ما بعرف
11/10/2007, 16:17
الشروق التونسية
2007-10-11
* أجرى الحوار: عبد الحميد الرياحي ومحمد علي بن رجب
*سؤال: سيادة الرئيس، نود أن نشكركم على هذه الفرصة الفريدة التي أتحتموها لنا، وبما أننا في أجواء احتفالات سورية الشقيقة، والشعب العربي عموماً وأمتنا، بحرب تشرين المجيدة، نريد بدءاً أن تحدثونا عن الدروس والعبر الباقية من تلك المحطة الخالدة في تاريخ أمتنا، وعن السبل الكفيلة بإعادة تلك الروح إلى الوضع العربي الآن.
ـ السيد الرئيس: طبعاً الحرب لها جوانب عديدة، حرب تشرين بالنسبة لنا كجيل، وخاصة أنا كنت في المرحلة الابتدائية عندما اندلعت، تركت في وجداننا شيئاً خاصاً، ربما يختلف عن الجيل الذي عاشها بوعي في ذلك الوقت، لكن ما يجمع بين كل هذه الأجيال أن حرب تشرين بالنسبة لنا الآن في هذه المرحلة لا تمثل قضية عسكرية بالمعنى العسكري فقط. فهناك جوانب أخرى. أولاً الآن في هذا الظرف وربما بأهمية أكبر مما كان في تلك المرحلة هناك جانب التضامن العربي.
حرب تشرين عبرت بكل معنى الكلمة عن التضامن العربي من المحيط إلى الخليج. فهو الآن شيء نستذكره، ربما بنوع من المرارة على غيابه، لنتمنى أن نعيد هذا الجانب فقط من حرب تشرين. الجانب الآخر هو موضوع الإرادة، إذ في كثير من اللحظات التي نمر بها الآن نشعر بأن هناك لدى المواطن العربي، وربما لدى المسؤول العربي، شعورٌ بالإحباط، هذا الشعور بالإحباط يدفعه للقبول بالأمر الواقع. والقبول بالأمر الواقع هو أخطر شيء يمكن أن يتم الآن سواء كقرار يتخذه المسؤول أم كتنفيذ.
حرب تشرين عبَّرت عن كيفية أو عن إمكانية تغيير الإحباط الذي كان موجوداً بين حرب الـ 67 أو هزيمة الـ 67 وبين حرب الـ 73، خلال ست سنوات، كان هناك إحباط كامل بكل المستويات على الساحة العربية، وكان هناك قبول بالأمر الواقع. حرب تشرين غيَّرت هذا الواقع. هذان الجانبان، الأول والثاني، هما الجانبان الأهم بالنسبة لحرب تشرين، والجوانب العسكرية تأتي لاحقاً، كنتائج طبيعية. لولا الجانب الأول والجانب الثاني لما حصل الجانب الثالث.
فالآن ما نستطيع أن نتذكره ليس هو تفاصيل الحرب بحد ذاتها، وإنما كيف نستطيع أن نعيد التضامن العربي وكيف نستطيع أن نخفف من الإحباط أو نلغي الإحباط لكي ننتقل إلى مرحلة من العمل الفاعل، مرحلة ننتقل فيها من القبول بالأمر الواقع، إلى تغيير الأمر الواقع.
* العدوان الأخير: غايات وأهداف
* سؤال: سيادة الرئيس، هناك سؤال كبير يدور في الشارع العربي وفي الإعلام العربي حول خفايا وأهداف العدوان الصهيوني الأخير على سورية، خاصة وأن الإعلام الصهيوني والإعلام الغربي عموماً لم يتوقف عن تسريب معطيات خاطئة ومضللة، فهل من جواب يكشف للرأي العام العربي طبيعة وأهداف الغارة.
ـ السيد الرئيس: طبعاً أنا في مقابلة مع إحدى الوسائل الأجنبية الأسبوع الماضي قلت بشكل واضح بأن الهدف هو هدف عسكري، وهو عبارة عن منشأة، عسكرية قيد البناء، ولا يوجد فيها لا عسكريون ولا غيرهم، وساعة القصف لم يكن فيها أحد على الإطلاق. طبعاً هناك جانبان لما نسمعه الآن في وسائل الإعلام الأجنبية، جانب يتعلق بما يسمى (البروباغاندا) التي تتم بالطريقة المعروفة لدى الإعلام الغربي الموالي لإسرائيل حول أي حدث بهدف استثماره لمصلحة إسرائيل، أو بهدف استثماره ضد دولة عربية ما كما يحصل الآن.
وهناك الجانب الآخر فيما يتعلق بالصمت الإسرائيلي، الصمت الإسرائيلي طبعاً يغذي هذه الـ (بروباغاندا) لكن الصمت الإسرائيلي له جانب آخر، عادة إسرائيل تتحدث، لا تصمت، هذه أول مرة تصمت، طبعاً نحن أيضاً لأول مرة نسبق إسرائيل في الإعلان، عادة نحن لا نتحدث، نعتبرها قضية غير ضرورية لكي نعلنها، فتقوم إسرائيل بتسريب الخبر فتظهر إسرائيل بمظهر المنتصر.
