ما بعرف
05/10/2007, 14:40
علي شهاب *
يتنافس الباحثون في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)) في تعداد الأسباب التي تبرّر الغارة الإسرائيلية الأخيرة على سوريا في أيلول الماضي؛ بدءاً من الحاجة إلى «استعادة الردع المفقود» في تموز 2006 إلى اغتيال النائب أنطوان غانم و«تقويض» حكومة فؤاد السنيورة فالبرنامج النووي الإيراني.
في هذا الإطار، يروي المبعوث الدولي الأميركي الأسبق إلى الشرق الأوسط دينيس روس كيف أنه اضطر، ذات مرة، إلى عقد اجتماع منفرد مع أحد رؤساء الحكومة الإسرائيليين في مكتب الأخير لـ«منع تسرّب المعلومات خارج الغرفة». حينذاك رأى الدبلوماسي الأميركي أن إسرائيل أصبحت «أسوأ الدول المتكتّمة» على الأسرار.
غير أنّ تل أبيب نجحت في إضفاء غموض «بنّاء» على حادثة اختراق إحدى طائراتها الحربية للأجواء السورية، في مشهد يعكس أهمية الرسائل التي أراد الإسرائيليون إيصالها بغضّ النظر عن حقيقة ما جرى في السادس من أيلول 2007.
وفي هذا السياق، يرى كبير مستشاري البحوث في معهد واشنطن دينيس روس، أن «الصمت العربي» إزاء الحادثة أسهم إلى حدّ كبير في تحقيق أهداف السياسة الإسرائيلية، وإن كانت «المسألة برمّتها موضع سخرية، لا سيما أن الجميع يدرك أمر» الغارة الإسرائيلية، وسط نفي تل أبيب للهجوم الذي استهدف مواقع شمال سوريا، فيما تكتفي الرواية السورية بقصة «التصدّي للطائرات المعادية التي انتهكت الأجواء السوريّة وألقت بذخائرها شمال البلاد».
وبين الصمت الإسرائيلي الرسمي والرواية السورية، يرفض الرئيس الأميركي جورج بوش التعليق على ما جرى من دون نفيه بالطّبع، تاركاً الانطباع بأنّ أمراً خطيراً قد حصل في 6 أيلول.
فما سبب شنّ إسرائيل لهذا الهجوم في هذا الوقت؟
يجيب روس عن هذا السؤال، في تقرير نشره معهد واشنطن ومجلة «نيوريبابليك»، تحت عنوان «ماذا حقّقت إسرائيل من خلال هجومها على سوريا؟»، معدّداً الأسباب الآتية:
أولاً، «ازداد قلق الجهات الأمنية الإسرائيليّة إزاء امتلاك سوريا للأسلحة ونشرها المزيد من القوّات وقيامها بتدريبات عسكريّة والحديث عن إمكان اندلاع حرب بين البلدَين». ويبدو أن المسؤولين العسكريّين الإسرائيليّين، الذين قابلهم روس، مقتنعون بأنّ الرئيس بشّار الأسد يؤمن بقدرته على مواجهة إسرائيل، وهو ما عزّزته تقارير الاستخبارات الإسرائيليّة بشأن قدرة الأسد على استخدام 20 ألف صاروخ بالإضافة إلى أسلحة كيميائيّة تؤلّف رادعاً يمنع إسرائيل من شنّ الهجوم على المواقع السوريّة الحيوية. كذلك الرئيس السوري يبدو متأثّراً بما حقّقه حزب الله خلال حرب تموز 2006، وهو ما يزيد من ثقته بقدرات بلاده. بسبب كلّ ما تقدّم، سعت إسرائيل إلى البحث عن طرق «تقنع من خلالها الرئيس الأسد بأنّه مخطئ في تقديره للأمور، وأنّه لن يتمكّن من إدارة الحرب على طريقته وبوجوب «عدم اللعب بالنّار»، فخضع الجيش الإسرائيلي هذا الصيف لتدريبات عسكريّة لم تقتصر على تحسين أدائه واستعداده، «بل مثّلت وسيلةً لتوجيه رسالة للرئيس السوري، وجاء الهجوم (الغارة) للقضاء على برامج سوريا النوويّة وتعزيز رسالة الردع الإسرائيليّة. وكان الهدف إعلام الرئيس الأسد بأنّ إسرائيل قادرة على فضح كلّ أسرار بلاده».
