sezar
27/10/2007, 02:30
السينوغرافيا بين النظرية والتطبيق
مشعل الموسى (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////?subject=الحوار المتمدن -السينوغرافيا بين النظرية والتطبيق&body=Comments about your article ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)
الحوار المتمدن - العدد: 816 - 2004 / 4 / 26 (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)
أعد مادتها / أ.مشعل الموسى
جرت إحصائية في أميـركا عام 1959 م ، حول روّاد دور السينما والمسرح ومشاهدي التلفزيون ، كانت نتائجها كالآتي : " في هذه الليلة ، سيرتاد دور العرض السينمائية قرابة (6 ملايين ) متفـرِّج ، وسيستمع إلى الإذاعـة ما يزيـد على (40 مليون ) مستمع ، وسيشاهد التلفزيـون أكثـر مـن (80 مليون ) متفرِّج ، في حين لن يزيد عدد من يقبلون على المسرح الدرامي المحترف عن ( 71 ألف ) متفرِّج " ، بالتالي تكون نسبة مرتادي المسرح الدرامي مقارنة مع مرتادي دور العرض السينمائية ( 0.01 % ) ، ونسبة مرتادي المسرح الدرامي إلى مستمعي الإذاعة هي (0.001 %) ، أمّا نسبة مرتادي المسرح الدرامي بالنسبة إلى مشاهدي التلفزيـون فهي تمثـل0.0008 ) % ) .
ولنا أن نتخيل حجم المشكلة ، لو قسنا نسبة مرتادي المسرح الدرامي بالنسبة إلى عـدد سكان أميركا حينها ، نتبيـن إنها لا تتخطى الصفر إلا بقليل وهي تقترب من العـدم ، ومزيد من العـزاء قد يجدهُ المهتمون إذ يتوقفون عند قراءة للنظرة الإجتماعية الإميـركية للمسرح ، فيقـول - فرانك م. هوايتنج*- بصدد هذا الموضوع : " لمن المؤسف أن غالبية أولياء الأمور في أميركا تميل بالرأي بأن إنتاج المخللات مهنة قيّمة متزنة ، في حين ترى في فن إحياء الروائع الأدبية على المسرح شيئـًا يقـرُب من قلة القيمة وعدم الجدوى . إن الناس حقــًا مخلوقـات عجيبـة " .
إحصائيات جرت بأوروبا ، حول أعـداد زوّار عروض الفنون المسرحية كل ٍ في ألمانيا وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا خلال عشـر سنوات ( 1985 / 1995 م ) ، ففيها بلغ تراجع جماهير الأوبرا والبالية إلى ما نسبته (10%) ، أما وضع عروض الميوزيكال فهي في ازدهـار ، ونسبة جمهـور العروض المسرحية قـد تراجعت حتى بلغـت (80 %) مما كانت عليـه .
فمع ما أشارت إليها الإحصائيتيـن وما برز منها من نتائج ( علـّها ) الغيـر المرضية ، من هنا يأتي التساؤل ، لماذا ندرس المسرح ؟ " الإنسان ابتكر ثلاث وسائل كي يجعل للحياة معنى : الديـن ، والفن ، والفلسفة ، والفن الذي يقع في منتصف الطريـق بين الدين والفلسفة ، الذي يعطي معنى للحياة فيأخذ بنصيب من تحقيـق الدين لذاتية المجهول تحقيقــًا إنفعاليـًا ، ومن تفسيـر الفلسفة لهـذا المجهول تفسيـرًا عقـليـًا منطقـيـًا ، وأعظم الفنون وأجلها قـدرًا هي : المسرحية في جميع صورهـا " .
مع ارتفـاع وسمـو مستـوى فنون التمثيـل والإخـراج والتأليـف المسرحـي ، وما آلت إليه مـن تجـارب وإنجـازات ، إزدهـرت أيضًـا فنون أخرى مكملة لهذا الفن الرّاقي والمسايـرة لركبه ، ونشير هنا إلى فن وعلم السينوغـرافيا المسرحية ، السينوغرافيا الـتي أصبحت تحمل معنى المسرحية وتبلور فكرتهـا وتعبّـر عـن أحداثهـا ورؤيتهـا ، بعـد أن كان هـذا الفـن عبارة عـن مجمـوعة نظـم مختلفـة كديكـورات وأزياء ومكيـاج وإضاءات ، أي أن السينوغـرافيا المسرحية بدأت بلعـب دور أكبـر وأكثـر عمقــًا واختصاصـًا ، وشموليـة .
يمارس الإنسان بشكل عام السينوغـرافيا في حياته اليومية بوسائلها البسيطة ، وتتفـاوت تلك الممارسة الفعلية من فرد لآخـر ، وتتمثـل بتلك الديكورات وتوزيع الإكسسوار بمجمل أنحاء وفضاء المنزل على سبيـل المثـل ، وحتى من خلال عملية ارتدائنـا للملابس ، فنحن عندما نقرر أي من تلك الملابس سنرتـدي ، تتشكل لدينا صورة ذهنية تلقائية ، نحدد بها نوع المكان الذي سنتواجد بمحيطه ، ونوعية النشاط الذي سنمارسه هناك ، وإن كان المكان هذا مظلمًا أو مضاء ، شتـاء أو صيف ، داخلي أم خارجي ...إلخ ، فتتكوّن لنا رؤية خاصة بنا ، على ضوء هذا تتحدد لنا نوعية تلك الملابس التي سنرتديها ومدى فعاليتها لذلك المكان " فالتصميـم* عمل أساسي لكل إنسـان" ، فالرّغبة والحاجة في النظـام والتصميم تعـد سمة إنسانيـة أساسيـة ، فمعظم ما يقـوم به الإنسان من الأعمال ، إنما يتضمن قـدرًا من التصميم ، فتلبية الحاجات المادية ومعان ٍ وجدانية والتعبيـر عـن تلك الأشياء أمر حيـوي ، وتنشـأ أهمية التصميـم من هـذه العناصر الضرورية الإنسانية التي تـلبي احتياجات العامـة والخاصـة .
