Tarek007
24/06/2005, 23:43
هكذا هدرنا فرصاً ذهبية بامتياز
د. عصام الزعيم : ( كلنا شركاء)
سورية تفتقد فكراً استراتيجياً يحدد المنافع والمخاطر من تحالفاتها الاستراتيجية
لماذا التقلب بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإهمال الصين وروسيا واليابان وجنوب شرق آسيا؟
حتى الآن لم نجر مراجعة جدية للعلاقات السورية اليابانية الحافلة بالنزعة الإنسانية والمبادرات الفنية زيارة الرئيس الأسد إلى روسيا والصين تمثلان خروجاً من ثنائية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة روسيا تحتاج إلى الوصول إلى المياه الدافئة فلماذا تركناها في ذلك الصقيع ؟
في مطلع العام اعددنا اتفاقاً مهماً لتسوية الديون مع روسيا سحب الملف وجمد الاتفاق حتى بداية العام
من السذاجة بمكان المراهنة على استقلالية أوروبية استراتيجية عن الولايات المتحدة أو ما يمكن وصفه بالاحتماء إن لم يكن الاختباء وراء فرنسا والاتحاد الأوروبي لتوخي العدوانية الأميركية فالنزعة الاستقلالية تعبر عن حاجة موضوعية لدى الدول المتخلفة فكيف بالنسبة لقوة إقليمية كبرى كفرنسا وحتى قوة اقتصادية كبرى كألمانيا يبدو أن موازين القوى المختلفة بانهيار الاتحاد السوفياتي هي اليوم مختلفة أيضا بين الولايات المتحدة وفرنسا ولا يمكن أن تستجر سورية من النار الأوروبية بالرمضاء الأميركية ، فالولايات المتحدة الأميركية هي الدولة المعادية فكراً وموقفا وإعلاما وتهديداً صريحاً إذا كان للاتحاد الأوروبي وحتى لفرنسا أن تخيب الأمل تحيد بحكم مصالحها وإدراكها الواقعي للموازين العالمية عندما تتمنى أوساط سورية وعربية أخرى من استقلالية صريحة ثابتة لا لبس فيها ولا تراجع عنها تجاه الولايات المتحدة وإيديولوجيتها العدوانية فانه ليس من الحكمة ولا حتى الواقعية التوهم أن الولايات المتحدة يمكن أن تستجيب لأمانينا ومستعينا فتتحلى عن سياستها المقاومة للحقوق العربية والسيادة العربية وحقوق الشعوب وحريات الأفراد والتلفيق الإعلامي باسم مكافحة الإرهاب .
لا م كن لسورية أن تستهين بالتهديدات التي ما فت حكام الولايات المتحدة يطلقونها والعقوبات السياسية والاقتصادية والقانونية التي راحوا يطبقونها وإما ينبغي لسورية أن تأخذ الواقع السياسي بشقيه الأوروبي والأميركي عل محمل الجد والموضوعية والواقعية وان تستعد داخلياً وخارجياً لدرء الأخطار وإضعاف جبهة الأعداء
ماذا يعني هذا ؟
انه يعني الخروج من قصر نظر الهم الإيديولوجي والتقلب بين الاتحاد الأوروبي الذي دخلت سورية في شراكة معه أو الولايات المتحدة التي تفرض شراكة مع الدول العربية والحليفة لها ، ساعية لتمزيق جبهة أصدقائها التقليديين في الخليج دافعة بالتطبيع الاقتصادي المصري الإسرائيلي بعد دفعها بالتطبيع الاقتصادي الأردني الإسرائيلي إلى مواقع تؤدي إلى كامب ديفد جديدة واقتصادية
إن سورية لا تستطيع أن تبقى في موقف يفتقد إلى الوضوح والتكامل والخلل الاستراتيجي في رسم علاقاتها الخارجية وبناء تحالفاتها الاستراتيجية مدركة في الوقت نفسه أن ما من تحالف استراتيجي اليوم يكون تحالفاً خالصاً فالعالم قائم على الجمع بين التعاون والنزاع في المصالح كما انه ما من علاقة استراتيجية حصرية إن من حيث الشركاء أو من حيث الميادين
