عاشق من فلسطين
13/06/2005, 12:55
سيريانيوز .. تنشر النص الكامل لتحقيق الواشنطن بوست الذي يشير الى تورط سورية في احداث العراق مقالات مترجمة
تم التنويه عن هذا المقال ( التحقيق ) المثير للجدل الذي نشرته صحيفة الواشنطن بوست وصحيفة الغارديان في نفس اليوم ، وهو يتحدث عن اتهامات خطيرة لسورية حول دورها في الأحداث الدامية التي تشهدها العراق ، وقد انتقد المراقبين أن تقوم صحيفتين عالميتين بتبني مثل هذه القصص ،
وإعطائها أهمية كبيرة من خلال نشرها على صفحاتها الأولى ، بينما كل المعلومات الواردة تستند إلى شهادة شخص غير معلوم وقد يكون وهميا ..
النص الكامل
من هنا حتى الخلود
المتمردون الإسلاميون حولوا عراق ما بعد الحرب إلى جهاد ليس له نهاية، وهم ما زالوا يتدفقون على البلاد لكي يحاربوا "الشيطان الأمريكي". على الطريق إلى العراق يمر الكثير منهم عبر سوريا. قام غيث عبد الأحد بزيارة إلى مدينة حلب القديمة ليستمع إلى قصة أحد الجهاديين.
حلب, سوريا: عشرة أخوة كانوا يجلسون في ساحة دارهم في واحد من أزقة حلب العديدة, وبحوزتهم كيس بلاستيكي مليء بقصاصات الأوراق التي أجروا من خلالها القرعة. خمسة منهم كانوا سيبقون في سوريا ليعتنوا بعائلات الباقين، أما الآخرون, أي الخمسة الفائزون, فسيحظون بالجائزة التي لا تقدر بثمن والتي هي رحلة جهاد إلى العراق. كان هذا في آذار 2003, وكان الأمريكان قد بدؤوا للتو قصفهم على بغداد. المئات من الشبان، مثل هؤلاء الأخوة العشرة كانوا يسلكون طريقهم بتوق شديد وضمن حافلات مزدحمة نحو الحدود العراقية. أغلبهم كانوا سوريين، إلى جانب العديد أيضا من الدول العربية والإسلامية الأخرى، وكانوا جميعا مدفوعين بالحماسة التي شحنتها دعوة علماء الإسلام للجهاد.
بدأت جميع المناطق المجاورة لحلب بإرسال الحافلات المحملة بالمجاهدين إلى العراق, أما "هؤلاء الغير قادرين على الذهاب, فعليهم دعم الجهاد من خلال دفع الأموال" حسب ما قاله أبو إبراهيم ثاني أكبر الإخوة العشرة, واصفاً الأيام الأولى للحرب.
يقول أبو إبراهيم أن الدعوة للجهاد كانت بتشجيع من قبل الحكومة السورية, التي قد تدبرت أمر الحافلات لنقل المقاتلين, كما سرّعت في إصدار الوثائق الرسمية, بل حتى أنها منحت تخفيضات على ضرائب جوازات السفر للمجاهدين المستقبليين. وبنفس الوقت كان الإعلام السوري يقرع الطبول من أجل الجهاد, ( علماً أن الولايات المتحدة كررت مراراً اتهامها لسورية لتورطها في الإرهاب في العراق, في حين أن نفت الحكومة السورية ذلك وبشدة).
وكشاهد عيان يذكر موظف الحدود السورية التلويح توديع حافلات المجاهدين عند عبورهم للعراق.
الجميع في سوريا كانوا متحفزين لمقاومة الغزو الأمريكي في العراق المجاور، بدءاً من المفتي الأكبر في سوريا, الرجل المعروف بتسامحه الديني لأكثر من 50 سنة, ولكنه مع ذلك أصدر فتوى بمشروعية التفجير الانتحاري قبيل اندلاع الحرب في العراق، انتهاء بصبي مسيحي من دمشق يبلغ من العمر16 عام كان قد تطوع للجهاد جنبا إلى جنب مع المتطرفين من المسلمين في العراق كما يذكر أبو إبراهيم.
أبو إبراهيم، أكثر المتطرفين في عائلته، لم يكن أحد الإخوة الخمسة الذين حالفهم الحظ, واضطر بالتالي إلى البقاء في سورية, الأمر الذي لم يلائم زوجته البدوية. "اتهمتني زوجتي بأنني جبان, كما واتهمتني بأنني سعيد لكوني لم أضطر إلى الذهاب".
ولكن بعد شهرين من ذلك, عبر أبو إبراهيم بصحبة مجموعة من المجاهدين السوريين والسعوديين, الذين وصل مجموعهم إلى 50 مقاتلاً, الحدود إلى العراق في المرحلة التي كانت فيها حركة التمرد قد بلغت ذروتها.
يقول أبو إبراهيم الآن, أنه قد عاد إلى سوريا بعد أشهر قليلة من ذلك بصحبة ثلاثة آخرين هم الوحيدين من الجماعة الذين بقوا على قيد الحياة.
بعد سنتين من دعم سوريا لمقاومة الجيوش الأمريكية في العراق, ادعت الحكومة أنها قامت باتخاذ إجراءات صارمة ضد الشبكات الإسلامية والتحركات عبر الحدود, لكن هذه الادعاءات كانت أقل بكثير من المتوقع. عزا المحللون الإقليميون هذا الوضع إلى عاملين مختلفين: الأول هو أن سوريا محكومة من قبل أجهزة أمنية عديدة وفي بعض الأحيان متنافسة, والتي غالباً ما تعمل بطريقة مستقلة ظاهرياً, بحسب قيادة وجدول أعمال كل منها.
