عاشقة الكلمات
27/08/2007, 19:49
.................................................. .................
حياة بيكاسو في خطوط لوحاته - إذا أردت فهم عملي فعليك فهم ما يجري في حياتي - عبد الجبار ناصر حسين
يصدر هذه الأيام كتاب جديد للناقد التنشكيلي والمؤرخ الفني البريطاني جون ريتشاردسون، والكتاب حياة بيكاسو هو الثالث من أربعة أجزاء عن سيرة الفنان بيكاسو. وكان ريتشاردسون (أستاذ الفن في جامعة اكسفورد) قد أصدر الجزء الأول قبل عشر سنوات، وتلاه الجزء الثاني قبل سنوات قليلة. وللمؤلف كتب كثيرة في الفن والسيرة الذاتية والثقافة.
ليس هناك من رسام كان موضوعا للكتب والدراسات أكثر من بابلو بيكاسو، فقد كتبت عنه آلاف الدراسات وكتب كثيرون عن سيرته، غير أن ما يميز ريتشاردسون عنهم أنه كان صديقا حميما لبيكاسو و حافظ أسراره وصاحب مجموعة كبيرة من أعماله. امتدت علاقتهما قرابة العشرين عاما. أراد الفنان من صديقه أن يكون كاتب سيرته، وهذا ما كان. وعند صدور الجزء الأول، كتبت صحيفة واشنطن بوست في ملحقها عالم الكتب : إنه حدث كبير. يشكل هذا الكتاب تحديا لكاتبي السيرة، ليس عن حياة بيكاسو فقط، ولسنوات عديدة قادمة . وكتب ناقد آخر بعد صدور الجزء الثاني: يواصل جون ريتشاردسون كتابته النابضة بالحياة عن بيكاسو وفنه بدهاء نقدي وبحث دؤوب وخبرة شخصية وصداقة مع الفنان وعائلته وزوجاته وأصدقائه
.أصبح جون ريتشاردسون (77 سنة) مرجعا موثوقا يقصده طلبة الدكتوراه ومؤرخي الفن وجامعي الأعمال الفنية ليحصلوا علي مزيد من المعلومات وليشاهدوا ما لديه من روائع
بيكاسو أو يسألوه إن كانت اللوحة أصلية أو مزيفة. ويقال إنه ولدراساته الكثيرة والمهمة لأعمال صديقه يمكنه تمييز اللوحة المزيفة من علي بعد عشرة أمتار! لكنني هنا أتوقف عند أهم ما أورده الناقد وكاتب السيرة من ملاحظات وآراء وأسرار عن حياة بيكاسو الحافلة التي امتدت واحدا وتسعين عاما.
يذكر ريتشاردسون أنه يلقي دائما نظرة جديدة علي بيكاسو، ليس بسبب تسليط الأضواء علي حقائق جديدة عن بيكاسو، بل لأن اللوحات ذاتها تطلب ذلك. ويقول إننا توقفنا عن التحليل وفتحنا أعيننا فقط.
ما يغيظ هذا الناقد أن يري مؤرخين للفن يضعون نظريات سخيفة عن أعمال بيكاسو. ويؤكد أن معظم النقد الفني اليوم لا يمكن فهمه، وبعض النقاد جعلوا منه لعبة مثقفة. إنهم يرون أعمال بيكاسو بتعابير ميتافيزيقية غامضة. وهم بعد هذا كله لا ينظرون بصورة صحيحة.
يأخذ ريشاردسون لوحة الراقصات الثلاث المرسومة عام 1925، فالمؤلفة والناقدة اريانا هوفينغتون تصفها بأنها: تشويه وحشي للجسم البشري ، ذلك أنها ركزت علي الأعضاء المنزوية، بينما كان الفنان يعبرعن أحساسه بتلك المرحلة وهوسها.
يضع الناقد المادي في داخل الميتافيزيقي ليذكر قراءه بعمق بيكاسو الذي كان ابنا لرسام ومدرس فن من الطبقة الوسطي من الأندلس في أسبانيا. لم يكن هنالك من شيء يسر بيكاسو أكثر من التصرف كقروي. فقد أعلن مرارا وأمام زواره ذوي الدراية والفطنة: لست سيدا .
خلال ثمانين سنة من الرسم وآلاف الرسوم والتخطيطات، كان بيكاسو من أغزر الفنانين إنتاجا. وأول فنان يحصل علي أكثر من مليار دولار من بيع أعماله أثناء سنين حياته. لم يبدع في الرسم فقط، وإنما في النحت والطبع والسيراميك والتصميم. كان بحق الفنان الأكثر شهرة في القرن العشرين. لقد عاش حيوات فنية متعددة، وأحدث أكثر من أي فنان آخر، الكثير من التغيير في الفن خلال القرن الماضي.