هذه المرة أُربكت إسرائيل من خلال إعلان سورية، لما حدث بشكل واضح، وتبعه هذا الغموض الإسرائيلي. كلاهما مرتبط بقضية واحدة، بأن إسرائيل، على ما يبدو بحسب تحليلنا، كان لديها معلومات معينة، لكن نتيجة الغارة ثبت لديها بأن الهدف غير مهم، فهذا فشل استخباراتي، سواء أكان المصدر الاستخباراتي هو المخابرات الإسرائيلية أم المخابرات الأمريكية، فأصبح المسؤول الإسرائيلي محرجاً من أن يقول ما هو الهدف من هذه الغارة، فغطى هذا الفشل بطابع الغموض، وهو يقول بأنه سري، أين السري؟ إذا كان الهدف قليل القيمة، لا يوجد شيء سري، وإذا كان الهدف له قيمة كبيرة فيجب على إسرائيل أن تتحدث، أي بالنسبة لها هذا يمثل انتصاراً. فهي غطت الفشل بالغموض.
* سؤال: خاصة وأنه حتى الإدارة الأمريكية والرئيس بوش التقط المسألة وصار يتحدث عن وجود تجهيزات نووية أو ربما موقع نووي؟
ـ السيد الرئيس: تماماً. فلذلك إسرائيل تغطي الفشل بالغموض، هذه هي القضية بكل وضوح، لا يوجد شيء آخر. لذلك هم فوجئوا عندما قلتُ في حديثي للـ بي.بي.سي في الأسبوع الماضي بأنه هدف عسكري وهو منشأة عسكرية، ولكنه طبعاً لم ينتهِ ومازال في طور البناء.
* سؤال: سيادة الرئيس، مثل هذه التصرفات الصهيونية تؤدي إلى التصعيد والمواجهة ولا تخلق مناخاً للسلام، هل أن ما جرى يهدف إلى ترهيب سورية ودفعها إلى إنزال سقف مطالبها المشروعة في مؤتمر السلام المرتقب؟ أم تراه محاولة لابتزازها بشأن مواقفها القومية من مجمل القضايا سواء في العراق أو في فلسطين المحتلة أو في لبنان؟
ـ السيد الرئيس: في المقام الأول، يعبر عن عدم رغبة إسرائيل بالسلام، ولكن الوجه الثاني هو أيضاً ما تفضلت وقلته بأنهم يريدون أن يبتزوا سورية، لذلك لو عدنا للسنوات القليلة الماضية، وخاصة بعد مجيء شارون، لرأينا أن الحادث ليس هو الأول من نوعه، هم قاموا بمهاجمة القوات السورية في لبنان مرتين قبل عام 2005، وذلك في فواصل زمنية مختلفة.
وتم خرق الأجواء السورية مرتين قبل هذه المرة. هم في كل مرة يعتقدون بأن سورية فهمت الرسالة، ولكن بالنسبة لنا النتيجة هي أنه لدينا مبادئ ولدينا حقوق، لن نتنازل عنها نتيجة كل الضغوط السابقة ولن يتغير الوضع الآن. فما تقوله صحيح تماماً، هذا هو الهدف ولكن لن يصلوا لهذه النتيجة مهما فعلوا.
* الوساطة التركية... الى أين
* سؤال: تتردد في الآونة الأخيرة معلومات عن دور تركي لتقريب وجهة نظر وربما نقل رسائل بين سورية وإسرائيل، فهل هذا المعطى صحيح، وهل زيارة وزير الخارجية التركي مؤخراً إلى دمشق تندرج في هذا الإطار؟
ـ السيد الرئيس: صحيح، هذا الكلام صحيح، هناك وساطة تركية بدأت في الحقيقة منذ زيارتي لتركيا في عام 2004، ولكن بدأت بشكل مكثف مرة أخرى، طرح الموضوع في عام 2004 عن دور تركي، ولكن لم يحصل شيء على أرض الواقع إلا منذ حوالي ستة أشهر حين أعيد طرح هذا الموضوع من قبل الأتراك في زياراتهم المختلفة إلى سورية، وقلنا لهم نعم نحن موقفنا من السلام لم يتغير.
طبعاً المفاوضات تختلف عن قضية الوساطة، بمعنى أن هناك وسيط وهناك راعي، الوسيط يستطيع أن ينقل وجهة نظر بين طرفين، ولكن المفاوضات هي بحاجة لراعٍ، راعٍ له موقع معين على المستوى الدولي، بكل أسف هو الولايات المتحدة، هي الراعي الفعلي الوحيد في مثل هذه الحالة، لكن المرحلة التي تسبق المفاوضات هي مرحلة التحضير، وهنا يستطيع الوسيط أن يلعب دوراً. هذا ما تحاول الآن تركيا أن تلعبه من خلال نقل وجهات النظر. طبعاً موقفنا كان واضحاً، ما نريده نحن أولاً إعلان واضح من قبل المسؤولين الإسرائيليين برغبتهم أولاً بالسلام، وإعادة الأرض إلى سورية. ثانياً نريد ضمانات بأن الأرض ستعود كاملة.