باتت السينوغرافيا على مستوى الإختصاص من ضمن الممارسـة المسرحيـة ، بل وإحـدى العناصر الفاعلة في العرض المسرحي ، فهذا المصطلح حديث الاكتشاف كمفهوم جديد في البيئة المسرحية ، عريق الوجود بعراقة المسرح اليوناني " فهي في اللاتيـنية Skenographile ، وتعني فن زخرفة وتـزييـن المسرح عند اليـونان ، وفي عـصر النهضة تكنيك الـرّسم ، أي رسم وتلوين عمق اللــَّوحة " ، فالسينوغـرافيا بمفهومها الحديثة هي اكتشاف وليس اختراع ، ومرد ذلك لامتداد رحلة تصميم المناظر المسرحية عبر العصور ، لأن تحديد ذلك الخـط الفاصـل بيـن رحلـة تصميـم المناظـر المسرحية والسينوغـرافيا الحديثة هو أمر غير محدّد ، يعزى السبب لذلك التطوّر التدريجي ( وليست النقلة النوعية ) ، إلا أن هـذا المصطلح يبقى الأكثر التباسـًا ، بسبب الحدود العملية والنظرية المنوطة بالسينوغـراف من جهة ، وأدواته التعبيـرية واتساع محيـط السينوغـرافيا من جهـة ثانيـة ، على الرّغـم من رواج السينوغـرافيا وشيـوعها بيـن الأوساط المسارحية كمصطلح ليس إلا .
إن الأبحاث والدراسات المعنية بالسينوغرافيا الحديثة على مستوى التداول والممارسة هي نادرة ، وهذا يعطي العذر بأن تكون السينوغـرافيا موضع غموض وبحث لدى الأوساط الناشطة المعنية بهذا الفن ، وإن وجدت تلك المصادر فهي لا تتعدى كونها اجتهادات ومقالات لبعض المهتميـن بالسينوغـرافيا في محيطنا وواقعنا المسرحي مع غياب التخصص ، كما أن العمر الزّمني القصيـر والمقرون بظهور هذا المفهوم الحديث ، هو مدعاة لظهور الكثيـر من التنظيرات في مضمون السينوغرافية وكيفيتها وحدودها ؛ فالبحث العربي قد لا يجدي بشكل مثمـر إذا ما قيـس بالبحث العالمي ( لا سيما أوروبا ) ، فالبحث في هذا المجال يشكل صعوبة وندرة ، حتى مع اللجوء للـوسائل المعلوماتية الحديثة ( InterNet مع شيء من التحفـظ ) .
على المستوى الأوروبي ، " صدرت منذ الستينيات من القرن العشريـن وحتى اليوم ، مجلات ودوريات متخصصة في علم السينوغـرافيا ، كتعبير جديد " ، وشاع مصطلح السينوغـرافيا مع نهايات الخمسينيات من القرن العشرين ، بعد الحرب العالمية الثانية ، بعقد واحد ، وبدأت السينوغرافيا الحديثة تظهر كعلم من خلال المسرح الأوروبي ، حيث أشاروا لها وإليها واستشعـروا وجودها وتعاملوا معها كعلم وفن مستقـل ، وظلت السينوغرافيا من ضمن الاختصاصات والمهن المسرحية المستحدثة .
أما على المستوى العربي ، " فمصطلح السينوغرافيا ، حديث في الخطاب المسرحي العربي ، لا يزيد على العشـرين عامـًا ( من القرن العشرين ) ، وربما كان المسرحيون المغاربة أول من عرف هذا الفن ( مسرحيـًا ونقديـًا ) لاتصالهم بالثقافة المسرحية الفرنسية "(8) ، وبغـض النظـر عـن مفـردة - ربمـا- التي اعتـلت الخـط والتي تجمح بنا إلى المفاهيم الفرضيـة ، إلا إن تظـل حقيقة ثابتة وهي أن السينوغرافيا مكتشفة من الغير انتقـلت لنا حديثـًا عبر الاستيراد ، " فالسينوغـرافيا مصطلح قديم عـرف بفـن الزّخرفة الأغريقية ، إلا أنها حديثة العهد في المسرح العربي ، باستثناء المسرح التونسي الذي لـه دور في تصديـر هـذا الفن إلى حـد التـّوريط ، خصوصـًا في غياب الرؤيـة الاجتهاديـة ذات الصلة بالميـدان الفلسفـي والبحـث المختبـري " ، ونقلا ً لما ذكره - راشد الحمراني- وبصراحة طريفة لا تخجل : " في البدء كنت أعتـقـد إنها نوع من التقنية الجديـدة والتي تدخـل ضمـن التغريب للعمل المسرحي ، أو لنقـل تقليعة ليست لها وجود شرعي لدينا ، لذلك لم يهتم بها أحد ، وأقـر وأعترف وأنا بكامل قـواي العقلية ، بأني لم أعـرف معنى الكلمة وأدرك أهميتها إلا منذ أشهر فقـط ، كتعريف فقط ، تعريف عام " ؛ إن حضور السينوغـرافيا بمفهومها الحديث في الممارسات العربية المسرحية كاختصاص فهي مقصية ، وإن وجدت فهي بلا شك عملة نادرة وقليلة التداول ، ودخل مصطلح السينوغرافيا ( منذ منتصف الثمانينات من القرن العشرين ) الأدبيات المسرحية العـربية ، وتـداوله بعض المسرحيون بدلالات مختـلفة ( غموضـًا ولبسـًا ) ، شأن معظم المصطلحـات الأدبية والفكرية والفنيـة الوافدة ، ولا زالت الأبحـاث والدراسـات تثـري أجوائهـا وأوراقها ، عَـلَّ ذلك يقـرِّب بيـن ما هـو نظري وتطبيقي ، وبيـن ما هـو معلوم ومجهول .