كان يلتقط موضوعاته مما يراه أو يصادفه. لم يرسم زوجاته فقط بل رسم أيضا صديقاته، والبنات الخادمات، والزوار العابرين والقرويين الجوالين. ومن خلال أعماله يمكنك تصور تفاصيل حياته اليومية في جنوب فرنسا: عمل مبكر في الصباح، غداء من الخبز والسردين، قيلولة، وعشاء مع الأصدقاء. حياة كان فيها الكثير من البساطة.
يروي ريتشاردسون أن بيكاسو قال له أكثر من مرة: عملي هو يومياتي. إذا أردت فهم عملي، ينبغي عليك فهم ما يجري في حياتي . وعندما أعدت له زوجته الثانية طبقا من سمك الحنكليس، رسم في اليوم التالي طبيعة صامتة لسمك الحنكليس.
كان بيكاسو حاضرا لأصدقائه المقربين، محتاجا لآرائهم، ليرعبهم. كان النهار معه ينقضي هكذا. كنت ستتناول غداء رائعا، والعصر علي الساحل، وتبقي معه للعشاء. ثم بعد ذلك كان يمضي إلي مرسمه ليرسم طول الليل ــ علي حساب طاقتك ــ وكنت ستندهش لماذا كان عليك تحمل كل تلك المعاناة. كان يعصر أصحابه حتي الجفاف .
كان يحب الحيوانات والطيور. كان يعبر من خلال رسمها عن حبه وكراهيته. ربما كان من القلائل الذين أبدوا إعجابهم بالخفافيش. ينقل برساي في كتابه أحاديث مع بيكاسو (كتب الفنان علي الغلاف: إذا أردت أن تفهمني، إقرأ هذا الكتاب) عن بيكاسو قوله: أحب الخفافيش! النساء يرتعدن منها.. يعتقدن أنها قد تلتصق بشعرهن. لكن الخفافيش أجمل الطيور والحيوانات. إنها رقيقة بشكل غير عادي. هل لاحظت عيونها اللامعة المشعة بالذكاء، وجلدها، حريري كالمخمل؟ تطلع إلي عظامها الصغيرة الرقيقة!
و عندما أحب بيكاسو اولغا خوخلفا راقصة الباليه الروسية وتزوجها، لم يستطع أصدقاؤه فهم اهتمامه بها لأنها كانت امرأة عادية لا تثير الأهتمام. ربما كان الفنان قد تعب من وحدته الداخلية فبحث عن ملجأ، واحة هدوء. من جهتها، أدركت اولغا أن موهبتها كانت متواضعة وليس هناك من أمل لها في دنيا الباليه، فوجدت أن من الأفضل لها أن تتزوج. رسمها كثيرا وبأسلوب واقعي نزولا عند رغبتها لعدم ميلها إلي التجريب في الرسم. وحضر حفل زفافهما الشاعر ابولينير، وكوكتو، وجيرترود ستاين وماتيس. وبعد الزواج ظهر التباين بينهما. كانت هي تسعي لحضور الحفلات الاستقراطية والإنفاق علي الملابس الباذخة، كان بيكاسو يميل إلي الحياة الهادئة والملابس العملية المتواضعة ومساعدة أصدقائه من الأدباء والفنانين. كانت اولغا تلح عليه بترك أصدقائه البويهيميين، فكان يغضب لذلك. كان بيكاسو يريد الحفاظ علي زوجته وعائلته، لكنه كان يريد أيضا أن يبقي حرا وكان مستعدا للتضحية بكل شيء من أجل حريته. أدركت اولغا ضيقه بها عندما بدأ يرسمها علي شكل حصان أو امرأة هرمة سليطة اللسان! وقد وصفها يوما بأنها معزة كثيرة البكاء !
افترقا في بداية العشرينيات من القرن الماضي لكنه لم يطلب الطلاق، وبقيت اولغا زوجته الرسمية حتي مماتها في مدينة كان عام 1955.
يري ريتشاردسون أن بيكاسو كان يعذب بريشته النساء اللواتي عرفهن وعندما كن يكتشفن ذلك يغبن عنه . لقد فعل ذلك أيضا مع صديقتيه دورا مار وماري ــ تيريز والتر. أصبح الزيت علي اللوحة كتابة علي الجدار. قال بيكاسو مرة لصديقه ريتشاردسون: إنه يجب أن يكون فظيعا جدا لأمرأة أن تري من عملي أنها تُستبدل .. رسم أيضا زوجته الثانية والأخيرة جاكلين براك، التي عرفها في أواسط الخمسينيات وتزوجها في عام 1961، لكنه لم يشوهها، فقد عرفت كيف تكون قريبة منه دائما.
