Moonlights
07/12/2007, 23:24
عامرة بالشوق تطير روحي الى الأعلى
هيرمان هيسه
ترجمة وتقديم: فوزي محيدلي (لبنان)
المعروف عن هيرمان هيسه الروائي الألماني، حائز نوبل للأدب لعام 1946، انه تأثر بالصوفية الشرقية، وانشغل بانفكاك الفرد عن المجتمع من اجل بلوغ حالة الارتواء الروحي. قلة من القراء يعلمون ان هيسه كان شاعراً. ولربما قصيدة قصيرة يمكن ان تنطوي على ايقاعات وعمق رواية كاملة. واللافت ان بعض روايات هيسه تنطوي على مقاطع تنضح شعراً، سيما وأن بعض هذه المقاطع يتصف بميزة ليريكية آسرة.
أعمال هيسه سكنها هاجس الفن كطريقة للبحث عن المعرفة، وينشغل بعض شعره بالحنين الى الوطن، بالموت والأبدية، الأبدية التي تقول عنها هيرمين في رواية "ستبينولف": "الأتقياء يسمونها مملكة الله.. وهي مملكة الحقيقة. موسيقى موزار وأعمال الشعراء الكبار تنتمي اليها. القديسون، أيضاً ينتمون اليها، أولئك الذين اجترحوا العجائب واستشهدوا وضربوا مثالاً عظيماً للناس".
في ما يلي باقة من قصائد الشاعر الذي آمن بالحياة الفردية للانسان التي يجب الدفاع عنها ضد طغيان الجماعة وايقاع الحياة المعاصرة. نورد هذه القصائد انطلاقاً من ان البعض في الغرب اعتبر هيسه "قوة حيوية روحية، الرجل الغربي الأعمق اتصالاً بالشرق ـ بصوفية الشرق، بثقافته، ورؤاه المقدسة".
هيرمان هيّسه
(ألمانيا / سويسرا 1877-1962)
أعرف، أنك تسيرين
غالباً ما أتمشى في الشوارع حتى وقت متأخر،
أخفض ناظري، وأحث الخطى، مليئاً بالجزع،
فجأة، وبصمت، قد تنهضين مجدداً
ويتوجب علي التحديث بكل حزنك بمقلتي،
بينما تطالبين بسعادتك، التي ماتت.
***
أعرف، أنك تسيرين خلفي، كل ليلة،
بوقع أقدام خفرة، في ثوب بال
وتسيرين ابتغاء للمال، بائسة المنظر:
الله يعلم ما يعلق بحذائك من أقذار،
الريح تداعب شعرك بفرح عابث ـ
تسيرين، وتسيرين، ولا تجدين منزلاً أبداً.
رافينا
أنا أيضاً كنت في رافينا
تلك المدينة الصغيرة الميتة
فيها الكنائس والوفير من الخرائب
يمكنك القراءة عنها في الكتب.
***
تتجول فيها وأنت تتلفت حولك
الشوارع موحلة، رطبة
ومشدوهة على هذه الحال لألف سنة،
والطحالب والعشب في كل مكان.
***
هذه حال الأغاني القديمة ـ
تصغي اليها، ولا أحد يضحك منشزاً
بل كل ينسحب الى
زمانه حتى يرخي الليل سدوله عليه.
الشاعر
علي فقط، انا المتوحد، المنعزل،
تشع نجوم الليل اللامتناهية،
النافورة الحجرية تهمس بأغنيتها السحرية،
ولي وحدي، لي أنا المتوحد المنعزل
تتحرك الظلال الملونة للسحب المتجولة
كالأحلام فوق الريف الطلق
لا منزل ولا مزرعة،
لا غابة ولا حق الصيد أعطي لي،
ما هو لي لا يملكه أحد،
الجدول المندفع بتهور خلف ستار الغابة،
البحر المخيف،
طنين لعب الأولاد الأشبه بجلبة الطير،
النحيب والغناء في المساء
لرجل يكتم حبه،
معابد الالهة لي أيضاً، ولي أيضاً
بساتين الماضي الأرستقراطية.