ولا شك بأن الكلمة والمفردة في العرض المسرحي العربي قد احتل مكانة رئيسة ، فأصبحت الكلمة من الحتميات وتتمتع بمكانة تصل إلى أفـق القداسة ، ومن المؤكد بأن العرض المسرحي لا يستقيم بالدّلالة اللغوية وحـدها دون سواها لأن ببساطة هناك مشاهد ، " ومن هنـا تأتي أهمية الجوانب البصرية في العرض المسرحي : الملابس ، الإضاءة ، الديكور والسينوغـرافيا " ، " وأية مسرحية تظل ناقصة ما لم يتهيأ لها ما تحتاج إليه من حركـة مسرحيـة وألوان وخطـوط وأحجـام إلى جانب ضبـط إيقـاع حركتها مع مناظـرهـا المرئيـة أو المحسوسة في الإطـار العـام لها . " وتبـرز أهمية الإدراك البصـري فـي تحليـل الإبداعـات التشكيلية وبناء الصّورة المرئيـة ، فقـواعد المنظور تعطي للتكويـن الإيحاء بالمكان المتسع داخل فراغ المسـرح " ، لأن العين وبلا شك هي من حـواس الإنسـان الأساسيـة ، فالإدراك البصـري يعتمـد عليـه المتلقي ( المُـشاهد ) لتلقـي المشهـديات ، ولكن هـل هذا المبـدأ يجعـل من السينوغـرافيا بأن لا تتعـدى كونها مفهوم مرئي ؟ وهل هذا يخوّل لعنصر العين بأن تكون هي المسلك الأوحد لترجمة عناصر السينوغـرافيا لكونها وسيلة تعبيـرية مرئية دون الوسيلـة السمعيـة ؟
لقد تبنـَّت السينوغـرافيا عدّة عـناصر في أكنافهـا وهي عملية تطويع لحركة فنون العمارة والمناظر والأزياء والمكياج والإضاءة والألوان والسمعيات ، حتى ذهبت السينوغرافيا لتنال من تشكيلات جسد الممثـل ، وكيفية تلك الطـّرق المثـلى لتوظيف ما سبق ذكره في الفضاء المسرحي ، وكأن الفنون هي عبارة عن إكسسـوارات ليتم تشكيلهـا وتوظيفـها لتؤثث لنا هذا الفضاء وتشكيله ، وهو هـذا الفضاء الذي بات جزءًا من روح المسرح والمسرحية ، بغية أن يصبح العمل المسرحـي فعالا ً ومؤثرًا ؛ من هنا تحوّلت الديكورات والمناظر من مجرَّد تأثير بصري بحت إلى التأثيـر البصري سمعي حـسي ، وفـلسـفي .
فكان ولا زال من يستخدم مفردة مصمم السينوغـرافيا كتعبيـر أو كبديل لمفـردة ( مهندس أو مصمم الديكـور / المناظر ) ، دون الأخذ بالاعتبار بأن الفن السينوغرافي يعتمد على التعميق المنهجي والتنظير الفلسفي بجانب تعـدّد الأدوات في سياق التطبيق والممارسة ، فالسينوغـرافيا تجاوزت عنصر الديكورات أو عناصر إيحائية أو مناظر جاثمة على صدر الخشبة ، بل جعلت من الديكور والمناظر والإكسسوار أحد عـناصرها ، وإن كان المسرح الحديث قد تخلى عن مفهوم الديكور التزييني الثابت ، ذلك لأن العملية لم تأتي من منطلق مزاجي أو مجرّد ثقافة مسرحية عامة وعابـرة ، فالسينوغرافيا لا تـُطرَح بصورة اعتباطية في فضاء العرض المسرحي ، فالسينوغـرافيا هي نتاج لتجارب ومهارات وممارسات لوسائل التعبير ، التي يفترض أن يتمتـّع بها السينوغـرافي المختص ، يقـول د. جواد الأسدي : " لا تنبع فكرة السينوغـرافيا من ثرثرة الموبيليا ، ولا من بهرجة الألوان والأضواء ، حتى ولا من الأشكال الهندسية التي تشكل الفراغ تشكيلا ً عضـويـًا... " .
" لقـد أفردت الوقت لمصمم السينوغـرافيا للعناية بدرامية الفن التشكيلي ، وأفسحت لـه المجال ليتبوّأ مكانته ومهمته التشكيلية الدرامية الجمالي ، حتى أضحى المسرح بجهود السينوغراف ، قطعة حيوية حية خلقت ترقيات وابهارات واستمتاعات " ، اتجهت السينوغرافيا إلى أحضان مصمم الديكور المسـرحي دون باقي المهن ، وتـَقـَبـَّـل المصمم هذا التبني ( مع الأخذ بالاعتبار بأن لا يشترط بأن يكون مصمم الديكور سينوغرافيـًا ، لكن يشترط بأن يكون السينوغرافي ملمـًا بتصميم الديكور ) ، بذلك أسندت قضية أكثر عمقــًا وشمولية للسينوغـراف ، الذي أصبح أمرًا مقـلقــًا نسبة للعملية للإخراجية ( لا نقصد المخرج ) ، فنطاق الصلاحيات للسينوغـرافي باتت أوسع ، بل وزاحمت العملية الإخراجية من حيث تلك الشمولية الأوسع وفلسفتها وتنظيراتها وبسبـب تعـدد أدواتهـا .
تسعى السينوغرافيا من وجهة نظر الباحث بالمقام الأول على فن التنسيق التشكيلي وهارمونية العلاقات المرئية والسمعية بيـن مفردات العرض المسرحي بأكمله ( ولعل هذا ينافي مبدأ بأن المسرح يبدأ وينتهي إلى الممثـل ) ؛ الفن السينوغـرافي يعد الممثـل مفردة من مفردات العرض المسرحي ، وهو جزء من لوحة فنية ؛ إن إطلاق العنان للفنـان السينوغـرافي للتعبير عن نفسه من جهة داخل قيوده ، يستطيع بذلك أن يعبّر ويبتكر بهدوء ، لكنه بالمقابل يثـور على هـذه الحدود ، بسبب محاولته لاستكمال أدواته التعبيرية والسعي الحثيث لتوظيفها ، هدفه من ذلك النيل من المتلقي ؛ السينوغرافي قد يضطـر أن يحكم على نفسه بالنفي ، ليس خارج بلاده بل نفي نفسه من داخله ، مما يساعده على البحث في إيجاد ذاته ومراقبتها وحتى صياغتها ، وتفجّر طاقته الإبتكارية الفنية بكل ما تحمله من مضاميـن ومشاعـر ، ولعل ودون أي تمويـل .
