وائل 76
27/11/2007, 00:16
التطبيع في مواجهة إنهيار إمبراطورية الورق !
_ الدولار عملتنا. وتلك مشكلتكم _ قالها الرئيس الأمريكي الأسبق " نيكسون " في العام 1971 عندما أعلن التخلي عن إرتباط الدولار بالذهب !
تُعرف النقود بأنها أي شيئ يستخدم كوسيط في التبادل , و كأدارة لإبراء الذمة , و يلقى قبولاً عاما من أفراد المجتمع .
المتابع لتطور النقود كوسيلة في التبادل يلاحظ أن الإنتقال من مرحلة المقايضة إلى مرحلة النقود الورقية التي نستخدمها في تعاملاتنا اليومية قد مر بمراحل مختلفة بدأت بمرحلة المقايضة ما بين السلع المختلفة ثم إنتقل التعامل إلى ما يسمى بالنقود " السلعية " حيث إختار كل مجتمع سلعة ما لعبت دور النقود كوسيط في التبادل كأن يُختار القمح مثلاً ليصبح هو معيار لقيمة السلع الأخرى و عليه فإن الجميع يقوم بمبادلة سلعته بالقمح " النقود " في هذه المرحلة .
تطورت المجتمعات البشرية بعد ذلك و وصلنا إلى مرحلة النقود المعدنية حيث كانت تستخدم السبائك الذهبية و الفضية في عملية التبادل و كان الصاغة يقومون بختم تلك السبائك بما يؤكد وزنها و درجة نقائها إلخ تلك المحددات التي تحدد قيمة هذه السبيكة إلى أن تدخلت الدولة هنا و أخذت على عاتقها تحديد الأوزان و إصدار النقود بواسطة بنكها المركزي بعد ذلك .
إلى أن وصلنا إلى إحتكار الدولة المطلق لإصدار النقود بواسطة البنك المركزي الذي أُدخل في ملكية الدولة , بحيث أصبح البنك المركزي في الدولة هو الجهة الوحيدة المخولة بإصدار النقود بحيث يتعهد البنك المركزي بأن يدفع لحاملها كامل قيمتها ذهباً عند الطلب .
الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز يوم الإثنين 19 / 11 / 2007 يقول _ إن امبراطورية الدولار تنهار _ وذلك بعد يوم من دعوة بلاده وحليفته المناهضة للولايات المتحدة إيران الى التحرك حيال ضعف العملة الامريكية خلال قمة أوبك في الرياض و أضاف قائلاً في مؤتمر صحفي جمعه مع " أحمدي نجاد " _ من الطبيعي مع إنهيار الدولار أن تنهار الإمبراطورية الأمريكية !_ .
في قمة " أوبك " المعقودة في عاصمة الإسلام العظيم الرياض " أحمدي نجاد " يسعي لتضمين البيان الختامي نية أعضاء " أوبك " على فك الإرتباط ما بين الدولار و النفط و إستبدال الدولار بسلة عملات حفاظاً على مصالح الدول المنتجة حين وصف الدولار بأنه _ قطعة من الورق لا قيمة لها _ , لكن حامي حياض الإسلام العظيم كان له موقفاً آخر و سعى لعدم تضمين البيان الختامي هذه الفقرة تأصيلاً على أن ذلك سيؤدي إلى _ زيادة الضغوط على الدولار _ المصدر / BBC
إمبراطورية من الورق هذه هي الحقيقة التي إستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية و عبر إداراتها المختلفة ما بين جمهوريين و ديمقراطين إخفائها و التظاهر بأنها القطب الأوحد الذي يملك العالم بل يملك رسم و تحديد مصير البشرية و يملك أيضاً رسم و إعادة هيكلة العالم وفق ما يحقق مصالحها .
إستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية بعد قرار الرئيس " نيكسون " في العام 1971 أن تروج هذه الورقة عديمة القيمة التي أصبح معيار إصدارها هو حاجة التعاملات العالمية لها دون أن يكون لهذه الورقة غطاء من الذهب في البنك المركزي الأمريكي كحال بقية العملات المختلفة وفق الأصل في إصدار النقود الذي تعارفت عليه النظم الإقتصادية منذ نشأت النقود كوسيلة للوفاء و الإبراء و التبادل و تحديد القيمة .
كانت الثقافة الأمريكية بمفهومها الشمولي وسيلة العالم في خداع نفسه و تقبل فكرة حتمية تزعم أمريكا للعالم و التحكم بكل مجرياته بل أن الأحداث السياسية و الإقتصادية العالمية بعد حرب فيتنام و بعد قرار نيكسون أتت وفق سياقات نظرية " نهاية التاريخ " لفوكاياما على إعتبار أن النموذج الليبرالي الغربي هو السبيل و هو المستقبل و هو الحتمية التاريخية , و غدا النموذج الأمريكي الليبرالي بمفهومه الشمولي هو القِبلة و أصبح الإنعتاق من الجذور الثقافية و من التراث بإتجاه هذه الثقافة المادية بكل ما تحمله من محددات و وسائل هو الركيزة الوحيدة في البناء الحضاري لهذه الشعوب _ المخدوعة _ !
أضحت القيم الثقافية و التطور العلمي و التكنلوجي و الصناعي هو الغطاء الحقيقي للدولار بحيث أصبح الدولار هو معيار القيمة في مختلف التعاملات الإقتصادية و التجارية في الأسواق العالمية , بل أصبح " الهمبورجر " مكون ثقافي رئيسي لدى شعوب العالم بفعل تغول هذه الثقافة المادية بأوجهها المختلفة , هذا الأمر أدى إلى أن أصبحت نسبة تعاملات الولايات المتحدة الأمريكة من إجمال التعاملات التجارية العالمية تبلع ما نسبته 30 % من إجمالي التعاملات العالمية , و إستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تصبح طرفاً رئيسي في معظم التعاملات العالمية من خلال علاقاتها بمعظم دول العالم , كل هذا أدى إلى زيادة سطوة الدولار نظراً لزيادة الطلب على هذه الورقة عديمة القيمة , و إستغلت الولايات المتحدة الأمريكية إزدياد الطلب على الدولار بطبع المزيد منه دون أي غطاء الأمر الذي أدى إلى إنخفاض قيمته في كل مرة تطبع فيها الولايات المتحدة الأمريكية دولارات جديدة , إنخفضت قيمة الدولار الشرائية منذ العام 1971 حتى تاريخه 40 مرة بسبب إصدار المزيد من الدولارات في كل مرة تحتاج إليه الخزانة الأمريكية , بعض الإقتصادين يؤكدون أن القيمة الحقيقية للدولار الآن لا تتجاوز 2% من قيمته الحالية !!
جاء إنهيار الإتحاد السوفيتي لتتزعم الولايات المتحدة الأمريكية العالم دون منافس و لتنهار مع إنهيار الإتحاد السوفيتي منظومة الحريات و الديمقراطية التي لطالما تغنت بها الولايات المتحدة الأمريكية أثناء حقبة الحرب الباردة مع الإتحاد السوفيتي .
هذا التطور الكبير أرخى بظلاله على الجانب الإقتصادي و المالي و بدأت مرحلة جديدة بمحددات جديدة فيما يتعلق بـ _ إمبراطورية الورق _ , بدأ التغول في إنشاء القواعد العسكرية الأمريكية في مختلف أصقاع الأرض و بشكل خاص في المناطق القريبة من مصادر الطاقة, و بدأ الإنتشار الأفقي للقوة العسكرية الأمريكية في غياب المنافس الحقيقي لهذا التغول من هنا بدأ مسلسل التحول الدرامتيكي بإتجاه الغطاء العسكري للدولار !