لقد زود التاريخ الأمم المختلفة وزود سورية بإرث إيجابي في ميادين العلاقات الدولية ويحسن لسورية أن تدرك أهمية هذا الإرث إدراكا صحيحاً وكافياً ولا تقلل من شأنه وإنما تقرأه قراءة جيدة وفقاً للظروف العالمية والإقليمية المستجدة وعملياً تحتاج سورية لان تخرج من الازدواجية الأميركية الأوروبية دون أن تتخلى عن التزاماتها بعلاقات متميزة وتعاون إقليمي مع الاتحاد الأوروبي بل وحتى دون إن تتخلى عن الضغط السياسي والإعلامي على الإدارة الأميركية والحوار مع أهل الفكر والنفوذ والمغتربين العرب في الولايات المتحدة على الرغم من توجه سورية بقوة نحنو الإصلاح والانفتاح التكنولوجي والثقافي إلى جانب الانفتاح الاقتصادي وتفعيل النمو وتغيير الواقع وبناء المستقبل فان سورية لم تطور حتى في السنوات الأربع الأخيرة شبكة متكاملة متوازنة من العلاقات والشركات الاستراتيجية في آسيا أولا حيث لم تجر أي مراجعة جدية للعلاقة السورية اليابانية الحافلة بالنزعة الإنسانية والمبادرات الفنية المتميزة فيما يخص نقل التكنولوجيا المتطورة وتطوير الصناعات والخدمات المتطورة على أساس مشترك بين لمصالح السورية واليابانية والتوافق بين البلدين على قيام تعاون استثماري صناعي وتكنولوجي وتجاري في سورية باتجاه الدول العربية والأخرى المجاورة فضلاً عن أوروبا
كذلك راوحت العلاقات السورية الروسية في مكانها منذ زوال الاتحاد السوفياتي وبقي موضوع الديون الروسية في مكانها منذ زوال الاتحاد السوفياتي ويبقي موضوع الديون الروسية على سورية عالقاً بفعل قصر نظر لا يصدق من الجانب السورية حيث كان لسورية أن تحقق تسوية لصالحها في بداية سنوات التسعين
فروسيا وقتها كانت ولا تزال مشدودة إلى سورية بحكم التعاون والوثيق السوري السوفياتي خلال نصف قرن والذي شمل عشرات الألوف من الأكاديميين والخبراء الفنيين والاقتصاديين والعسكريين ورجال الدولة في البلدين والقطاع الخاص
إلى جانب ذلك فان روسيا تحتاج للوصول إلى المياه الدافئة وتهتم بالمنطقة العربية بدءاً من سورية والعراق مراراً مصر إلى جانب تركيا وإيران وانتهاء بأوروبا وأفريقيا
في عامي جددت سورية وروسيا مفاوضاتهما بشأن الديون ، ولكن لم يسفر ذلك عن أي تسوية ، دون ان يكون لدى سورية نظرة استراتيجية لتحديد العلاقة مع روسيا ، فراحت نافذة الفرص بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تتقلص يبطئ ، واتجهت روسيا إلى اعتماده صياغة علاقاتها الخارجية مهتمة أكثر فأكثر بالولايات لمتحدة والاتحاد الأوروبي واسيا الجديدة ولاسيما الصين فضلاً عن اليابان
غير أن روسيا لم تتخل عن اهتمامها الاستراتيجي والبترولي والاقتصادي بالعراق وسورية والمنطقة العربية بل إنها زادت على ذلك اهتماماً بالخليج ، وجددت اهتمامها بمصر ، لكن روسيا ابتعدت أكثر فأكثر عن مفهوم التضامن ليحل محله مفهوم التعاون المتوازن والتحالف متبادل المنافع وهي تبحث عن قاعدة راسخو مواتية لتنفيذ سياساتها الإقليمية الاقتصادية منها والبترولية والسياسية ، وان تبيع السلاح وتؤمن موقع لائق لها في المنطقة ولا تتركها احتكاراً للقوى الآخرة فكيف إذا كانت هذه الأقوى متاهة لها؟
جاءت فرصة ثمينة في مطلع العام حيث أوفدني الرئيس بشار الأسد وزميلي الدكتور حسان ريشة إلى روسيا للتفاوض على تسوية الديون السورية مع الدول الصديقة وذلك في إطار مراقبة استراتيجية موسعة للعلاقة السورية الروسية .