فالسينوغـرافيا لا يغيب عنها أمريـن أثنيـن ، أولا ً هـي بالدرجة الأولى فـن بالتالي تنتج عنها مرونة ، ثانيـًا هي اختصاص وعلم ومنها تتولد المنهجية ؛ إن التضاد بين المرونة للحرية الفنية من جهة والمنهجية كاختصاص وقوانين من جهة أخرى ، تجعلنا نتساءل كيف يتم التوفيق بيـن العنصريـن السابقين ؟ ولا نجد معضلة بالتوفيق في ما بين المرونة والمنهجية طالما شعار هـذا الفن وبالدرجة الأولى هو الأخلاق ، وتحديدًا نقصد أخلاق الفن ، وتتحقق المرونة من خلال المعرفة الصادقة لكينونة الفن ، فالفن موجود قبل العلم ، والتجربة أتت قبل العلم ، والفن هـو ليس مصوغات بشرية بل منتجات بشرية طبيعية ، منتجات تتأثر وتأثر بالفرد والمجتمع ، منتجات مبتكرة بأشكال مغايرة ( قد يسميها البعض إبداعـًا ) ، فنون تحرّكها وتفعلها الرّوح الإنسانية ، فأما المنهجية ، فتتدخل بها الأخلاق وتفعلها ، بعد أن يكون الفنان قد عرف روح الفن ، فتتشكل من خلال هـذا نهج ينتهجه الإنسان ؛ فالممارسة الفنية الفعلية تكون بالتالي هي المحك والأرضية ، التي يتم مـن خلالها ترجمة المنهجية ، فالممارسة الفعلية تجلب معها الخبرة ، والخبرة تتأصل بالتجـارب والمنهجيـة .
فمع خوض أغـوار السينوغـرافيا ، هناك مهن قد تستوجب في الكثيـر من الأحيان ، أن يعمل عليها مختصيها ، مع الأخـذ بالاعتبار بأن بعضها تتداخل متشتبك أحيانـًا ، لأن لغـة العمل الفني يخضـع للمعادلة التي تتبنى فكرة بأن 1+1 ليس بالضـرورة أن يكـون الناتـج 2 .
إن ظهور فـن وعلم السينوغـرافيا كمفهوم جديـد مستحدث في الأنظمة المسرحية ، جعـل منه موضع لبس بيـن أوساط المهتمين لا سيما في ممارستنا المسرحية العربية ، وظلت مواضيعه تطرح مع شيئ من الاستحياء ، وبدأت سمة الغموض تتصدّر الخطاب المسرحي العربي حول هـذا المفهـوم ، ولعـل حداثة السينوغـرافيا خـوّ لـت للباحثيـن أو المهتميـن بأن يتواجدوا في وسط هذا الحقـل الواسع ، عـلّ ذلك يكون مدعاة أن يجدوا موطئ قـدم فيه ، فصفة التدافع الخطابي حول مواضيع السينوغـرافيا جعلت من هـذا المفهوم أشبه بمن يبحث عن مكاسـب أو أرصدة ثـقافيـة سينوغـرافية ، فظهـرت لنا فلسفيات متشابكة عـدّة ذات مداخل ومخارج جمّـة ، مما جعلت من الآراء تتأرجح بيـن ذاتية مصمم السينوغـراف من جهة ، والسينوغـرافيا كعلـم وفـن من جهـة ثانيـة .
(( المصادر ))
- دوان لـوز ،3ds max 4 - Workshop ، الـدار العربية للعلـوم ، ط1 ، بيـروت ، 2002 م .
- فرانـك م. هوايتنج ، المدخل إلى الفنون المسرحية ، دار المعرفة للنشـر ، القاهـرة .
- د. نبيل الحفار ، مجلة الحياة المسرحية ، وزارة الثقافـة ، سوريـا ، عـدد 43 ، 1996 م .
- د. إسماعيل شوقي ، التصميم عناصره وأسسه في الفن التشكيلي ، توزيع زهـراء الشــرق ، القاهــرة ، 2001 م .
- د. عبد الرحمن عبده ، مجلة المسـرح ، مجلة شهرية تصدر عـن الهيئـة المصرية العامة للكتـاب ، عـدد 139 / 140 ، يونيـو 2000 م .
- د. إسماعيل شوقي ، التصميم عناصره وأسسه في الفن التشكيلي ، توزيع زهـراء الشــرق ، القاهــرة ، 2001 م .
- د. كمال عيـد ، سينوغرافيا المسـرح عبـر العصـور ، دار الثقافـة للنشر ، القاهـرة ، 1998 م .
- فهد الحارثي ، الجزيــرة ، صحيفة على الإنترنت يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر ، العـدد 10393 ، 13 مارس 2001 م .
- يوسف حمدان ، سينوغرافيا الجسد في المسرح ، ورقة عمل ضمن فعاليات المهرجان المســرحي الرابع المسرحي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ، مملكة البحرين ، مايو 1995 م .
- راشد أحمــد الحمراني ، السينوغرافيا رؤيــة ، ورقة عمل ضمن فعاليات المهرجان المسرحي الرابع المسرحي لمجلس التعاون لدول الخليج العربيـة ، مملكـة البحرين ، مايـو 1995 م .
- د. نديم معلا ، السينوغرافيا المصطلح والدلالة ، مجلة الكويت ، العدد 194 ، 1 ديسمبر 1999 م .
- د. نديم معلا ، في المسرح ( في العرض المسرحي… في النص المسرحي… قضايا نقدية ) ، مركز الاسكندرية للكتاب ، ط1 ، 2000 م .
- د. لويـز ملكية ، الديكـور المسـرحي ، الهيئة المصريـة العامـة للكتاب ، ط3 ، 1990 م ، القاهـرة .
- د. صبري عبد العزيز ، القيم التشكيلية في الصورة المرئية المسرحية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2001 م ، القاهرة .
- جواد الأسدي ، سينوغـرافيا الأمكنة المهجورة ، ورقة عمل ضمن فعاليات المهرجان المسرحي الرابع لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ، البحرين ، مايو 1995 م .