ينبغي علينا هنا أن ندرك أن التحول بإتجاه القوة العسكرية و النفوذ السياسي غطاء للدولار عماد الإمبراطورية الأمريكية زاد من هشاشة هذا البناء الورقي للمنظومة الإقتصادية الأمريكية , على إعتبار أن أي إنتكاسة عسكرية تُمنى بها الولايات المتحدة سيُسرع من وتيرة الإنهيار الحتمي لإمبراطورية الورق .
رغم ذلك أصر المحافظون الجدد بشكل خاص بعد عهد كلينتون _ الذي إستطاع أن يحقق فائض غير مسبوق في الميزان التجاري الأمريكي _ على جعل القوة العسكرية هي الغطاء الوحيد للدولار و للإقتصاد الأمريكي فسقط القناع و بدأ يتكشف الوجه القبيح بعد أن إنهارت منظومة الديمقراطية و الحريات التي ساهمت سابقاً في إعطاء الدولار هذه المكانة التي تفوق مكانته و قيمته الحقيقية عشرات الأضعاف .
كان لقرار الرئيس الراحل صدام حسين إستبدال الدولار باليورو في تعاملاته النفطية بالغ الأثر في الأحداث التي تعرضت لها المنطقة , ذلك أنه أدرك أن النفط فقط هو من يحفظ ماء وجه الدولار في الأسواق العالمية , كان بإمكان دول الخليج في هذه المرحلة دعم هذا التوجه و التخلص من سطوة الدولار و الولايات المتحدة الأمريكية بل كان ذلك كفيل بأفول شمس الحضارة الأمريكية التي إعتمدت حصرياً على هذه الورقة عديمة القيمة .
لكن الدول العربية و بشكل خاص دول الخليج تصدت لهذا التوجه الذي كان من شأنه أن يعيد صياغة خريطة العالم من جديد و إنضمت الدول العربية و دول الخليج بشكل خاص للتحالف الأمريكي و فتحت فضائها و أراضيها و مياهها للقواعد الأمريكية التي كانت تستهدف المنطقة و نفطها و ليس العراق فحسب .
من يتابع السياسة الدولية تحديداً منذ قرار التخلي عن إرتباط الدولار بالذهب كغطاء له تحت الطلب يجد أن التكتلات الدولية بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي في صياغة منظومة مواجهة للحد من سطوة و هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية و لتأسيس لعالم متعدد الأقطاب .
كانت النتيجة ظهور اليورو كمنافش جديد للدولار في الأسواق العالمية , فيما إنتهجت الصين سياسة إغراق الأسواق العالمية بسلعها رخيصة الثمن , فيما بدأت أمريكا اللاتينية في العقد الأخير مشوارها مع التخلص من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية , إلى أن أصبح " تشافيز " يرفض مبادلة نفطه بهذه الورقة عديمة القيمة , بل ذهب إلى أبعد من ذلك و عاد لمرحلة المقايضة بحيث بدأ يقايض نفطه بسلع من الدول المجاورة , لم يكن " تشافيز " وحده هو من تصدى للهيمنة الأمريكية و رفض التعامل بهذه الورقة عديمة القيمة بل إن دولاً في أمريكا اللاتينية حذت خذوه و نذكر هنا الرئيس الإكوادوري " رالف كورا " الذي رفض تمديد ترخيص القاعدة الجوية الأمريكية " مانتا " مقابل حصوله على هذه الورقة عديمة القيمة و طالب بإمتلاك الإكوادور قاعدة عسكرية على الأراضي الأمريكية مقابل إمتلاك أمريكا قاعدة عسكرية في أراضي الإكوادور .
تتصاعد المواجهة على مختلف الجبهات العالمية في مواجهة الدولار و إمبراطوريته الزائفة بالشكل الذي يحفظ الإقتصاد العالمي من الإنهيار أصبح إنتهاء عصر الدولار و الإمبراطورية الأمريكية مسألة وقت ليس أكثر لكن بالشكل الذي يحفظ لهذه التكتلات مصالحها في عدم إنهيار الإقتصاد العالمي .