أما السبب الثاني هو أنه في الوقت الذي قلل فيه السوريون وبشكل كبير، على الأقل على المستوى الشعبي، الدعم للمتمردين العراقيين ووضعوا المئات منهم في السجن, فإنهم كانوا سعداء لإبقاء شبكة الجهاد حية تحسباً لليوم الذي قد يحتاجونها فيه مجدداً.
ولد أبو إبراهيم عام 1973 في قرية متاخمة للحدود التركية شمالي حلب. وكان والده من الصوفيين، وهي طائفة إسلامية ذات مذهب روحي, ومرفوضة من قبل المسلمين المغالين في التحفظ. لكن أبا إبراهيم لم يشارك والده وجهة النظر المتسامحة هذه أبدا, ويقول " لقد ولدت لأكون سلفيا" مشيرا إلى مدرسة سنية متشددة في الإسلام تعرف أيضا باسم الوهابية. ويضيف "حتى عندما كنت صبيا في العاشرة من عمري, رفضت مصافحة الشيوخ الصوفيين الذين كانوا يزورون والدي".
وجه أبي إبراهيم المحفور بأخاديد الزمن الذي أمضاه في السجون السورية والسعودية يجعله يبدو أكبر من سنه, ولديه لحية قصيرة وغير مشذبة, أما لحيته الأطول فقد كانت قد حلقت على أكملها من قبل موظف أمني في أحد المعتقلات. (محادثتي هذه مع أبو إبراهيم قد أجريت ضمن مراقبة شديدة من قبل أجهزة الأمن السورية). وهو قصير وضعيف البنية لكنه يقول أنه يستطيع مقاتلة خمسة رجال بمفرده, ويكرر على الدوام أن العزة والشرف هم أهم ما في الدنيا.
وأبو إبراهيم ساخط على الإمبريالية الأمريكية, ومهان بسبب فلسطين, ورافض للنظام العلماني السوري. وهو غاضب كحال العديد من الشبان العرب, وكالعديد من أبناء جيله فقد كبر ليرى الحرب المقدسة للجهاد والتي شنها أسامة بن لادن كحل وحيد للخلاص من الخطيئة.
هدف أبو إبراهيم هو إعادة إنشاء الخلافة الإسلامية. وهو يرى حكم طالبان في أفغانستان كواحدة من قلائل الحكومات الإسلامية الحقيقية منذ زمن النبي. ويعتقد أن القرآن هو" دستور وقانون لحكم العالم ". آراؤه صارمة, ومحددة بدقة, كما أنها غير علمية. ولكن من المهم جدا فهم غضبه ومتناقضاته, لأن تفكيره قريب جداً من تنظيم القاعدة وبالحديث معه نكون أقرب ما يمكن إلى هذا التنظيم.
في عمر الثانية والعشرين غذّت جماعة من السلفيين المتزمتين أفكاره الثائرة ضد صوفية والده, وقد انتشرت هذه الجماعة في القرى المحيطة بحلب, في قلب الأرض السنية الإسلامية.
" لقد قابلت مجموعة من الشبان في عائلة زوجتي, وقد تحدثوا إليّ بكلمات الإسلام الحق: لقد أخبروني أن الصوفية كانت محرمة, وأن الشيعة كفرة".
بعد سنة من ذلك قرر الذهاب إلى السعودية مصطحبا معه بعض المنسوجات الحلبية الشهيرة من مشغل عائلته ليتاجر بها في الرياض. وسنواته السبع في الرياض كانت سنوات مزدهرة, ففي ذلك الوقت كان يرسل إلى دياره 12000دولار شهريا, وبدأ في فترة وجوده هناك بمقابلة شبان آخرين درس معهم القرآن. ويقول "لقد زودنا الله به" ويضيف " لقد منعونا من الخطب على الملأ, وقد قرأنا أمهات الكتب ومن ثم بدأنا نعرف الحقيقة. وكل شيء كان ينجز في منازل الأفراد الخاصة".
كان الشبان السعوديين, كما يعتقد, مثقفين وفصيحين ويملكون ما اعتبره الفهم الأفضل للحقيقة, ولكنه رأى أيضا أنهم يملكون النقود والوسائل ليضعوا ما كانوا يتحدثون عنه في حيز التجربة العملية. "عندما ذهبوا ليقاتلوا في أفغانستان, حصلوا على راتب من الحكومة, وكان لديهم أيضا الموارد ليحاربوا في الشيشان, البلقان, والآن في العراق".
في عام 1999 كان أبو القعقاع, وهو شيخ سوري صاحب شخصية جذابة (كاريزمية) يلقي في حلب مواعظ ملتهبة عن آراء متطرفة من الإسلام, سمع أبو إبراهيم في السعودية عن هذا الشيخ، الذي يرتدي ملابس المجاهدين كتذكار عن الأيام التي قضاها مع المجاهدين العرب في أفغانستان، وتأثر به جداً. "لقد كنا وهابيين وكان أبو القعقاع يتحدث عما كنا نؤمن به. هناك كان يقول هذه الأشياء: يا أيها الملتحون تجمعوا. لقد كنت شديد التأثر".
وبعودته إلى حلب أصبح اليد اليمنى لأبي القعقاع. وكان أبو إبراهيم في الفترة التي قضاها في السعودية, قد خضع إلى تدريبات في منتجة الفيديو والتصوير الرقمي في شركة إنتاج سعودية خاصة متخصصة في نشر دعوة إسلامية متزمتة. أما في حلب فأصبح يساعد في طبع ونسخ مواعظ أبي القعقاع وتوزيع الأقراص المضغوطة. وكانوا يسافرون إلى دمشق ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية معاً.