مشعل الموسى ، استاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية ، الكويت
مشعل الموسى (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////?subject=الحوار المتمدن -السينوغرافيا بين النظرية والتطبيق&body=Comments about your article ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)
الحوار المتمدن - العدد: 816 - 2004 / 4 / 26 (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)
أعد مادتها / أ.مشعل الموسى
جرت إحصائية في أميـركا عام 1959 م ، حول روّاد دور السينما والمسرح ومشاهدي التلفزيون ، كانت نتائجها كالآتي : " في هذه الليلة ، سيرتاد دور العرض السينمائية قرابة (6 ملايين ) متفـرِّج ، وسيستمع إلى الإذاعـة ما يزيـد على (40 مليون ) مستمع ، وسيشاهد التلفزيـون أكثـر مـن (80 مليون ) متفرِّج ، في حين لن يزيد عدد من يقبلون على المسرح الدرامي المحترف عن ( 71 ألف ) متفرِّج " ، بالتالي تكون نسبة مرتادي المسرح الدرامي مقارنة مع مرتادي دور العرض السينمائية ( 0.01 % ) ، ونسبة مرتادي المسرح الدرامي إلى مستمعي الإذاعة هي (0.001 %) ، أمّا نسبة مرتادي المسرح الدرامي بالنسبة إلى مشاهدي التلفزيـون فهي تمثـل0.0008 ) % ) .
ولنا أن نتخيل حجم المشكلة ، لو قسنا نسبة مرتادي المسرح الدرامي بالنسبة إلى عـدد سكان أميركا حينها ، نتبيـن إنها لا تتخطى الصفر إلا بقليل وهي تقترب من العـدم ، ومزيد من العـزاء قد يجدهُ المهتمون إذ يتوقفون عند قراءة للنظرة الإجتماعية الإميـركية للمسرح ، فيقـول - فرانك م. هوايتنج*- بصدد هذا الموضوع : " لمن المؤسف أن غالبية أولياء الأمور في أميركا تميل بالرأي بأن إنتاج المخللات مهنة قيّمة متزنة ، في حين ترى في فن إحياء الروائع الأدبية على المسرح شيئـًا يقـرُب من قلة القيمة وعدم الجدوى . إن الناس حقــًا مخلوقـات عجيبـة " .
إحصائيات جرت بأوروبا ، حول أعـداد زوّار عروض الفنون المسرحية كل ٍ في ألمانيا وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا خلال عشـر سنوات ( 1985 / 1995 م ) ، ففيها بلغ تراجع جماهير الأوبرا والبالية إلى ما نسبته (10%) ، أما وضع عروض الميوزيكال فهي في ازدهـار ، ونسبة جمهـور العروض المسرحية قـد تراجعت حتى بلغـت (80 %) مما كانت عليـه .
فمع ما أشارت إليها الإحصائيتيـن وما برز منها من نتائج ( علـّها ) الغيـر المرضية ، من هنا يأتي التساؤل ، لماذا ندرس المسرح ؟ " الإنسان ابتكر ثلاث وسائل كي يجعل للحياة معنى : الديـن ، والفن ، والفلسفة ، والفن الذي يقع في منتصف الطريـق بين الدين والفلسفة ، الذي يعطي معنى للحياة فيأخذ بنصيب من تحقيـق الدين لذاتية المجهول تحقيقــًا إنفعاليـًا ، ومن تفسيـر الفلسفة لهـذا المجهول تفسيـرًا عقـليـًا منطقـيـًا ، وأعظم الفنون وأجلها قـدرًا هي : المسرحية في جميع صورهـا " .
مع ارتفـاع وسمـو مستـوى فنون التمثيـل والإخـراج والتأليـف المسرحـي ، وما آلت إليه مـن تجـارب وإنجـازات ، إزدهـرت أيضًـا فنون أخرى مكملة لهذا الفن الرّاقي والمسايـرة لركبه ، ونشير هنا إلى فن وعلم السينوغـرافيا المسرحية ، السينوغرافيا الـتي أصبحت تحمل معنى المسرحية وتبلور فكرتهـا وتعبّـر عـن أحداثهـا ورؤيتهـا ، بعـد أن كان هـذا الفـن عبارة عـن مجمـوعة نظـم مختلفـة كديكـورات وأزياء ومكيـاج وإضاءات ، أي أن السينوغـرافيا المسرحية بدأت بلعـب دور أكبـر وأكثـر عمقــًا واختصاصـًا ، وشموليـة .
يمارس الإنسان بشكل عام السينوغـرافيا في حياته اليومية بوسائلها البسيطة ، وتتفـاوت تلك الممارسة الفعلية من فرد لآخـر ، وتتمثـل بتلك الديكورات وتوزيع الإكسسوار بمجمل أنحاء وفضاء المنزل على سبيـل المثـل ، وحتى من خلال عملية ارتدائنـا للملابس ، فنحن عندما نقرر أي من تلك الملابس سنرتـدي ، تتشكل لدينا صورة ذهنية تلقائية ، نحدد بها نوع المكان الذي سنتواجد بمحيطه ، ونوعية النشاط الذي سنمارسه هناك ، وإن كان المكان هذا مظلمًا أو مضاء ، شتـاء أو صيف ، داخلي أم خارجي ...إلخ ، فتتكوّن لنا رؤية خاصة بنا ، على ضوء هذا تتحدد لنا نوعية تلك الملابس التي سنرتديها ومدى فعاليتها لذلك المكان " فالتصميـم* عمل أساسي لكل إنسـان" ، فالرّغبة والحاجة في النظـام والتصميم تعـد سمة إنسانيـة أساسيـة ، فمعظم ما يقـوم به الإنسان من الأعمال ، إنما يتضمن قـدرًا من التصميم ، فتلبية الحاجات المادية ومعان ٍ وجدانية والتعبيـر عـن تلك الأشياء أمر حيـوي ، وتنشـأ أهمية التصميـم من هـذه العناصر الضرورية الإنسانية التي تـلبي احتياجات العامـة والخاصـة .
