ASH
16/11/2007, 02:46
ماذا تقول الكنيسة في الإرهاب؟
بقلم البطريرك ميشيل صباح بطريرك القدس للاتين
شارك البطريرك ميشيل صباح ، بطريرك القدس للاتين في المؤتمر الذي نظمته أمانة عمان الكبرى ، تحت عنوان :الإرهاب: الجذور ، الظاهرة، آليات المكافحة، في الفترة 25 - 27 \3\2006 . وبمناسبة الذكرى السنوية الثانية لتفجيرات الفنادق في عمّان ، نعيد هنا نشر المحاضرة التي ألقاها غبطته، وتتحدث عن موقف الكنيسة من الإرهاب ... لما فيها من فائدة روحية ومسيحية وإنسانية .
موضوع تفكيرنا في هذا المؤتمر هو الإرهاب. وإذا تكلمنا على الإرهاب تكلمنا على أمور عدة، أولها سر الشر في حياة الإنسان فردا أو مجتمعا، وثانيا صلة الإرهاب بالدين بما أن الإرهاب يدَّعي العمل باسم الدين والدفاع عنه، وثالثا العلاقة بين الشعوب.
أولا سر الشر في حياة الإنسان فردا أو جماعة.
هو الشر الذي يحدثه الناس في حق الناس. حادثة الحادي عشر من أيلول استرعت انتباه العالم وأوجدت حالة خاصة في العالم في مواجهة شر أسمته الإرهاب. وهناك أحداث كثيرة وحالات كثيرة من الشرور التي نعاني منها، ومنها مآسي الجوع والحروب المتكررة في مختلف بلدان العالم في إفريقيا وفي أميركا اللاتينية وآسيا، وفي عالمنا العربي، في العراق اليوم وفي فلسطين.
يبدأ الشر الجماعي في ذات الإنسان الفرد. جاء في الكتاب المقدس على فم يعقوب الرسول: "من أين تأتي المخاصمات والمعارك بينكم؟ أما تأتي من أهوائكم التي تعترك في أعضائكم؟ تشتهون ولا تنالون، تقتلون وتحسدون، ولا تستطيعون الحصول على ما تريدون فتخاصمون وتعتركون" (يعقوب 4: 1- 2). والله سبحانه وتعالى يتعامل مع جميعنا بصبره الطويل أو بعقابه وثوابه في مرحلة من مراحل حياتنا، قبل الوصول إلى الآخرة، بطريقة لا ندركها. قال السيد المسيح في مَثَل: "إن رجلا زرع زرعا طيبا في حقله. وجاء عدوه فزرع بعده بين القمح زؤانا. فلما نما الزرع ظهر معه الزؤان. فجاء الخدم وقالوا لرب البيت: أتريد أن نستأصل الزؤان من بين الزرع؟ قال : لا، مخافة أن تضرّوا القمح وأنتم تجمعون الزؤان. دعوهما إلى يوم الحصاد... (راجع إنجيل القديس متى 13: 24- 30).
دعوا الخير والشر إلى يوم الحصاد، سواء في الآخرة أو في هذه الحياة نفسها، لأنه ما من خطيئة في حياة فرد أو شعب إلا وتلقى عقابها أو ثوابها في هذه الحياة نفسها. وفي هذا المعنى نفسه،
أي في سر صبر الله أمام شرور الإنسان، قال السيد المسيح أيضا: إن الله "يطلع شمسه على الأشرار والأخيار ويُنـزل المطر على الأبرار والفُجّار" (المصدر نفسه 5: 45). فالله سبحانه صابر على شر الإنسان، وعلى كل أنواع الشرور بما فيها الحروب، ما يقال فيها إنها عادلة وما هي ظالمة، والإرهاب وغيره....
وتاريخ البشرية مليء بشر الحروب. وفي نظر الشعوب كلها، وَلَّدَت الحروبُ أبطالا وحضارات، وقد غاب عن ذهنهم ويغيب عن ذهننا حتى اليوم كيف وُلِدَ الأبطال، أي غابت عن ذهننا حقيقة الموت والتقتيل والكراهية والدماء البشرية المسفوكة في كلا الجانبين، فهي دماء بشرية. وهذا سر ما زال يرافق حضاراتنا اليوم وإيماننا ومفهومنا لدياناتنا وللدفاع عن النفس ولحقوقنا وحقوق الشعوب معنا.