وبحلول العام 2001 كان أبو القعقاع قد جذب حوالي الألف شاب إلى قضيته, على الرغم من أن كل شيء في هذه الفترة كان سراً وفي الخفاء. " لا أحد علم بنا, ولكن 11 أيلول منحنا التغطية الإعلامية, لقد كان يوماً عظيماً هزمت فيه أمريكا. وقد علمنا أنهم كانوا سيستهدفون إما سوريا أو العراق, وأخذنا على أنفسنا عهدا بأنه إذا حدث شيء لأي من الدولتين فسوف نحارب فيها."
وبعد أسبوعين من أحداث الحادي عشر من أيلول قرروا إقامة احتفال, وسموه "مهرجان أمريكا الذئب المجروح". وقد صنعوا شريط فيديو لمواد فنية للقتال, متضمنة قتال الشوارع, وتدريبات التمرين التي قفزوا خلالها فوق حائط ارتفاعه ثمانية أمتار. وخلال هذه الفترة كان أبو القعقاع قد اعتقل من قبل السلطات السورية, إلا أنه تم الإفراج عنه خلال ساعات. ويتذكر أبو إبراهيم " قلنا لأنفسنا يالقوة شيخنا حتى أنهم لم يمسونا, لقد كنا جد أغبياء".
وبحلول عام 2002 كانوا ينظمون " مهرجان" مناهضي أمريكا مرتين في الأسبوع, وكان الطعام وأقراص المواعظ المضغوطة توزع مجاناً, وأصبحت الجماعة التي تطلق على نفسها الآن اسم "غرباء الشام" أكثر شعبية. كما وأطلق على أحد هذه المهرجانات شعار " سوف يقهر شعب الشام اليهود ويقتلهم جميعا".
" اعتاد المسئولون الرسميون, ورئيس شعبة الأمن, ومستشار الرئيس, المجيء إلى هذه الاحتفالات. وقد كان لدينا أعلام فلسطينية, ولافتات كتب عليها "فلتسقط أمريكا". لقد كانت المهرجانات منظمة بشكل رائع, وقد حاولنا الهام الشبان وتشجيعهم. وحتى أنه كان لدينا موقع الكتروني".
ازداد عدد أفراد المجموعة وأصبحت أقوى, ووصلت أقراصها المضغوطة إلى الدول العربية الأخرى وسمع بها الجميع, وجاء الشبان من الرمادي, وصلاح الدين, الموصل ومحافظات أخرى في العراق, جاؤوا جميعا للبحث عنها. وفي نفس الوقت بدأت الأموال تتدفق من المملكة العربية السعودية ومن دول الخليج الأخرى.
كان أبو إبراهيم وأصدقاؤه عنيفين, وشكلوا كتيبة حول أبي القعقاع, لقد كانوا يشنون حملات على البيوت ويرمون بأصحابها خارجا من أسرتهم في حال سمعوا أنهم قد قالوا أي شيء سيئ عنه. يقول أبو إبراهيم " لقد كنا تماما كالأمن (أجهزة أمن الدولة)، وكان الجميع يعرفنا, لدينا جميعا لحى طويلة, وقد أصبحنا سفاحين".
ولكنهم شيئا فشيء بدؤوا يشتبهون بأن شيخهم ماهو إلا أداة بأيدي أمن الدولة وانه منذ زمن طويل وهو عميل لديهم. "سألنا شيخنا أنه في الثمانينات قتل الآلاف من المسلمين في سوريا لأسباب أقل من الذي نقوله, فلماذا لم نعتقل حتى الآن؟ فما كان منه إلا أن أخبرنا أننا لم نكن نأتي بأي شيء ضد الحكومة, حيث أننا كنا نركز على العدو المشترك أمريكا وإسرائيل".
ولكن شكهم ازداد عندما اكتشفوا أن شيخهم كان قد زود أمن الدولة بقائمة بأسماء جميع الوهابيين في سوريا. وبدؤوا التملص منه, وكانوا يفكرون بأخذ ثأرهم عندما غزت أمريكا العراق.
ومع بداية الحرب على العراق استعر الجهاد, وانطلقت الحافلات المحملة بالمجاهدين. واعتبرتهم حكومة صدام منّة من الجنة، كما روج الأمريكان وبشدة، وأطلقوا عليهم اسم فدائيي صدام العرب, وقدموا إليهم الأسلحة والتدريبات الرئيسية. ولكن القصص التي رجع بها السوريون إلى الديار بعد سقوط بغداد كانت في غاية السوء. فغالبا ما صوب العراقيون عليهم, أو دفعوا بهم إلى الأمريكان.
يقول أبو إبراهيم الذي كان لديه مجموعته من المجاهدين والذي ساهم وبشكل فعال بنقل الأفراد عبر الحدود خلال تلك الفترة, يقول أن العراقيين الذين كان يتواصل معهم " طلبوا منا التوقف عن إرسال الأفراد, وقالوا أن الشيعة والأمريكان في كل مكان, وأنه ليس بالامكان فعل أي شيء". وبحسب أبو إبراهيم ومصادر أخرى من المتمردين, فان الغزو الأمريكي السريع لبغداد, وانهيار الجيش العراقي, صدما القادة الدينيين, وبدأ النقاش فيما إذا عليهم أن يبدؤوا بالجهاد ضد الأمريكان أم العمل فقط لإرجاع صدام إلى السلطة, الأمر الذي كان بالنسبة للمسلمين بنفس درجة سوء الاحتلال الأمريكي.
