أبو النسيم
25/06/2005, 19:44
ما كان للمؤتمر القطري العاشر لحزب البعث السوري أن ينعقد في شهر تنطوي تواريخه علي دلالات بالغة الخصوصية، مثل شهر حزيران (يونيو): هزيمة 1967 وخسران معظم الجولان في السادس منه، وفاة حافظ الأسد في العاشر سنة 2000، و... تنفيذ مجزرة تدمر في السابع والعشرين قبل ربع قرن. الأنكي أنّ الذكري الخامسة والعشرين لتلك المجزرة الرهيبة الدموية الوحشية، والتي كانت وتظلّ واحدة من أبشع الجرائم بحقّ الإنسانية، تمرّ علي سورية وقد اهتدي بطل المجزرة رفعت الأسد، شقيق الرئيس الراحل وعمّ الرئيس الوريث، إلي فضائل الديمقراطية وأقداس حقوق الإنسان وقِيَم الحرّية والعدالة والتعددية!
لا شيء يمكن أن يفوق هذا بذاءة وقحّة وفجوراً: أن يهين السفاح شهداء المجزرة حين يعلن في الشهر ذاته، بعد ربع قرن كامل، أنّ يده ممدودة إلي الآخرين، بيضاء ناصعة شريفة، وكأنها لم تكن وتظلّ اليوم أيضاً مضرّجة بدماء الآلاف من أبناء سورية. أكثر من هذا، ولكي تكتمل سلسلة مفارقات حزب البعث غير البريء أبداً من إراقة الدماء، كان رفعت الأسد، حتي ما بعد اختتام المؤتمر القطري العاشر، رئيساً للمحكمة الحزبية القومية (تخيّلوا هذه التسمية!) بموجب قرارات المؤتمر القومي الثالث عشر!
ولأنّ 25 سنة ليست بالزمن القصير، وقد يتوفّر بالتالي أبناء جيل كامل لم يعش المجزرة في سورية أو خارجها، فإنّ أبسط حقوق الشهداء تقتضي إعادة التذكير بموجز المجزرة، كما عرضته منظمة العفو الدولية ذاتها، في النسخة الإنكليزية من نشرتها بتاريخ 27/6/2000، أي في الذكري العشرين للمجزرة:
وقعت مجزرة تدمر في 27 حزيران (يونيو) 1980، بعد يوم من محاولة الاغتيال التي تعرّض لها الرئيس حافظ الأسد في دمشق. وفي اليوم التالي نُقل بطائرات الهليكوبتر أكثر من 100 من عناصر سرايا الدفاع عن الثورة، التي كانت آنذاك تحت قيادة رفعت الأسد شقيق الرئيس، وعناصر من الكتيبة الأمنية 138، إلي مدينة تدمر التي يزورها آلاف السائحين سنوياً. وقد بقي بعض العناصر في الاحتياط لحراسة الطائرات، وانقسم 80 عنصراً إلي وحدات من عشرة أشخاص، دخلوا السجن لقتل السجناء في زنزاناتهم ومهاجعهم. وعدد القتلي يتراوح بين 500 و1000، معظمهم من الإخوان المسلمين. ودُفنت الجثث في مقبرة جماعية خارج السجن... .
ليس الدكتاتور العراقي صدّام حسين هو السفّاح الوحيد حافر المقابر الجماعية، إذاً، والكثير من العباقرة يعرفون هذه الحقيقة، في واشنطن وباريس ولندن ونيويورك وبروكسل. بشار الأسد يعرفها أيضاً، حقّ المعرفة ربما، لأنه من قلب البيت وكان ساعة المجزرة علي أعتاب سنّ الرشد. ويعرفها بلا استثناء الرفاق مندوبو المؤتمر العاشر لحزب البعث، أعضاءً وقيادات وأجهزة. لا أحد البتة نبس ببنت شفة حول هذه المجزرة، رغم أنه توفّر بعض الفرسان من حَمَلة السيوف الخشبية، تجاسروا ــ وإنْ بلغة حُسبت ألفاظها بدقّة وأناة وحذر وخسّة ــ علي الغمز من قناة العمّ السفّاح حين ألمح إلي احتمال عودته إلي البلاد لنجدة الشعب السوري وإقامة دولة الحقّ والقانون والخير والسعادة!
