Tarek007
12/07/2005, 18:20
النص الكامل للقاء الرئيس بشار الاسد مع صحيفة نيويورك تايمز
لغز دمشق
نيويورك تايمز- جيمس بينيت
دار الأوبرا في دمشق استغرقت وقتاً طويلاً حتى اكتملت، فقد وضع حجر الأساس لها حافظ الأسد، الرجل العسكري ذي القبضة الحديدية الذي حكم دمشق لثلاثة عقود، وذلك بعد بضع سنوات من توليه رئاسة البلاد، إلا أن نقص المواد والمعدات والظروف الاقتصادية الصعبة إضافة إلى حريق مدمر كلها أدت إلى عرقلة المشروع سنة بعد سنة. ثم آل المشروع إلى ابن الأسد بشار الذي قام بإتمامه وافتتح دار الأسد للأوبرا بصحبة زوجته أسماء العام الماضي. تزدان جدران دار الأوبرا برسوم ومنحوتات لفنانين سوريين، وتقدم فيه أعمال موسيقية لمؤلفين عرب، وبذلك فإن الدار تعكس شيئاً من رؤية الأسد الأب التي أرادها لدمشق وهي أن تكون العاصمة العربية للتنوير الثقافي، إن لم يكن السياسي. حتى اسم حزبه الحاكم هو البعث أي النهضة، ولا شيء يعبر عن النهضة العربية مثل الإنجازات الثقافية.
كان هناك عرض راقص في إحدى أمسيات الشهر الماضي، وتدفق على الدار حشد متباين، اختلطت فيه النساء ذوات الشعور المصففة بالنساء المحجبات، والرجال المرتدين بذلات رسمية بشباب يرتدون الجينز، وعندما قارب الوقت على فتح الستارة، كان الرئيس وزوجته يدخلان القاعة.
كان الرئيس يرتدي بذلة سوداء وقميص رمادي وبدون ربطة عنق، بينما ارتدت زوجته كنزة خضراء بلون البحر وتنورة بيضاء، وكان شعرها الكستنائي الطويل بدون غطاء. معاً كانا منسجمين تماماً مع البناء: فكلاهما طويل القامة، نحيل القوام وفي ريعان الشباب، وكانا يمثلان جوهر الاندماج بين الحضارتين العربية والغربية. الرئيس الأنيق الذي كان طبيباً تحت التدريب، وزوجته الجميلة السورية التي ولدت في بريطانيا وكانت تعمل في مصرف جي بي مورغان، والتي يعتبرها السوريون الأميرة ديانا خاصتهم.
لكن بالنسبة لإدارة بوش والعديد من القادة الأوربيين، وحتى السوريين ذوي التوجه الإصلاحي، فإن كل هذا لا يعدو عن كونه سراباً. الكثير منهم كان يعلق آمالاً كبيرة على الأسد الشاب عندما أتى إلى السلطة بعد وفاة والده قبل خمس سنوات، ولكن منذ ذلك الوقت فإنهم لم يروا سوى وعوداً فارغة وكلمات جوفاء وأساليب دموية مما جعلهم ينقلبون على النظام السوري. منذ نهاية حكم صدام حسين في العراق أصبحت سوريا تتعرض لضغط واستهداف إدارة بوش أكثر من أي دولة عربية أخرى. في كانون الأول 2003 فرض بوش عقوبات اقتصادية على سوريا، وفي شباط قامت الإدارة باستدعاء سفيرتها ولم تعد السفيرة إلى دمشق بعد ذلك.
من الناحية الأيديولوجية والجغرافية، ومن ناحية التوجهات، يعتبر نظام بشار الأسد حجر عثرة في طريق تنفيذ سياسات إدارة بوش الخارجية، بل وفي طريق فلسفة هذه الإدارة نفسها. فسوريا هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لم تعترف بعد بأن بوش جاد في مسألة الإصلاح الشامل، حسب ما أخبرني مسؤول أمريكي رفيع المستوى طلب عدم ذكر اسمه. وبالنسبة لإدارة بوش يعتبر الأسد محارباً يقتل من خلال وكلائه، فهو يسمح للجهاديين بالتدفق نحو العراق، لا بل يشجعهم، ويسمح للأسلحة الإيرانية بالتدفق غرباً لتصل إلى الجماعة المسلحة حزب الله في لبنان. كما أن الإدارة تتهمه بتشجيع الإرهاب في الجنوب ضد إسرائيل من خلال السماح للقادة الفلسطينيين بالعمل في دمشق، وهي ترى فيه دكتاتوراً يعيق نشر الديمقراطية من البحر المتوسط إلى الخليج العربي. وكما يقول بوش فإنه "على المدى البعيد لا يمكن مقايضة الاستقرار على حساب الحرية"، وفي هذه الحالة إذن فإن استقرار سوريا النسبي الذي دام 35 عاماً قد يكون معرضاً للانتهاء.
من وجهة نظر الأسد فإن إدارة بوش هي التي تزرع الفوضى في المنطقة وتحصد منها متطرفين جدداً يهددون سوريا وجيراتها. الأسد مقتنع أنه يقوم بفتح اقتصاده ويستعد لليوم الذي يخسر فيه منصبه بطريقة سلمية من خلال الانتخابات. وعلى الرغم من أنه يعتبر في واشنطن مجرد رئيس شكلي، إلا أنه يقول أنه على وشك تثبيت دعائم سلطته بعد إزاحة من يسمون بالحرس القديم لحكومة والده وتعيين عدد من التكنوقراط المؤمنين بالتغيير. وفي الوقت الذي يراه منتقدوه من السوريين محاصراً داخل النظام الذي أسسه والده، أو متورطاً فيه، أو ببساطة غير واثق مما يريد عمله، إلا أن الأسد يصر على أن لديه خطة لكنه يطبقها بالسرعة التي تستطيع سوريا احتمالها، آخذاً بالاعتبار ماضيها العنيف والانقسامات الاجتماعية فيها. على أية حال فإنه يتصرف كما لو كان يملك الكثير من الوقت. تريثه هذا قد يكون دلالة على الثقة بالنفس، التي يصر منتقدوه أنه يفتقر إليها، أو على إعجاب مفرط بالنفس لدرجة خطيرة، أو ربما الاثنين معاً.