الرسالة الثانية التي حملتها الغارة الإسرائيلية، بحسب دينيس روس، هي أن إسرائيل «قادرة على استهداف ما تريد ومتى تريد، بصرف النظر عمّا إذا كان هذا الهدف يحمل قيمةً عاليةً بالنسبة لنظام الأسد». من هنا، مثّل الصمت العربي (المتأثّر بالسكون الإسرائيلي) مصدر قلق للرئيس السوري، خصوصاً أنّ الدول العربيّة تبدو غير مهتمّة بالمعاناة السوريّة وباحتمال فقدان نظام الأسد لهيبته وقدراته العسكريّة.
إذاً، يمكن إدراج الغارة في إطار «تعزيز صورة الردع الإسرائيلي في عيون النظام السوري»، الأمر الذي يعزّزه كلام رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يدلين على «استعادة الردع» الإسرائيلي.
ثالثاً، «لا شكّ أنّ سلوك إسرائيل هذا تناول إيران في الوقت عينه، مع الإشارة إلى احتمال ارتباط الغارة بالحادثة التي وقعت في سوريا في تموز الماضي داخل مصنع كيميائي تسبّبت بمقتل عدد من الخبراء الإيرانيين»، وهو ما يدعم إمكان أن تسعى إسرائيل لـ«توجيه رسالة إلى إيران بشأن قدرتها أو قرارها بحماية نفسها ممّن يعمد إلى تهديدها بأسلحة الدمار الشامل».
ومع «عجز الولايات المتحدة عن التقدّم في العراق والتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، يرسل الإسرائيليون إشارات بأنهم سيتّخذون القرار الملائم إن لم يتصرّف المجتمع الدولي» حيال طهران.
بكلمات أخرى، «يتطلّب فنّ الحكم تطويع كل أدوات الدّولة للتأثير على الأصدقاء والأعداء، وهكذا يعكس الهجوم الإسرائيلي استخدام الأدوات العسكريّة للتأثير على الدول الفاعلة على الساحة الدولية. وتبقى إسرائيل بانتظار تأثير رغبتها بعدما أصدرت بيانها مع العمل على عدم إطلاق شرارة صراعٍ أوسع».
بدوره، يذهب الباحث الآخر في معهد واشنطن دايفيد شنكر، اليهودي الأميركي المختص بالشؤون اللبنانية والسورية، إلى تبرير الغارة الإسرائيلية على سوريا بأن دمشق «تتحدّى مسار السياسة الأميركية الراهنة» في المنطقة.
وتحت عنوان «اقتصاد قوّة الشدّ والسحب في مواجهة سوريا»، يعكس شنكر قلقاً أميركياً من «استمرار دمشق في دعم الإرهاب، وتقويضها استقرار العراق، وتدخّلها في لبنان، وتطويرها أسلحة دمار شامل وصواريخ باليستية»، رغم مضي ثلاث سنوات على توقيع إدارة بوش على قانون محاسبة سوريا.
ويتطرّق شنكر إلى اغتيال النائب اللبناني أنطوان غانم «البرلماني المناهض لسوريا» في 19 أيلول، و«مقتل 15 ضابطاً سورياً وعشرات المهندسين الإيرانيين في حادث له علاقة بتجارب على أسلحة كيميائية في تموز الماضي» باعتبار هذين الحادثين يسلّطان الضوء على «تمادي» سوريا في رفضها للمشروع الأميركي.
ويكمل الباحث الأميركي بالقول إن دمشق «أثبتت أنها تتمتّع بالمناعة إزاء العقوبات الأميركية، وأن جهود واشنطن لبناء إجماع دولي يعزل سوريا هي جهود لم تجد قوة الطرد والجذب»، رغم أنّ نظام الأسد «بدا معزولاً بعد مقتل (رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق) الحريري عام 2005، فإن الاتجاهات تغيرت في الوقت الحالي باتجاه التعامل الاقتصادي والدبلوماسي مع دمشق».