طبعاً لا يوجد ثقة بيننا وبين الإسرائيليين، وهذه الثقة ، إذا كانت موجودة قليلاً في السابق، فهي معدومة اليوم بكل صراحة. ولكن نحن نثق بالأتراك، وعلاقتنا بهم تطورت بشكل كبير وهناك ثقة متبادلة إلى درجة كبيرة، وقلنا لهم عندما تأتي هذه الضمانات، عندها نستطيع أن نقول أن الجو أصبح مهيأ للسلام، عندها علينا أن نتحدث مع القوى الأخرى وخاصة الولايات المتحدة من أجل إطلاق المفاوضات.
بنفس الوقت ربما نحن متأكدون بأن هذه الإدارة الأمريكية لم تعمل من أجل السلام. فنحن نتحدث عن المرحلة الأولى التي تسبق المفاوضات وهي نقل وجهات نظر من خلال وسيط نزيه هو التركي، بهدف الوصول إلى مفاوضات لا نعرف متى، بحضور الراعي. هذا هو إطار ما يجري.
* سؤال: هل لمستم من خلال وساطة الأتراك نوعاً من الاستعداد الإسرائيلي للعودة مثلاً إلى حدود الرابع من حزيران؟
ـ السيد الرئيس: لا، هذه النقطة لم نصل إليها حتى الآن. الشيء الوحيد الذي تمَّ هو إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي في إحدى المقابلات التلفزيونية منذ شهر أو شهرين عن رغبته بالسلام بشكل عام، ولكن أي سلام؟ أي شيء تستطيع أن تعرّفه بأنه سلام، هذا لا يكفي، وطبعاً منذ أسابيع سمعت بأنه قال أنه يحترم الرئيس السوري فأنا أجبت عليه في الـ بي.بي.سي، قلت أن الصراع العربي الإسرائيلي الذي عمره ستون عاماً لم يبدأ من خلافات شخصية، لكي ينتهي بتصريحات عن قضايا شخصية.
هناك أسس ومبادئ وعندما يجيب الإسرائيليون على هذه الأسس أو الحقوق، ما هو مصير هذه الحقوق، عندها نستطيع أن نقيّم الموقف الإسرائيلي. حتى الآن كل ما سمعناه هو كلام عام خطابي أو إنشائي، ولا يوجد شيء له علاقة بالواقع أي على الأرض.
* سوريا ومؤتمر السلام
* سؤال: سيادة الرئيس، قالت كوندوليزا رايس مؤخراً بأنه ستتم دعوة سورية إلى مؤتمر السلام المزمع عقده في الفترة القليلة القادمة. وفق أي ظروف يمكن لسورية أن تشارك في هذا المؤتمر؟
ـ السيد الرئيس: عندما نتأكد من جدية المؤتمر. حتى الآن لم نتأكد من هذه الجدية، وهذه الجدية ترتبط بما هي مرجعية المؤتمر؟ على ماذا يستند؟ على مزاج من دعا إلى المؤتمر، أم على أسس معينة كقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القراران 242 و338، وغيرهما من القرارات الأخرى المختلفة؟! هذا أولاً.
ثانياً بالنسبة لنا في سورية دائماً نتحدث عن السلام العادل والشامل، الشامل أي كل المسارات، هذا المؤتمر يتحدث عن المسار الفلسطيني، هذا جيد، ونحن سنكون سعداء أن يكون هناك مؤتمر من أجل الفلسطينيين، ولكن ما هو دورنا؟ نحن نذهب عندما يكون السلام العادل والشامل هو الأساس والهدف، أي يشمل قضية الجولان، لا يمكن أن نتحدث فقط عن المسار الفلسطيني، المسار السوري أساسي وقضية الجولان هي رقم واحد. هذا الموضوع لم يُطرح.
هناك جانب آخر يتعلق بموضوع الجدية، هل شاورت الدول المعنية بهذا المؤتمر وفي مقدمتها الولايات المتحدة الدول المعنية بالصراع العربي الإسرائيلي؟ مؤتمر مدريد عندما انطلق سبقته مفاوضات ومشاورات بين الولايات المتحدة والدول المعنية ومنها سورية لحوالي عشرة أشهر، لم يتوقف خلالها المسؤولون الأمريكيون عن زيارة دول المنطقة، واللقاء مع المسؤولين بمختلف المستويات لكي يحضروا لهذا المؤتمر، لكن هذا المؤتمر لم يسبقه أي تحضير على الإطلاق، فهل نحن سنذهب إلى مؤتمر يفتقر لفرص النجاح؟ لا يمكن أن نضع أنفسنا في هذا الموقع، ويضاف إلى ذلك أنه حتى هذه اللحظة لم تأتنا الدعوة، ولكن إذا أتت الدعوة فهذه شروط سورية لحضور المؤتمر الدولي.