عندما توقف لبرهة داخل دار الأوبرا لكي يلقي التحية، سألت الرئيس بشار ما إذا كان يشعر بالقلق تجاه التقارير التي تقول بأن القوات الأمريكية بدأت عملياتها مجدداً في غرب العراق بالقرب من الحدود السورية، وكانت هذه التقارير قد جددت الشائعات الدائرة في دمشق حول غزو أمريكي وشيك. أجاب الأسد باستهجان: "الولايات المتحدة دولة قوية جداً، وباستطاعتها أن تضرب بسهولة انطلاقاً من البحر المتوسط كما من العراق. المسألة ليست المكان الموجودين فيه، وإنما المسألة هي كيف يتصرفون".
سألته ما إذا كان يشعر بالقلق لكون الأمريكيين قادرين فعلاً على الضرب من أي مكان، فأجاب: "لا" وقد ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه "أعتقد أن التجربة في العراق لم" وتردد قبل أن يضيف "لم تنجح". عندها جاءت زوجته بابتسامة وضاءة وأبعدتني بحركة ناعمة منها قائلة بانكليزيتها المحببة: "نحن خارج العمل الآن".
لم يكن العرض باليه كما كنت أتوقع وإنما نوعاً من المهرجان الشرقي الذي تتراقص فيه العمائم والسيوف المعقوفة والنساء الحافيات الأقدام. كانت قصة عن الصراع بين الخير والشر، الخير يقوده شيخ عجوز وابنه القوي الذي يرتدي ثوباً بلون أسود وذهبي، بينما الشر يتزعمه رجل ضخم حليق الرأس بوشم على شكل ثعبان على ذراعه الأيسر، وكان يرتدي قميصاً من الجلد عليه أزرار لماعة، ويحمل السيف الأكبر على خشبة المسرح.
يبدو أن أخبار سندويش الماكدونالدز "بيغ ماك"، والعملات ذات القابلية التامة للتحويل، ونهاية التاريخ وانتصار الرأسمالية الليبرالية، كلها لم تصل بعد إلى سوريا. على الرغم من أن الأسد بدأ بتحديث البلاد، إلا أن أيديلوجية حزب البعث العربي الاشتراكي ما تزال تهيمن على السياسة والاقتصاد والمجتمع، علماً أنها ليست أداة للمشاركة السياسية بقدر ما هي أداة للسيطرة على الدولة على نطاق واسع. كان العرض الراقص يثير الأحلام الرومانسية للوحدة العربية التي ما تزال حية في سوريا وداخل حزب البعث حتى بعد أن تلاشت في معظم أنحاء العالم العربي. في يوم من الأيام كان هناك حلم ثوري، يتمثل في إزالة كافة الحدود وتوحيد العالم العربي على أسس علمانية، وهذا الحلم كان يروج له الأسد وكان مركزه غالباً هو دمشق، لكنه الآن واقع بين حركتين أكثر ديناميكية: الحركة الإسلامية التي طالما كانت منافسة شديدة له والتي تبحث عن خلافة تتحدى الحدود، يقابلها مطالب بوش والعرب بشرق أوسط ديمقراطي فيه حدود واضحة وحكومات ديمقراطية.
خلال العرض كان الأشرار في البداية منتصرين والأخيار على وشك الاستسلام، وكان الأشرار يسرقون نساءهم ويعتدون عليهم، لكن فيما بعد توحدت القبائل العربية ووقفت في وجه الأشرار. الرجل الذي كان جالساً بجواري بدا مسحوراً بشكل واضح بالعرض وهمس لي قائلاً: "هذا هو تاريخنا".
سألته: التاريخ السوري؟ أجاب: " التاريخ العربي".
وضجت القاعة بالتصفيق والهتافات عندما غنى الكورس قائلين: "لا تسالموهم، لأنهم الأشرار بحق!". في المعركة التي أعقبت ذلك المشهد تمكن صاحب وشم الثعبان من قتل ابن الشيخ بطعنة من الخلف، ثم ساد اليأس أثناء الجنازة، بعدها ساد الفرح مع وصول رجل وسيم من قبيلة أخرى لكي يتزوج ابنة الشيخ. انتهى العرض مع حفل الزفاف ومشهد التحالف والوحدة العربية على الرغم من أن العدو لم يهزم بعد. ولم يأت أحد على ذكر إسرائيل.
تصفيق الأسد للعرض لم يتجاوز الإعجاب السطحي، وبعد أن انحنى الممثلون للحضور بدأ الممثل الذي لعب دور ابن الشيخ بالهتاف الذي لا بد منه: "بالروح بالدم نفديك يا بشار"، لكن الأسد لم يتوقف لسماع الهتاف وهو يغادر القاعة وانتهى الهتاف سريعاً.
وما إن خرجا من القاعة حتى توقف الزوجان لمصافحة الناس والحديث معهم، وتجمع الحضور بالعشرات بالقرب من سيارة الرئيس، والبعض منهم رفعوا هواتفهم الخليوية (التي سمح بشار بدخولها إلى البلاد قبل ثلاث سنوات) لكي يلتقطوا صوراً رقمية. صاحت امرأة "الله يحميكم". بعدها صعدت أسماء إلى السيارة واستلم بشار المقود وانطلق الاثنان وحدهما عبر الشوارع المزدحمة في ليل دمشق الهادئ.
في اليوم التالي سألتُ أسماء الأسد عن رأيها في العرض الراقص فقالت بحذر: "أعتقد أنه كان فيه الكثير من الموهبة". لكنها أضافت: "لا أعتقد أنه يمثل وضع سوريا في أي مرحلة".