وكذلك الحال، قبة
السماء المضيئة في المستقبل هي بيتي:
وغالباً، عامرة بالشوق تطير روحي باندفاع الى الأعلى،
لتحدث في مستقبل الرجال المباركين،
وفي الحب، الذي يسمو فوق القانون،
الحب من الناس الى الناس.
أجدهم كلهم من جديد، وقد تحولوا بجلال:
المزارع، الملك، الحرفي، البحارة المنهمكون،
الراعي والبستاني، جميعهم
يحتفون، شاكرين، بمهرجان مستقبل العالم.
الشاعر وحده غائب
المتوحد الذي يتفرج،
حامل الشوق الانساني، صاحب الصورة الشاحبة
الذي لم يعد من حاجة للمستقبل اليه لاكتمال صيرورة العالم من جديد. العديد من أكاليل الزهور تذوي على قبره،
لكن لا احد يتذكره
الجبال ليلاً
البحيرة سكتت كالميت،
القصب، أسود في نومه،
يهمس في حلمه
ومنتشرة بكثافة في الريف،
تلوح الجبال، منثورة
هي لا ترتاح
تأخذ أنفاساً عميقة، وتتكاتف،
متلاصقة
متنفسة من الأعماق،
محملة بقوى صامتة
أسيرة هوى مضن
ليلاً في أعالي البحار
ليلاً، حين يمرجحني البحر
ويستلقي لمعان النجم الشاحب
على الأمواج العريضة،
عندها احرر نفسي تماماً
من كل نشاط وكل الحب
لأقف صامتاً وأتنفس هواء نقياً،
وحيداً، وحيداً يمرجحني البحر
المنبسط في الهناك، بارداً وصامتاً، بألف ضوء وضوء
بعدها افكر بأصدقائي
ويقع بصري على بصرهم
وأسأل كل واحد منهم، صامتاً، وحيداً:
"هل ما زلت لي؟
هل أساي أساك، وموتي موتك؟
هل تشعر من خلال حبي، من خلال حزني،
بوجود ولو مجرد أنفاس، مجرد صدى؟"
***
والبحر وحده يرد النظرة، صامتاً،
ويبتسم: لا
ولا تأتيني تحية، ولا جواب
الأزهار، أيضاً
الأزهار، أيضاً، تقاسي الموت
مع أنها لم تقترف اثماً
وكذلك، جوهرنا مع انه نقي
لا يعاني سوى مشاعر الحزن فقط
بينما نحن لا نود ان نفهم
ماندعوه إثماً
تشربه الشمس
يوافينا خارجاً من الحناجر النقية
للأزهار، ومن الضوع والنظرة القلقة للأطفال.
ومع موت الأزهار،
نموت، أيضاً،
فقط موت الخلاص،
فقط موت الانبعاث
الزمن الرديء"
الآن نحن صامتون،
ولم نعد نشدو بالأغاني،
خطواتنا امست ثقيلة،
هذا هو الليل المقدر قدومه.
***
أعطني يدك،
ربما لم تزل أمامنا درب طويلة نسيرها
إنها تثلج، إنها تثلج
الشتاء شأن صعب في بلد غريب.
***
أين هو الزمن
الذي كان فيه النور، والمدفأة يضطرمان لنا!
أعطني يدك!
لعله لم تزل أمامنا درب طويلة نقطعها.
القدر
في معمعة غضبنا وتشوشنا
نتصرف كالأطفال، دون وازع،
هاربين من أنفسنا،
أسرى الخزي السخيف.
***
تمر السنوات متثاقلة
بآلامها، مسكونة بأمل الانتظار
ولا درب واحداً يعيدنا
إلى حديقة شبابنا
طفولة
يا وادي الأقصى،
سحرت وتلاشيت
مرات عدة، وسط حزني وكربي،
أومأت اليّ من أرض ظلالك
صوب الأعالي
وفتحت عينيك الاسطورية
حتى فقدت ذاتي بين يديك كلياً
بعد ان تهت في وهم عجول.