* سؤال: سيادة الرئيس، نفهم من جوابكم بأن الظروف لإقامة سلام شامل ودائم لا تتوفر بعد وربما لا تتوفر حتى الإرادة لدى الولايات المتحدة وحتى الجانب الإسرائيلي. هل يمكن أن نفهم من هذا أن المراد أمريكياً وإسرائيلياً هو إحراز تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل دون دفع استحقاقات السلام؟
ـ السيد الرئيس: كل ما قلته أنت صحيح. أي في سؤالك يكمن الجواب. هذا صحيح، سواء بالنسبة لأن يكون هناك رغبة في التطبيع وهذا الشيء تعمل عليه الولايات المتحدة وإسرائيل منذ عقود، لأن فرص السلام الآن غير موجودة في الأمر الواقع. مثلاً على المستوى الفلسطيني هناك انقسام، كيف يمكن أن يذهب المسار الفلسطيني (لنسمه المسار الفلسطيني بشكل عام) باتجاه تحقيق الهدف المنشود؟ أي سلام وحكومة ودولة فلسطينية والفلسطينيون منقسمون؟
السلام بحاجة أولاً لإجماع وطني بتفاصيله، هذا الشيء الآن غير متوفر، فالإدارة الأمريكية كما قلت، لا تمتلك لا الرؤية ولا الإرادة للسلام. إسرائيل لا تمتلك الإرادة على الأقل، لا أعرف عن الرؤية إن كانت موجودة أم لا، ولكن الحكومة ضعيفة، والحكومة الضعيفة تستطيع أن تشن حربا ولكنها لا تستطيع أن تحقق السلام.
فإذاً العوامل غير متوفرة، ربما يكون هناك هدف التطبيع، ربما يكون هناك هدف تشتيت أذهان أو توجيه أذهان الرأي العام الأمريكي أو الغربي باتجاه قضية أخرى غير قضية العراق التي ظهر فيها الفشل واضحاً خلال عام، وهم يحاولون معالجة آثار الفشل في العراق، لكنهم لم يتمكنوا، فربما قالوا لنتوجه باتجاه عملية السلام ولنحقق شيئاً ولو وهمياً نقدمه للرأي العام.
* هكذا نرى المصالحة الفلسطينية
* سؤال: تحدثتم سيادة الرئيس عن الانقسامات التي ضربت الساحة الفلسطينية للأسف، هل تفعل سورية شيئاً بحكم موقعها، بحكم وزنها، بحكم علاقاتها المتميزة تقريباً مع كل الأطراف، هل تفعل شيئاً لتقريب وجهات النظر وإحلال المصالحة بين الفلسطينيين؟
ـ السيد الرئيس: كما تعلمون لعبنا دوراً كبيراً، بالتعاون مع قطر، في المرحلة التي سبقت اتفاق مكة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، وخاصة عندما زار الرئيس محمود عباس سورية والتقى مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، الموجود في سورية، هذا كان توجه الجهود السورية لإيجاد نوع من الإجماع أو الاتفاق أو الحل الوسط حول مستقبل الوضع في الأراضي الفلسطينية خاصة بعد الخلافات التي نشأت على خلفية الانتخابات وفوز حماس.
وتجددت محاولتنا مؤخراً أيضاً من خلال اللقاء مع بعض المبعوثين من قبل الرئيس أبو مازن وحصل اتصال في بداية رمضان بيني وبين الرئيس محمود عباس، ولكن انطباعنا الآن بأن الأطراف مازالت متمسكة بمواقفها، كل طرف ينتظر من الآخر أن يتنازل، أن يقدم تنازلاً كاملاً، وهذا مستحيل، وأنا أشبه الوضع بإخوة في المنزل الواحد اختلفوا، لا نستطيع أن نبدأ الحديث سواء كنا إخوة لهؤلاء الإخوة، أم والديهم، عمّن أخطأ وإنما نبدأ بالمصالحة، الحوار، وكل ما يقرّب، ولاحقاً في يوم من الأيام نقول من أخطأ، أما الآن فعلينا أن نعيد الحوار، لا يكفي أن يقول كل طرف بأن الطرف الآخر عليه أن يعترف بأخطائه، هذا الشيء غير معقول، وسيدفع ثمنه كل الأطراف، كل الشعب الفلسطيني بدون استثناء، وهذا الشيء نراه الآن.
لذلك نعتقد أن ما نحاول أن نقوم به الآن، هو محاولة بدء حوار، أي نوع من الحوار، ولو على أشياء بسيطة، ربما تساهم بحلحلة الأمور، ولكن حتى الآن لم نتمكن.
* سؤال: سيادة الرئيس، عند أي نقطة يمكن لسورية أن تبرم اتفاق سلام مع إسرائيل؟
ـ السيد الرئيس: عندما تعود الحقوق كاملة من دون أي تنازل، ما سمعوه في بداية التسعينيات سيسمعوه الآن، حقوق كاملة تشمل الأرض والسيادة الكاملة على هذه الأرض ولا شيء أقل من ذلك.
* سؤال: وهذه أقرت بها إسرائيل في ما عرف سابقاً بوديعة رابين؟
ـ السيد الرئيس: صحيح. تماماً. وهي أعطيت للطرف الأمريكي، ولكن مع كل الأسف هذه الحكومة لا يبدو بأنها قادرة على إعطاء أية ضمانات بشأن السلام وعودة الحقوق، هذا ما نشعر حتى هذه اللحظة.