باتت السينوغرافيا على مستوى الإختصاص من ضمن الممارسـة المسرحيـة ، بل وإحـدى العناصر الفاعلة في العرض المسرحي ، فهذا المصطلح حديث الاكتشاف كمفهوم جديد في البيئة المسرحية ، عريق الوجود بعراقة المسرح اليوناني " فهي في اللاتيـنية Skenographile ، وتعني فن زخرفة وتـزييـن المسرح عند اليـونان ، وفي عـصر النهضة تكنيك الـرّسم ، أي رسم وتلوين عمق اللــَّوحة " ، فالسينوغـرافيا بمفهومها الحديثة هي اكتشاف وليس اختراع ، ومرد ذلك لامتداد رحلة تصميم المناظر المسرحية عبر العصور ، لأن تحديد ذلك الخـط الفاصـل بيـن رحلـة تصميـم المناظـر المسرحية والسينوغـرافيا الحديثة هو أمر غير محدّد ، يعزى السبب لذلك التطوّر التدريجي ( وليست النقلة النوعية ) ، إلا أن هـذا المصطلح يبقى الأكثر التباسـًا ، بسبب الحدود العملية والنظرية المنوطة بالسينوغـراف من جهة ، وأدواته التعبيـرية واتساع محيـط السينوغـرافيا من جهـة ثانيـة ، على الرّغـم من رواج السينوغـرافيا وشيـوعها بيـن الأوساط المسارحية كمصطلح ليس إلا .
إن الأبحاث والدراسات المعنية بالسينوغرافيا الحديثة على مستوى التداول والممارسة هي نادرة ، وهذا يعطي العذر بأن تكون السينوغـرافيا موضع غموض وبحث لدى الأوساط الناشطة المعنية بهذا الفن ، وإن وجدت تلك المصادر فهي لا تتعدى كونها اجتهادات ومقالات لبعض المهتميـن بالسينوغـرافيا في محيطنا وواقعنا المسرحي مع غياب التخصص ، كما أن العمر الزّمني القصيـر والمقرون بظهور هذا المفهوم الحديث ، هو مدعاة لظهور الكثيـر من التنظيرات في مضمون السينوغرافية وكيفيتها وحدودها ؛ فالبحث العربي قد لا يجدي بشكل مثمـر إذا ما قيـس بالبحث العالمي ( لا سيما أوروبا ) ، فالبحث في هذا المجال يشكل صعوبة وندرة ، حتى مع اللجوء للـوسائل المعلوماتية الحديثة ( InterNet مع شيء من التحفـظ ) .
على المستوى الأوروبي ، " صدرت منذ الستينيات من القرن العشريـن وحتى اليوم ، مجلات ودوريات متخصصة في علم السينوغـرافيا ، كتعبير جديد " ، وشاع مصطلح السينوغـرافيا مع نهايات الخمسينيات من القرن العشرين ، بعد الحرب العالمية الثانية ، بعقد واحد ، وبدأت السينوغرافيا الحديثة تظهر كعلم من خلال المسرح الأوروبي ، حيث أشاروا لها وإليها واستشعـروا وجودها وتعاملوا معها كعلم وفن مستقـل ، وظلت السينوغرافيا من ضمن الاختصاصات والمهن المسرحية المستحدثة .
أما على المستوى العربي ، " فمصطلح السينوغرافيا ، حديث في الخطاب المسرحي العربي ، لا يزيد على العشـرين عامـًا ( من القرن العشرين ) ، وربما كان المسرحيون المغاربة أول من عرف هذا الفن ( مسرحيـًا ونقديـًا ) لاتصالهم بالثقافة المسرحية الفرنسية "(8) ، وبغـض النظـر عـن مفـردة - ربمـا- التي اعتـلت الخـط والتي تجمح بنا إلى المفاهيم الفرضيـة ، إلا إن تظـل حقيقة ثابتة وهي أن السينوغرافيا مكتشفة من الغير انتقـلت لنا حديثـًا عبر الاستيراد ، " فالسينوغـرافيا مصطلح قديم عـرف بفـن الزّخرفة الأغريقية ، إلا أنها حديثة العهد في المسرح العربي ، باستثناء المسرح التونسي الذي لـه دور في تصديـر هـذا الفن إلى حـد التـّوريط ، خصوصـًا في غياب الرؤيـة الاجتهاديـة ذات الصلة بالميـدان الفلسفـي والبحـث المختبـري " ، ونقلا ً لما ذكره - راشد الحمراني- وبصراحة طريفة لا تخجل : " في البدء كنت أعتـقـد إنها نوع من التقنية الجديـدة والتي تدخـل ضمـن التغريب للعمل المسرحي ، أو لنقـل تقليعة ليست لها وجود شرعي لدينا ، لذلك لم يهتم بها أحد ، وأقـر وأعترف وأنا بكامل قـواي العقلية ، بأني لم أعـرف معنى الكلمة وأدرك أهميتها إلا منذ أشهر فقـط ، كتعريف فقط ، تعريف عام " ؛ إن حضور السينوغـرافيا بمفهومها الحديث في الممارسات العربية المسرحية كاختصاص فهي مقصية ، وإن وجدت فهي بلا شك عملة نادرة وقليلة التداول ، ودخل مصطلح السينوغرافيا ( منذ منتصف الثمانينات من القرن العشرين ) الأدبيات المسرحية العـربية ، وتـداوله بعض المسرحيون بدلالات مختـلفة ( غموضـًا ولبسـًا ) ، شأن معظم المصطلحـات الأدبية والفكرية والفنيـة الوافدة ، ولا زالت الأبحـاث والدراسـات تثـري أجوائهـا وأوراقها ، عَـلَّ ذلك يقـرِّب بيـن ما هـو نظري وتطبيقي ، وبيـن ما هـو معلوم ومجهول .
