أبو عبسي
11/06/2005, 23:54
لم أكتب قصة عن فلاح أبداً, لكن عن أي فلاح أكتب؟
حنا الذي لم يكن فلاحاً بالمعنى الكامل للكلمة. الذي كان بيعيش في القرية يبذر في الشتاء ,ثم يخرج في الصيف للحصاد مع أمه التي لم تكن تنتعل حذاءً لا صيفاً و لا شتاءً, ثم يهيء مع الشباب ناراً و قدر ((السليقة)) لصنع البرغل..حنا الذي تعلم و نال ((البكالوريا)) فأخذوه رقيبا إلى الجيش ,ثم قتلوه في حرب تشرين. قالوا له انسحب .انتصرنا فانسحب.و لأنه كان فلاحا ًيابس الرأس ,لم بفهم كيف ذلك ,رفض تنفيذ الأوامر و مات..
عن من ؟ عن أبي زيد, ذي الشاربين الكثيفين إلى درجة تخيف الأطفال,و الذي كنت في صغري أعتقده أبا زيد الهلالي , حتى شرح لي أبي أنه ليس هو..
عن صالح الذي كان يبيع أرضه قطعةً فقطعة, دون أي صك رسمي, ليشتري عرقا و يسكر.مع أنه كان شيوعياً و يعلق في بيته,الذي لم تصله الكهرباء-كما مل القرية-صوراً لستالن و ماو ,و لينين و ماركس و ربما أنجلس ..و قد يكون أقنعه شاب , فأضاف صورة غبفارا.و لكنه ظل يبيع أرض العائلة بأرخص الأسعار ليسكر..
ز عن نورا الحولة-بمفهوم القرية- الشقراء, التي لا يدخل دبوس بين ساقيها كوصف هناط لفتنتها ,و التي تزوجت من عسكري مر من قريتها,و هو من غير دينها ,ففرت معه(( خطيفة)).
عن عيسى الذي لم يجد عنلا سوى أن يكتب تقاريراً , ومع أن سمك نظارته ,كان يفترض أل يسمح له حتى بكتابة اسمه.
عن شاعر الضيعة أبو سليم, الذي لا يترك عرساً, إلا و يمدح العروسين و أهلهما .حتى أن شابا ً قال مرة بأنه سمع هذه القصيدة منه في عرس سابق فاشتعل غضباً.
عن بيان, الذي كره الفلاحة و الزراعة, فهاجر, و لم نعد نعرف عنه إلا أنه تزوج هناك, ولم يمنحوه جنسية البلد الذي هو فيه.
أنا قاص ,و علي أن أكتب عن فلاحين ,فليس من المعقول أن أكتب دائما عني ,أو عن معتقلين ,أو مطاردين ,أو مثقفين بهموم خاصة ,أو سكان مدن ما ..لا يجوز..
سأمتب إذا عن عامر. عامرجاء من ريف الميادين. فلاح من وسط سوريا, تطوع في الشرطة قبل أن يبلغ الثامنة عشرة. و لأنه كان يتمتع بجسم قوي ,فرز للمخابرات..
ز عامر كان رجلاً لا يكل و لا يمل في تنفيذ الأمر: ((خذ فلانا للدولاب..))
--صحيح هل تعرفون ما معنى الدولاب؟-فياأخذه دون تمهل .فلان ((فلقة)),مائة ضربة على الأقل,فتزيد خوفا من أن تنقص.
عامر الذي كان يدخن ((الناعورة))التي كان ثمنها (65)فرشا, و الذي كان يخاف أن يمنح سجينا ً سيجارة و احدة, لأن ذلك يخالف التعليمات-فعلها مرة واحدة و أخذ عشرة ليرات من سجي مقابل سيجارة لا غير..-
عامر مرة وهو يضرب سجيناً, أحس به و هو يفقد الوعي,فلركض إلى مسؤوله الرقيب, وقال له:
- داخ..
هز الرقيب رأسه و هو يكمل لعب الورق,و قال له:
لا تخف ..هم داثماً يمثلون..
فاستأنف عامر المهمة بنشاط, حتى لم يعد يسمع لا صوت الرجل,ولا صراخه,ولا تنفسه..
هل أكتب عن عامر هذا..فلاح من الميادين..حلقوا له شعر رأسه على الصفر,لأنه لم بكتشف أن الرجل الذي كان يضربه ,وهو ينادي الرقيب لم يعد يتحرك أبداً. و الرقيب بعد أن أتى موقفاً لعبة الورق التي كان يقوم بها مع العناصر, ركض مباشرة نحو الهاتف و طلب الطبيب المناوب. و لما كان الوقت ليلاً جاء بدلاً عنه ممرض سمين,صرخ بهم:
-لعمى ..الرجل ميت منذ ساعتين..