لقد طرحنا خلال الزيارة وعبر المقابلات التي أجريناها مع مسؤولين وزاريين وأخرين في قطاعات المال والاقتصاد والعلم والتقانة والدفاع والبترول مشروعاً لتسوية الديون يقوم على عدة بنود مترابطة متكاملة وقد شمل المشروع احتساب الديون المذكورة وتسديد ما يعادل 1 من 12 من قيمتها الاسمية محتسبة بالدولار الاميركي أي ما يزيد قليلاً على مليار دولار يسدد خلال عدة سنوات أما القسم الأخر فيوزع بين تصدير سورية للمنتجات الصناعية التحويلية مبادلة مضطردة لجزء من الديون المتبقية بمشاركات روسية في مشاريع صناعية ولاسيما في صناعات متوسطة وصغيرة ولكنها متخصصة في إنتاج التكنولوجيا والتطبيقات العلمية والتكنولوجية ولاسيما مجالات لمعلومات والاتصالات وحماية البيئة وذلك في إطار المشروع السوري الذي أطلقناه بالاشتراك مع الدكتور حسان ريشة وهو مشروع المدينة التكنولوجية (تكنوبوليس)
لقد قابلنا في روسيا رئيس أكاديمية العلوم وأقطاب الأكاديمية ورئيس معهد الليرز ومعاونيه البارزين ووجدنا مئات العلماء الرافضين للهجرة إلى الولايات المتحدة والمعانين من قطاع المعونات والتمويل للبحوث العلمية والأكاديمية في روسيا الراغبين في الخروج إلى سورية وإقامة شركات مع أطراف سورية آو غير سورية في إطار المدينة التكنولوجية
إلى جانب هذا تضمن الاتفاق الأولي أن تقوم شركة "ترانس تروي" للغاز الروسية بمد خط الأنابيب لنقل النفط العراقي من الحدود السورية العراقية إلى الساحل السوري بقيمة ما يقرب من مليار دولار علماً بان الشركة كانت قد وقعت اتفاقاًَ مع الحكومة العراقية لمد خط لنقل النفط من الحقول العراقية إلى الحدود السورية العراقية
كمنا شمل الاتفاق أيضا جانباً استراتيجياً وتكللت المفاوضات مع الجانب الروسي بالنجاح وقد رحب رئيس الوزراء الروسي آنذاك وأبدى موافقته فرمى الكرة في ملعبنا وشعرنا بسرور أننا حققنا نجاحاً يخدم مصلحة بلادنا
لكن ما أن عدنا إلى الوطن حتى سحب الملف منا وأحيل إلى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والجهات الأخرى التي كانت تتابع موضوع الديون الروسية خلال عشر سنوات بقيت دون نتيجة
بقي الاتفاق مجمداً دون متابعة حتى سافر وزير المالية ورئيس هيئة تخطيط الدولة والحاكم الجديد لمصرف سورية المركزي في 11 كانون الثاني 2005 إلى موسكو بغية إنجازه بمناسبة زيارة الرئيس الأسد الرسمية إلى روسيا
قبل هذه الزيارة بأشهر قليلة قام الرئيس الأسد بزيارته الأولى إلى الصين وذلك بعد أربع سنوات من قيامنا مع عدة زملاء في الحكومة آنذاك بزيارة إلى الصين بقيادة نائب رئيس الحكومة في ذلك الوقت المهندس محمد ناجي عطري .