ردّ المؤتمر علي هذه الذكري الخامسة والعشرين تمثّل في إجرائين: ترقية هشام بختيار، أحد أكثر جنرالات الأمن السوري وحشية، إلي القيادة القطرية للحزب من جهة؛ والتأكيد مجدداً علي روحية القانون 49، الذي يحكم علي المنتسب إلي جماعة الإخوان المسلمين، أي علي سجين الرأي والضمير في نهاية المطاف، بعقوبة الإعدام! وعلي نحو بدا أكثر وفاء لمطحنة البعث التاريخية التي تخلط الصالح بالطالح والقمح بالزؤان، أوصي الرفاق المؤتمرون بإلحاق جماعة الإخوان المسلمين (الفصيل الإسلامي السوري الأهمّ، صاحبة السجلّ السياسي الذي يشمل معظم تاريخ سورية بعد الإستقلال، والتنظيم المقاتل في فلسطين 1948، والمجموعة التي ما انفكت تطوّر خطّها السياسي، وتراجع تاريخها بشجاعة، وتعلن نبذ العنف، وتنفتح علي القوي الديمقراطية...)، بأنفار فريد الغادري الذي تمّ استيلاده علي غرار العراقي أحمد الجلبي، بعد احتلال بغداد.
لستُ، ويصعب عليّ أن أرى، مََن يراهن علي احتمال أن يتوفّر مندوب واحد إلي مؤتمر البعث يرفع عقيرته، بعد أن يقف علي قدمين غير راعشتين بالطبع، فيذكّر بالمجزرة ويدعو الرفاق إلي اعتذار من نوع ما، مادام التجاسر علي رفعت الأسد قد تجاوز مستوي الهمهمة، أو ربما كشف موقع المقبرة الجماعية والسماح لذوي الضحايا بدفنهم كما يليق بإكرام الميت. غير أنّ من الصعب علي المرء ذاته أن لا يقيم الرابطة بين سفّاح الماضي والساكت عنه في الحاضر، وبين تاريخ 27/6/1980 وتاريخ 6/6/2005 حين قال بشار الأسد في افتتاح المؤتمر: إنّ البعث، كما يُفترض أن يكون واضحاً في ذهن كلّ واحد منّا، هو قضية قبل أن يكون تنظيماً سياسياً، ورسالة حضارية قبل أن يكون حزباً في السلطة... .
ليس في طبيعة أية رسالة حضارية أن ترسل الضباط القتلة، علي رأس الجنود الأغرار، لارتكاب مجزرة بحقّ سجناء رأي، داخل سجن حكومي رسمي، علي مبعدة أمتار من مدينة زنوبيا العابقة بالتاريخ! وإذا كان صاحب الرسالة الحضارية هذه، حزب البعث، ليس سيّد القرار وصاحب السلطة آنذاك، وربما اليوم أيضاً، فإنّ أضعف الإيمان أن يعتذر عن مجزرة جري ارتكابها باسمه، شاء الرفاق أم أبوا. أليسوا، بموجب المادة الثامنة من الدستور، الحزب القائد في الدولة والمجتمع؟ أم أن سرايا الدفاع التي كانت فوق الحزب والدولة والمجتمع، ما تزال اليوم أيضاً فوق الحزب والدولة والمجتمع، حتي بعد مرور أكثر من عقدين علي حلّها؟
لا شيء يمكن أن يفوق هذا بذاءة وقحّة وفجوراً: أن يهين السفاح شهداء المجزرة حين يعلن في الشهر ذاته، بعد ربع قرن كامل، أنّ يده ممدودة إلي الآخرين، بيضاء ناصعة شريفة، وكأنها لم تكن وتظلّ اليوم أيضاً مضرّجة بدماء الآلاف من أبناء سورية. أكثر من هذا، ولكي تكتمل سلسلة مفارقات حزب البعث غير البريء أبداً من إراقة الدماء، كان رفعت الأسد، حتي ما بعد اختتام المؤتمر القطري العاشر، رئيساً للمحكمة الحزبية القومية (تخيّلوا هذه التسمية!) بموجب قرارات المؤتمر القومي الثالث عشر!
ولأنّ 25 سنة ليست بالزمن القصير، وقد يتوفّر بالتالي أبناء جيل كامل لم يعش المجزرة في سورية أو خارجها، فإنّ أبسط حقوق الشهداء تقتضي إعادة التذكير بموجز المجزرة، كما عرضته منظمة العفو الدولية ذاتها، في النسخة الإنكليزية من نشرتها بتاريخ 27/6/2000، أي في الذكري العشرين للمجزرة:
وقعت مجزرة تدمر في 27 حزيران (يونيو) 1980، بعد يوم من محاولة الاغتيال التي تعرّض لها الرئيس حافظ الأسد في دمشق. وفي اليوم التالي نُقل بطائرات الهليكوبتر أكثر من 100 من عناصر سرايا الدفاع عن الثورة، التي كانت آنذاك تحت قيادة رفعت الأسد شقيق الرئيس، وعناصر من الكتيبة الأمنية 138، إلي مدينة تدمر التي يزورها آلاف السائحين سنوياً. وقد بقي بعض العناصر في الاحتياط لحراسة الطائرات، وانقسم 80 عنصراً إلي وحدات من عشرة أشخاص، دخلوا السجن لقتل السجناء في زنزاناتهم ومهاجعهم. وعدد القتلي يتراوح بين 500 و1000، معظمهم من الإخوان المسلمين. ودُفنت الجثث في مقبرة جماعية خارج السجن... .