تتصاعد حدة المواجهة شيئ فشيئ فيما لازال الأعراب يعيشون الخديعة الكبرى و يقبلون عن طيب خاطر أن يكونوا وقود المعركة , بل أن يجيروا ثروات و إمكانات و مصالح دولهم لخدمة الدولار و إمبراطوريته الزائفة , فبدلاً من دعم المقاومة في الجبهات المختلفة التي تشهد إنكسار و تقهقر المشروع الأمريكي كالعراق و فلسطين و أفغانستان تتجه مشايخ و ملوك و أمراء العرب الآن إلى " ميرلاند " لأكل وجبة السمك الدسمة في " أنابوليس " مقابل الثمن الرهيب الذي يتوجب دفعه , ( ستكون أغلى وجبة سمك في التاريخ , سمكات ميرلاند مقابل أرض و تاريخ و شعب و مقدسات ) !
المشروع الأمريكي في المنطقة ينهار بفعل ضربات المقاومة المتتالية و بفعل هذا الصمود الأسطوري لقوى الممانعة و المقاومة في المنطقة . و تنهار مع إنكسارهذا المشروع أحلام أمريكا بالسيطرة على المنطقة و مقدراتها للحفاظ على برجها الورقي الهش من الإنهيار و التقهقر أمام التكتلات الإقتصادية الصاعدة , بالمقابل فإن نعاج النظام الرسمي العربي الذين يملكون المعول الأشد فتكاً بهذا البنيان الورقي الهش يُصّرون على تجير مقدراتهم و أوراق قوتهم لصالح غلبة الدولار في هذه المواجهة المصيرية . !
رغم ذلك تتجه نعاج النظام الرسمي العربي إلى أنابوليس لحفظ ماء وجه الولايات المتحدة الأمريكية بعد الإنكسارات المتتالية التي مُنيت بها في الجبهات المختلفة , و كمحاولة إلتفاف على تيار الممانعة و المقاومة في المنطقة الذي إستطاع بكل قوة و إقتدار أن يوجه صفعاته المتتالية للمشروع الأمريكي , ذهب الأعراب إلى أنابوليس للتطبيع مع ( إسرائيل ) كحقيقة و أمر واقع لا مناص منه . في الوقت الذي كان ينبغي عليهم دعم و تأيد تيار المقاومة و إستنهاض شعوبهم للدخول في المعادلة الدولية الجديدة التي يجري الآن إعادة صياغتها بمعطيات جديدة و أن يكونوا نقطة إرتكاز في هذه المعادلة بما يمتلكون من وسائل قوة تمكنهم من تبؤ مكانة متقدمة في خارطة التكتلات الإقتصادية و السياسية بعد إنتهاء حقبة الهيمنة و السيطرة الأمريكية على شعوب و مقدرات هذه المنطقة التي أصبحت مسألة وقت ليس أكثر , و بدلاً من أن يلعبوا الدور الأساسي في إنهيار إمبراطورية الورق بما يملكون من وسائل و أدوات كـ _ فك الإرتباط بين الدولار و النفط _ على سبيل المثال و أن ينتزعوا حقوق المسلمين و العرب السليبة في العراق و فلسطين و أفغانستان بعد عقود الإستعباد الأمريكي , بدلاً من كل ذلك يتجهون اليوم إلى " أنابوليس " ليكونوا ترساً صغيراً هامشي في منظومة المواجهة الأمريكية ضد التكتلات الدولية و الإقتصاديات الصاعدة .!
هذا هو دورنا التاريخي بفعل نعاج أمتنا من أصحاب السيادة و المعالي من سلاطين و ملوك و أمراء و رؤساء العرب عليهم من الله ما يستحقون .. فليذهبوا ليأكلوا سمك " ميرلاند " الشهي لكن ليكونوا على يقين أن المستقبل لن يكون سوى للصاعدين من تحت الركام !