إن وضع سوريا، وما الذي يراد له أن يمثل سوريا، أصبح جزءاً من الجدال الدائر حول مستقبل البلاد. كان لدى سوريا إلى حد ما هوية وطنية، لكنها كانت قائمة على أساس رفض الهوية السورية المحلية مقابل قضية أعم وأشمل، لتصبح سوريا "قلب العروبة النابض"، وهذا هو الإرث المعقد المتشابك الذي أورثه الأسد الأب إلى ابنه إلى جانب الرئاسة، كما اورثه مفهوم القومية العربية، احتلال لبنان، شبكة من الفساد، ودولة أمنية. وأصبح السؤال هو ما الذي يمكن عمله تجاه هذا الإرث على يد ابن كان يهيء نفسه ليكون طبيب عيون.
خلال الأيام التالية تحدثت مع الأسد وزوجته في نفس المكان، في مكتب خاص ضمن فيلا صغيرة بلون الرمل تقع على التلال الغربية لدمشق وتطل على المدينة. في المرة الأولى كان الأسد ينتظر بمفرده عند المدخل. وأحنى رأسه قليلاً عندما كنا نتصافح. رأسه وملامحه فوق جسمه النحيل كانا يبدوان صغيرين: عيناه العميقتان والمتقاربتان تجعلان منه شخصا ًمرهوب الجانب. في ذلك الصباح كان شاربه حليقاً ، مع أن الشارب يعتبر الزينة الأساسية لأي ذكر بعثي، ولم يكن قد بقي منه سوى خط رفيع فوق شفته العليا. ثم قادني إلى مكتبه حيث جلسنا على أريكة جلدية، وكان هناك مترجم يجلس بالقرب منه. كان الأسد يتكلم الإنكليزية بلثغة خفيفة وخلال الساعتين لم يستعن بالمترجم إلا في مرات قليلة لتذكر كلمة ما. كان لدى حافظ الأسد سمعة سيئة في التحدث مع زواره طيلة ساعات حيث كان يحاضر فيهم ممتحناً صبرهم. أما ابنه فقد انتظر بكل تهذيب إلى أن ألقيت سؤالي الأول.
بدأت كلامي بالإشارة إلى الجدل في الدائر في واشنطن حول ما إذا كان الأسد فعلاً يسيطر على حكومته، وسألته عن رأيه. ضحك الرئيس وقال: "كان هذا قبل المؤتمر"، مشيراً إلى مؤتمر حزب البعث الذي كان قد انتهى للتو باستبعاد عدد من الشخصيات الرفيعة المستوى. قام الأسد باستبدال جميع أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث البالغ عددهم 21 ما عدا 6 منهم، وإلى جانب الاستبدال قام بتقليص عدد الأعضاء في القيادة القطرية إلى 15.
قال الأسد أنه كان يتابع الجدل في واشنطن، وقال "هناك رأيان مختلفان، واحد يقول هو ليس صاحب السيطرة، والآخر يقول هو دكتاتور. وبذلك فإن هناك تناقضاً". برأي الأسد الوصفان لا يلائمانه: "بموجب القانون والدستور السوري فإن الرئيس يتمتع بالكثير من السلطات. لكن إذا اتخذت القرار بمفردك، سواء كان قراراً كبيراً أم هاماً أم عادياً، فإنك ترتكب الكثير من الأخطاء، لذلك عليك أن تستشير الجميع وهذا هو أسلوبي. ثانياً يقولون: هو متردد، ليس مسيطراً، لأنني آخذ وقتي. أنا فقط لا أتعجل". ثم أشار إلى تغيير آخر أجري خلال المؤتمر، وهو استبدال أهداف الحزب إلى الاقتصاد الاجتماعي بدلاً من الاشتراكية، وقال أن هذا التغيير استغرق 18 شهراً للتحضير له. أنا أعرف أن الأسد طلب من الأمريكيين التحلي بالصبر موضحاً أن الحرس القديم، أي بقايا نظام والده، كانوا يعيقونه. أما الآن فقد أزاح أفراد الحرس القديم فقط لكي يتخلص من نفوذهم. وأضاف: "الآن بعد أن رحلوا فقد حققنا التغيير".
في عهد بشار الأسد أصبحت سوريا أكثر عزلة عن العالم من أي وقت مضى. لا شك أن حافظ الأسد كان له حصته من الأخطاء، فهو لم يبرز تماماً كـ "أسد دمشق" إلا بعد سنوات من توليه الحكم، لكن الأب كان يتمتع بالدعم الكامل من قبل الاتحاد السوفييتي وأنظمة الحرب البادرة، كما أنه خاض مباحثات سلام متقطعة مع إسرائيل مما أعطاه إطاراً للحوار مع الولايات المتحدة. في حين أن بشار لم يتمتع بأي من هذه العوامل، فقد جاء إلى السلطة بعد أن انهارت محادثات السلام عام 2000 حول إعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا والتي احتلتها إسرائيل عام 1967 خلال حرب الأيام الستة. وبعد ذلك بفترة قصيرة اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ثم جاءت أحداث 11 أيلول. من وجهة نظر إدارة بوش فإن الأسد الشاب كان يوقع نفسه في متاعب أكثر. فوالده دعم حرب الخليج الأولى، أما بشار فقد عارض الحرب على العراق عام 2003، كما أن أجبر اللبنانيين على تغيير دستورهم لتمديد فترة رئاسة إميل لحود الموالي للأسد. ثم في 14 شباط 2005 وقع الانفجار في بيروت الذي راح ضحيته رفيق الحريري و19 شخص آخرين.
أنكر الأسد أن يكون له أي علاقة بمقتل الحريري، وأخبرني أن هناك موالين لسوريا قتلوا أيضاً في لبنان ولم يعرف أحد من المسؤول عن قتلهم، وأضاف: "هنالك على الدوام اغتيالات في لبنان. الحريري كان رجل أعمال دولي ونحن لا نعرف أي شيء عن علاقاته". سألته ما إذا كان يوافق على رأي نشرته إحدى الصحف العربية نقلاً عن الوزيرة السورية بثينة شعبان وقالت فيه أن المخابرات الأمريكية أو الإسرائيلية هي المسؤولة عن الاغتيال، فأجاب: "حتى لو كنت أريد إلقاء اللوم على أي من الأطراف الإقليمية أو الدولية فإنني كرئيس لا أستطيع ذلك. لهذا السبب أيدنا التحقيق الدولي".