ولكن السلطات السورية لم ترد إيقاف تدفق المقاتلين عبر الحدود, وأقنعهم الأمن في الاستمرار في إرسال الأفراد.
وسأل أبو إبراهيم " لماذا كانوا متحمسين جدا لذهابنا للقتال في العراق, هل من أجل أن نقتل هناك؟ "
وفي صيف 2003 بدأ المتمردون في العراق بتنظيم أنفسهم, وبالتالي كان هناك دعوات لاستجلاب عدد أكبر من الرجال, لقد كان هنالك أماكن للمكوث, وشبكة من الطرقات, وأسلحة, كما أمّنت البيوت الآمنة." لقد عقدنا اجتماعات خاصة للمهربين العراقيين, الذين ما كانوا ليقوموا بالرحلات في حال كان عددنا أقل من 15 مقاتلا, كان علينا القيادة حتى نجتاز الحدود ومن ثم داخل القرى من الجانب العراقي, ومن هناك سيأخذ الوسطاء العراقيون المجاهدين إلى معسكرات التدريب". ويقول أبو إبراهيم أن المجندين السوريين ما كانوا عادة يخضعون لهذه التدريبات التي كانت في معظمها للآخرين، حيث أن كل شاب سوري يخضع لسنتين من الخدمة الإلزامية، لذا كان أغلب الذين هم بحاجة للتدريب من السعوديين.
وكان العراقيون الذين يعملون على شكل خلايا, هم الذين يقودون وينظمون الكتل الرئيسية من المتمردين, وغالبا دون أي تنسيق. وركزوا بشكل رئيسي على الكمائن وعلى هجمات أجهزة الانفجار المرتجلة. " عمل إخواننا في العراق ضمن مجموعات صغيرة, وفي كل منطقة كان الرجال يتجمعون معا وينظمون من قبل القادة الدينيين أو شيوخ القبائل لمهاجمة الأمريكان, وغالبا ما كنا نحن من يجمعهم سوية, عندما كنا نلتقي بهم في سوريا أو العراق. كنا نخبرهم أنه هنالك أخوة يأتون بنفس الصنيع فلماذا لا تتعاونون معهم؟ " وهكذا أصبحت سوريا هي المحور.
كان الشبان يحاربون بكل حمية وحماسة، وكان هناك رجال من السعودية وسوريا والعراق لكن لم يكن هناك أحد ممن حاربوا من أجل صدام. يقول أبو ابراهيم: الرجل الذي كان يقود كل هذا في معظم الأوقات كان الزرقاوي".
ظهور أبي مصعب الزرقاوي كان أكبر تطور بالنسبة للمتمردين، خاصة بعد أن اعتمده أسامة بن لادن العام الماضي. بعد ذلك قام الزرقاوي، وهو إسلامي متطرف ولد في الأردن، بتغيير اسم مجموعته إلى "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" وبدأت الأموال تتدفق عليه من السعودية. في العراق وضعت العديد من الفصائل المختلفة نفسها تحت إمرة الزرقاوي وتم إنشاء صندوق مالي مشترك للجهاد سمي "بيت المال".
"قبل ستة أشهر كان الزرقاوي وأسامة بن لادن مختلفين: أسامة لم يشرعن قتل الشيعة، أما الزرقاوي ففعل ذلك. قبل ستة أشهر أعطى الزرقاوي البيعة لبن لادن، وهكذ فإن أي شخص، سواء مسيحي أو يهودي أو سني أو شيعي يتعاون مع الأمريكيين يمكن قتله. إنها حرب مقدسة".
(يذكر أن حوارنا هذا دار قبل الإعلان عن إصابة الزرقاوي في الرمادي الشهر الماضي).
بحلول كانون الثاني 2004 أصبحت سوريا تتعرض لضغوط شديدة من قبل الولايات المتحدة لإيقاف تدفق الجهاديين إلى العراق، ولذلك تم استدعاء قادة الخلايا الجهادية في سوريا إلى الأمن وأبلغوا أنه لم يعد باستطاعتهم الاستمرار، وتمت مصادرة جوازات السفر والبعض منهم تعرضوا للاعتقال لبضعة أيام.
ومع ذلك فإن هذا العمل لم يعط تأثيراً كبيراً في إيقاف العنف، ووفقاً لما قاله أبو ابراهيم فإن المتمردين في العراق ليسوا في الوقت الحالي في حاجة إلى المقاتلين وإنما إلى الأموال، وهي عادة ترد من طرف الشبان السعوديين الأكثر ثراء.
"إخواننا في العراق يطلبون السعوديين، لأن السعوديين يأتون ومعهم أموال كافية لدعم أنفسهم وإخوانهم العراقيين. قبل أسبوع أرسلنا سعودياً إلى الجهاد وكان معه مئة ألف ريال سعودي، واحتفل به الإخوان هناك!".
قبل أربعة أسابيع أطلقت القوات الأمريكية في العراق عملية داخل الحدود العراقية السورية بهدف قطع الطريق على المقاتلين الأجانب، وادعى الجيش الأمريكي أنه قتل 100 من المقاتلين. لم يشعر أبو ابراهيم بأي حرج لدى سماع الخبر وقال: "يعتقدون أن الجهاد سوف يتوقف إذا قتلوا المئات منا في العراق، لكنهم لا يعلمون ما الذي يواجههم. في كل يوم هناك المزيد والمزيد من الشابن من جميع أنحاء العالم الإسلامي ينهضون ويأتون إلى الجهاد. الآن يواجه الأمريكيون الآلاف لكنهم في يوم ما قريباً سوف يضطرون لمواجهة جميع الأمم".