-هل أحكي لكم عن فلاح من هذا النوع :عامر؟..نحن الذين كنا في الزنازين من أجل العمال و الفلاحين كما كنانعتقد..هل أحكي لكم عن عامر, أم الرقيب محمود الذي رآني في الباص فيما بعد في الباص, فأخفض بصره..اقتربت منه:
- رقيب محمود , أمسافرٌ إلى الضيغة؟
لم يحكِ.و هز رأسه:
و معك بندورة وخياركما يبدو..
هز رأسه.
- و لكن أعرف أن القرى تزرعها عادة,فلم تأخذها؟
- هل تحقق معي..؟
صرخ بي. ثم انتبه إلى أنني كنت موجوداً يوم حادث عامر,فهمس:
ز ماذا آخذ هدية معي؟
الرقيب محمود فلاح أيضا..و أنا فلاح بالأصل .. هكذا كان يقول لي والدي , الذي ولد هو نفسه في المدينة,و ابني استغرب يوم أخبرته أنه فلاح:
نحن من حوران يا بابا..
و ما هي حوران؟
ماذا أقول له؟ ثم ماذا أقول لكم أيضا؟ أنا لا أعرف فلاحين كثراً, و ليس لدي أجوبة كثيرة.و كان علي ألا أذكر لأبني أننا فلاحون..
لا فلاحون مهمون أعرفهم يمكن لي الآن أن أكتب عنهم..أنا الذي كنت أتحدث عن حزب العمال و الفلاحين. و أرجوكم, أرجوكم ألا تسألوني كذلك عن العنال, فأنالا أريد إلا أن أنام . و لا بد أنكم تعرفون عمالا-و ربما فلاحين- أفضل مني..على كل الساعة تتجاوز الساعة الآن الثالة و النصف ليلاً-ليلاً أم فجراُ- و لا أعرف لماذا أكتب هذه الأيام إلا في الليل؟ و لماذا قصصي من هذا النوع؟ أي بلا أجوبة؟ لماذا...
الأفضل على ما يبدو أن أكتفي بهؤلاء الفلاحين الذين أخبرتكم عنهم..الأفضل أن أفعل هذا ؟..هل أطفئ الضوء الآن؟.
جميل حتمل
باريس21/11/1993
حنا الذي لم يكن فلاحاً بالمعنى الكامل للكلمة. الذي كان بيعيش في القرية يبذر في الشتاء ,ثم يخرج في الصيف للحصاد مع أمه التي لم تكن تنتعل حذاءً لا صيفاً و لا شتاءً, ثم يهيء مع الشباب ناراً و قدر ((السليقة)) لصنع البرغل..حنا الذي تعلم و نال ((البكالوريا)) فأخذوه رقيبا إلى الجيش ,ثم قتلوه في حرب تشرين. قالوا له انسحب .انتصرنا فانسحب.و لأنه كان فلاحا ًيابس الرأس ,لم بفهم كيف ذلك ,رفض تنفيذ الأوامر و مات..
عن من ؟ عن أبي زيد, ذي الشاربين الكثيفين إلى درجة تخيف الأطفال,و الذي كنت في صغري أعتقده أبا زيد الهلالي , حتى شرح لي أبي أنه ليس هو..
عن صالح الذي كان يبيع أرضه قطعةً فقطعة, دون أي صك رسمي, ليشتري عرقا و يسكر.مع أنه كان شيوعياً و يعلق في بيته,الذي لم تصله الكهرباء-كما مل القرية-صوراً لستالن و ماو ,و لينين و ماركس و ربما أنجلس ..و قد يكون أقنعه شاب , فأضاف صورة غبفارا.و لكنه ظل يبيع أرض العائلة بأرخص الأسعار ليسكر..
ز عن نورا الحولة-بمفهوم القرية- الشقراء, التي لا يدخل دبوس بين ساقيها كوصف هناط لفتنتها ,و التي تزوجت من عسكري مر من قريتها,و هو من غير دينها ,ففرت معه(( خطيفة)).
عن عيسى الذي لم يجد عنلا سوى أن يكتب تقاريراً , ومع أن سمك نظارته ,كان يفترض أل يسمح له حتى بكتابة اسمه.
عن شاعر الضيعة أبو سليم, الذي لا يترك عرساً, إلا و يمدح العروسين و أهلهما .حتى أن شابا ً قال مرة بأنه سمع هذه القصيدة منه في عرس سابق فاشتعل غضباً.