_ الدولار عملتنا. وتلك مشكلتكم _ قالها الرئيس الأمريكي الأسبق " نيكسون " في العام 1971 عندما أعلن التخلي عن إرتباط الدولار بالذهب !
تُعرف النقود بأنها أي شيئ يستخدم كوسيط في التبادل , و كأدارة لإبراء الذمة , و يلقى قبولاً عاما من أفراد المجتمع .
المتابع لتطور النقود كوسيلة في التبادل يلاحظ أن الإنتقال من مرحلة المقايضة إلى مرحلة النقود الورقية التي نستخدمها في تعاملاتنا اليومية قد مر بمراحل مختلفة بدأت بمرحلة المقايضة ما بين السلع المختلفة ثم إنتقل التعامل إلى ما يسمى بالنقود " السلعية " حيث إختار كل مجتمع سلعة ما لعبت دور النقود كوسيط في التبادل كأن يُختار القمح مثلاً ليصبح هو معيار لقيمة السلع الأخرى و عليه فإن الجميع يقوم بمبادلة سلعته بالقمح " النقود " في هذه المرحلة .
تطورت المجتمعات البشرية بعد ذلك و وصلنا إلى مرحلة النقود المعدنية حيث كانت تستخدم السبائك الذهبية و الفضية في عملية التبادل و كان الصاغة يقومون بختم تلك السبائك بما يؤكد وزنها و درجة نقائها إلخ تلك المحددات التي تحدد قيمة هذه السبيكة إلى أن تدخلت الدولة هنا و أخذت على عاتقها تحديد الأوزان و إصدار النقود بواسطة بنكها المركزي بعد ذلك .
إلى أن وصلنا إلى إحتكار الدولة المطلق لإصدار النقود بواسطة البنك المركزي الذي أُدخل في ملكية الدولة , بحيث أصبح البنك المركزي في الدولة هو الجهة الوحيدة المخولة بإصدار النقود بحيث يتعهد البنك المركزي بأن يدفع لحاملها كامل قيمتها ذهباً عند الطلب .
الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز يوم الإثنين 19 / 11 / 2007 يقول _ إن امبراطورية الدولار تنهار _ وذلك بعد يوم من دعوة بلاده وحليفته المناهضة للولايات المتحدة إيران الى التحرك حيال ضعف العملة الامريكية خلال قمة أوبك في الرياض و أضاف قائلاً في مؤتمر صحفي جمعه مع " أحمدي نجاد " _ من الطبيعي مع إنهيار الدولار أن تنهار الإمبراطورية الأمريكية !_ .
في قمة " أوبك " المعقودة في عاصمة الإسلام العظيم الرياض " أحمدي نجاد " يسعي لتضمين البيان الختامي نية أعضاء " أوبك " على فك الإرتباط ما بين الدولار و النفط و إستبدال الدولار بسلة عملات حفاظاً على مصالح الدول المنتجة حين وصف الدولار بأنه _ قطعة من الورق لا قيمة لها _ , لكن حامي حياض الإسلام العظيم كان له موقفاً آخر و سعى لعدم تضمين البيان الختامي هذه الفقرة تأصيلاً على أن ذلك سيؤدي إلى _ زيادة الضغوط على الدولار _ المصدر / BBC
إمبراطورية من الورق هذه هي الحقيقة التي إستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية و عبر إداراتها المختلفة ما بين جمهوريين و ديمقراطين إخفائها و التظاهر بأنها القطب الأوحد الذي يملك العالم بل يملك رسم و تحديد مصير البشرية و يملك أيضاً رسم و إعادة هيكلة العالم وفق ما يحقق مصالحها .
إستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية بعد قرار الرئيس " نيكسون " في العام 1971 أن تروج هذه الورقة عديمة القيمة التي أصبح معيار إصدارها هو حاجة التعاملات العالمية لها دون أن يكون لهذه الورقة غطاء من الذهب في البنك المركزي الأمريكي كحال بقية العملات المختلفة وفق الأصل في إصدار النقود الذي تعارفت عليه النظم الإقتصادية منذ نشأت النقود كوسيلة للوفاء و الإبراء و التبادل و تحديد القيمة .
كانت الثقافة الأمريكية بمفهومها الشمولي وسيلة العالم في خداع نفسه و تقبل فكرة حتمية تزعم أمريكا للعالم و التحكم بكل مجرياته بل أن الأحداث السياسية و الإقتصادية العالمية بعد حرب فيتنام و بعد قرار نيكسون أتت وفق سياقات نظرية " نهاية التاريخ " لفوكاياما على إعتبار أن النموذج الليبرالي الغربي هو السبيل و هو المستقبل و هو الحتمية التاريخية , و غدا النموذج الأمريكي الليبرالي بمفهومه الشمولي هو القِبلة و أصبح الإنعتاق من الجذور الثقافية و من التراث بإتجاه هذه الثقافة المادية بكل ما تحمله من محددات و وسائل هو الركيزة الوحيدة في البناء الحضاري لهذه الشعوب _ المخدوعة _ !
أضحت القيم الثقافية و التطور العلمي و التكنلوجي و الصناعي هو الغطاء الحقيقي للدولار بحيث أصبح الدولار هو معيار القيمة في مختلف التعاملات الإقتصادية و التجارية في الأسواق العالمية , بل أصبح " الهمبورجر " مكون ثقافي رئيسي لدى شعوب العالم بفعل تغول هذه الثقافة المادية بأوجهها المختلفة , هذا الأمر أدى إلى أن أصبحت نسبة تعاملات الولايات المتحدة الأمريكة من إجمال التعاملات التجارية العالمية تبلع ما نسبته 30 % من إجمالي التعاملات العالمية , و إستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تصبح طرفاً رئيسي في معظم التعاملات العالمية من خلال علاقاتها بمعظم دول العالم , كل هذا أدى إلى زيادة سطوة الدولار نظراً لزيادة الطلب على هذه الورقة عديمة القيمة , و إستغلت الولايات المتحدة الأمريكية إزدياد الطلب على الدولار بطبع المزيد منه دون أي غطاء الأمر الذي أدى إلى إنخفاض قيمته في كل مرة تطبع فيها الولايات المتحدة الأمريكية دولارات جديدة , إنخفضت قيمة الدولار الشرائية منذ العام 1971 حتى تاريخه 40 مرة بسبب إصدار المزيد من الدولارات في كل مرة تحتاج إليه الخزانة الأمريكية , بعض الإقتصادين يؤكدون أن القيمة الحقيقية للدولار الآن لا تتجاوز 2% من قيمته الحالية !!
جاء إنهيار الإتحاد السوفيتي لتتزعم الولايات المتحدة الأمريكية العالم دون منافس و لتنهار مع إنهيار الإتحاد السوفيتي منظومة الحريات و الديمقراطية التي لطالما تغنت بها الولايات المتحدة الأمريكية أثناء حقبة الحرب الباردة مع الإتحاد السوفيتي .
هذا التطور الكبير أرخى بظلاله على الجانب الإقتصادي و المالي و بدأت مرحلة جديدة بمحددات جديدة فيما يتعلق بـ _ إمبراطورية الورق _ , بدأ التغول في إنشاء القواعد العسكرية الأمريكية في مختلف أصقاع الأرض و بشكل خاص في المناطق القريبة من مصادر الطاقة, و بدأ الإنتشار الأفقي للقوة العسكرية الأمريكية في غياب المنافس الحقيقي لهذا التغول من هنا بدأ مسلسل التحول الدرامتيكي بإتجاه الغطاء العسكري للدولار !