واشنطن بوست - الغارديان
الأربعاء 8 حزيران,2005
بقلم غيث عبد الأحد
ترجمة ماريا خالد- ناديا عطار
سيريانيوز
تم التنويه عن هذا المقال ( التحقيق ) المثير للجدل الذي نشرته صحيفة الواشنطن بوست وصحيفة الغارديان في نفس اليوم ، وهو يتحدث عن اتهامات خطيرة لسورية حول دورها في الأحداث الدامية التي تشهدها العراق ، وقد انتقد المراقبين أن تقوم صحيفتين عالميتين بتبني مثل هذه القصص ،
وإعطائها أهمية كبيرة من خلال نشرها على صفحاتها الأولى ، بينما كل المعلومات الواردة تستند إلى شهادة شخص غير معلوم وقد يكون وهميا ..
النص الكامل
من هنا حتى الخلود
المتمردون الإسلاميون حولوا عراق ما بعد الحرب إلى جهاد ليس له نهاية، وهم ما زالوا يتدفقون على البلاد لكي يحاربوا "الشيطان الأمريكي". على الطريق إلى العراق يمر الكثير منهم عبر سوريا. قام غيث عبد الأحد بزيارة إلى مدينة حلب القديمة ليستمع إلى قصة أحد الجهاديين.
حلب, سوريا: عشرة أخوة كانوا يجلسون في ساحة دارهم في واحد من أزقة حلب العديدة, وبحوزتهم كيس بلاستيكي مليء بقصاصات الأوراق التي أجروا من خلالها القرعة. خمسة منهم كانوا سيبقون في سوريا ليعتنوا بعائلات الباقين، أما الآخرون, أي الخمسة الفائزون, فسيحظون بالجائزة التي لا تقدر بثمن والتي هي رحلة جهاد إلى العراق. كان هذا في آذار 2003, وكان الأمريكان قد بدؤوا للتو قصفهم على بغداد. المئات من الشبان، مثل هؤلاء الأخوة العشرة كانوا يسلكون طريقهم بتوق شديد وضمن حافلات مزدحمة نحو الحدود العراقية. أغلبهم كانوا سوريين، إلى جانب العديد أيضا من الدول العربية والإسلامية الأخرى، وكانوا جميعا مدفوعين بالحماسة التي شحنتها دعوة علماء الإسلام للجهاد.
بدأت جميع المناطق المجاورة لحلب بإرسال الحافلات المحملة بالمجاهدين إلى العراق, أما "هؤلاء الغير قادرين على الذهاب, فعليهم دعم الجهاد من خلال دفع الأموال" حسب ما قاله أبو إبراهيم ثاني أكبر الإخوة العشرة, واصفاً الأيام الأولى للحرب.
يقول أبو إبراهيم أن الدعوة للجهاد كانت بتشجيع من قبل الحكومة السورية, التي قد تدبرت أمر الحافلات لنقل المقاتلين, كما سرّعت في إصدار الوثائق الرسمية, بل حتى أنها منحت تخفيضات على ضرائب جوازات السفر للمجاهدين المستقبليين. وبنفس الوقت كان الإعلام السوري يقرع الطبول من أجل الجهاد, ( علماً أن الولايات المتحدة كررت مراراً اتهامها لسورية لتورطها في الإرهاب في العراق, في حين أن نفت الحكومة السورية ذلك وبشدة).
وكشاهد عيان يذكر موظف الحدود السورية التلويح توديع حافلات المجاهدين عند عبورهم للعراق.
الجميع في سوريا كانوا متحفزين لمقاومة الغزو الأمريكي في العراق المجاور، بدءاً من المفتي الأكبر في سوريا, الرجل المعروف بتسامحه الديني لأكثر من 50 سنة, ولكنه مع ذلك أصدر فتوى بمشروعية التفجير الانتحاري قبيل اندلاع الحرب في العراق، انتهاء بصبي مسيحي من دمشق يبلغ من العمر16 عام كان قد تطوع للجهاد جنبا إلى جنب مع المتطرفين من المسلمين في العراق كما يذكر أبو إبراهيم.
أبو إبراهيم، أكثر المتطرفين في عائلته، لم يكن أحد الإخوة الخمسة الذين حالفهم الحظ, واضطر بالتالي إلى البقاء في سورية, الأمر الذي لم يلائم زوجته البدوية. "اتهمتني زوجتي بأنني جبان, كما واتهمتني بأنني سعيد لكوني لم أضطر إلى الذهاب".
ولكن بعد شهرين من ذلك, عبر أبو إبراهيم بصحبة مجموعة من المجاهدين السوريين والسعوديين, الذين وصل مجموعهم إلى 50 مقاتلاً, الحدود إلى العراق في المرحلة التي كانت فيها حركة التمرد قد بلغت ذروتها.
يقول أبو إبراهيم الآن, أنه قد عاد إلى سوريا بعد أشهر قليلة من ذلك بصحبة ثلاثة آخرين هم الوحيدين من الجماعة الذين بقوا على قيد الحياة.
بعد سنتين من دعم سوريا لمقاومة الجيوش الأمريكية في العراق, ادعت الحكومة أنها قامت باتخاذ إجراءات صارمة ضد الشبكات الإسلامية والتحركات عبر الحدود, لكن هذه الادعاءات كانت أقل بكثير من المتوقع. عزا المحللون الإقليميون هذا الوضع إلى عاملين مختلفين: الأول هو أن سوريا محكومة من قبل أجهزة أمنية عديدة وفي بعض الأحيان متنافسة, والتي غالباً ما تعمل بطريقة مستقلة ظاهرياً, بحسب قيادة وجدول أعمال كل منها.