***
أواه، يا البوابات المعتمة
أواه، يا ساعة الموت المعتمة
تقدمي
لأتعافى من خواء هذه الحياة
وأعود الى أحلامي الخاصة
كم ثقيلة الأيام
كم ثقيلة هي الأيام
ليس من جذوة نار تدفئني،
لا شمس تشاركني الضحك،
كل شيء عار
كل شيء بارد وبلا رحمة،
وحتى النجوم الجميلة، الصافية
تنظر بدهشة الى الأسفل،
منذ ان أدرك فؤادي
ان الحب يموت
دونك
ليلاً تحدث بي وسادتي
فارغة كبلاطة القبر،
لم ادر أبداً مدى ما ستكونه مرارتي
وحيداً من دونك،
وألا أغفو بين خصلات شعرك.
***
أستلقي وحيداً في منزل صامت،
المصباح المتدلي انطفأ،
وعلى مهل امد يديّ
لتأنسا بيديك،
وبرفق أضغط فمي الدافئ
باتجاه فمك، وأقبل ذاتي، منهكاً ضعيفاً
ثم فجأة أراني صاحياً
وحولي الليل البارد يزداد صمتاً
النجم في الشباك يشع صافيا
اين شعرك الأشقر،
أين فمك العذب؟
***
الان أشرب الألم في كل مسرة
والسم في كل خمرة،
لم أدر مدى مرارة
أن أكون وحيداً
وحيداً، دونك.
كل الميتات
ذقت كل صنوف الموت،
وسأذوق كل الميتات من جديد،
موت الخشب في الشجرة،
موت الصخر في الجبل،
موت التربة في الرمال،
موت الورقة في عشب الصيف المتيبّس
والموت البشري اللئيم المثير للشفقة.
***
سأولَد من جديد، أزهاراً
شجرة وعشباً. سأولَد من جديد،
سمكاً وغزلاناً، طيراً وفراشات.
ومن أي شكل أتخذه،
سيجرّني الشوق على عتبات السلّم
الى آخر معاناة،
الى معاناة الرجال.
***
أواه، يا القوس المرتجّ،
عندما قبضة الشوق الغاضبة
تأمر طرفي العمر
بالدنو من بعضهما!
مع ذلك غالباً، ومرة إثر مرة،
أراكَ تعود وتطاردني من الموت الى الولادة
على درب الخليقة المؤلم،
على درب الخليقة المجيد.
هيرمان هيسه
ترجمة وتقديم: فوزي محيدلي (لبنان)
المعروف عن هيرمان هيسه الروائي الألماني، حائز نوبل للأدب لعام 1946، انه تأثر بالصوفية الشرقية، وانشغل بانفكاك الفرد عن المجتمع من اجل بلوغ حالة الارتواء الروحي. قلة من القراء يعلمون ان هيسه كان شاعراً. ولربما قصيدة قصيرة يمكن ان تنطوي على ايقاعات وعمق رواية كاملة. واللافت ان بعض روايات هيسه تنطوي على مقاطع تنضح شعراً، سيما وأن بعض هذه المقاطع يتصف بميزة ليريكية آسرة.
أعمال هيسه سكنها هاجس الفن كطريقة للبحث عن المعرفة، وينشغل بعض شعره بالحنين الى الوطن، بالموت والأبدية، الأبدية التي تقول عنها هيرمين في رواية "ستبينولف": "الأتقياء يسمونها مملكة الله.. وهي مملكة الحقيقة. موسيقى موزار وأعمال الشعراء الكبار تنتمي اليها. القديسون، أيضاً ينتمون اليها، أولئك الذين اجترحوا العجائب واستشهدوا وضربوا مثالاً عظيماً للناس".
في ما يلي باقة من قصائد الشاعر الذي آمن بالحياة الفردية للانسان التي يجب الدفاع عنها ضد طغيان الجماعة وايقاع الحياة المعاصرة. نورد هذه القصائد انطلاقاً من ان البعض في الغرب اعتبر هيسه "قوة حيوية روحية، الرجل الغربي الأعمق اتصالاً بالشرق ـ بصوفية الشرق، بثقافته، ورؤاه المقدسة".
هيرمان هيّسه
(ألمانيا / سويسرا 1877-1962)
أعرف، أنك تسيرين
غالباً ما أتمشى في الشوارع حتى وقت متأخر،
أخفض ناظري، وأحث الخطى، مليئاً بالجزع،
فجأة، وبصمت، قد تنهضين مجدداً
ويتوجب علي التحديث بكل حزنك بمقلتي،
بينما تطالبين بسعادتك، التي ماتت.