كانت نافذة الفرص الصينية مفتوحة على مصراعيها آنذاك وكان الجانب الصيني قد بدء محاولة لرسم رؤية استراتيجية لدور الصين الجديدة الاقتصادي في المنطقة العربية والشراكات الاستراتيجية المطلوبة لها مع إطراف المنطقة
في الصين - كما نعلم - تنشط الشركات التكنولوجية والصناعية الدولية جمعاء الأميركية والأوروبية واليابانية العاملة في تقانة المعلومات وتطبيقاتها الاقتصادية في صناعة السيارات وهي في معظمها متشاركة مع شركات صينية خاصة أو حكومية وراغبة بشدة في عقد صفقات استراتيجية مع سورية
وقتما قرر الرئيس بشار الأسد زيارة الصين بعد جولات في عدد من الدول الأوروبية كانت الولايات المتحدة قد أقرت قانون محاسبة سورية وفرضت بموجبه عقوبات اقتصادية على سورية جعلت إقرارا صعب للغاية - إن لم يكن مستحيل - أن تبيع الشركات الأميركية تلك العاملة في الصين التكنولوجية المتطورة إلى سورية ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فان الصين لم تجد استجابة كافية واهتماماً خاصاً بعروضها الاستراتيجية من الجانبي السوري أو لديه
لسوء الحظ فان تنفيذ العلاقات الاقتصادية الخارجية في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية على امتداد ما يقرب من أربعة عقود قد حال دون تفعيل الحوار والتفاوض الاستراتيجي مع الصين كما مع روسيا كما مع الهند واليابان فضلاً عن ماليزيا وجنوب أفريقيا
لقد افتقدت سورية ولا تزال فكراً استراتيجياً يحدد المنافع والمزايا والحدود والمخاطر ، من التحالف الاستراتيجي مع الجهات الدولية الصاعدة كالهند وتلك المتجددة كروسيا إضافة إلى القوة الاقتصادية العظمى اليابان والقوى الاقتصادية الصاعدة بصورة لا تقاوم وهي الصين. كثيراً ما يتهرب المقصرون في الاجتهاد والتطوير وفي استراتيجية سورية الخارجية وتحالفاته واتفاقاتها الاستراتيجية الجديدة والمطلوبة بحجة أن هذا البلد أو ذاك قد أقام علاقات وتعاون مع الكيان الإسرائيلي وكان الولايات المتحدة وحتى الاتحاد الأوروبي لا يقيمان علاقات وثقى ولا يرتبط كلاً منهما به اتفاق وتعاون استراتيجي في المجالات العلمية والتكنولوجية وحتى الاستراتيجية والأمنية ؟
إن زيارة الرئيس الأسد لروسيا الاتحادية جاءت يعد زيارته للصين وهاتين الزيارتان تمثلان تحولاً في التوجه السوري نحو الاتحاد الأوروبي وتمثلان خروجاً من ثنائية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفرصة تحالف استراتيجي في مجالات تكنولوجية واقتصادية واستراتيجية ودفاعية وهي حيوية لسورية ولسياستها وأمنها ومستقبلها الاقتصادي
بناءً على ما تقدم فان زيارة الرئيس الأسد اللاحقة إلى الهند ستكون تعزيزاً للتوجه الاستراتيجي الجديد في علاقات سورية الخارجية وتجسيداً للاستفادة المطلوبة من الفرص المتاحة في بلدان ومع دول ارتبطت سورية بها عبر التاريخ ومنذ الاستقلال بروابط سياسية واقتصادية وأخرى مهمة ويكون مؤاتيا اليوم أن تتجدد هذه العلاقات وان تغتني بمضامين جديدة وفوائد جديدة ولاسيما في المجالين الاستراتيجي والاقتصادي
د. عصام الزعيم : ( كلنا شركاء)
سورية تفتقد فكراً استراتيجياً يحدد المنافع والمخاطر من تحالفاتها الاستراتيجية