أما السبب الثاني هو أنه في الوقت الذي قلل فيه السوريون وبشكل كبير، على الأقل على المستوى الشعبي، الدعم للمتمردين العراقيين ووضعوا المئات منهم في السجن, فإنهم كانوا سعداء لإبقاء شبكة الجهاد حية تحسباً لليوم الذي قد يحتاجونها فيه مجدداً.
ولد أبو إبراهيم عام 1973 في قرية متاخمة للحدود التركية شمالي حلب. وكان والده من الصوفيين، وهي طائفة إسلامية ذات مذهب روحي, ومرفوضة من قبل المسلمين المغالين في التحفظ. لكن أبا إبراهيم لم يشارك والده وجهة النظر المتسامحة هذه أبدا, ويقول " لقد ولدت لأكون سلفيا" مشيرا إلى مدرسة سنية متشددة في الإسلام تعرف أيضا باسم الوهابية. ويضيف "حتى عندما كنت صبيا في العاشرة من عمري, رفضت مصافحة الشيوخ الصوفيين الذين كانوا يزورون والدي".
وجه أبي إبراهيم المحفور بأخاديد الزمن الذي أمضاه في السجون السورية والسعودية يجعله يبدو أكبر من سنه, ولديه لحية قصيرة وغير مشذبة, أما لحيته الأطول فقد كانت قد حلقت على أكملها من قبل موظف أمني في أحد المعتقلات. (محادثتي هذه مع أبو إبراهيم قد أجريت ضمن مراقبة شديدة من قبل أجهزة الأمن السورية). وهو قصير وضعيف البنية لكنه يقول أنه يستطيع مقاتلة خمسة رجال بمفرده, ويكرر على الدوام أن العزة والشرف هم أهم ما في الدنيا.
وأبو إبراهيم ساخط على الإمبريالية الأمريكية, ومهان بسبب فلسطين, ورافض للنظام العلماني السوري. وهو غاضب كحال العديد من الشبان العرب, وكالعديد من أبناء جيله فقد كبر ليرى الحرب المقدسة للجهاد والتي شنها أسامة بن لادن كحل وحيد للخلاص من الخطيئة.
هدف أبو إبراهيم هو إعادة إنشاء الخلافة الإسلامية. وهو يرى حكم طالبان في أفغانستان كواحدة من قلائل الحكومات الإسلامية الحقيقية منذ زمن النبي. ويعتقد أن القرآن هو" دستور وقانون لحكم العالم ". آراؤه صارمة, ومحددة بدقة, كما أنها غير علمية. ولكن من المهم جدا فهم غضبه ومتناقضاته, لأن تفكيره قريب جداً من تنظيم القاعدة وبالحديث معه نكون أقرب ما يمكن إلى هذا التنظيم.
في عمر الثانية والعشرين غذّت جماعة من السلفيين المتزمتين أفكاره الثائرة ضد صوفية والده, وقد انتشرت هذه الجماعة في القرى المحيطة بحلب, في قلب الأرض السنية الإسلامية.
" لقد قابلت مجموعة من الشبان في عائلة زوجتي, وقد تحدثوا إليّ بكلمات الإسلام الحق: لقد أخبروني أن الصوفية كانت محرمة, وأن الشيعة كفرة".
بعد سنة من ذلك قرر الذهاب إلى السعودية مصطحبا معه بعض المنسوجات الحلبية الشهيرة من مشغل عائلته ليتاجر بها في الرياض. وسنواته السبع في الرياض كانت سنوات مزدهرة, ففي ذلك الوقت كان يرسل إلى دياره 12000دولار شهريا, وبدأ في فترة وجوده هناك بمقابلة شبان آخرين درس معهم القرآن. ويقول "لقد زودنا الله به" ويضيف " لقد منعونا من الخطب على الملأ, وقد قرأنا أمهات الكتب ومن ثم بدأنا نعرف الحقيقة. وكل شيء كان ينجز في منازل الأفراد الخاصة".
كان الشبان السعوديين, كما يعتقد, مثقفين وفصيحين ويملكون ما اعتبره الفهم الأفضل للحقيقة, ولكنه رأى أيضا أنهم يملكون النقود والوسائل ليضعوا ما كانوا يتحدثون عنه في حيز التجربة العملية. "عندما ذهبوا ليقاتلوا في أفغانستان, حصلوا على راتب من الحكومة, وكان لديهم أيضا الموارد ليحاربوا في الشيشان, البلقان, والآن في العراق".
في عام 1999 كان أبو القعقاع, وهو شيخ سوري صاحب شخصية جذابة (كاريزمية) يلقي في حلب مواعظ ملتهبة عن آراء متطرفة من الإسلام, سمع أبو إبراهيم في السعودية عن هذا الشيخ، الذي يرتدي ملابس المجاهدين كتذكار عن الأيام التي قضاها مع المجاهدين العرب في أفغانستان، وتأثر به جداً. "لقد كنا وهابيين وكان أبو القعقاع يتحدث عما كنا نؤمن به. هناك كان يقول هذه الأشياء: يا أيها الملتحون تجمعوا. لقد كنت شديد التأثر".
وبعودته إلى حلب أصبح اليد اليمنى لأبي القعقاع. وكان أبو إبراهيم في الفترة التي قضاها في السعودية, قد خضع إلى تدريبات في منتجة الفيديو والتصوير الرقمي في شركة إنتاج سعودية خاصة متخصصة في نشر دعوة إسلامية متزمتة. أما في حلب فأصبح يساعد في طبع ونسخ مواعظ أبي القعقاع وتوزيع الأقراص المضغوطة. وكانوا يسافرون إلى دمشق ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية معاً.