***
أعرف، أنك تسيرين خلفي، كل ليلة،
بوقع أقدام خفرة، في ثوب بال
وتسيرين ابتغاء للمال، بائسة المنظر:
الله يعلم ما يعلق بحذائك من أقذار،
الريح تداعب شعرك بفرح عابث ـ
تسيرين، وتسيرين، ولا تجدين منزلاً أبداً.
رافينا
أنا أيضاً كنت في رافينا
تلك المدينة الصغيرة الميتة
فيها الكنائس والوفير من الخرائب
يمكنك القراءة عنها في الكتب.
***
تتجول فيها وأنت تتلفت حولك
الشوارع موحلة، رطبة
ومشدوهة على هذه الحال لألف سنة،
والطحالب والعشب في كل مكان.
***
هذه حال الأغاني القديمة ـ
تصغي اليها، ولا أحد يضحك منشزاً
بل كل ينسحب الى
زمانه حتى يرخي الليل سدوله عليه.
الشاعر
علي فقط، انا المتوحد، المنعزل،
تشع نجوم الليل اللامتناهية،
النافورة الحجرية تهمس بأغنيتها السحرية،
ولي وحدي، لي أنا المتوحد المنعزل
تتحرك الظلال الملونة للسحب المتجولة
كالأحلام فوق الريف الطلق
لا منزل ولا مزرعة،
لا غابة ولا حق الصيد أعطي لي،
ما هو لي لا يملكه أحد،
الجدول المندفع بتهور خلف ستار الغابة،
البحر المخيف،
طنين لعب الأولاد الأشبه بجلبة الطير،
النحيب والغناء في المساء
لرجل يكتم حبه،
معابد الالهة لي أيضاً، ولي أيضاً
بساتين الماضي الأرستقراطية.
وكذلك الحال، قبة
السماء المضيئة في المستقبل هي بيتي:
وغالباً، عامرة بالشوق تطير روحي باندفاع الى الأعلى،
لتحدث في مستقبل الرجال المباركين،
وفي الحب، الذي يسمو فوق القانون،
الحب من الناس الى الناس.
أجدهم كلهم من جديد، وقد تحولوا بجلال:
المزارع، الملك، الحرفي، البحارة المنهمكون،
الراعي والبستاني، جميعهم
يحتفون، شاكرين، بمهرجان مستقبل العالم.
الشاعر وحده غائب
المتوحد الذي يتفرج،
حامل الشوق الانساني، صاحب الصورة الشاحبة
الذي لم يعد من حاجة للمستقبل اليه لاكتمال صيرورة العالم من جديد. العديد من أكاليل الزهور تذوي على قبره،
لكن لا احد يتذكره
الجبال ليلاً
البحيرة سكتت كالميت،
القصب، أسود في نومه،
يهمس في حلمه
ومنتشرة بكثافة في الريف،
تلوح الجبال، منثورة
هي لا ترتاح
تأخذ أنفاساً عميقة، وتتكاتف،
متلاصقة
متنفسة من الأعماق،
محملة بقوى صامتة
أسيرة هوى مضن
ليلاً في أعالي البحار
ليلاً، حين يمرجحني البحر
ويستلقي لمعان النجم الشاحب
على الأمواج العريضة،
عندها احرر نفسي تماماً
من كل نشاط وكل الحب
لأقف صامتاً وأتنفس هواء نقياً،
وحيداً، وحيداً يمرجحني البحر
المنبسط في الهناك، بارداً وصامتاً، بألف ضوء وضوء
بعدها افكر بأصدقائي
ويقع بصري على بصرهم
وأسأل كل واحد منهم، صامتاً، وحيداً:
"هل ما زلت لي؟
هل أساي أساك، وموتي موتك؟
هل تشعر من خلال حبي، من خلال حزني،
بوجود ولو مجرد أنفاس، مجرد صدى؟"
***
والبحر وحده يرد النظرة، صامتاً،
ويبتسم: لا
ولا تأتيني تحية، ولا جواب
الأزهار، أيضاً
الأزهار، أيضاً، تقاسي الموت
مع أنها لم تقترف اثماً
وكذلك، جوهرنا مع انه نقي
لا يعاني سوى مشاعر الحزن فقط
بينما نحن لا نود ان نفهم
ماندعوه إثماً
تشربه الشمس
يوافينا خارجاً من الحناجر النقية
للأزهار، ومن الضوع والنظرة القلقة للأطفال.