وظف الجنس في رسومه ليثير الصدمة. مثل فان غوخ وغوغان من قبله، رسم بيكاسو بائعات الهوي، وزار مستشفي للآمراض التناسلية ليرسم وجوه المرضي ليصبحوا شخصيات أخري في لوحاته.
حينما رسم نفسه في مرحلة مبكرة (1901) كان الرسم يصور شابا أرستقراطيا. كان يعبر عن رومانسية ذاتية وثقة بالنفس، لكن الحقيقة أنه كان مفلسا وكئيبا . وفي صورته الشخصية عام 1907، وكان بيكاسو قد تمرد علي أساليب الرسم المعروفة حينذاك، فقد لجأ إلي ما يذكرنا، كما يقول ريتشاردسون باللقطات القريبة في الأفلام الحديثة، فقد حدد العينين باللون الأسود.
ظل بيكاسو مؤمنا بالخرافات طيلة حياته، مبتعدا عن المرضي ــ معتبرا إياهم نذير سيئ ــ ويهمل حبيباته عندما كن يمرضن. لم يكتب وصية مطلقا، معتقدا أنه كان سيموت في اليوم التالي إن فعل ذلك. لهذا كانت جاكلين واعية لمخاوفه من الموت فكانت تحتاط لمثل هذه المواقف. وقد حدث ذات مرة وأثناء الغداء أن سقط أحد طيور الحب التي يحبها ميتا في قفصه، فأصيب بيكاسو بالصمم فطلبت جاكلين من السائق الذهاب إلي مدينة كان.
لم يغب الموت عن أعماله. فعندما كان يرسم لوحته الراقصات الثلاث جاءه خبر موت صديقه القديم ريموند بيشوت، أصيب بيكاسو بالكآبة ورسم عدة لوحات كلها عن الموت. رسم لوحات عن تنبؤه بموته كما في لوحة العارية المستلقية والرأس ، وقد مات بيكاسو بعد 11 شهرا من إنجازه تلك اللوحة.
حياة بيكاسو في خطوط لوحاته - إذا أردت فهم عملي فعليك فهم ما يجري في حياتي - عبد الجبار ناصر حسين
يصدر هذه الأيام كتاب جديد للناقد التنشكيلي والمؤرخ الفني البريطاني جون ريتشاردسون، والكتاب حياة بيكاسو هو الثالث من أربعة أجزاء عن سيرة الفنان بيكاسو. وكان ريتشاردسون (أستاذ الفن في جامعة اكسفورد) قد أصدر الجزء الأول قبل عشر سنوات، وتلاه الجزء الثاني قبل سنوات قليلة. وللمؤلف كتب كثيرة في الفن والسيرة الذاتية والثقافة.
ليس هناك من رسام كان موضوعا للكتب والدراسات أكثر من بابلو بيكاسو، فقد كتبت عنه آلاف الدراسات وكتب كثيرون عن سيرته، غير أن ما يميز ريتشاردسون عنهم أنه كان صديقا حميما لبيكاسو و حافظ أسراره وصاحب مجموعة كبيرة من أعماله. امتدت علاقتهما قرابة العشرين عاما. أراد الفنان من صديقه أن يكون كاتب سيرته، وهذا ما كان. وعند صدور الجزء الأول، كتبت صحيفة واشنطن بوست في ملحقها عالم الكتب : إنه حدث كبير. يشكل هذا الكتاب تحديا لكاتبي السيرة، ليس عن حياة بيكاسو فقط، ولسنوات عديدة قادمة . وكتب ناقد آخر بعد صدور الجزء الثاني: يواصل جون ريتشاردسون كتابته النابضة بالحياة عن بيكاسو وفنه بدهاء نقدي وبحث دؤوب وخبرة شخصية وصداقة مع الفنان وعائلته وزوجاته وأصدقائه
.أصبح جون ريتشاردسون (77 سنة) مرجعا موثوقا يقصده طلبة الدكتوراه ومؤرخي الفن وجامعي الأعمال الفنية ليحصلوا علي مزيد من المعلومات وليشاهدوا ما لديه من روائع
بيكاسو أو يسألوه إن كانت اللوحة أصلية أو مزيفة. ويقال إنه ولدراساته الكثيرة والمهمة لأعمال صديقه يمكنه تمييز اللوحة المزيفة من علي بعد عشرة أمتار! لكنني هنا أتوقف عند أهم ما أورده الناقد وكاتب السيرة من ملاحظات وآراء وأسرار عن حياة بيكاسو الحافلة التي امتدت واحدا وتسعين عاما.