في رده على الادعاءات الصادرة عن واشنطن قال الأسد أن سوريا استجابت بشكل كامل لقرار مجلس الأمن الذي يطالبها بسحب جنودها واستخباراتها من لبنان. وعندما سألته عن استعداده لمساعدة الأمم المتحدة على تنفيذ بند آخر من ذلك القرار، أي نزع سلاح حزب الله، هز رأسه نافياًَ وقال: "طلبوا من سوريا ألا تتدخل في لبنان، لذلك هذه ليست قضيتنا".
سألته باعتقاده ماذا تريد منه إدارة بوش، فقال: "لا أعرف، وهذه هي المشكلة", وقال أنه لم يسمع من الأمريكيين سوى المطالبة بإغلاق الحدود السورية العراقية التي تمتد مسافة 300 ميل في الصحراء. "يقولون أنتم لا تقومون بما فيه الكفاية، لكننا نسأل ما المقصود بالكفاية؟". اعترف المسؤولون الأمريكيون أن الحكومة السورية قدمت معلومات قيمة بعد أحداث 11 أيلول، لكنهم يقولون أيضاً أن الأسد كان دائماً يتراجع عندما يتعلق الأمر بالقضاء على التمرد في العراق. ويقولون أيضاً أنه في كانون الثاني عندما قدم له ريتشارد أرميتاج، مساعد وزير الخارجية وقتها، قائمة بالمسؤولين العراقيين السابقين المختبئين في سوريا لم يفعل الأسد شيئاً بهذا الخصوص. لكن الرواية من الجانب السوري مختلفة تماماً: أخبرني مسؤول سوري مرموق طلب عدم ذكر اسمه أنه بعد زيارة أرميتاج قامت سوريا باعتقال وتسليم شخص يشك بأنه زعيم للتمرد، وهو سبعاوي ابراهيم الحسن التكريتي أخو صدام حسين غير الشقيق، ومعه أكثر من 20 شخصاً آخرين. وأضاف أن السوريين لم يطلبوا شيئاً بالمقابل لكنهم طلبوا الحفاظ على سرية التعاون خوفاً من استعداء الرأي العام العربي وإثارة غضب المتطرفين، لكنهم فوجئوا أن الاعتقال الذي قامت به سوريا تصدر صفحات الصحف العالمية، واعتبر هذا العمل من جانب دمشق خيانة وخداعاً. أنكرت سوريا على الفور تورطها في المسألة.
بالمقابل وصف المسؤول الأمريكي المرموق اعتقال سوريا للحسن على أنه محاولة أخرى من قبل الأسد لكي يمارس لعبة والده في الحماية، حيث يقايض ورقة يبحث عنها الأمريكيون مقابل حرية العمل ضد سياسات بوش في مكان آخر. وأضاف المسؤول أن الأسد ببساطة لم يدرك بعد أن إدارة بوش لن تلعب هذه اللعبة بعد الآن.
أخبرني الأسد أنه اعتقل أكثر من 1500 متطرف حاولوا عبور الحدود إلى العراق أو منها، وأن عروضه المتكررة من أجل التعاون مع إدارة بوش في مسألة الحدود لم تلق سوى التجاهل. وتساءل: "في البداية مع من يجب أن نتعاون؟ إذا ذهبت إلى الحدود لن تجد هناك سوى الحراس السوريين على جانبنا. لكن إذا نظرت إلى الجانب العراقي لن ترى أحداً. لا حراس أمريكيين ولا عراقيين. لا أحد".
سألته إن كان يعتقد أن العنف في العراق يعتبر مقاومة مشروعة، لكنه تجنب الإجابة قائلاً أنه طرح السؤال نفسه على العراقيين: "طبعاً فيما يتعلق بالانتحاريين الذين يقتلون العشرات كل يوم لا أحد في هذه المنطقة يعتبر هذا مقاومة مشروعة. لكن في الوقت نفسه يتحدثون عن العراقيين الذين يهاجمون قوات التحالف ويعتبرونها مقاومة".
على الرغم من وجود عقيدة مشتركة في الوحدة العربية لدى كل من البعث العراقي والسوري، إلا أن الجانبين كانا في حالة صراع دائم، وكانا يدبران لبعضهما الانقلابات والانقلابات المضادة. قدم حافظ الأسد الدعم لإيران في حربها مع العراق، وهو قرار اعتبره بشار الأسد أحد الأدلة التي قدمها لي على بعد نظر والده.
قال لي الأسد أنه لم يندم على موقفه المعارض للحرب الأخيرة على العراق، وأنه كان ضد الحرب بشكل عام لعلمه أن سوريا "سوف تدفع ثمن أي تأثيرات جانبية تنتج عن الحرب في العراق"، وهي فعلاً تدفع هذا الثمن الآن. قبل بضعة أيام من مقابلتي مع الأسد أعلنت الحكومة السورية اعتقال رجل وقتل اثنين آخرين كانوا يخططون لهجوم في دمشق لصالح منظمة تطلق على نفسها اسم "جند الشام"، وكلمة الشام تعني سوريا الكبرى التي تتضمن الأردن ولبنان وفلسطين. وفي هذه المقابلة أعطاني الأسد تفاصيل جديدة: قال أن الجماعة كانت تنوي إرسال طفلة بعمر 3 سنوات محملة بالمتفجرات إلى وزارة العدل المكتظة بالمراجعين، وأضاف أيضاً أن السلطات السورية أحبطت العام الماضي خطة للهجوم على السفارة الأمريكية كان سيقوم بها رجل "يحمل قنبلة ورشاشاً". وقال الأسد أن الأمريكيين لم يفهموا ما أسماه "عدوهم المشترك" وهو قوى التطرف الديني والعداء والتي يقول أن سوريا كانت تحاربها منذ الخمسينات. قال: "إن هذه العقلية خطيرة بالنسبة للجميع، سواء في الشرق أو الغرب". وفيما كان يتحدث أبرز خطة من ثلاثة مراحل لعمل الحكومة. قال الأسد أن الأولوية الأولى بالنسبة له هي الاستقرار، ولكي يحقق ذلك، ويقضي على التطرف المتصاعد فإنه بحاجة لأن يحقق الرخاء، ولكن يحقق الرخاء هو بحاجة إلى الديمقراطية.