لماذا التقلب بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإهمال الصين وروسيا واليابان وجنوب شرق آسيا؟
حتى الآن لم نجر مراجعة جدية للعلاقات السورية اليابانية الحافلة بالنزعة الإنسانية والمبادرات الفنية زيارة الرئيس الأسد إلى روسيا والصين تمثلان خروجاً من ثنائية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة روسيا تحتاج إلى الوصول إلى المياه الدافئة فلماذا تركناها في ذلك الصقيع ؟
في مطلع العام اعددنا اتفاقاً مهماً لتسوية الديون مع روسيا سحب الملف وجمد الاتفاق حتى بداية العام
من السذاجة بمكان المراهنة على استقلالية أوروبية استراتيجية عن الولايات المتحدة أو ما يمكن وصفه بالاحتماء إن لم يكن الاختباء وراء فرنسا والاتحاد الأوروبي لتوخي العدوانية الأميركية فالنزعة الاستقلالية تعبر عن حاجة موضوعية لدى الدول المتخلفة فكيف بالنسبة لقوة إقليمية كبرى كفرنسا وحتى قوة اقتصادية كبرى كألمانيا يبدو أن موازين القوى المختلفة بانهيار الاتحاد السوفياتي هي اليوم مختلفة أيضا بين الولايات المتحدة وفرنسا ولا يمكن أن تستجر سورية من النار الأوروبية بالرمضاء الأميركية ، فالولايات المتحدة الأميركية هي الدولة المعادية فكراً وموقفا وإعلاما وتهديداً صريحاً إذا كان للاتحاد الأوروبي وحتى لفرنسا أن تخيب الأمل تحيد بحكم مصالحها وإدراكها الواقعي للموازين العالمية عندما تتمنى أوساط سورية وعربية أخرى من استقلالية صريحة ثابتة لا لبس فيها ولا تراجع عنها تجاه الولايات المتحدة وإيديولوجيتها العدوانية فانه ليس من الحكمة ولا حتى الواقعية التوهم أن الولايات المتحدة يمكن أن تستجيب لأمانينا ومستعينا فتتحلى عن سياستها المقاومة للحقوق العربية والسيادة العربية وحقوق الشعوب وحريات الأفراد والتلفيق الإعلامي باسم مكافحة الإرهاب .
لا م كن لسورية أن تستهين بالتهديدات التي ما فت حكام الولايات المتحدة يطلقونها والعقوبات السياسية والاقتصادية والقانونية التي راحوا يطبقونها وإما ينبغي لسورية أن تأخذ الواقع السياسي بشقيه الأوروبي والأميركي عل محمل الجد والموضوعية والواقعية وان تستعد داخلياً وخارجياً لدرء الأخطار وإضعاف جبهة الأعداء
ماذا يعني هذا ؟
انه يعني الخروج من قصر نظر الهم الإيديولوجي والتقلب بين الاتحاد الأوروبي الذي دخلت سورية في شراكة معه أو الولايات المتحدة التي تفرض شراكة مع الدول العربية والحليفة لها ، ساعية لتمزيق جبهة أصدقائها التقليديين في الخليج دافعة بالتطبيع الاقتصادي المصري الإسرائيلي بعد دفعها بالتطبيع الاقتصادي الأردني الإسرائيلي إلى مواقع تؤدي إلى كامب ديفد جديدة واقتصادية
إن سورية لا تستطيع أن تبقى في موقف يفتقد إلى الوضوح والتكامل والخلل الاستراتيجي في رسم علاقاتها الخارجية وبناء تحالفاتها الاستراتيجية مدركة في الوقت نفسه أن ما من تحالف استراتيجي اليوم يكون تحالفاً خالصاً فالعالم قائم على الجمع بين التعاون والنزاع في المصالح كما انه ما من علاقة استراتيجية حصرية إن من حيث الشركاء أو من حيث الميادين
