سريعاً كيف للبشرية أن تساهم فيه؟ تجيب الباحثة كارتل:" بالفعل سوريا البلد الأغنى للأبحاث الأثرية لهذا الجنسية لا تلعب دوراً وأي مشروع يتقدم به باحث ويلفت النظر لا يتردد السوريون بالموافقة عليه لكنهم ومن كثرة المشاريع يقولون ليس لدينا المقدرة على تغطية العمل"!!
أعادتني د. كارتل إلى نداءات الغيورين على آثارنا وعن المعضلة التي تهدد إرثنا الثقافي وهي الكادر وقوامه وعدده وتطويره و...ومن جهة أخرى جميع هذه الأبحاث التي تؤرخ لكل هذا الغنى الإنساني مازال قصياُ على إنساننا اليوم وبالتحديد على أطفال سوريا الذين تغيب عن لغتهم الأم حقيقة ثابتة وهي أن وطنهم له تاريخ يحفل به العالم لكن من واجب العالم وحكومتهم أن تعيد النظر بحقهم بمعرفة ما جرى على هذه الأرض والدكتورة بارتل تختتم بالقول:" لديك الحق بالسؤال فقد أدركنا مؤخراً ذلك وأصبح هناك سياسة للنشر باللغة العربية وجاءت الترجمة بناء على طلب من مديرية الآثار ووزارة الثقافة ونحن نطمح للمزيد في المستقبل".
غادرت السيدة بارتل وأشعة الشمس لا تزال تنهمر من نافذة المكتب وفي حقيبتي كتاب يعنون (دمشق، تطور وبنيان مدينة مشرقية إسلامية) تُرجم مؤخراً للغة العربية وقد طال انتظاره


وعد مهنا - كلنا شركاء