وفي عرض لأسباب «المناعة» السورية إزاء الضغوط الأميركية، يشير دايفيد شنكر إلى:
ـــــ «تدفّق عدد كبير من المسؤولين الدوليين إلى دمشق من أجل الاجتماع مع القيادة السورية، وكان آخرها وأبرزها وأكثرها أهمية، زيارة (رئيس الوزراء العراقي) نوري المالكي الذي قضى ثلاثة أيام في العاصمة السورية دمشق» في آب الماضي. ويصف شنكر هذه الزيارة بأنها «تمثل تطوراً مذهلاً» وأعقبت جملة من الاتهامات الرسمية العراقية لسوريا بـ «إيواء ودعم وإرسال المتمردين الذي يقتلون الأميركيين والعراقيين»، فضلاً عن أنها الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء عراقي منذ ثلاثين عاماً إلى سوريا. ومن بين الأحداث الدبلوماسية الأخرى التي عزّزت من ظروف سوريا، زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي في نيسان، ومقابلة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس لنظيرها السوري وليد المعلم على هامش مؤتمر شرم الشيخ في نيسان، والمباحثات التي أجراها المبعوث الفرنسي جان كلود كوسران.
ـــــ «فشل العقوبات المالية الأميركية» بسبب عدم وجود معاملات تجارية كبيرة بين واشنطن ودمشق، بل يستدل شنكر بالإحصاء الصادر عن وزارة التجارة الأميركية لعامي 2006 و2007 ليشير إلى «ارتفاع التبادل التجاري بين الطرفين ثلاثة أضعاف» ما كان عليه في السنوات السابقة.
على صعيد موازٍ، كان فرض عقوبات على المصرف التجاري السوري في آذار 2006 «الإجراء الأكثر فاعلية»، لكن دمشق استطاعت «أن تتصدّى لهذه العقوبات، عندما حوّلت بعد ذلك بشهر واحد كل عملات الدولة الأجنبية ومعاملاتها بالنقد الأجنبي من الدولار إلى اليورو».
ـــــ الاستثمارات الأجنبية في سوريا «أحبطت جهود واشنطن لتغيير السياسة السورية». بحسب شنكر، فإن «المستثمر الرئيسي في سوريا هو طهران، التي يُقال بأن اتفاقيات استثماراتها تبلغ نحو 3 مليارات دولار».
كذلك، قامت دول الخليج باستثمارات كبيرة في سوريا، مع الإشارة الى أن السعودية «حليف الولايات المتحدة الخليجي هي الدولة الخليجية الوحيدة الغائبة عن الاستثمار في سوريا» على خلفية الخلافات بين البلدين.
ـــــ استمرار التعامل الاقتصادي الأوروبي مع سوريا «على الرغم من اعتراضات فرنسا إثر اغتيال الحريري»، إذ «يُعدّ الاتحاد الأوروبي الشريك الرئيسي التقليدي لدمشق، التي سعت لتغطية الانكشاف الذي يمكن أن يحدث من جرّاء انسحاب الأوروبيين من التعامل معها، وبذلت جهوداً كبيرة من أجل تنويع علاقاتها واتفاقياتها الاقتصادية والتجارية والتقليل من الاعتماد على الاتحاد الأوروبي مستورداً رئيسياً لصادراتها»، من خلال تعزيز العلاقات مع الصين.
ـــــ حالة النمو الاقتصادي التي تترقّبها سوريا، بحسب تقرير الصندوق النقد الدولي «رغم انخفاض إنتاج النفط وأوضاع المنطقة المتدهورة».
بعد عرض هذه النقاط، يحاول شنكر تبرير الغارة الإسرائيلية، وإن بشكل غير مباشر، من خلال الدعوة إلى «التركيز على المخاطر التي يفرضها النظام السوري» بالاستناد إلى رواية التعاون النووي بين كوريا الشمالية وسوريا.
كذلك يعود الباحث الأميركي إلى التذكير بمحكمة الحريري باعتبارها «تضيف ضغوطاً أكثر على النظام السوري».
غير أن هذا كلّه «لن يكون كافياً وحده»، فيطالب شنكر بالضغط على الأوروبيين والدول العربية لـ «تجميد المعاملات التجارية والاقتصادية مع سوريا واستبعادها من مؤتمر السلام» العربي ـــــ الإسرائيلي المقرّر عقده في تشرين الثاني القادم، قبل أن يختم بأنه «مع تزايد التوترات الإسرائيلية ـــــ السورية، والوضع الذي تواجهه حكومة فؤاد السنيورة، فإن تجديد الضغوط السياسية والاقتصادية على دمشق يمثّل أمراً حيوياً، لأنه في غياب الإجراءات الفاعلة، فإن النظام السوري سوف يستمر في تقويض آمال واشنطن إزاء المنطقة».