لقد زود التاريخ الأمم المختلفة وزود سورية بإرث إيجابي في ميادين العلاقات الدولية ويحسن لسورية أن تدرك أهمية هذا الإرث إدراكا صحيحاً وكافياً ولا تقلل من شأنه وإنما تقرأه قراءة جيدة وفقاً للظروف العالمية والإقليمية المستجدة وعملياً تحتاج سورية لان تخرج من الازدواجية الأميركية الأوروبية دون أن تتخلى عن التزاماتها بعلاقات متميزة وتعاون إقليمي مع الاتحاد الأوروبي بل وحتى دون إن تتخلى عن الضغط السياسي والإعلامي على الإدارة الأميركية والحوار مع أهل الفكر والنفوذ والمغتربين العرب في الولايات المتحدة على الرغم من توجه سورية بقوة نحنو الإصلاح والانفتاح التكنولوجي والثقافي إلى جانب الانفتاح الاقتصادي وتفعيل النمو وتغيير الواقع وبناء المستقبل فان سورية لم تطور حتى في السنوات الأربع الأخيرة شبكة متكاملة متوازنة من العلاقات والشركات الاستراتيجية في آسيا أولا حيث لم تجر أي مراجعة جدية للعلاقة السورية اليابانية الحافلة بالنزعة الإنسانية والمبادرات الفنية المتميزة فيما يخص نقل التكنولوجيا المتطورة وتطوير الصناعات والخدمات المتطورة على أساس مشترك بين لمصالح السورية واليابانية والتوافق بين البلدين على قيام تعاون استثماري صناعي وتكنولوجي وتجاري في سورية باتجاه الدول العربية والأخرى المجاورة فضلاً عن أوروبا
كذلك راوحت العلاقات السورية الروسية في مكانها منذ زوال الاتحاد السوفياتي وبقي موضوع الديون الروسية في مكانها منذ زوال الاتحاد السوفياتي ويبقي موضوع الديون الروسية على سورية عالقاً بفعل قصر نظر لا يصدق من الجانب السورية حيث كان لسورية أن تحقق تسوية لصالحها في بداية سنوات التسعين
فروسيا وقتها كانت ولا تزال مشدودة إلى سورية بحكم التعاون والوثيق السوري السوفياتي خلال نصف قرن والذي شمل عشرات الألوف من الأكاديميين والخبراء الفنيين والاقتصاديين والعسكريين ورجال الدولة في البلدين والقطاع الخاص
إلى جانب ذلك فان روسيا تحتاج للوصول إلى المياه الدافئة وتهتم بالمنطقة العربية بدءاً من سورية والعراق مراراً مصر إلى جانب تركيا وإيران وانتهاء بأوروبا وأفريقيا
في عامي جددت سورية وروسيا مفاوضاتهما بشأن الديون ، ولكن لم يسفر ذلك عن أي تسوية ، دون ان يكون لدى سورية نظرة استراتيجية لتحديد العلاقة مع روسيا ، فراحت نافذة الفرص بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تتقلص يبطئ ، واتجهت روسيا إلى اعتماده صياغة علاقاتها الخارجية مهتمة أكثر فأكثر بالولايات لمتحدة والاتحاد الأوروبي واسيا الجديدة ولاسيما الصين فضلاً عن اليابان
غير أن روسيا لم تتخل عن اهتمامها الاستراتيجي والبترولي والاقتصادي بالعراق وسورية والمنطقة العربية بل إنها زادت على ذلك اهتماماً بالخليج ، وجددت اهتمامها بمصر ، لكن روسيا ابتعدت أكثر فأكثر عن مفهوم التضامن ليحل محله مفهوم التعاون المتوازن والتحالف متبادل المنافع وهي تبحث عن قاعدة راسخو مواتية لتنفيذ سياساتها الإقليمية الاقتصادية منها والبترولية والسياسية ، وان تبيع السلاح وتؤمن موقع لائق لها في المنطقة ولا تتركها احتكاراً للقوى الآخرة فكيف إذا كانت هذه الأقوى متاهة لها؟
جاءت فرصة ثمينة في مطلع العام حيث أوفدني الرئيس بشار الأسد وزميلي الدكتور حسان ريشة إلى روسيا للتفاوض على تسوية الديون السورية مع الدول الصديقة وذلك في إطار مراقبة استراتيجية موسعة للعلاقة السورية الروسية .