وبحلول العام 2001 كان أبو القعقاع قد جذب حوالي الألف شاب إلى قضيته, على الرغم من أن كل شيء في هذه الفترة كان سراً وفي الخفاء. " لا أحد علم بنا, ولكن 11 أيلول منحنا التغطية الإعلامية, لقد كان يوماً عظيماً هزمت فيه أمريكا. وقد علمنا أنهم كانوا سيستهدفون إما سوريا أو العراق, وأخذنا على أنفسنا عهدا بأنه إذا حدث شيء لأي من الدولتين فسوف نحارب فيها."
وبعد أسبوعين من أحداث الحادي عشر من أيلول قرروا إقامة احتفال, وسموه "مهرجان أمريكا الذئب المجروح". وقد صنعوا شريط فيديو لمواد فنية للقتال, متضمنة قتال الشوارع, وتدريبات التمرين التي قفزوا خلالها فوق حائط ارتفاعه ثمانية أمتار. وخلال هذه الفترة كان أبو القعقاع قد اعتقل من قبل السلطات السورية, إلا أنه تم الإفراج عنه خلال ساعات. ويتذكر أبو إبراهيم " قلنا لأنفسنا يالقوة شيخنا حتى أنهم لم يمسونا, لقد كنا جد أغبياء".
وبحلول عام 2002 كانوا ينظمون " مهرجان" مناهضي أمريكا مرتين في الأسبوع, وكان الطعام وأقراص المواعظ المضغوطة توزع مجاناً, وأصبحت الجماعة التي تطلق على نفسها الآن اسم "غرباء الشام" أكثر شعبية. كما وأطلق على أحد هذه المهرجانات شعار " سوف يقهر شعب الشام اليهود ويقتلهم جميعا".
" اعتاد المسئولون الرسميون, ورئيس شعبة الأمن, ومستشار الرئيس, المجيء إلى هذه الاحتفالات. وقد كان لدينا أعلام فلسطينية, ولافتات كتب عليها "فلتسقط أمريكا". لقد كانت المهرجانات منظمة بشكل رائع, وقد حاولنا الهام الشبان وتشجيعهم. وحتى أنه كان لدينا موقع الكتروني".
ازداد عدد أفراد المجموعة وأصبحت أقوى, ووصلت أقراصها المضغوطة إلى الدول العربية الأخرى وسمع بها الجميع, وجاء الشبان من الرمادي, وصلاح الدين, الموصل ومحافظات أخرى في العراق, جاؤوا جميعا للبحث عنها. وفي نفس الوقت بدأت الأموال تتدفق من المملكة العربية السعودية ومن دول الخليج الأخرى.
كان أبو إبراهيم وأصدقاؤه عنيفين, وشكلوا كتيبة حول أبي القعقاع, لقد كانوا يشنون حملات على البيوت ويرمون بأصحابها خارجا من أسرتهم في حال سمعوا أنهم قد قالوا أي شيء سيئ عنه. يقول أبو إبراهيم " لقد كنا تماما كالأمن (أجهزة أمن الدولة)، وكان الجميع يعرفنا, لدينا جميعا لحى طويلة, وقد أصبحنا سفاحين".
ولكنهم شيئا فشيء بدؤوا يشتبهون بأن شيخهم ماهو إلا أداة بأيدي أمن الدولة وانه منذ زمن طويل وهو عميل لديهم. "سألنا شيخنا أنه في الثمانينات قتل الآلاف من المسلمين في سوريا لأسباب أقل من الذي نقوله, فلماذا لم نعتقل حتى الآن؟ فما كان منه إلا أن أخبرنا أننا لم نكن نأتي بأي شيء ضد الحكومة, حيث أننا كنا نركز على العدو المشترك أمريكا وإسرائيل".
ولكن شكهم ازداد عندما اكتشفوا أن شيخهم كان قد زود أمن الدولة بقائمة بأسماء جميع الوهابيين في سوريا. وبدؤوا التملص منه, وكانوا يفكرون بأخذ ثأرهم عندما غزت أمريكا العراق.
ومع بداية الحرب على العراق استعر الجهاد, وانطلقت الحافلات المحملة بالمجاهدين. واعتبرتهم حكومة صدام منّة من الجنة، كما روج الأمريكان وبشدة، وأطلقوا عليهم اسم فدائيي صدام العرب, وقدموا إليهم الأسلحة والتدريبات الرئيسية. ولكن القصص التي رجع بها السوريون إلى الديار بعد سقوط بغداد كانت في غاية السوء. فغالبا ما صوب العراقيون عليهم, أو دفعوا بهم إلى الأمريكان.
يقول أبو إبراهيم الذي كان لديه مجموعته من المجاهدين والذي ساهم وبشكل فعال بنقل الأفراد عبر الحدود خلال تلك الفترة, يقول أن العراقيين الذين كان يتواصل معهم " طلبوا منا التوقف عن إرسال الأفراد, وقالوا أن الشيعة والأمريكان في كل مكان, وأنه ليس بالامكان فعل أي شيء". وبحسب أبو إبراهيم ومصادر أخرى من المتمردين, فان الغزو الأمريكي السريع لبغداد, وانهيار الجيش العراقي, صدما القادة الدينيين, وبدأ النقاش فيما إذا عليهم أن يبدؤوا بالجهاد ضد الأمريكان أم العمل فقط لإرجاع صدام إلى السلطة, الأمر الذي كان بالنسبة للمسلمين بنفس درجة سوء الاحتلال الأمريكي.
ولكن السلطات السورية لم ترد إيقاف تدفق المقاتلين عبر الحدود, وأقنعهم الأمن في الاستمرار في إرسال الأفراد.