ولا شك بأن الكلمة والمفردة في العرض المسرحي العربي قد احتل مكانة رئيسة ، فأصبحت الكلمة من الحتميات وتتمتع بمكانة تصل إلى أفـق القداسة ، ومن المؤكد بأن العرض المسرحي لا يستقيم بالدّلالة اللغوية وحـدها دون سواها لأن ببساطة هناك مشاهد ، " ومن هنـا تأتي أهمية الجوانب البصرية في العرض المسرحي : الملابس ، الإضاءة ، الديكور والسينوغـرافيا " ، " وأية مسرحية تظل ناقصة ما لم يتهيأ لها ما تحتاج إليه من حركـة مسرحيـة وألوان وخطـوط وأحجـام إلى جانب ضبـط إيقـاع حركتها مع مناظـرهـا المرئيـة أو المحسوسة في الإطـار العـام لها . " وتبـرز أهمية الإدراك البصـري فـي تحليـل الإبداعـات التشكيلية وبناء الصّورة المرئيـة ، فقـواعد المنظور تعطي للتكويـن الإيحاء بالمكان المتسع داخل فراغ المسـرح " ، لأن العين وبلا شك هي من حـواس الإنسـان الأساسيـة ، فالإدراك البصـري يعتمـد عليـه المتلقي ( المُـشاهد ) لتلقـي المشهـديات ، ولكن هـل هذا المبـدأ يجعـل من السينوغـرافيا بأن لا تتعـدى كونها مفهوم مرئي ؟ وهل هذا يخوّل لعنصر العين بأن تكون هي المسلك الأوحد لترجمة عناصر السينوغـرافيا لكونها وسيلة تعبيـرية مرئية دون الوسيلـة السمعيـة ؟
لقد تبنـَّت السينوغـرافيا عدّة عـناصر في أكنافهـا وهي عملية تطويع لحركة فنون العمارة والمناظر والأزياء والمكياج والإضاءة والألوان والسمعيات ، حتى ذهبت السينوغرافيا لتنال من تشكيلات جسد الممثـل ، وكيفية تلك الطـّرق المثـلى لتوظيف ما سبق ذكره في الفضاء المسرحي ، وكأن الفنون هي عبارة عن إكسسـوارات ليتم تشكيلهـا وتوظيفـها لتؤثث لنا هذا الفضاء وتشكيله ، وهو هـذا الفضاء الذي بات جزءًا من روح المسرح والمسرحية ، بغية أن يصبح العمل المسرحـي فعالا ً ومؤثرًا ؛ من هنا تحوّلت الديكورات والمناظر من مجرَّد تأثير بصري بحت إلى التأثيـر البصري سمعي حـسي ، وفـلسـفي .
فكان ولا زال من يستخدم مفردة مصمم السينوغـرافيا كتعبيـر أو كبديل لمفـردة ( مهندس أو مصمم الديكـور / المناظر ) ، دون الأخذ بالاعتبار بأن الفن السينوغرافي يعتمد على التعميق المنهجي والتنظير الفلسفي بجانب تعـدّد الأدوات في سياق التطبيق والممارسة ، فالسينوغـرافيا تجاوزت عنصر الديكورات أو عناصر إيحائية أو مناظر جاثمة على صدر الخشبة ، بل جعلت من الديكور والمناظر والإكسسوار أحد عـناصرها ، وإن كان المسرح الحديث قد تخلى عن مفهوم الديكور التزييني الثابت ، ذلك لأن العملية لم تأتي من منطلق مزاجي أو مجرّد ثقافة مسرحية عامة وعابـرة ، فالسينوغرافيا لا تـُطرَح بصورة اعتباطية في فضاء العرض المسرحي ، فالسينوغـرافيا هي نتاج لتجارب ومهارات وممارسات لوسائل التعبير ، التي يفترض أن يتمتـّع بها السينوغـرافي المختص ، يقـول د. جواد الأسدي : " لا تنبع فكرة السينوغـرافيا من ثرثرة الموبيليا ، ولا من بهرجة الألوان والأضواء ، حتى ولا من الأشكال الهندسية التي تشكل الفراغ تشكيلا ً عضـويـًا... " .
" لقـد أفردت الوقت لمصمم السينوغـرافيا للعناية بدرامية الفن التشكيلي ، وأفسحت لـه المجال ليتبوّأ مكانته ومهمته التشكيلية الدرامية الجمالي ، حتى أضحى المسرح بجهود السينوغراف ، قطعة حيوية حية خلقت ترقيات وابهارات واستمتاعات " ، اتجهت السينوغرافيا إلى أحضان مصمم الديكور المسـرحي دون باقي المهن ، وتـَقـَبـَّـل المصمم هذا التبني ( مع الأخذ بالاعتبار بأن لا يشترط بأن يكون مصمم الديكور سينوغرافيـًا ، لكن يشترط بأن يكون السينوغرافي ملمـًا بتصميم الديكور ) ، بذلك أسندت قضية أكثر عمقــًا وشمولية للسينوغـراف ، الذي أصبح أمرًا مقـلقــًا نسبة للعملية للإخراجية ( لا نقصد المخرج ) ، فنطاق الصلاحيات للسينوغـرافي باتت أوسع ، بل وزاحمت العملية الإخراجية من حيث تلك الشمولية الأوسع وفلسفتها وتنظيراتها وبسبـب تعـدد أدواتهـا .
تسعى السينوغرافيا من وجهة نظر الباحث بالمقام الأول على فن التنسيق التشكيلي وهارمونية العلاقات المرئية والسمعية بيـن مفردات العرض المسرحي بأكمله ( ولعل هذا ينافي مبدأ بأن المسرح يبدأ وينتهي إلى الممثـل ) ؛ الفن السينوغـرافي يعد الممثـل مفردة من مفردات العرض المسرحي ، وهو جزء من لوحة فنية ؛ إن إطلاق العنان للفنـان السينوغـرافي للتعبير عن نفسه من جهة داخل قيوده ، يستطيع بذلك أن يعبّر ويبتكر بهدوء ، لكنه بالمقابل يثـور على هـذه الحدود ، بسبب محاولته لاستكمال أدواته التعبيرية والسعي الحثيث لتوظيفها ، هدفه من ذلك النيل من المتلقي ؛ السينوغرافي قد يضطـر أن يحكم على نفسه بالنفي ، ليس خارج بلاده بل نفي نفسه من داخله ، مما يساعده على البحث في إيجاد ذاته ومراقبتها وحتى صياغتها ، وتفجّر طاقته الإبتكارية الفنية بكل ما تحمله من مضاميـن ومشاعـر ، ولعل ودون أي تمويـل .