يذكر ريتشاردسون أنه يلقي دائما نظرة جديدة علي بيكاسو، ليس بسبب تسليط الأضواء علي حقائق جديدة عن بيكاسو، بل لأن اللوحات ذاتها تطلب ذلك. ويقول إننا توقفنا عن التحليل وفتحنا أعيننا فقط.
ما يغيظ هذا الناقد أن يري مؤرخين للفن يضعون نظريات سخيفة عن أعمال بيكاسو. ويؤكد أن معظم النقد الفني اليوم لا يمكن فهمه، وبعض النقاد جعلوا منه لعبة مثقفة. إنهم يرون أعمال بيكاسو بتعابير ميتافيزيقية غامضة. وهم بعد هذا كله لا ينظرون بصورة صحيحة.
يأخذ ريشاردسون لوحة الراقصات الثلاث المرسومة عام 1925، فالمؤلفة والناقدة اريانا هوفينغتون تصفها بأنها: تشويه وحشي للجسم البشري ، ذلك أنها ركزت علي الأعضاء المنزوية، بينما كان الفنان يعبرعن أحساسه بتلك المرحلة وهوسها.
يضع الناقد المادي في داخل الميتافيزيقي ليذكر قراءه بعمق بيكاسو الذي كان ابنا لرسام ومدرس فن من الطبقة الوسطي من الأندلس في أسبانيا. لم يكن هنالك من شيء يسر بيكاسو أكثر من التصرف كقروي. فقد أعلن مرارا وأمام زواره ذوي الدراية والفطنة: لست سيدا .
خلال ثمانين سنة من الرسم وآلاف الرسوم والتخطيطات، كان بيكاسو من أغزر الفنانين إنتاجا. وأول فنان يحصل علي أكثر من مليار دولار من بيع أعماله أثناء سنين حياته. لم يبدع في الرسم فقط، وإنما في النحت والطبع والسيراميك والتصميم. كان بحق الفنان الأكثر شهرة في القرن العشرين. لقد عاش حيوات فنية متعددة، وأحدث أكثر من أي فنان آخر، الكثير من التغيير في الفن خلال القرن الماضي.
كان يلتقط موضوعاته مما يراه أو يصادفه. لم يرسم زوجاته فقط بل رسم أيضا صديقاته، والبنات الخادمات، والزوار العابرين والقرويين الجوالين. ومن خلال أعماله يمكنك تصور تفاصيل حياته اليومية في جنوب فرنسا: عمل مبكر في الصباح، غداء من الخبز والسردين، قيلولة، وعشاء مع الأصدقاء. حياة كان فيها الكثير من البساطة.
يروي ريتشاردسون أن بيكاسو قال له أكثر من مرة: عملي هو يومياتي. إذا أردت فهم عملي، ينبغي عليك فهم ما يجري في حياتي . وعندما أعدت له زوجته الثانية طبقا من سمك الحنكليس، رسم في اليوم التالي طبيعة صامتة لسمك الحنكليس.
كان بيكاسو حاضرا لأصدقائه المقربين، محتاجا لآرائهم، ليرعبهم. كان النهار معه ينقضي هكذا. كنت ستتناول غداء رائعا، والعصر علي الساحل، وتبقي معه للعشاء. ثم بعد ذلك كان يمضي إلي مرسمه ليرسم طول الليل ــ علي حساب طاقتك ــ وكنت ستندهش لماذا كان عليك تحمل كل تلك المعاناة. كان يعصر أصحابه حتي الجفاف .
كان يحب الحيوانات والطيور. كان يعبر من خلال رسمها عن حبه وكراهيته. ربما كان من القلائل الذين أبدوا إعجابهم بالخفافيش. ينقل برساي في كتابه أحاديث مع بيكاسو (كتب الفنان علي الغلاف: إذا أردت أن تفهمني، إقرأ هذا الكتاب) عن بيكاسو قوله: أحب الخفافيش! النساء يرتعدن منها.. يعتقدن أنها قد تلتصق بشعرهن. لكن الخفافيش أجمل الطيور والحيوانات. إنها رقيقة بشكل غير عادي. هل لاحظت عيونها اللامعة المشعة بالذكاء، وجلدها، حريري كالمخمل؟ تطلع إلي عظامها الصغيرة الرقيقة!