واعتبر أن المفتاح لتحقيق الازدهار يتمثل في انفتاح الذهن، علماً أنه استخدم كثيراً خلال محادثتنا كلمتي "متفتح الذهن"، و"مغلق الذهن. "عندما نتحدث عن تطوير المجتمع فإننا نتحدث عن أناس متفتحي الذهن، وعندما نتحدث عن الانفتاح فإننا نعنى الحرية: حرية التفكير".
بشار الأسد لم يكن الوريث الأصلي، وإنما الاحتياطي، فأخوه الأكبر باسل كان يهيأ للرئاسة. تربى الاثنان تحت جناح والدهما البعثي، ولم يكونا يشبهان في شيء أولاد صدام حسين في العراق، إذ لم يكن لديهما سمعة سيئة من حيث الفساد الشخصي أو القسوة، ومع ذلك فإنهما كانا مختلفين تماماً عن بعضهما البعض. باسل كان بطل فروسية وتبع طريق والده في الانخراط في الجيش. عندما توفي باسل في حادث سيارة عام 1994 استدعى حافظ الأسد ابنه الثاني من لندن حيث كان يدرس، وأدخله إلى الجيش وبدأ بترقية رتبه العسكرية. عندما أصبح بشار رئيساً اختار أن يزين مكتبه برسومات ومنحوتات عن الأحصنة مأخوذة من مجموعة أخيه. وما تزال صورة باسل بلحيته الكثة ونظارته الشمسية موجودة على الكثير من جدران دمشق.
عندما يسأل عن نفسه فإن بشار يميل إلى استخدام صيغة الشخص المخاطب، وهو أسلوب لغوي يدل على الابتعاد عن الدلالات الذاتية، أي النقيض لاستخدام كلمة "نحن" التفخيمية. عندما سألته ما إذا كان في بعض الأحيان يتمنى لو تابع في مهنته المختارة أي طب العيون أجاب أنه اعتاد على مجيء السوريين إليه طالبين المساعدة، باعتباره ابن أبيه: "قد تكون مجرد إنسان اعتيادي لكنهم لا يعتبرونك اعتيادياً. إنهم يريدون منك المساعدة لأنك شاب في مقتبل العمر، وهكذا تطلع على مشكلات الناس العاديين". يبدو أن الأسد يميل إلى رسم خط بينه كشخص وبين محاولاته لممارسة المهنة التي اختارها والده لنفسه وهي المتحدث باسم العرب. في أيار 2001 عندما كان يستقبل البابا يوحنا بولص الثاني في دمشق قال بشار أن المسيحيين والمسلمين تجمعهما قضية واحدة ضد "أولئك الذين يحاولون اغتيال جميع مبادئ الديانات السماوية بنفس العقلية التي خانوا بها المسيح". ومع ذلك فإنه أثناء جنازة البابا هذا العام اقترب الأسد من الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف وصافحه.
حتى عندما كان الطرفان يتفاوضان في عهد إدارة كلينتون فإن المسؤولين السوريين كانوا يبتعدون دائماً عن أي مصافحة علنية. لكن عندما سألت الأسد عن المصافحة قال عن كاتساف أنه "أحد خلق الله. وأي شخص خلقه الله يجب الاعتراف به". وأضاف: "نحن كسوريين لم نكن في يوم من الأيام متحجري الذهن".
أخبرني الأسد أنه يتحرك باتجاه فتح باب النقاش العام في سوريا، عن طريق السماح بانتقاد النظام. وعندما سألته ما إذا كان يعتقد أن الناس تشعر حقاً بالحرية في التعبير عن آرائها الآن قال: "لا، نحن لا ندعي أننا حققنا الديمقراطية. نحن لا نزعم هذا. إنها طريق طويلة لكننا نسير في هذا الاتجاه. هل الوضع اليوم، وهذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه، يشبه ما كان عليه قبل، لنقل، عشر سنوات؟ إنه يختلف قطعاً. إنه طريق وعلينا أن نجتاز هذا الطريق". ثم أضاف: "هم يريدوننا أن نقفز، لكن لو قفزنا فسوف نقع على رؤوسنا". قلت له أن بعض الإصلاحيين السوريين، وبعد أن راقبوه على مدى خمس سنوات، استنتجوا أنه لم يكن جدياً بشأن التغيير السياسي، فأجاب أنه كان لا بد من وضع الاقتصاد على رأس أولوياته، ثم قال بنفاد صبر: "ماذا يجب أن أطعمهم؟ بيانات؟ أوراق؟ إنهم يريدون أن يأكلوا طعاماً". لقد كان عليه أن يحارب الفساد على الفور، وقال: "إذا لم يكن لدينا حزب جديد، فمن الممكن أن نحصل على حزب بعد سنوات ولن يموت أحد. لكن إذا لم يكن لدينا طعام اليوم فإنهم سيموتون غداً".
نهاية الجزء الاول ..
ترجمة ناديا عطار - سيريانيوز
*نيويورك تايمز : من كبريات الصحف العالمية
لغز دمشق
نيويورك تايمز- جيمس بينيت
دار الأوبرا في دمشق استغرقت وقتاً طويلاً حتى اكتملت، فقد وضع حجر الأساس لها حافظ الأسد، الرجل العسكري ذي القبضة الحديدية الذي حكم دمشق لثلاثة عقود، وذلك بعد بضع سنوات من توليه رئاسة البلاد، إلا أن نقص المواد والمعدات والظروف الاقتصادية الصعبة إضافة إلى حريق مدمر كلها أدت إلى عرقلة المشروع سنة بعد سنة. ثم آل المشروع إلى ابن الأسد بشار الذي قام بإتمامه وافتتح دار الأسد للأوبرا بصحبة زوجته أسماء العام الماضي. تزدان جدران دار الأوبرا برسوم ومنحوتات لفنانين سوريين، وتقدم فيه أعمال موسيقية لمؤلفين عرب، وبذلك فإن الدار تعكس شيئاً من رؤية الأسد الأب التي أرادها لدمشق وهي أن تكون العاصمة العربية للتنوير الثقافي، إن لم يكن السياسي. حتى اسم حزبه الحاكم هو البعث أي النهضة، ولا شيء يعبر عن النهضة العربية مثل الإنجازات الثقافية.