وسأل أبو إبراهيم " لماذا كانوا متحمسين جدا لذهابنا للقتال في العراق, هل من أجل أن نقتل هناك؟ "
وفي صيف 2003 بدأ المتمردون في العراق بتنظيم أنفسهم, وبالتالي كان هناك دعوات لاستجلاب عدد أكبر من الرجال, لقد كان هنالك أماكن للمكوث, وشبكة من الطرقات, وأسلحة, كما أمّنت البيوت الآمنة." لقد عقدنا اجتماعات خاصة للمهربين العراقيين, الذين ما كانوا ليقوموا بالرحلات في حال كان عددنا أقل من 15 مقاتلا, كان علينا القيادة حتى نجتاز الحدود ومن ثم داخل القرى من الجانب العراقي, ومن هناك سيأخذ الوسطاء العراقيون المجاهدين إلى معسكرات التدريب". ويقول أبو إبراهيم أن المجندين السوريين ما كانوا عادة يخضعون لهذه التدريبات التي كانت في معظمها للآخرين، حيث أن كل شاب سوري يخضع لسنتين من الخدمة الإلزامية، لذا كان أغلب الذين هم بحاجة للتدريب من السعوديين.
وكان العراقيون الذين يعملون على شكل خلايا, هم الذين يقودون وينظمون الكتل الرئيسية من المتمردين, وغالبا دون أي تنسيق. وركزوا بشكل رئيسي على الكمائن وعلى هجمات أجهزة الانفجار المرتجلة. " عمل إخواننا في العراق ضمن مجموعات صغيرة, وفي كل منطقة كان الرجال يتجمعون معا وينظمون من قبل القادة الدينيين أو شيوخ القبائل لمهاجمة الأمريكان, وغالبا ما كنا نحن من يجمعهم سوية, عندما كنا نلتقي بهم في سوريا أو العراق. كنا نخبرهم أنه هنالك أخوة يأتون بنفس الصنيع فلماذا لا تتعاونون معهم؟ " وهكذا أصبحت سوريا هي المحور.
كان الشبان يحاربون بكل حمية وحماسة، وكان هناك رجال من السعودية وسوريا والعراق لكن لم يكن هناك أحد ممن حاربوا من أجل صدام. يقول أبو ابراهيم: الرجل الذي كان يقود كل هذا في معظم الأوقات كان الزرقاوي".
ظهور أبي مصعب الزرقاوي كان أكبر تطور بالنسبة للمتمردين، خاصة بعد أن اعتمده أسامة بن لادن العام الماضي. بعد ذلك قام الزرقاوي، وهو إسلامي متطرف ولد في الأردن، بتغيير اسم مجموعته إلى "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" وبدأت الأموال تتدفق عليه من السعودية. في العراق وضعت العديد من الفصائل المختلفة نفسها تحت إمرة الزرقاوي وتم إنشاء صندوق مالي مشترك للجهاد سمي "بيت المال".
"قبل ستة أشهر كان الزرقاوي وأسامة بن لادن مختلفين: أسامة لم يشرعن قتل الشيعة، أما الزرقاوي ففعل ذلك. قبل ستة أشهر أعطى الزرقاوي البيعة لبن لادن، وهكذ فإن أي شخص، سواء مسيحي أو يهودي أو سني أو شيعي يتعاون مع الأمريكيين يمكن قتله. إنها حرب مقدسة".
(يذكر أن حوارنا هذا دار قبل الإعلان عن إصابة الزرقاوي في الرمادي الشهر الماضي).
بحلول كانون الثاني 2004 أصبحت سوريا تتعرض لضغوط شديدة من قبل الولايات المتحدة لإيقاف تدفق الجهاديين إلى العراق، ولذلك تم استدعاء قادة الخلايا الجهادية في سوريا إلى الأمن وأبلغوا أنه لم يعد باستطاعتهم الاستمرار، وتمت مصادرة جوازات السفر والبعض منهم تعرضوا للاعتقال لبضعة أيام.
ومع ذلك فإن هذا العمل لم يعط تأثيراً كبيراً في إيقاف العنف، ووفقاً لما قاله أبو ابراهيم فإن المتمردين في العراق ليسوا في الوقت الحالي في حاجة إلى المقاتلين وإنما إلى الأموال، وهي عادة ترد من طرف الشبان السعوديين الأكثر ثراء.
"إخواننا في العراق يطلبون السعوديين، لأن السعوديين يأتون ومعهم أموال كافية لدعم أنفسهم وإخوانهم العراقيين. قبل أسبوع أرسلنا سعودياً إلى الجهاد وكان معه مئة ألف ريال سعودي، واحتفل به الإخوان هناك!".
قبل أربعة أسابيع أطلقت القوات الأمريكية في العراق عملية داخل الحدود العراقية السورية بهدف قطع الطريق على المقاتلين الأجانب، وادعى الجيش الأمريكي أنه قتل 100 من المقاتلين. لم يشعر أبو ابراهيم بأي حرج لدى سماع الخبر وقال: "يعتقدون أن الجهاد سوف يتوقف إذا قتلوا المئات منا في العراق، لكنهم لا يعلمون ما الذي يواجههم. في كل يوم هناك المزيد والمزيد من الشابن من جميع أنحاء العالم الإسلامي ينهضون ويأتون إلى الجهاد. الآن يواجه الأمريكيون الآلاف لكنهم في يوم ما قريباً سوف يضطرون لمواجهة جميع الأمم".
واشنطن بوست - الغارديان
الأربعاء 8 حزيران,2005
بقلم غيث عبد الأحد
ترجمة ماريا خالد- ناديا عطار
سيريانيوز