و عندما أحب بيكاسو اولغا خوخلفا راقصة الباليه الروسية وتزوجها، لم يستطع أصدقاؤه فهم اهتمامه بها لأنها كانت امرأة عادية لا تثير الأهتمام. ربما كان الفنان قد تعب من وحدته الداخلية فبحث عن ملجأ، واحة هدوء. من جهتها، أدركت اولغا أن موهبتها كانت متواضعة وليس هناك من أمل لها في دنيا الباليه، فوجدت أن من الأفضل لها أن تتزوج. رسمها كثيرا وبأسلوب واقعي نزولا عند رغبتها لعدم ميلها إلي التجريب في الرسم. وحضر حفل زفافهما الشاعر ابولينير، وكوكتو، وجيرترود ستاين وماتيس. وبعد الزواج ظهر التباين بينهما. كانت هي تسعي لحضور الحفلات الاستقراطية والإنفاق علي الملابس الباذخة، كان بيكاسو يميل إلي الحياة الهادئة والملابس العملية المتواضعة ومساعدة أصدقائه من الأدباء والفنانين. كانت اولغا تلح عليه بترك أصدقائه البويهيميين، فكان يغضب لذلك. كان بيكاسو يريد الحفاظ علي زوجته وعائلته، لكنه كان يريد أيضا أن يبقي حرا وكان مستعدا للتضحية بكل شيء من أجل حريته. أدركت اولغا ضيقه بها عندما بدأ يرسمها علي شكل حصان أو امرأة هرمة سليطة اللسان! وقد وصفها يوما بأنها معزة كثيرة البكاء !
افترقا في بداية العشرينيات من القرن الماضي لكنه لم يطلب الطلاق، وبقيت اولغا زوجته الرسمية حتي مماتها في مدينة كان عام 1955.
يري ريتشاردسون أن بيكاسو كان يعذب بريشته النساء اللواتي عرفهن وعندما كن يكتشفن ذلك يغبن عنه . لقد فعل ذلك أيضا مع صديقتيه دورا مار وماري ــ تيريز والتر. أصبح الزيت علي اللوحة كتابة علي الجدار. قال بيكاسو مرة لصديقه ريتشاردسون: إنه يجب أن يكون فظيعا جدا لأمرأة أن تري من عملي أنها تُستبدل .. رسم أيضا زوجته الثانية والأخيرة جاكلين براك، التي عرفها في أواسط الخمسينيات وتزوجها في عام 1961، لكنه لم يشوهها، فقد عرفت كيف تكون قريبة منه دائما.
وظف الجنس في رسومه ليثير الصدمة. مثل فان غوخ وغوغان من قبله، رسم بيكاسو بائعات الهوي، وزار مستشفي للآمراض التناسلية ليرسم وجوه المرضي ليصبحوا شخصيات أخري في لوحاته.
حينما رسم نفسه في مرحلة مبكرة (1901) كان الرسم يصور شابا أرستقراطيا. كان يعبر عن رومانسية ذاتية وثقة بالنفس، لكن الحقيقة أنه كان مفلسا وكئيبا . وفي صورته الشخصية عام 1907، وكان بيكاسو قد تمرد علي أساليب الرسم المعروفة حينذاك، فقد لجأ إلي ما يذكرنا، كما يقول ريتشاردسون باللقطات القريبة في الأفلام الحديثة، فقد حدد العينين باللون الأسود.
ظل بيكاسو مؤمنا بالخرافات طيلة حياته، مبتعدا عن المرضي ــ معتبرا إياهم نذير سيئ ــ ويهمل حبيباته عندما كن يمرضن. لم يكتب وصية مطلقا، معتقدا أنه كان سيموت في اليوم التالي إن فعل ذلك. لهذا كانت جاكلين واعية لمخاوفه من الموت فكانت تحتاط لمثل هذه المواقف. وقد حدث ذات مرة وأثناء الغداء أن سقط أحد طيور الحب التي يحبها ميتا في قفصه، فأصيب بيكاسو بالصمم فطلبت جاكلين من السائق الذهاب إلي مدينة كان.
لم يغب الموت عن أعماله. فعندما كان يرسم لوحته الراقصات الثلاث جاءه خبر موت صديقه القديم ريموند بيشوت، أصيب بيكاسو بالكآبة ورسم عدة لوحات كلها عن الموت. رسم لوحات عن تنبؤه بموته كما في لوحة العارية المستلقية والرأس ، وقد مات بيكاسو بعد 11 شهرا من إنجازه تلك اللوحة.