فالسينوغـرافيا لا يغيب عنها أمريـن أثنيـن ، أولا ً هـي بالدرجة الأولى فـن بالتالي تنتج عنها مرونة ، ثانيـًا هي اختصاص وعلم ومنها تتولد المنهجية ؛ إن التضاد بين المرونة للحرية الفنية من جهة والمنهجية كاختصاص وقوانين من جهة أخرى ، تجعلنا نتساءل كيف يتم التوفيق بيـن العنصريـن السابقين ؟ ولا نجد معضلة بالتوفيق في ما بين المرونة والمنهجية طالما شعار هـذا الفن وبالدرجة الأولى هو الأخلاق ، وتحديدًا نقصد أخلاق الفن ، وتتحقق المرونة من خلال المعرفة الصادقة لكينونة الفن ، فالفن موجود قبل العلم ، والتجربة أتت قبل العلم ، والفن هـو ليس مصوغات بشرية بل منتجات بشرية طبيعية ، منتجات تتأثر وتأثر بالفرد والمجتمع ، منتجات مبتكرة بأشكال مغايرة ( قد يسميها البعض إبداعـًا ) ، فنون تحرّكها وتفعلها الرّوح الإنسانية ، فأما المنهجية ، فتتدخل بها الأخلاق وتفعلها ، بعد أن يكون الفنان قد عرف روح الفن ، فتتشكل من خلال هـذا نهج ينتهجه الإنسان ؛ فالممارسة الفنية الفعلية تكون بالتالي هي المحك والأرضية ، التي يتم مـن خلالها ترجمة المنهجية ، فالممارسة الفعلية تجلب معها الخبرة ، والخبرة تتأصل بالتجـارب والمنهجيـة .
فمع خوض أغـوار السينوغـرافيا ، هناك مهن قد تستوجب في الكثيـر من الأحيان ، أن يعمل عليها مختصيها ، مع الأخـذ بالاعتبار بأن بعضها تتداخل متشتبك أحيانـًا ، لأن لغـة العمل الفني يخضـع للمعادلة التي تتبنى فكرة بأن 1+1 ليس بالضـرورة أن يكـون الناتـج 2 .
إن ظهور فـن وعلم السينوغـرافيا كمفهوم جديـد مستحدث في الأنظمة المسرحية ، جعـل منه موضع لبس بيـن أوساط المهتمين لا سيما في ممارستنا المسرحية العربية ، وظلت مواضيعه تطرح مع شيئ من الاستحياء ، وبدأت سمة الغموض تتصدّر الخطاب المسرحي العربي حول هـذا المفهـوم ، ولعـل حداثة السينوغـرافيا خـوّ لـت للباحثيـن أو المهتميـن بأن يتواجدوا في وسط هذا الحقـل الواسع ، عـلّ ذلك يكون مدعاة أن يجدوا موطئ قـدم فيه ، فصفة التدافع الخطابي حول مواضيع السينوغـرافيا جعلت من هـذا المفهوم أشبه بمن يبحث عن مكاسـب أو أرصدة ثـقافيـة سينوغـرافية ، فظهـرت لنا فلسفيات متشابكة عـدّة ذات مداخل ومخارج جمّـة ، مما جعلت من الآراء تتأرجح بيـن ذاتية مصمم السينوغـراف من جهة ، والسينوغـرافيا كعلـم وفـن من جهـة ثانيـة .
(( المصادر ))
- دوان لـوز ،3ds max 4 - Workshop ، الـدار العربية للعلـوم ، ط1 ، بيـروت ، 2002 م .
- فرانـك م. هوايتنج ، المدخل إلى الفنون المسرحية ، دار المعرفة للنشـر ، القاهـرة .
- د. نبيل الحفار ، مجلة الحياة المسرحية ، وزارة الثقافـة ، سوريـا ، عـدد 43 ، 1996 م .
- د. إسماعيل شوقي ، التصميم عناصره وأسسه في الفن التشكيلي ، توزيع زهـراء الشــرق ، القاهــرة ، 2001 م .
- د. عبد الرحمن عبده ، مجلة المسـرح ، مجلة شهرية تصدر عـن الهيئـة المصرية العامة للكتـاب ، عـدد 139 / 140 ، يونيـو 2000 م .
- د. إسماعيل شوقي ، التصميم عناصره وأسسه في الفن التشكيلي ، توزيع زهـراء الشــرق ، القاهــرة ، 2001 م .
- د. كمال عيـد ، سينوغرافيا المسـرح عبـر العصـور ، دار الثقافـة للنشر ، القاهـرة ، 1998 م .
- فهد الحارثي ، الجزيــرة ، صحيفة على الإنترنت يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر ، العـدد 10393 ، 13 مارس 2001 م .
- يوسف حمدان ، سينوغرافيا الجسد في المسرح ، ورقة عمل ضمن فعاليات المهرجان المســرحي الرابع المسرحي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ، مملكة البحرين ، مايو 1995 م .
- راشد أحمــد الحمراني ، السينوغرافيا رؤيــة ، ورقة عمل ضمن فعاليات المهرجان المسرحي الرابع المسرحي لمجلس التعاون لدول الخليج العربيـة ، مملكـة البحرين ، مايـو 1995 م .
- د. نديم معلا ، السينوغرافيا المصطلح والدلالة ، مجلة الكويت ، العدد 194 ، 1 ديسمبر 1999 م .
- د. نديم معلا ، في المسرح ( في العرض المسرحي… في النص المسرحي… قضايا نقدية ) ، مركز الاسكندرية للكتاب ، ط1 ، 2000 م .
- د. لويـز ملكية ، الديكـور المسـرحي ، الهيئة المصريـة العامـة للكتاب ، ط3 ، 1990 م ، القاهـرة .
- د. صبري عبد العزيز ، القيم التشكيلية في الصورة المرئية المسرحية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2001 م ، القاهرة .
- جواد الأسدي ، سينوغـرافيا الأمكنة المهجورة ، ورقة عمل ضمن فعاليات المهرجان المسرحي الرابع لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ، البحرين ، مايو 1995 م .
مشعل الموسى ، استاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية ، الكويت