2007-10-11
* أجرى الحوار: عبد الحميد الرياحي ومحمد علي بن رجب
*سؤال: سيادة الرئيس، نود أن نشكركم على هذه الفرصة الفريدة التي أتحتموها لنا، وبما أننا في أجواء احتفالات سورية الشقيقة، والشعب العربي عموماً وأمتنا، بحرب تشرين المجيدة، نريد بدءاً أن تحدثونا عن الدروس والعبر الباقية من تلك المحطة الخالدة في تاريخ أمتنا، وعن السبل الكفيلة بإعادة تلك الروح إلى الوضع العربي الآن.
ـ السيد الرئيس: طبعاً الحرب لها جوانب عديدة، حرب تشرين بالنسبة لنا كجيل، وخاصة أنا كنت في المرحلة الابتدائية عندما اندلعت، تركت في وجداننا شيئاً خاصاً، ربما يختلف عن الجيل الذي عاشها بوعي في ذلك الوقت، لكن ما يجمع بين كل هذه الأجيال أن حرب تشرين بالنسبة لنا الآن في هذه المرحلة لا تمثل قضية عسكرية بالمعنى العسكري فقط. فهناك جوانب أخرى. أولاً الآن في هذا الظرف وربما بأهمية أكبر مما كان في تلك المرحلة هناك جانب التضامن العربي.
حرب تشرين عبرت بكل معنى الكلمة عن التضامن العربي من المحيط إلى الخليج. فهو الآن شيء نستذكره، ربما بنوع من المرارة على غيابه، لنتمنى أن نعيد هذا الجانب فقط من حرب تشرين. الجانب الآخر هو موضوع الإرادة، إذ في كثير من اللحظات التي نمر بها الآن نشعر بأن هناك لدى المواطن العربي، وربما لدى المسؤول العربي، شعورٌ بالإحباط، هذا الشعور بالإحباط يدفعه للقبول بالأمر الواقع. والقبول بالأمر الواقع هو أخطر شيء يمكن أن يتم الآن سواء كقرار يتخذه المسؤول أم كتنفيذ.
حرب تشرين عبَّرت عن كيفية أو عن إمكانية تغيير الإحباط الذي كان موجوداً بين حرب الـ 67 أو هزيمة الـ 67 وبين حرب الـ 73، خلال ست سنوات، كان هناك إحباط كامل بكل المستويات على الساحة العربية، وكان هناك قبول بالأمر الواقع. حرب تشرين غيَّرت هذا الواقع. هذان الجانبان، الأول والثاني، هما الجانبان الأهم بالنسبة لحرب تشرين، والجوانب العسكرية تأتي لاحقاً، كنتائج طبيعية. لولا الجانب الأول والجانب الثاني لما حصل الجانب الثالث.
فالآن ما نستطيع أن نتذكره ليس هو تفاصيل الحرب بحد ذاتها، وإنما كيف نستطيع أن نعيد التضامن العربي وكيف نستطيع أن نخفف من الإحباط أو نلغي الإحباط لكي ننتقل إلى مرحلة من العمل الفاعل، مرحلة ننتقل فيها من القبول بالأمر الواقع، إلى تغيير الأمر الواقع.
* العدوان الأخير: غايات وأهداف
* سؤال: سيادة الرئيس، هناك سؤال كبير يدور في الشارع العربي وفي الإعلام العربي حول خفايا وأهداف العدوان الصهيوني الأخير على سورية، خاصة وأن الإعلام الصهيوني والإعلام الغربي عموماً لم يتوقف عن تسريب معطيات خاطئة ومضللة، فهل من جواب يكشف للرأي العام العربي طبيعة وأهداف الغارة.
ـ السيد الرئيس: طبعاً أنا في مقابلة مع إحدى الوسائل الأجنبية الأسبوع الماضي قلت بشكل واضح بأن الهدف هو هدف عسكري، وهو عبارة عن منشأة، عسكرية قيد البناء، ولا يوجد فيها لا عسكريون ولا غيرهم، وساعة القصف لم يكن فيها أحد على الإطلاق. طبعاً هناك جانبان لما نسمعه الآن في وسائل الإعلام الأجنبية، جانب يتعلق بما يسمى (البروباغاندا) التي تتم بالطريقة المعروفة لدى الإعلام الغربي الموالي لإسرائيل حول أي حدث بهدف استثماره لمصلحة إسرائيل، أو بهدف استثماره ضد دولة عربية ما كما يحصل الآن.
وهناك الجانب الآخر فيما يتعلق بالصمت الإسرائيلي، الصمت الإسرائيلي طبعاً يغذي هذه الـ (بروباغاندا) لكن الصمت الإسرائيلي له جانب آخر، عادة إسرائيل تتحدث، لا تصمت، هذه أول مرة تصمت، طبعاً نحن أيضاً لأول مرة نسبق إسرائيل في الإعلان، عادة نحن لا نتحدث، نعتبرها قضية غير ضرورية لكي نعلنها، فتقوم إسرائيل بتسريب الخبر فتظهر إسرائيل بمظهر المنتصر.