كان هناك عرض راقص في إحدى أمسيات الشهر الماضي، وتدفق على الدار حشد متباين، اختلطت فيه النساء ذوات الشعور المصففة بالنساء المحجبات، والرجال المرتدين بذلات رسمية بشباب يرتدون الجينز، وعندما قارب الوقت على فتح الستارة، كان الرئيس وزوجته يدخلان القاعة.
كان الرئيس يرتدي بذلة سوداء وقميص رمادي وبدون ربطة عنق، بينما ارتدت زوجته كنزة خضراء بلون البحر وتنورة بيضاء، وكان شعرها الكستنائي الطويل بدون غطاء. معاً كانا منسجمين تماماً مع البناء: فكلاهما طويل القامة، نحيل القوام وفي ريعان الشباب، وكانا يمثلان جوهر الاندماج بين الحضارتين العربية والغربية. الرئيس الأنيق الذي كان طبيباً تحت التدريب، وزوجته الجميلة السورية التي ولدت في بريطانيا وكانت تعمل في مصرف جي بي مورغان، والتي يعتبرها السوريون الأميرة ديانا خاصتهم.
لكن بالنسبة لإدارة بوش والعديد من القادة الأوربيين، وحتى السوريين ذوي التوجه الإصلاحي، فإن كل هذا لا يعدو عن كونه سراباً. الكثير منهم كان يعلق آمالاً كبيرة على الأسد الشاب عندما أتى إلى السلطة بعد وفاة والده قبل خمس سنوات، ولكن منذ ذلك الوقت فإنهم لم يروا سوى وعوداً فارغة وكلمات جوفاء وأساليب دموية مما جعلهم ينقلبون على النظام السوري. منذ نهاية حكم صدام حسين في العراق أصبحت سوريا تتعرض لضغط واستهداف إدارة بوش أكثر من أي دولة عربية أخرى. في كانون الأول 2003 فرض بوش عقوبات اقتصادية على سوريا، وفي شباط قامت الإدارة باستدعاء سفيرتها ولم تعد السفيرة إلى دمشق بعد ذلك.
من الناحية الأيديولوجية والجغرافية، ومن ناحية التوجهات، يعتبر نظام بشار الأسد حجر عثرة في طريق تنفيذ سياسات إدارة بوش الخارجية، بل وفي طريق فلسفة هذه الإدارة نفسها. فسوريا هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لم تعترف بعد بأن بوش جاد في مسألة الإصلاح الشامل، حسب ما أخبرني مسؤول أمريكي رفيع المستوى طلب عدم ذكر اسمه. وبالنسبة لإدارة بوش يعتبر الأسد محارباً يقتل من خلال وكلائه، فهو يسمح للجهاديين بالتدفق نحو العراق، لا بل يشجعهم، ويسمح للأسلحة الإيرانية بالتدفق غرباً لتصل إلى الجماعة المسلحة حزب الله في لبنان. كما أن الإدارة تتهمه بتشجيع الإرهاب في الجنوب ضد إسرائيل من خلال السماح للقادة الفلسطينيين بالعمل في دمشق، وهي ترى فيه دكتاتوراً يعيق نشر الديمقراطية من البحر المتوسط إلى الخليج العربي. وكما يقول بوش فإنه "على المدى البعيد لا يمكن مقايضة الاستقرار على حساب الحرية"، وفي هذه الحالة إذن فإن استقرار سوريا النسبي الذي دام 35 عاماً قد يكون معرضاً للانتهاء.
من وجهة نظر الأسد فإن إدارة بوش هي التي تزرع الفوضى في المنطقة وتحصد منها متطرفين جدداً يهددون سوريا وجيراتها. الأسد مقتنع أنه يقوم بفتح اقتصاده ويستعد لليوم الذي يخسر فيه منصبه بطريقة سلمية من خلال الانتخابات. وعلى الرغم من أنه يعتبر في واشنطن مجرد رئيس شكلي، إلا أنه يقول أنه على وشك تثبيت دعائم سلطته بعد إزاحة من يسمون بالحرس القديم لحكومة والده وتعيين عدد من التكنوقراط المؤمنين بالتغيير. وفي الوقت الذي يراه منتقدوه من السوريين محاصراً داخل النظام الذي أسسه والده، أو متورطاً فيه، أو ببساطة غير واثق مما يريد عمله، إلا أن الأسد يصر على أن لديه خطة لكنه يطبقها بالسرعة التي تستطيع سوريا احتمالها، آخذاً بالاعتبار ماضيها العنيف والانقسامات الاجتماعية فيها. على أية حال فإنه يتصرف كما لو كان يملك الكثير من الوقت. تريثه هذا قد يكون دلالة على الثقة بالنفس، التي يصر منتقدوه أنه يفتقر إليها، أو على إعجاب مفرط بالنفس لدرجة خطيرة، أو ربما الاثنين معاً.
عندما توقف لبرهة داخل دار الأوبرا لكي يلقي التحية، سألت الرئيس بشار ما إذا كان يشعر بالقلق تجاه التقارير التي تقول بأن القوات الأمريكية بدأت عملياتها مجدداً في غرب العراق بالقرب من الحدود السورية، وكانت هذه التقارير قد جددت الشائعات الدائرة في دمشق حول غزو أمريكي وشيك. أجاب الأسد باستهجان: "الولايات المتحدة دولة قوية جداً، وباستطاعتها أن تضرب بسهولة انطلاقاً من البحر المتوسط كما من العراق. المسألة ليست المكان الموجودين فيه، وإنما المسألة هي كيف يتصرفون".