ليس الدكتاتور العراقي صدّام حسين هو السفّاح الوحيد حافر المقابر الجماعية، إذاً، والكثير من العباقرة يعرفون هذه الحقيقة، في واشنطن وباريس ولندن ونيويورك وبروكسل. بشار الأسد يعرفها أيضاً، حقّ المعرفة ربما، لأنه من قلب البيت وكان ساعة المجزرة علي أعتاب سنّ الرشد. ويعرفها بلا استثناء الرفاق مندوبو المؤتمر العاشر لحزب البعث، أعضاءً وقيادات وأجهزة. لا أحد البتة نبس ببنت شفة حول هذه المجزرة، رغم أنه توفّر بعض الفرسان من حَمَلة السيوف الخشبية، تجاسروا ــ وإنْ بلغة حُسبت ألفاظها بدقّة وأناة وحذر وخسّة ــ علي الغمز من قناة العمّ السفّاح حين ألمح إلي احتمال عودته إلي البلاد لنجدة الشعب السوري وإقامة دولة الحقّ والقانون والخير والسعادة!
ردّ المؤتمر علي هذه الذكري الخامسة والعشرين تمثّل في إجرائين: ترقية هشام بختيار، أحد أكثر جنرالات الأمن السوري وحشية، إلي القيادة القطرية للحزب من جهة؛ والتأكيد مجدداً علي روحية القانون 49، الذي يحكم علي المنتسب إلي جماعة الإخوان المسلمين، أي علي سجين الرأي والضمير في نهاية المطاف، بعقوبة الإعدام! وعلي نحو بدا أكثر وفاء لمطحنة البعث التاريخية التي تخلط الصالح بالطالح والقمح بالزؤان، أوصي الرفاق المؤتمرون بإلحاق جماعة الإخوان المسلمين (الفصيل الإسلامي السوري الأهمّ، صاحبة السجلّ السياسي الذي يشمل معظم تاريخ سورية بعد الإستقلال، والتنظيم المقاتل في فلسطين 1948، والمجموعة التي ما انفكت تطوّر خطّها السياسي، وتراجع تاريخها بشجاعة، وتعلن نبذ العنف، وتنفتح علي القوي الديمقراطية...)، بأنفار فريد الغادري الذي تمّ استيلاده علي غرار العراقي أحمد الجلبي، بعد احتلال بغداد.
لستُ، ويصعب عليّ أن أرى، مََن يراهن علي احتمال أن يتوفّر مندوب واحد إلي مؤتمر البعث يرفع عقيرته، بعد أن يقف علي قدمين غير راعشتين بالطبع، فيذكّر بالمجزرة ويدعو الرفاق إلي اعتذار من نوع ما، مادام التجاسر علي رفعت الأسد قد تجاوز مستوي الهمهمة، أو ربما كشف موقع المقبرة الجماعية والسماح لذوي الضحايا بدفنهم كما يليق بإكرام الميت. غير أنّ من الصعب علي المرء ذاته أن لا يقيم الرابطة بين سفّاح الماضي والساكت عنه في الحاضر، وبين تاريخ 27/6/1980 وتاريخ 6/6/2005 حين قال بشار الأسد في افتتاح المؤتمر: إنّ البعث، كما يُفترض أن يكون واضحاً في ذهن كلّ واحد منّا، هو قضية قبل أن يكون تنظيماً سياسياً، ورسالة حضارية قبل أن يكون حزباً في السلطة... .
ليس في طبيعة أية رسالة حضارية أن ترسل الضباط القتلة، علي رأس الجنود الأغرار، لارتكاب مجزرة بحقّ سجناء رأي، داخل سجن حكومي رسمي، علي مبعدة أمتار من مدينة زنوبيا العابقة بالتاريخ! وإذا كان صاحب الرسالة الحضارية هذه، حزب البعث، ليس سيّد القرار وصاحب السلطة آنذاك، وربما اليوم أيضاً، فإنّ أضعف الإيمان أن يعتذر عن مجزرة جري ارتكابها باسمه، شاء الرفاق أم أبوا. أليسوا، بموجب المادة الثامنة من الدستور، الحزب القائد في الدولة والمجتمع؟ أم أن سرايا الدفاع التي كانت فوق الحزب والدولة والمجتمع، ما تزال اليوم أيضاً فوق الحزب والدولة والمجتمع، حتي بعد مرور أكثر من عقدين علي حلّها؟