لقد طرحنا خلال الزيارة وعبر المقابلات التي أجريناها مع مسؤولين وزاريين وأخرين في قطاعات المال والاقتصاد والعلم والتقانة والدفاع والبترول مشروعاً لتسوية الديون يقوم على عدة بنود مترابطة متكاملة وقد شمل المشروع احتساب الديون المذكورة وتسديد ما يعادل 1 من 12 من قيمتها الاسمية محتسبة بالدولار الاميركي أي ما يزيد قليلاً على مليار دولار يسدد خلال عدة سنوات أما القسم الأخر فيوزع بين تصدير سورية للمنتجات الصناعية التحويلية مبادلة مضطردة لجزء من الديون المتبقية بمشاركات روسية في مشاريع صناعية ولاسيما في صناعات متوسطة وصغيرة ولكنها متخصصة في إنتاج التكنولوجيا والتطبيقات العلمية والتكنولوجية ولاسيما مجالات لمعلومات والاتصالات وحماية البيئة وذلك في إطار المشروع السوري الذي أطلقناه بالاشتراك مع الدكتور حسان ريشة وهو مشروع المدينة التكنولوجية (تكنوبوليس)
لقد قابلنا في روسيا رئيس أكاديمية العلوم وأقطاب الأكاديمية ورئيس معهد الليرز ومعاونيه البارزين ووجدنا مئات العلماء الرافضين للهجرة إلى الولايات المتحدة والمعانين من قطاع المعونات والتمويل للبحوث العلمية والأكاديمية في روسيا الراغبين في الخروج إلى سورية وإقامة شركات مع أطراف سورية آو غير سورية في إطار المدينة التكنولوجية
إلى جانب هذا تضمن الاتفاق الأولي أن تقوم شركة "ترانس تروي" للغاز الروسية بمد خط الأنابيب لنقل النفط العراقي من الحدود السورية العراقية إلى الساحل السوري بقيمة ما يقرب من مليار دولار علماً بان الشركة كانت قد وقعت اتفاقاًَ مع الحكومة العراقية لمد خط لنقل النفط من الحقول العراقية إلى الحدود السورية العراقية
كمنا شمل الاتفاق أيضا جانباً استراتيجياً وتكللت المفاوضات مع الجانب الروسي بالنجاح وقد رحب رئيس الوزراء الروسي آنذاك وأبدى موافقته فرمى الكرة في ملعبنا وشعرنا بسرور أننا حققنا نجاحاً يخدم مصلحة بلادنا
لكن ما أن عدنا إلى الوطن حتى سحب الملف منا وأحيل إلى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والجهات الأخرى التي كانت تتابع موضوع الديون الروسية خلال عشر سنوات بقيت دون نتيجة
بقي الاتفاق مجمداً دون متابعة حتى سافر وزير المالية ورئيس هيئة تخطيط الدولة والحاكم الجديد لمصرف سورية المركزي في 11 كانون الثاني 2005 إلى موسكو بغية إنجازه بمناسبة زيارة الرئيس الأسد الرسمية إلى روسيا
قبل هذه الزيارة بأشهر قليلة قام الرئيس الأسد بزيارته الأولى إلى الصين وذلك بعد أربع سنوات من قيامنا مع عدة زملاء في الحكومة آنذاك بزيارة إلى الصين بقيادة نائب رئيس الحكومة في ذلك الوقت المهندس محمد ناجي عطري .