سألته ما إذا كان يشعر بالقلق لكون الأمريكيين قادرين فعلاً على الضرب من أي مكان، فأجاب: "لا" وقد ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه "أعتقد أن التجربة في العراق لم" وتردد قبل أن يضيف "لم تنجح". عندها جاءت زوجته بابتسامة وضاءة وأبعدتني بحركة ناعمة منها قائلة بانكليزيتها المحببة: "نحن خارج العمل الآن".
لم يكن العرض باليه كما كنت أتوقع وإنما نوعاً من المهرجان الشرقي الذي تتراقص فيه العمائم والسيوف المعقوفة والنساء الحافيات الأقدام. كانت قصة عن الصراع بين الخير والشر، الخير يقوده شيخ عجوز وابنه القوي الذي يرتدي ثوباً بلون أسود وذهبي، بينما الشر يتزعمه رجل ضخم حليق الرأس بوشم على شكل ثعبان على ذراعه الأيسر، وكان يرتدي قميصاً من الجلد عليه أزرار لماعة، ويحمل السيف الأكبر على خشبة المسرح.
يبدو أن أخبار سندويش الماكدونالدز "بيغ ماك"، والعملات ذات القابلية التامة للتحويل، ونهاية التاريخ وانتصار الرأسمالية الليبرالية، كلها لم تصل بعد إلى سوريا. على الرغم من أن الأسد بدأ بتحديث البلاد، إلا أن أيديلوجية حزب البعث العربي الاشتراكي ما تزال تهيمن على السياسة والاقتصاد والمجتمع، علماً أنها ليست أداة للمشاركة السياسية بقدر ما هي أداة للسيطرة على الدولة على نطاق واسع. كان العرض الراقص يثير الأحلام الرومانسية للوحدة العربية التي ما تزال حية في سوريا وداخل حزب البعث حتى بعد أن تلاشت في معظم أنحاء العالم العربي. في يوم من الأيام كان هناك حلم ثوري، يتمثل في إزالة كافة الحدود وتوحيد العالم العربي على أسس علمانية، وهذا الحلم كان يروج له الأسد وكان مركزه غالباً هو دمشق، لكنه الآن واقع بين حركتين أكثر ديناميكية: الحركة الإسلامية التي طالما كانت منافسة شديدة له والتي تبحث عن خلافة تتحدى الحدود، يقابلها مطالب بوش والعرب بشرق أوسط ديمقراطي فيه حدود واضحة وحكومات ديمقراطية.
خلال العرض كان الأشرار في البداية منتصرين والأخيار على وشك الاستسلام، وكان الأشرار يسرقون نساءهم ويعتدون عليهم، لكن فيما بعد توحدت القبائل العربية ووقفت في وجه الأشرار. الرجل الذي كان جالساً بجواري بدا مسحوراً بشكل واضح بالعرض وهمس لي قائلاً: "هذا هو تاريخنا".
سألته: التاريخ السوري؟ أجاب: " التاريخ العربي".
وضجت القاعة بالتصفيق والهتافات عندما غنى الكورس قائلين: "لا تسالموهم، لأنهم الأشرار بحق!". في المعركة التي أعقبت ذلك المشهد تمكن صاحب وشم الثعبان من قتل ابن الشيخ بطعنة من الخلف، ثم ساد اليأس أثناء الجنازة، بعدها ساد الفرح مع وصول رجل وسيم من قبيلة أخرى لكي يتزوج ابنة الشيخ. انتهى العرض مع حفل الزفاف ومشهد التحالف والوحدة العربية على الرغم من أن العدو لم يهزم بعد. ولم يأت أحد على ذكر إسرائيل.
تصفيق الأسد للعرض لم يتجاوز الإعجاب السطحي، وبعد أن انحنى الممثلون للحضور بدأ الممثل الذي لعب دور ابن الشيخ بالهتاف الذي لا بد منه: "بالروح بالدم نفديك يا بشار"، لكن الأسد لم يتوقف لسماع الهتاف وهو يغادر القاعة وانتهى الهتاف سريعاً.
وما إن خرجا من القاعة حتى توقف الزوجان لمصافحة الناس والحديث معهم، وتجمع الحضور بالعشرات بالقرب من سيارة الرئيس، والبعض منهم رفعوا هواتفهم الخليوية (التي سمح بشار بدخولها إلى البلاد قبل ثلاث سنوات) لكي يلتقطوا صوراً رقمية. صاحت امرأة "الله يحميكم". بعدها صعدت أسماء إلى السيارة واستلم بشار المقود وانطلق الاثنان وحدهما عبر الشوارع المزدحمة في ليل دمشق الهادئ.
في اليوم التالي سألتُ أسماء الأسد عن رأيها في العرض الراقص فقالت بحذر: "أعتقد أنه كان فيه الكثير من الموهبة". لكنها أضافت: "لا أعتقد أنه يمثل وضع سوريا في أي مرحلة".
إن وضع سوريا، وما الذي يراد له أن يمثل سوريا، أصبح جزءاً من الجدال الدائر حول مستقبل البلاد. كان لدى سوريا إلى حد ما هوية وطنية، لكنها كانت قائمة على أساس رفض الهوية السورية المحلية مقابل قضية أعم وأشمل، لتصبح سوريا "قلب العروبة النابض"، وهذا هو الإرث المعقد المتشابك الذي أورثه الأسد الأب إلى ابنه إلى جانب الرئاسة، كما اورثه مفهوم القومية العربية، احتلال لبنان، شبكة من الفساد، ودولة أمنية. وأصبح السؤال هو ما الذي يمكن عمله تجاه هذا الإرث على يد ابن كان يهيء نفسه ليكون طبيب عيون.