* صحافي لبناني
يتنافس الباحثون في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)) في تعداد الأسباب التي تبرّر الغارة الإسرائيلية الأخيرة على سوريا في أيلول الماضي؛ بدءاً من الحاجة إلى «استعادة الردع المفقود» في تموز 2006 إلى اغتيال النائب أنطوان غانم و«تقويض» حكومة فؤاد السنيورة فالبرنامج النووي الإيراني.
في هذا الإطار، يروي المبعوث الدولي الأميركي الأسبق إلى الشرق الأوسط دينيس روس كيف أنه اضطر، ذات مرة، إلى عقد اجتماع منفرد مع أحد رؤساء الحكومة الإسرائيليين في مكتب الأخير لـ«منع تسرّب المعلومات خارج الغرفة». حينذاك رأى الدبلوماسي الأميركي أن إسرائيل أصبحت «أسوأ الدول المتكتّمة» على الأسرار.
غير أنّ تل أبيب نجحت في إضفاء غموض «بنّاء» على حادثة اختراق إحدى طائراتها الحربية للأجواء السورية، في مشهد يعكس أهمية الرسائل التي أراد الإسرائيليون إيصالها بغضّ النظر عن حقيقة ما جرى في السادس من أيلول 2007.
وفي هذا السياق، يرى كبير مستشاري البحوث في معهد واشنطن دينيس روس، أن «الصمت العربي» إزاء الحادثة أسهم إلى حدّ كبير في تحقيق أهداف السياسة الإسرائيلية، وإن كانت «المسألة برمّتها موضع سخرية، لا سيما أن الجميع يدرك أمر» الغارة الإسرائيلية، وسط نفي تل أبيب للهجوم الذي استهدف مواقع شمال سوريا، فيما تكتفي الرواية السورية بقصة «التصدّي للطائرات المعادية التي انتهكت الأجواء السوريّة وألقت بذخائرها شمال البلاد».
وبين الصمت الإسرائيلي الرسمي والرواية السورية، يرفض الرئيس الأميركي جورج بوش التعليق على ما جرى من دون نفيه بالطّبع، تاركاً الانطباع بأنّ أمراً خطيراً قد حصل في 6 أيلول.
فما سبب شنّ إسرائيل لهذا الهجوم في هذا الوقت؟
يجيب روس عن هذا السؤال، في تقرير نشره معهد واشنطن ومجلة «نيوريبابليك»، تحت عنوان «ماذا حقّقت إسرائيل من خلال هجومها على سوريا؟»، معدّداً الأسباب الآتية:
أولاً، «ازداد قلق الجهات الأمنية الإسرائيليّة إزاء امتلاك سوريا للأسلحة ونشرها المزيد من القوّات وقيامها بتدريبات عسكريّة والحديث عن إمكان اندلاع حرب بين البلدَين». ويبدو أن المسؤولين العسكريّين الإسرائيليّين، الذين قابلهم روس، مقتنعون بأنّ الرئيس بشّار الأسد يؤمن بقدرته على مواجهة إسرائيل، وهو ما عزّزته تقارير الاستخبارات الإسرائيليّة بشأن قدرة الأسد على استخدام 20 ألف صاروخ بالإضافة إلى أسلحة كيميائيّة تؤلّف رادعاً يمنع إسرائيل من شنّ الهجوم على المواقع السوريّة الحيوية. كذلك الرئيس السوري يبدو متأثّراً بما حقّقه حزب الله خلال حرب تموز 2006، وهو ما يزيد من ثقته بقدرات بلاده. بسبب كلّ ما تقدّم، سعت إسرائيل إلى البحث عن طرق «تقنع من خلالها الرئيس الأسد بأنّه مخطئ في تقديره للأمور، وأنّه لن يتمكّن من إدارة الحرب على طريقته وبوجوب «عدم اللعب بالنّار»، فخضع الجيش الإسرائيلي هذا الصيف لتدريبات عسكريّة لم تقتصر على تحسين أدائه واستعداده، «بل مثّلت وسيلةً لتوجيه رسالة للرئيس السوري، وجاء الهجوم (الغارة) للقضاء على برامج سوريا النوويّة وتعزيز رسالة الردع الإسرائيليّة. وكان الهدف إعلام الرئيس الأسد بأنّ إسرائيل قادرة على فضح كلّ أسرار بلاده».