ثانيا :ما هو الإرهاب وما صلته بالدين؟
في إحدى الرسائل الراعوية التي وجهناها إلى أبنائنا المؤمنين، والكلام كان على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومواقف العنف فيه، جاء في الرسالة:"الإرهاب هو ممارسة العنف على طرف ثالث بقصد الضغط على العدو، مثلَ احتجاز رهائن لا مسؤولية لها مباشرة في الصراع. أو هو ممارسة العنف من قبل الدولة أو الجماعات المنظَّمة أو الأفراد على أناس أبرياءَ مثلِ الصغار والأطفال والمدنيين عامة الذين لا ضلع لهم في الصراع، ولو أنهم جزء من الشعب الذي هو طرف في الصراع. مِثلُ ذلك أيضا: إلقاء القذائف على المدنيين، والعقاب الجماعي، ورد الدولة على العنف بعنف مثلِه أو أشدَّ منه، والتعذيب، واختطاف الأشخاص، ومعاقبة الأهل والأقارب بدل الشخص المسؤول، والاغتيـالات في صفوف الخصم، والتفجيرات في الطرق والساحات العامة الخ…
الإرهاب عمل لا منطقي ولا معقول وغير مقبول كوسيلة لحل أي نزاع. ولكن في حالة الإرهاب، المجرمون اثنان: أولا المنفذون للعمل والمخططون له والداعمون له. وثانيا هؤلاء الذين هم سبب في استمرارية أوضاع جائرة تولِّد الإرهاب وتسبِّبه".
في هذا الواقع ماذا تقول الكنيسة؟ إنها تكرر وصية الله سبحانه القائلة: لا تقتل. تُسمِعُها لمن قَتل باسم الله غير مميز بين بريء ومقاتل، ولمن قاتل وقَتل ليحرم شعبا حريته، أو ليسيطر على موارده الطبيعية، أو ليزيل من المنطقة خصما يقدر أن يقف في وجهه. لجميع هؤلاء تقول الكنيسة ويقول الله: لا تقتل.
وفي الإرهاب عنصر آخر هو الدين. يُقتَل الناس باسم الله. ويُقتَلون من غير تمييز بين مقاتل وبريء، وبين طفل وامرأة وشيخ طاعن في السن. ونتساءل: ما هو دور الديانة في كل هذا؟ وما الذي يؤدي إلى المواقف الدينية المتطرفة؟ وأخيرا، أصحيح أن الديانات تولد الحروب وتفرق بين الناس بدلا من أن تقرب بينهم؟
الديانة هي أولا الإيمان بالله الواحد الأحد خالق الكون، وهي ثانيا محبة لجميع خلق الله. قال السيد المسيح: "أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قوتك وكل ذهنك. وأحبب قريبك حبك لنفسك" (ر. لوقا 10: 27؛ ر. تثنية 6: 5 وأحبار 18:19). ولا بد من التوفيق طبعا والتنسيق بين هذه المحبة وبين حق الدفاع عن النفس وعن كرامة كل إنسان. لأن المحبة لا تقبل أي شكل من أشكال الطغيان والظلم، ولا هي تنازل عن أي حق من حقوق الإنسان.
الديانة هي ذاكرة الماضي للشعب وللفرد المؤمن. وهي نور للحاضر والمستقبل. المؤمن الصادق ينظر إلى الصعوبات الحاضرة ويعمل على رأب الصدع بحسب ما تمليه عليه علاقته بربه. وبنور الإيمان في القلب، يَنفَذُ المؤمن إلى إدراك سر الله ومشيئته من وراء الأحداث الحاضرة، وبقوته يتغلب على عقبات الحاضر ومظالمه وإحباطاته وعلى كل ما يبدو فيه مستحيلا. فالديانة في حالات الصراع هي مصدر أمل مؤسس على نور الله.