ينبغي علينا هنا أن ندرك أن التحول بإتجاه القوة العسكرية و النفوذ السياسي غطاء للدولار عماد الإمبراطورية الأمريكية زاد من هشاشة هذا البناء الورقي للمنظومة الإقتصادية الأمريكية , على إعتبار أن أي إنتكاسة عسكرية تُمنى بها الولايات المتحدة سيُسرع من وتيرة الإنهيار الحتمي لإمبراطورية الورق .
رغم ذلك أصر المحافظون الجدد بشكل خاص بعد عهد كلينتون _ الذي إستطاع أن يحقق فائض غير مسبوق في الميزان التجاري الأمريكي _ على جعل القوة العسكرية هي الغطاء الوحيد للدولار و للإقتصاد الأمريكي فسقط القناع و بدأ يتكشف الوجه القبيح بعد أن إنهارت منظومة الديمقراطية و الحريات التي ساهمت سابقاً في إعطاء الدولار هذه المكانة التي تفوق مكانته و قيمته الحقيقية عشرات الأضعاف .
كان لقرار الرئيس الراحل صدام حسين إستبدال الدولار باليورو في تعاملاته النفطية بالغ الأثر في الأحداث التي تعرضت لها المنطقة , ذلك أنه أدرك أن النفط فقط هو من يحفظ ماء وجه الدولار في الأسواق العالمية , كان بإمكان دول الخليج في هذه المرحلة دعم هذا التوجه و التخلص من سطوة الدولار و الولايات المتحدة الأمريكية بل كان ذلك كفيل بأفول شمس الحضارة الأمريكية التي إعتمدت حصرياً على هذه الورقة عديمة القيمة .
لكن الدول العربية و بشكل خاص دول الخليج تصدت لهذا التوجه الذي كان من شأنه أن يعيد صياغة خريطة العالم من جديد و إنضمت الدول العربية و دول الخليج بشكل خاص للتحالف الأمريكي و فتحت فضائها و أراضيها و مياهها للقواعد الأمريكية التي كانت تستهدف المنطقة و نفطها و ليس العراق فحسب .
من يتابع السياسة الدولية تحديداً منذ قرار التخلي عن إرتباط الدولار بالذهب كغطاء له تحت الطلب يجد أن التكتلات الدولية بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي في صياغة منظومة مواجهة للحد من سطوة و هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية و لتأسيس لعالم متعدد الأقطاب .
كانت النتيجة ظهور اليورو كمنافش جديد للدولار في الأسواق العالمية , فيما إنتهجت الصين سياسة إغراق الأسواق العالمية بسلعها رخيصة الثمن , فيما بدأت أمريكا اللاتينية في العقد الأخير مشوارها مع التخلص من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية , إلى أن أصبح " تشافيز " يرفض مبادلة نفطه بهذه الورقة عديمة القيمة , بل ذهب إلى أبعد من ذلك و عاد لمرحلة المقايضة بحيث بدأ يقايض نفطه بسلع من الدول المجاورة , لم يكن " تشافيز " وحده هو من تصدى للهيمنة الأمريكية و رفض التعامل بهذه الورقة عديمة القيمة بل إن دولاً في أمريكا اللاتينية حذت خذوه و نذكر هنا الرئيس الإكوادوري " رالف كورا " الذي رفض تمديد ترخيص القاعدة الجوية الأمريكية " مانتا " مقابل حصوله على هذه الورقة عديمة القيمة و طالب بإمتلاك الإكوادور قاعدة عسكرية على الأراضي الأمريكية مقابل إمتلاك أمريكا قاعدة عسكرية في أراضي الإكوادور .
تتصاعد المواجهة على مختلف الجبهات العالمية في مواجهة الدولار و إمبراطوريته الزائفة بالشكل الذي يحفظ الإقتصاد العالمي من الإنهيار أصبح إنتهاء عصر الدولار و الإمبراطورية الأمريكية مسألة وقت ليس أكثر لكن بالشكل الذي يحفظ لهذه التكتلات مصالحها في عدم إنهيار الإقتصاد العالمي .