الرسالة الثانية التي حملتها الغارة الإسرائيلية، بحسب دينيس روس، هي أن إسرائيل «قادرة على استهداف ما تريد ومتى تريد، بصرف النظر عمّا إذا كان هذا الهدف يحمل قيمةً عاليةً بالنسبة لنظام الأسد». من هنا، مثّل الصمت العربي (المتأثّر بالسكون الإسرائيلي) مصدر قلق للرئيس السوري، خصوصاً أنّ الدول العربيّة تبدو غير مهتمّة بالمعاناة السوريّة وباحتمال فقدان نظام الأسد لهيبته وقدراته العسكريّة.
إذاً، يمكن إدراج الغارة في إطار «تعزيز صورة الردع الإسرائيلي في عيون النظام السوري»، الأمر الذي يعزّزه كلام رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يدلين على «استعادة الردع» الإسرائيلي.
ثالثاً، «لا شكّ أنّ سلوك إسرائيل هذا تناول إيران في الوقت عينه، مع الإشارة إلى احتمال ارتباط الغارة بالحادثة التي وقعت في سوريا في تموز الماضي داخل مصنع كيميائي تسبّبت بمقتل عدد من الخبراء الإيرانيين»، وهو ما يدعم إمكان أن تسعى إسرائيل لـ«توجيه رسالة إلى إيران بشأن قدرتها أو قرارها بحماية نفسها ممّن يعمد إلى تهديدها بأسلحة الدمار الشامل».
ومع «عجز الولايات المتحدة عن التقدّم في العراق والتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، يرسل الإسرائيليون إشارات بأنهم سيتّخذون القرار الملائم إن لم يتصرّف المجتمع الدولي» حيال طهران.
بكلمات أخرى، «يتطلّب فنّ الحكم تطويع كل أدوات الدّولة للتأثير على الأصدقاء والأعداء، وهكذا يعكس الهجوم الإسرائيلي استخدام الأدوات العسكريّة للتأثير على الدول الفاعلة على الساحة الدولية. وتبقى إسرائيل بانتظار تأثير رغبتها بعدما أصدرت بيانها مع العمل على عدم إطلاق شرارة صراعٍ أوسع».
بدوره، يذهب الباحث الآخر في معهد واشنطن دايفيد شنكر، اليهودي الأميركي المختص بالشؤون اللبنانية والسورية، إلى تبرير الغارة الإسرائيلية على سوريا بأن دمشق «تتحدّى مسار السياسة الأميركية الراهنة» في المنطقة.
وتحت عنوان «اقتصاد قوّة الشدّ والسحب في مواجهة سوريا»، يعكس شنكر قلقاً أميركياً من «استمرار دمشق في دعم الإرهاب، وتقويضها استقرار العراق، وتدخّلها في لبنان، وتطويرها أسلحة دمار شامل وصواريخ باليستية»، رغم مضي ثلاث سنوات على توقيع إدارة بوش على قانون محاسبة سوريا.
ويتطرّق شنكر إلى اغتيال النائب اللبناني أنطوان غانم «البرلماني المناهض لسوريا» في 19 أيلول، و«مقتل 15 ضابطاً سورياً وعشرات المهندسين الإيرانيين في حادث له علاقة بتجارب على أسلحة كيميائية في تموز الماضي» باعتبار هذين الحادثين يسلّطان الضوء على «تمادي» سوريا في رفضها للمشروع الأميركي.
ويكمل الباحث الأميركي بالقول إن دمشق «أثبتت أنها تتمتّع بالمناعة إزاء العقوبات الأميركية، وأن جهود واشنطن لبناء إجماع دولي يعزل سوريا هي جهود لم تجد قوة الطرد والجذب»، رغم أنّ نظام الأسد «بدا معزولاً بعد مقتل (رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق) الحريري عام 2005، فإن الاتجاهات تغيرت في الوقت الحالي باتجاه التعامل الاقتصادي والدبلوماسي مع دمشق».