هذه المرة أُربكت إسرائيل من خلال إعلان سورية، لما حدث بشكل واضح، وتبعه هذا الغموض الإسرائيلي. كلاهما مرتبط بقضية واحدة، بأن إسرائيل، على ما يبدو بحسب تحليلنا، كان لديها معلومات معينة، لكن نتيجة الغارة ثبت لديها بأن الهدف غير مهم، فهذا فشل استخباراتي، سواء أكان المصدر الاستخباراتي هو المخابرات الإسرائيلية أم المخابرات الأمريكية، فأصبح المسؤول الإسرائيلي محرجاً من أن يقول ما هو الهدف من هذه الغارة، فغطى هذا الفشل بطابع الغموض، وهو يقول بأنه سري، أين السري؟ إذا كان الهدف قليل القيمة، لا يوجد شيء سري، وإذا كان الهدف له قيمة كبيرة فيجب على إسرائيل أن تتحدث، أي بالنسبة لها هذا يمثل انتصاراً. فهي غطت الفشل بالغموض.
* سؤال: خاصة وأنه حتى الإدارة الأمريكية والرئيس بوش التقط المسألة وصار يتحدث عن وجود تجهيزات نووية أو ربما موقع نووي؟
ـ السيد الرئيس: تماماً. فلذلك إسرائيل تغطي الفشل بالغموض، هذه هي القضية بكل وضوح، لا يوجد شيء آخر. لذلك هم فوجئوا عندما قلتُ في حديثي للـ بي.بي.سي في الأسبوع الماضي بأنه هدف عسكري وهو منشأة عسكرية، ولكنه طبعاً لم ينتهِ ومازال في طور البناء.
* سؤال: سيادة الرئيس، مثل هذه التصرفات الصهيونية تؤدي إلى التصعيد والمواجهة ولا تخلق مناخاً للسلام، هل أن ما جرى يهدف إلى ترهيب سورية ودفعها إلى إنزال سقف مطالبها المشروعة في مؤتمر السلام المرتقب؟ أم تراه محاولة لابتزازها بشأن مواقفها القومية من مجمل القضايا سواء في العراق أو في فلسطين المحتلة أو في لبنان؟
ـ السيد الرئيس: في المقام الأول، يعبر عن عدم رغبة إسرائيل بالسلام، ولكن الوجه الثاني هو أيضاً ما تفضلت وقلته بأنهم يريدون أن يبتزوا سورية، لذلك لو عدنا للسنوات القليلة الماضية، وخاصة بعد مجيء شارون، لرأينا أن الحادث ليس هو الأول من نوعه، هم قاموا بمهاجمة القوات السورية في لبنان مرتين قبل عام 2005، وذلك في فواصل زمنية مختلفة.
وتم خرق الأجواء السورية مرتين قبل هذه المرة. هم في كل مرة يعتقدون بأن سورية فهمت الرسالة، ولكن بالنسبة لنا النتيجة هي أنه لدينا مبادئ ولدينا حقوق، لن نتنازل عنها نتيجة كل الضغوط السابقة ولن يتغير الوضع الآن. فما تقوله صحيح تماماً، هذا هو الهدف ولكن لن يصلوا لهذه النتيجة مهما فعلوا.
* الوساطة التركية... الى أين
* سؤال: تتردد في الآونة الأخيرة معلومات عن دور تركي لتقريب وجهة نظر وربما نقل رسائل بين سورية وإسرائيل، فهل هذا المعطى صحيح، وهل زيارة وزير الخارجية التركي مؤخراً إلى دمشق تندرج في هذا الإطار؟
ـ السيد الرئيس: صحيح، هذا الكلام صحيح، هناك وساطة تركية بدأت في الحقيقة منذ زيارتي لتركيا في عام 2004، ولكن بدأت بشكل مكثف مرة أخرى، طرح الموضوع في عام 2004 عن دور تركي، ولكن لم يحصل شيء على أرض الواقع إلا منذ حوالي ستة أشهر حين أعيد طرح هذا الموضوع من قبل الأتراك في زياراتهم المختلفة إلى سورية، وقلنا لهم نعم نحن موقفنا من السلام لم يتغير.
طبعاً المفاوضات تختلف عن قضية الوساطة، بمعنى أن هناك وسيط وهناك راعي، الوسيط يستطيع أن ينقل وجهة نظر بين طرفين، ولكن المفاوضات هي بحاجة لراعٍ، راعٍ له موقع معين على المستوى الدولي، بكل أسف هو الولايات المتحدة، هي الراعي الفعلي الوحيد في مثل هذه الحالة، لكن المرحلة التي تسبق المفاوضات هي مرحلة التحضير، وهنا يستطيع الوسيط أن يلعب دوراً. هذا ما تحاول الآن تركيا أن تلعبه من خلال نقل وجهات النظر. طبعاً موقفنا كان واضحاً، ما نريده نحن أولاً إعلان واضح من قبل المسؤولين الإسرائيليين برغبتهم أولاً بالسلام، وإعادة الأرض إلى سورية. ثانياً نريد ضمانات بأن الأرض ستعود كاملة.