عن بيان, الذي كره الفلاحة و الزراعة, فهاجر, و لم نعد نعرف عنه إلا أنه تزوج هناك, ولم يمنحوه جنسية البلد الذي هو فيه.
أنا قاص ,و علي أن أكتب عن فلاحين ,فليس من المعقول أن أكتب دائما عني ,أو عن معتقلين ,أو مطاردين ,أو مثقفين بهموم خاصة ,أو سكان مدن ما ..لا يجوز..
سأمتب إذا عن عامر. عامرجاء من ريف الميادين. فلاح من وسط سوريا, تطوع في الشرطة قبل أن يبلغ الثامنة عشرة. و لأنه كان يتمتع بجسم قوي ,فرز للمخابرات..
ز عامر كان رجلاً لا يكل و لا يمل في تنفيذ الأمر: ((خذ فلانا للدولاب..))
--صحيح هل تعرفون ما معنى الدولاب؟-فياأخذه دون تمهل .فلان ((فلقة)),مائة ضربة على الأقل,فتزيد خوفا من أن تنقص.
عامر الذي كان يدخن ((الناعورة))التي كان ثمنها (65)فرشا, و الذي كان يخاف أن يمنح سجينا ً سيجارة و احدة, لأن ذلك يخالف التعليمات-فعلها مرة واحدة و أخذ عشرة ليرات من سجي مقابل سيجارة لا غير..-
عامر مرة وهو يضرب سجيناً, أحس به و هو يفقد الوعي,فلركض إلى مسؤوله الرقيب, وقال له:
- داخ..
هز الرقيب رأسه و هو يكمل لعب الورق,و قال له:
لا تخف ..هم داثماً يمثلون..
فاستأنف عامر المهمة بنشاط, حتى لم يعد يسمع لا صوت الرجل,ولا صراخه,ولا تنفسه..
هل أكتب عن عامر هذا..فلاح من الميادين..حلقوا له شعر رأسه على الصفر,لأنه لم بكتشف أن الرجل الذي كان يضربه ,وهو ينادي الرقيب لم يعد يتحرك أبداً. و الرقيب بعد أن أتى موقفاً لعبة الورق التي كان يقوم بها مع العناصر, ركض مباشرة نحو الهاتف و طلب الطبيب المناوب. و لما كان الوقت ليلاً جاء بدلاً عنه ممرض سمين,صرخ بهم:
-لعمى ..الرجل ميت منذ ساعتين..
-هل أحكي لكم عن فلاح من هذا النوع :عامر؟..نحن الذين كنا في الزنازين من أجل العمال و الفلاحين كما كنانعتقد..هل أحكي لكم عن عامر, أم الرقيب محمود الذي رآني في الباص فيما بعد في الباص, فأخفض بصره..اقتربت منه:
- رقيب محمود , أمسافرٌ إلى الضيغة؟
لم يحكِ.و هز رأسه:
و معك بندورة وخياركما يبدو..
هز رأسه.
- و لكن أعرف أن القرى تزرعها عادة,فلم تأخذها؟
- هل تحقق معي..؟
صرخ بي. ثم انتبه إلى أنني كنت موجوداً يوم حادث عامر,فهمس:
ز ماذا آخذ هدية معي؟
الرقيب محمود فلاح أيضا..و أنا فلاح بالأصل .. هكذا كان يقول لي والدي , الذي ولد هو نفسه في المدينة,و ابني استغرب يوم أخبرته أنه فلاح:
نحن من حوران يا بابا..
و ما هي حوران؟
ماذا أقول له؟ ثم ماذا أقول لكم أيضا؟ أنا لا أعرف فلاحين كثراً, و ليس لدي أجوبة كثيرة.و كان علي ألا أذكر لأبني أننا فلاحون..
لا فلاحون مهمون أعرفهم يمكن لي الآن أن أكتب عنهم..أنا الذي كنت أتحدث عن حزب العمال و الفلاحين. و أرجوكم, أرجوكم ألا تسألوني كذلك عن العنال, فأنالا أريد إلا أن أنام . و لا بد أنكم تعرفون عمالا-و ربما فلاحين- أفضل مني..على كل الساعة تتجاوز الساعة الآن الثالة و النصف ليلاً-ليلاً أم فجراُ- و لا أعرف لماذا أكتب هذه الأيام إلا في الليل؟ و لماذا قصصي من هذا النوع؟ أي بلا أجوبة؟ لماذا...
الأفضل على ما يبدو أن أكتفي بهؤلاء الفلاحين الذين أخبرتكم عنهم..الأفضل أن أفعل هذا ؟..هل أطفئ الضوء الآن؟.
جميل حتمل
باريس21/11/1993