بقلم البطريرك ميشيل صباح بطريرك القدس للاتين
شارك البطريرك ميشيل صباح ، بطريرك القدس للاتين في المؤتمر الذي نظمته أمانة عمان الكبرى ، تحت عنوان :الإرهاب: الجذور ، الظاهرة، آليات المكافحة، في الفترة 25 - 27 \3\2006 . وبمناسبة الذكرى السنوية الثانية لتفجيرات الفنادق في عمّان ، نعيد هنا نشر المحاضرة التي ألقاها غبطته، وتتحدث عن موقف الكنيسة من الإرهاب ... لما فيها من فائدة روحية ومسيحية وإنسانية .
موضوع تفكيرنا في هذا المؤتمر هو الإرهاب. وإذا تكلمنا على الإرهاب تكلمنا على أمور عدة، أولها سر الشر في حياة الإنسان فردا أو مجتمعا، وثانيا صلة الإرهاب بالدين بما أن الإرهاب يدَّعي العمل باسم الدين والدفاع عنه، وثالثا العلاقة بين الشعوب.
أولا سر الشر في حياة الإنسان فردا أو جماعة.
هو الشر الذي يحدثه الناس في حق الناس. حادثة الحادي عشر من أيلول استرعت انتباه العالم وأوجدت حالة خاصة في العالم في مواجهة شر أسمته الإرهاب. وهناك أحداث كثيرة وحالات كثيرة من الشرور التي نعاني منها، ومنها مآسي الجوع والحروب المتكررة في مختلف بلدان العالم في إفريقيا وفي أميركا اللاتينية وآسيا، وفي عالمنا العربي، في العراق اليوم وفي فلسطين.
يبدأ الشر الجماعي في ذات الإنسان الفرد. جاء في الكتاب المقدس على فم يعقوب الرسول: "من أين تأتي المخاصمات والمعارك بينكم؟ أما تأتي من أهوائكم التي تعترك في أعضائكم؟ تشتهون ولا تنالون، تقتلون وتحسدون، ولا تستطيعون الحصول على ما تريدون فتخاصمون وتعتركون" (يعقوب 4: 1- 2). والله سبحانه وتعالى يتعامل مع جميعنا بصبره الطويل أو بعقابه وثوابه في مرحلة من مراحل حياتنا، قبل الوصول إلى الآخرة، بطريقة لا ندركها. قال السيد المسيح في مَثَل: "إن رجلا زرع زرعا طيبا في حقله. وجاء عدوه فزرع بعده بين القمح زؤانا. فلما نما الزرع ظهر معه الزؤان. فجاء الخدم وقالوا لرب البيت: أتريد أن نستأصل الزؤان من بين الزرع؟ قال : لا، مخافة أن تضرّوا القمح وأنتم تجمعون الزؤان. دعوهما إلى يوم الحصاد... (راجع إنجيل القديس متى 13: 24- 30).
دعوا الخير والشر إلى يوم الحصاد، سواء في الآخرة أو في هذه الحياة نفسها، لأنه ما من خطيئة في حياة فرد أو شعب إلا وتلقى عقابها أو ثوابها في هذه الحياة نفسها. وفي هذا المعنى نفسه،
أي في سر صبر الله أمام شرور الإنسان، قال السيد المسيح أيضا: إن الله "يطلع شمسه على الأشرار والأخيار ويُنـزل المطر على الأبرار والفُجّار" (المصدر نفسه 5: 45). فالله سبحانه صابر على شر الإنسان، وعلى كل أنواع الشرور بما فيها الحروب، ما يقال فيها إنها عادلة وما هي ظالمة، والإرهاب وغيره....
وتاريخ البشرية مليء بشر الحروب. وفي نظر الشعوب كلها، وَلَّدَت الحروبُ أبطالا وحضارات، وقد غاب عن ذهنهم ويغيب عن ذهننا حتى اليوم كيف وُلِدَ الأبطال، أي غابت عن ذهننا حقيقة الموت والتقتيل والكراهية والدماء البشرية المسفوكة في كلا الجانبين، فهي دماء بشرية. وهذا سر ما زال يرافق حضاراتنا اليوم وإيماننا ومفهومنا لدياناتنا وللدفاع عن النفس ولحقوقنا وحقوق الشعوب معنا.