طبعاً لا يوجد ثقة بيننا وبين الإسرائيليين، وهذه الثقة ، إذا كانت موجودة قليلاً في السابق، فهي معدومة اليوم بكل صراحة. ولكن نحن نثق بالأتراك، وعلاقتنا بهم تطورت بشكل كبير وهناك ثقة متبادلة إلى درجة كبيرة، وقلنا لهم عندما تأتي هذه الضمانات، عندها نستطيع أن نقول أن الجو أصبح مهيأ للسلام، عندها علينا أن نتحدث مع القوى الأخرى وخاصة الولايات المتحدة من أجل إطلاق المفاوضات.
بنفس الوقت ربما نحن متأكدون بأن هذه الإدارة الأمريكية لم تعمل من أجل السلام. فنحن نتحدث عن المرحلة الأولى التي تسبق المفاوضات وهي نقل وجهات نظر من خلال وسيط نزيه هو التركي، بهدف الوصول إلى مفاوضات لا نعرف متى، بحضور الراعي. هذا هو إطار ما يجري.
* سؤال: هل لمستم من خلال وساطة الأتراك نوعاً من الاستعداد الإسرائيلي للعودة مثلاً إلى حدود الرابع من حزيران؟
ـ السيد الرئيس: لا، هذه النقطة لم نصل إليها حتى الآن. الشيء الوحيد الذي تمَّ هو إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي في إحدى المقابلات التلفزيونية منذ شهر أو شهرين عن رغبته بالسلام بشكل عام، ولكن أي سلام؟ أي شيء تستطيع أن تعرّفه بأنه سلام، هذا لا يكفي، وطبعاً منذ أسابيع سمعت بأنه قال أنه يحترم الرئيس السوري فأنا أجبت عليه في الـ بي.بي.سي، قلت أن الصراع العربي الإسرائيلي الذي عمره ستون عاماً لم يبدأ من خلافات شخصية، لكي ينتهي بتصريحات عن قضايا شخصية.
هناك أسس ومبادئ وعندما يجيب الإسرائيليون على هذه الأسس أو الحقوق، ما هو مصير هذه الحقوق، عندها نستطيع أن نقيّم الموقف الإسرائيلي. حتى الآن كل ما سمعناه هو كلام عام خطابي أو إنشائي، ولا يوجد شيء له علاقة بالواقع أي على الأرض.
* سوريا ومؤتمر السلام
* سؤال: سيادة الرئيس، قالت كوندوليزا رايس مؤخراً بأنه ستتم دعوة سورية إلى مؤتمر السلام المزمع عقده في الفترة القليلة القادمة. وفق أي ظروف يمكن لسورية أن تشارك في هذا المؤتمر؟
ـ السيد الرئيس: عندما نتأكد من جدية المؤتمر. حتى الآن لم نتأكد من هذه الجدية، وهذه الجدية ترتبط بما هي مرجعية المؤتمر؟ على ماذا يستند؟ على مزاج من دعا إلى المؤتمر، أم على أسس معينة كقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القراران 242 و338، وغيرهما من القرارات الأخرى المختلفة؟! هذا أولاً.
ثانياً بالنسبة لنا في سورية دائماً نتحدث عن السلام العادل والشامل، الشامل أي كل المسارات، هذا المؤتمر يتحدث عن المسار الفلسطيني، هذا جيد، ونحن سنكون سعداء أن يكون هناك مؤتمر من أجل الفلسطينيين، ولكن ما هو دورنا؟ نحن نذهب عندما يكون السلام العادل والشامل هو الأساس والهدف، أي يشمل قضية الجولان، لا يمكن أن نتحدث فقط عن المسار الفلسطيني، المسار السوري أساسي وقضية الجولان هي رقم واحد. هذا الموضوع لم يُطرح.
هناك جانب آخر يتعلق بموضوع الجدية، هل شاورت الدول المعنية بهذا المؤتمر وفي مقدمتها الولايات المتحدة الدول المعنية بالصراع العربي الإسرائيلي؟ مؤتمر مدريد عندما انطلق سبقته مفاوضات ومشاورات بين الولايات المتحدة والدول المعنية ومنها سورية لحوالي عشرة أشهر، لم يتوقف خلالها المسؤولون الأمريكيون عن زيارة دول المنطقة، واللقاء مع المسؤولين بمختلف المستويات لكي يحضروا لهذا المؤتمر، لكن هذا المؤتمر لم يسبقه أي تحضير على الإطلاق، فهل نحن سنذهب إلى مؤتمر يفتقر لفرص النجاح؟ لا يمكن أن نضع أنفسنا في هذا الموقع، ويضاف إلى ذلك أنه حتى هذه اللحظة لم تأتنا الدعوة، ولكن إذا أتت الدعوة فهذه شروط سورية لحضور المؤتمر الدولي.