كانت نافذة الفرص الصينية مفتوحة على مصراعيها آنذاك وكان الجانب الصيني قد بدء محاولة لرسم رؤية استراتيجية لدور الصين الجديدة الاقتصادي في المنطقة العربية والشراكات الاستراتيجية المطلوبة لها مع إطراف المنطقة
في الصين - كما نعلم - تنشط الشركات التكنولوجية والصناعية الدولية جمعاء الأميركية والأوروبية واليابانية العاملة في تقانة المعلومات وتطبيقاتها الاقتصادية في صناعة السيارات وهي في معظمها متشاركة مع شركات صينية خاصة أو حكومية وراغبة بشدة في عقد صفقات استراتيجية مع سورية
وقتما قرر الرئيس بشار الأسد زيارة الصين بعد جولات في عدد من الدول الأوروبية كانت الولايات المتحدة قد أقرت قانون محاسبة سورية وفرضت بموجبه عقوبات اقتصادية على سورية جعلت إقرارا صعب للغاية - إن لم يكن مستحيل - أن تبيع الشركات الأميركية تلك العاملة في الصين التكنولوجية المتطورة إلى سورية ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فان الصين لم تجد استجابة كافية واهتماماً خاصاً بعروضها الاستراتيجية من الجانبي السوري أو لديه
لسوء الحظ فان تنفيذ العلاقات الاقتصادية الخارجية في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية على امتداد ما يقرب من أربعة عقود قد حال دون تفعيل الحوار والتفاوض الاستراتيجي مع الصين كما مع روسيا كما مع الهند واليابان فضلاً عن ماليزيا وجنوب أفريقيا
لقد افتقدت سورية ولا تزال فكراً استراتيجياً يحدد المنافع والمزايا والحدود والمخاطر ، من التحالف الاستراتيجي مع الجهات الدولية الصاعدة كالهند وتلك المتجددة كروسيا إضافة إلى القوة الاقتصادية العظمى اليابان والقوى الاقتصادية الصاعدة بصورة لا تقاوم وهي الصين. كثيراً ما يتهرب المقصرون في الاجتهاد والتطوير وفي استراتيجية سورية الخارجية وتحالفاته واتفاقاتها الاستراتيجية الجديدة والمطلوبة بحجة أن هذا البلد أو ذاك قد أقام علاقات وتعاون مع الكيان الإسرائيلي وكان الولايات المتحدة وحتى الاتحاد الأوروبي لا يقيمان علاقات وثقى ولا يرتبط كلاً منهما به اتفاق وتعاون استراتيجي في المجالات العلمية والتكنولوجية وحتى الاستراتيجية والأمنية ؟
إن زيارة الرئيس الأسد لروسيا الاتحادية جاءت يعد زيارته للصين وهاتين الزيارتان تمثلان تحولاً في التوجه السوري نحو الاتحاد الأوروبي وتمثلان خروجاً من ثنائية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفرصة تحالف استراتيجي في مجالات تكنولوجية واقتصادية واستراتيجية ودفاعية وهي حيوية لسورية ولسياستها وأمنها ومستقبلها الاقتصادي
بناءً على ما تقدم فان زيارة الرئيس الأسد اللاحقة إلى الهند ستكون تعزيزاً للتوجه الاستراتيجي الجديد في علاقات سورية الخارجية وتجسيداً للاستفادة المطلوبة من الفرص المتاحة في بلدان ومع دول ارتبطت سورية بها عبر التاريخ ومنذ الاستقلال بروابط سياسية واقتصادية وأخرى مهمة ويكون مؤاتيا اليوم أن تتجدد هذه العلاقات وان تغتني بمضامين جديدة وفوائد جديدة ولاسيما في المجالين الاستراتيجي والاقتصادي