تتصاعد حدة المواجهة شيئ فشيئ فيما لازال الأعراب يعيشون الخديعة الكبرى و يقبلون عن طيب خاطر أن يكونوا وقود المعركة , بل أن يجيروا ثروات و إمكانات و مصالح دولهم لخدمة الدولار و إمبراطوريته الزائفة , فبدلاً من دعم المقاومة في الجبهات المختلفة التي تشهد إنكسار و تقهقر المشروع الأمريكي كالعراق و فلسطين و أفغانستان تتجه مشايخ و ملوك و أمراء العرب الآن إلى " ميرلاند " لأكل وجبة السمك الدسمة في " أنابوليس " مقابل الثمن الرهيب الذي يتوجب دفعه , ( ستكون أغلى وجبة سمك في التاريخ , سمكات ميرلاند مقابل أرض و تاريخ و شعب و مقدسات ) !
المشروع الأمريكي في المنطقة ينهار بفعل ضربات المقاومة المتتالية و بفعل هذا الصمود الأسطوري لقوى الممانعة و المقاومة في المنطقة . و تنهار مع إنكسارهذا المشروع أحلام أمريكا بالسيطرة على المنطقة و مقدراتها للحفاظ على برجها الورقي الهش من الإنهيار و التقهقر أمام التكتلات الإقتصادية الصاعدة , بالمقابل فإن نعاج النظام الرسمي العربي الذين يملكون المعول الأشد فتكاً بهذا البنيان الورقي الهش يُصّرون على تجير مقدراتهم و أوراق قوتهم لصالح غلبة الدولار في هذه المواجهة المصيرية . !
رغم ذلك تتجه نعاج النظام الرسمي العربي إلى أنابوليس لحفظ ماء وجه الولايات المتحدة الأمريكية بعد الإنكسارات المتتالية التي مُنيت بها في الجبهات المختلفة , و كمحاولة إلتفاف على تيار الممانعة و المقاومة في المنطقة الذي إستطاع بكل قوة و إقتدار أن يوجه صفعاته المتتالية للمشروع الأمريكي , ذهب الأعراب إلى أنابوليس للتطبيع مع ( إسرائيل ) كحقيقة و أمر واقع لا مناص منه . في الوقت الذي كان ينبغي عليهم دعم و تأيد تيار المقاومة و إستنهاض شعوبهم للدخول في المعادلة الدولية الجديدة التي يجري الآن إعادة صياغتها بمعطيات جديدة و أن يكونوا نقطة إرتكاز في هذه المعادلة بما يمتلكون من وسائل قوة تمكنهم من تبؤ مكانة متقدمة في خارطة التكتلات الإقتصادية و السياسية بعد إنتهاء حقبة الهيمنة و السيطرة الأمريكية على شعوب و مقدرات هذه المنطقة التي أصبحت مسألة وقت ليس أكثر , و بدلاً من أن يلعبوا الدور الأساسي في إنهيار إمبراطورية الورق بما يملكون من وسائل و أدوات كـ _ فك الإرتباط بين الدولار و النفط _ على سبيل المثال و أن ينتزعوا حقوق المسلمين و العرب السليبة في العراق و فلسطين و أفغانستان بعد عقود الإستعباد الأمريكي , بدلاً من كل ذلك يتجهون اليوم إلى " أنابوليس " ليكونوا ترساً صغيراً هامشي في منظومة المواجهة الأمريكية ضد التكتلات الدولية و الإقتصاديات الصاعدة .!
هذا هو دورنا التاريخي بفعل نعاج أمتنا من أصحاب السيادة و المعالي من سلاطين و ملوك و أمراء و رؤساء العرب عليهم من الله ما يستحقون .. فليذهبوا ليأكلوا سمك " ميرلاند " الشهي لكن ليكونوا على يقين أن المستقبل لن يكون سوى للصاعدين من تحت الركام !