وفي عرض لأسباب «المناعة» السورية إزاء الضغوط الأميركية، يشير دايفيد شنكر إلى:
ـــــ «تدفّق عدد كبير من المسؤولين الدوليين إلى دمشق من أجل الاجتماع مع القيادة السورية، وكان آخرها وأبرزها وأكثرها أهمية، زيارة (رئيس الوزراء العراقي) نوري المالكي الذي قضى ثلاثة أيام في العاصمة السورية دمشق» في آب الماضي. ويصف شنكر هذه الزيارة بأنها «تمثل تطوراً مذهلاً» وأعقبت جملة من الاتهامات الرسمية العراقية لسوريا بـ «إيواء ودعم وإرسال المتمردين الذي يقتلون الأميركيين والعراقيين»، فضلاً عن أنها الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء عراقي منذ ثلاثين عاماً إلى سوريا. ومن بين الأحداث الدبلوماسية الأخرى التي عزّزت من ظروف سوريا، زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي في نيسان، ومقابلة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس لنظيرها السوري وليد المعلم على هامش مؤتمر شرم الشيخ في نيسان، والمباحثات التي أجراها المبعوث الفرنسي جان كلود كوسران.
ـــــ «فشل العقوبات المالية الأميركية» بسبب عدم وجود معاملات تجارية كبيرة بين واشنطن ودمشق، بل يستدل شنكر بالإحصاء الصادر عن وزارة التجارة الأميركية لعامي 2006 و2007 ليشير إلى «ارتفاع التبادل التجاري بين الطرفين ثلاثة أضعاف» ما كان عليه في السنوات السابقة.
على صعيد موازٍ، كان فرض عقوبات على المصرف التجاري السوري في آذار 2006 «الإجراء الأكثر فاعلية»، لكن دمشق استطاعت «أن تتصدّى لهذه العقوبات، عندما حوّلت بعد ذلك بشهر واحد كل عملات الدولة الأجنبية ومعاملاتها بالنقد الأجنبي من الدولار إلى اليورو».
ـــــ الاستثمارات الأجنبية في سوريا «أحبطت جهود واشنطن لتغيير السياسة السورية». بحسب شنكر، فإن «المستثمر الرئيسي في سوريا هو طهران، التي يُقال بأن اتفاقيات استثماراتها تبلغ نحو 3 مليارات دولار».
كذلك، قامت دول الخليج باستثمارات كبيرة في سوريا، مع الإشارة الى أن السعودية «حليف الولايات المتحدة الخليجي هي الدولة الخليجية الوحيدة الغائبة عن الاستثمار في سوريا» على خلفية الخلافات بين البلدين.
ـــــ استمرار التعامل الاقتصادي الأوروبي مع سوريا «على الرغم من اعتراضات فرنسا إثر اغتيال الحريري»، إذ «يُعدّ الاتحاد الأوروبي الشريك الرئيسي التقليدي لدمشق، التي سعت لتغطية الانكشاف الذي يمكن أن يحدث من جرّاء انسحاب الأوروبيين من التعامل معها، وبذلت جهوداً كبيرة من أجل تنويع علاقاتها واتفاقياتها الاقتصادية والتجارية والتقليل من الاعتماد على الاتحاد الأوروبي مستورداً رئيسياً لصادراتها»، من خلال تعزيز العلاقات مع الصين.
ـــــ حالة النمو الاقتصادي التي تترقّبها سوريا، بحسب تقرير الصندوق النقد الدولي «رغم انخفاض إنتاج النفط وأوضاع المنطقة المتدهورة».
بعد عرض هذه النقاط، يحاول شنكر تبرير الغارة الإسرائيلية، وإن بشكل غير مباشر، من خلال الدعوة إلى «التركيز على المخاطر التي يفرضها النظام السوري» بالاستناد إلى رواية التعاون النووي بين كوريا الشمالية وسوريا.
كذلك يعود الباحث الأميركي إلى التذكير بمحكمة الحريري باعتبارها «تضيف ضغوطاً أكثر على النظام السوري».
غير أن هذا كلّه «لن يكون كافياً وحده»، فيطالب شنكر بالضغط على الأوروبيين والدول العربية لـ «تجميد المعاملات التجارية والاقتصادية مع سوريا واستبعادها من مؤتمر السلام» العربي ـــــ الإسرائيلي المقرّر عقده في تشرين الثاني القادم، قبل أن يختم بأنه «مع تزايد التوترات الإسرائيلية ـــــ السورية، والوضع الذي تواجهه حكومة فؤاد السنيورة، فإن تجديد الضغوط السياسية والاقتصادية على دمشق يمثّل أمراً حيوياً، لأنه في غياب الإجراءات الفاعلة، فإن النظام السوري سوف يستمر في تقويض آمال واشنطن إزاء المنطقة».
* صحافي لبناني