ومع موت الأزهار،
نموت، أيضاً،
فقط موت الخلاص،
فقط موت الانبعاث
الزمن الرديء"
الآن نحن صامتون،
ولم نعد نشدو بالأغاني،
خطواتنا امست ثقيلة،
هذا هو الليل المقدر قدومه.
***
أعطني يدك،
ربما لم تزل أمامنا درب طويلة نسيرها
إنها تثلج، إنها تثلج
الشتاء شأن صعب في بلد غريب.
***
أين هو الزمن
الذي كان فيه النور، والمدفأة يضطرمان لنا!
أعطني يدك!
لعله لم تزل أمامنا درب طويلة نقطعها.
القدر
في معمعة غضبنا وتشوشنا
نتصرف كالأطفال، دون وازع،
هاربين من أنفسنا،
أسرى الخزي السخيف.
***
تمر السنوات متثاقلة
بآلامها، مسكونة بأمل الانتظار
ولا درب واحداً يعيدنا
إلى حديقة شبابنا
طفولة
يا وادي الأقصى،
سحرت وتلاشيت
مرات عدة، وسط حزني وكربي،
أومأت اليّ من أرض ظلالك
صوب الأعالي
وفتحت عينيك الاسطورية
حتى فقدت ذاتي بين يديك كلياً
بعد ان تهت في وهم عجول.
***
أواه، يا البوابات المعتمة
أواه، يا ساعة الموت المعتمة
تقدمي
لأتعافى من خواء هذه الحياة
وأعود الى أحلامي الخاصة
كم ثقيلة الأيام
كم ثقيلة هي الأيام
ليس من جذوة نار تدفئني،
لا شمس تشاركني الضحك،
كل شيء عار
كل شيء بارد وبلا رحمة،
وحتى النجوم الجميلة، الصافية
تنظر بدهشة الى الأسفل،
منذ ان أدرك فؤادي
ان الحب يموت
دونك
ليلاً تحدث بي وسادتي
فارغة كبلاطة القبر،
لم ادر أبداً مدى ما ستكونه مرارتي
وحيداً من دونك،
وألا أغفو بين خصلات شعرك.
***
أستلقي وحيداً في منزل صامت،
المصباح المتدلي انطفأ،
وعلى مهل امد يديّ
لتأنسا بيديك،
وبرفق أضغط فمي الدافئ
باتجاه فمك، وأقبل ذاتي، منهكاً ضعيفاً
ثم فجأة أراني صاحياً
وحولي الليل البارد يزداد صمتاً
النجم في الشباك يشع صافيا
اين شعرك الأشقر،
أين فمك العذب؟
***
الان أشرب الألم في كل مسرة
والسم في كل خمرة،
لم أدر مدى مرارة
أن أكون وحيداً
وحيداً، دونك.
كل الميتات
ذقت كل صنوف الموت،
وسأذوق كل الميتات من جديد،
موت الخشب في الشجرة،
موت الصخر في الجبل،
موت التربة في الرمال،
موت الورقة في عشب الصيف المتيبّس
والموت البشري اللئيم المثير للشفقة.
***
سأولَد من جديد، أزهاراً
شجرة وعشباً. سأولَد من جديد،
سمكاً وغزلاناً، طيراً وفراشات.
ومن أي شكل أتخذه،
سيجرّني الشوق على عتبات السلّم
الى آخر معاناة،
الى معاناة الرجال.
***
أواه، يا القوس المرتجّ،
عندما قبضة الشوق الغاضبة
تأمر طرفي العمر
بالدنو من بعضهما!
مع ذلك غالباً، ومرة إثر مرة،
أراكَ تعود وتطاردني من الموت الى الولادة
على درب الخليقة المؤلم،
على درب الخليقة المجيد.