* سؤال: سيادة الرئيس، نفهم من جوابكم بأن الظروف لإقامة سلام شامل ودائم لا تتوفر بعد وربما لا تتوفر حتى الإرادة لدى الولايات المتحدة وحتى الجانب الإسرائيلي. هل يمكن أن نفهم من هذا أن المراد أمريكياً وإسرائيلياً هو إحراز تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل دون دفع استحقاقات السلام؟
ـ السيد الرئيس: كل ما قلته أنت صحيح. أي في سؤالك يكمن الجواب. هذا صحيح، سواء بالنسبة لأن يكون هناك رغبة في التطبيع وهذا الشيء تعمل عليه الولايات المتحدة وإسرائيل منذ عقود، لأن فرص السلام الآن غير موجودة في الأمر الواقع. مثلاً على المستوى الفلسطيني هناك انقسام، كيف يمكن أن يذهب المسار الفلسطيني (لنسمه المسار الفلسطيني بشكل عام) باتجاه تحقيق الهدف المنشود؟ أي سلام وحكومة ودولة فلسطينية والفلسطينيون منقسمون؟
السلام بحاجة أولاً لإجماع وطني بتفاصيله، هذا الشيء الآن غير متوفر، فالإدارة الأمريكية كما قلت، لا تمتلك لا الرؤية ولا الإرادة للسلام. إسرائيل لا تمتلك الإرادة على الأقل، لا أعرف عن الرؤية إن كانت موجودة أم لا، ولكن الحكومة ضعيفة، والحكومة الضعيفة تستطيع أن تشن حربا ولكنها لا تستطيع أن تحقق السلام.
فإذاً العوامل غير متوفرة، ربما يكون هناك هدف التطبيع، ربما يكون هناك هدف تشتيت أذهان أو توجيه أذهان الرأي العام الأمريكي أو الغربي باتجاه قضية أخرى غير قضية العراق التي ظهر فيها الفشل واضحاً خلال عام، وهم يحاولون معالجة آثار الفشل في العراق، لكنهم لم يتمكنوا، فربما قالوا لنتوجه باتجاه عملية السلام ولنحقق شيئاً ولو وهمياً نقدمه للرأي العام.
* هكذا نرى المصالحة الفلسطينية
* سؤال: تحدثتم سيادة الرئيس عن الانقسامات التي ضربت الساحة الفلسطينية للأسف، هل تفعل سورية شيئاً بحكم موقعها، بحكم وزنها، بحكم علاقاتها المتميزة تقريباً مع كل الأطراف، هل تفعل شيئاً لتقريب وجهات النظر وإحلال المصالحة بين الفلسطينيين؟
ـ السيد الرئيس: كما تعلمون لعبنا دوراً كبيراً، بالتعاون مع قطر، في المرحلة التي سبقت اتفاق مكة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، وخاصة عندما زار الرئيس محمود عباس سورية والتقى مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، الموجود في سورية، هذا كان توجه الجهود السورية لإيجاد نوع من الإجماع أو الاتفاق أو الحل الوسط حول مستقبل الوضع في الأراضي الفلسطينية خاصة بعد الخلافات التي نشأت على خلفية الانتخابات وفوز حماس.
وتجددت محاولتنا مؤخراً أيضاً من خلال اللقاء مع بعض المبعوثين من قبل الرئيس أبو مازن وحصل اتصال في بداية رمضان بيني وبين الرئيس محمود عباس، ولكن انطباعنا الآن بأن الأطراف مازالت متمسكة بمواقفها، كل طرف ينتظر من الآخر أن يتنازل، أن يقدم تنازلاً كاملاً، وهذا مستحيل، وأنا أشبه الوضع بإخوة في المنزل الواحد اختلفوا، لا نستطيع أن نبدأ الحديث سواء كنا إخوة لهؤلاء الإخوة، أم والديهم، عمّن أخطأ وإنما نبدأ بالمصالحة، الحوار، وكل ما يقرّب، ولاحقاً في يوم من الأيام نقول من أخطأ، أما الآن فعلينا أن نعيد الحوار، لا يكفي أن يقول كل طرف بأن الطرف الآخر عليه أن يعترف بأخطائه، هذا الشيء غير معقول، وسيدفع ثمنه كل الأطراف، كل الشعب الفلسطيني بدون استثناء، وهذا الشيء نراه الآن.
لذلك نعتقد أن ما نحاول أن نقوم به الآن، هو محاولة بدء حوار، أي نوع من الحوار، ولو على أشياء بسيطة، ربما تساهم بحلحلة الأمور، ولكن حتى الآن لم نتمكن.
* سؤال: سيادة الرئيس، عند أي نقطة يمكن لسورية أن تبرم اتفاق سلام مع إسرائيل؟
ـ السيد الرئيس: عندما تعود الحقوق كاملة من دون أي تنازل، ما سمعوه في بداية التسعينيات سيسمعوه الآن، حقوق كاملة تشمل الأرض والسيادة الكاملة على هذه الأرض ولا شيء أقل من ذلك.
* سؤال: وهذه أقرت بها إسرائيل في ما عرف سابقاً بوديعة رابين؟
ـ السيد الرئيس: صحيح. تماماً. وهي أعطيت للطرف الأمريكي، ولكن مع كل الأسف هذه الحكومة لا يبدو بأنها قادرة على إعطاء أية ضمانات بشأن السلام وعودة الحقوق، هذا ما نشعر حتى هذه اللحظة.