ثانيا :ما هو الإرهاب وما صلته بالدين؟
في إحدى الرسائل الراعوية التي وجهناها إلى أبنائنا المؤمنين، والكلام كان على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومواقف العنف فيه، جاء في الرسالة:"الإرهاب هو ممارسة العنف على طرف ثالث بقصد الضغط على العدو، مثلَ احتجاز رهائن لا مسؤولية لها مباشرة في الصراع. أو هو ممارسة العنف من قبل الدولة أو الجماعات المنظَّمة أو الأفراد على أناس أبرياءَ مثلِ الصغار والأطفال والمدنيين عامة الذين لا ضلع لهم في الصراع، ولو أنهم جزء من الشعب الذي هو طرف في الصراع. مِثلُ ذلك أيضا: إلقاء القذائف على المدنيين، والعقاب الجماعي، ورد الدولة على العنف بعنف مثلِه أو أشدَّ منه، والتعذيب، واختطاف الأشخاص، ومعاقبة الأهل والأقارب بدل الشخص المسؤول، والاغتيـالات في صفوف الخصم، والتفجيرات في الطرق والساحات العامة الخ…
الإرهاب عمل لا منطقي ولا معقول وغير مقبول كوسيلة لحل أي نزاع. ولكن في حالة الإرهاب، المجرمون اثنان: أولا المنفذون للعمل والمخططون له والداعمون له. وثانيا هؤلاء الذين هم سبب في استمرارية أوضاع جائرة تولِّد الإرهاب وتسبِّبه".
في هذا الواقع ماذا تقول الكنيسة؟ إنها تكرر وصية الله سبحانه القائلة: لا تقتل. تُسمِعُها لمن قَتل باسم الله غير مميز بين بريء ومقاتل، ولمن قاتل وقَتل ليحرم شعبا حريته، أو ليسيطر على موارده الطبيعية، أو ليزيل من المنطقة خصما يقدر أن يقف في وجهه. لجميع هؤلاء تقول الكنيسة ويقول الله: لا تقتل.
وفي الإرهاب عنصر آخر هو الدين. يُقتَل الناس باسم الله. ويُقتَلون من غير تمييز بين مقاتل وبريء، وبين طفل وامرأة وشيخ طاعن في السن. ونتساءل: ما هو دور الديانة في كل هذا؟ وما الذي يؤدي إلى المواقف الدينية المتطرفة؟ وأخيرا، أصحيح أن الديانات تولد الحروب وتفرق بين الناس بدلا من أن تقرب بينهم؟
الديانة هي أولا الإيمان بالله الواحد الأحد خالق الكون، وهي ثانيا محبة لجميع خلق الله. قال السيد المسيح: "أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قوتك وكل ذهنك. وأحبب قريبك حبك لنفسك" (ر. لوقا 10: 27؛ ر. تثنية 6: 5 وأحبار 18:19). ولا بد من التوفيق طبعا والتنسيق بين هذه المحبة وبين حق الدفاع عن النفس وعن كرامة كل إنسان. لأن المحبة لا تقبل أي شكل من أشكال الطغيان والظلم، ولا هي تنازل عن أي حق من حقوق الإنسان.
الديانة هي ذاكرة الماضي للشعب وللفرد المؤمن. وهي نور للحاضر والمستقبل. المؤمن الصادق ينظر إلى الصعوبات الحاضرة ويعمل على رأب الصدع بحسب ما تمليه عليه علاقته بربه. وبنور الإيمان في القلب، يَنفَذُ المؤمن إلى إدراك سر الله ومشيئته من وراء الأحداث الحاضرة، وبقوته يتغلب على عقبات الحاضر ومظالمه وإحباطاته وعلى كل ما يبدو فيه مستحيلا. فالديانة في حالات الصراع هي مصدر أمل مؤسس على نور الله.