خلال الأيام التالية تحدثت مع الأسد وزوجته في نفس المكان، في مكتب خاص ضمن فيلا صغيرة بلون الرمل تقع على التلال الغربية لدمشق وتطل على المدينة. في المرة الأولى كان الأسد ينتظر بمفرده عند المدخل. وأحنى رأسه قليلاً عندما كنا نتصافح. رأسه وملامحه فوق جسمه النحيل كانا يبدوان صغيرين: عيناه العميقتان والمتقاربتان تجعلان منه شخصا ًمرهوب الجانب. في ذلك الصباح كان شاربه حليقاً ، مع أن الشارب يعتبر الزينة الأساسية لأي ذكر بعثي، ولم يكن قد بقي منه سوى خط رفيع فوق شفته العليا. ثم قادني إلى مكتبه حيث جلسنا على أريكة جلدية، وكان هناك مترجم يجلس بالقرب منه. كان الأسد يتكلم الإنكليزية بلثغة خفيفة وخلال الساعتين لم يستعن بالمترجم إلا في مرات قليلة لتذكر كلمة ما. كان لدى حافظ الأسد سمعة سيئة في التحدث مع زواره طيلة ساعات حيث كان يحاضر فيهم ممتحناً صبرهم. أما ابنه فقد انتظر بكل تهذيب إلى أن ألقيت سؤالي الأول.
بدأت كلامي بالإشارة إلى الجدل في الدائر في واشنطن حول ما إذا كان الأسد فعلاً يسيطر على حكومته، وسألته عن رأيه. ضحك الرئيس وقال: "كان هذا قبل المؤتمر"، مشيراً إلى مؤتمر حزب البعث الذي كان قد انتهى للتو باستبعاد عدد من الشخصيات الرفيعة المستوى. قام الأسد باستبدال جميع أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث البالغ عددهم 21 ما عدا 6 منهم، وإلى جانب الاستبدال قام بتقليص عدد الأعضاء في القيادة القطرية إلى 15.
قال الأسد أنه كان يتابع الجدل في واشنطن، وقال "هناك رأيان مختلفان، واحد يقول هو ليس صاحب السيطرة، والآخر يقول هو دكتاتور. وبذلك فإن هناك تناقضاً". برأي الأسد الوصفان لا يلائمانه: "بموجب القانون والدستور السوري فإن الرئيس يتمتع بالكثير من السلطات. لكن إذا اتخذت القرار بمفردك، سواء كان قراراً كبيراً أم هاماً أم عادياً، فإنك ترتكب الكثير من الأخطاء، لذلك عليك أن تستشير الجميع وهذا هو أسلوبي. ثانياً يقولون: هو متردد، ليس مسيطراً، لأنني آخذ وقتي. أنا فقط لا أتعجل". ثم أشار إلى تغيير آخر أجري خلال المؤتمر، وهو استبدال أهداف الحزب إلى الاقتصاد الاجتماعي بدلاً من الاشتراكية، وقال أن هذا التغيير استغرق 18 شهراً للتحضير له. أنا أعرف أن الأسد طلب من الأمريكيين التحلي بالصبر موضحاً أن الحرس القديم، أي بقايا نظام والده، كانوا يعيقونه. أما الآن فقد أزاح أفراد الحرس القديم فقط لكي يتخلص من نفوذهم. وأضاف: "الآن بعد أن رحلوا فقد حققنا التغيير".
في عهد بشار الأسد أصبحت سوريا أكثر عزلة عن العالم من أي وقت مضى. لا شك أن حافظ الأسد كان له حصته من الأخطاء، فهو لم يبرز تماماً كـ "أسد دمشق" إلا بعد سنوات من توليه الحكم، لكن الأب كان يتمتع بالدعم الكامل من قبل الاتحاد السوفييتي وأنظمة الحرب البادرة، كما أنه خاض مباحثات سلام متقطعة مع إسرائيل مما أعطاه إطاراً للحوار مع الولايات المتحدة. في حين أن بشار لم يتمتع بأي من هذه العوامل، فقد جاء إلى السلطة بعد أن انهارت محادثات السلام عام 2000 حول إعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا والتي احتلتها إسرائيل عام 1967 خلال حرب الأيام الستة. وبعد ذلك بفترة قصيرة اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ثم جاءت أحداث 11 أيلول. من وجهة نظر إدارة بوش فإن الأسد الشاب كان يوقع نفسه في متاعب أكثر. فوالده دعم حرب الخليج الأولى، أما بشار فقد عارض الحرب على العراق عام 2003، كما أن أجبر اللبنانيين على تغيير دستورهم لتمديد فترة رئاسة إميل لحود الموالي للأسد. ثم في 14 شباط 2005 وقع الانفجار في بيروت الذي راح ضحيته رفيق الحريري و19 شخص آخرين.
أنكر الأسد أن يكون له أي علاقة بمقتل الحريري، وأخبرني أن هناك موالين لسوريا قتلوا أيضاً في لبنان ولم يعرف أحد من المسؤول عن قتلهم، وأضاف: "هنالك على الدوام اغتيالات في لبنان. الحريري كان رجل أعمال دولي ونحن لا نعرف أي شيء عن علاقاته". سألته ما إذا كان يوافق على رأي نشرته إحدى الصحف العربية نقلاً عن الوزيرة السورية بثينة شعبان وقالت فيه أن المخابرات الأمريكية أو الإسرائيلية هي المسؤولة عن الاغتيال، فأجاب: "حتى لو كنت أريد إلقاء اللوم على أي من الأطراف الإقليمية أو الدولية فإنني كرئيس لا أستطيع ذلك. لهذا السبب أيدنا التحقيق الدولي".
في رده على الادعاءات الصادرة عن واشنطن قال الأسد أن سوريا استجابت بشكل كامل لقرار مجلس الأمن الذي يطالبها بسحب جنودها واستخباراتها من لبنان. وعندما سألته عن استعداده لمساعدة الأمم المتحدة على تنفيذ بند آخر من ذلك القرار، أي نزع سلاح حزب الله، هز رأسه نافياًَ وقال: "طلبوا من سوريا ألا تتدخل في لبنان، لذلك هذه ليست قضيتنا".
سألته باعتقاده ماذا تريد منه إدارة بوش، فقال: "لا أعرف، وهذه هي المشكلة", وقال أنه لم يسمع من الأمريكيين سوى المطالبة بإغلاق الحدود السورية العراقية التي تمتد مسافة 300 ميل في الصحراء. "يقولون أنتم لا تقومون بما فيه الكفاية، لكننا نسأل ما المقصود بالكفاية؟". اعترف المسؤولون الأمريكيون أن الحكومة السورية قدمت معلومات قيمة بعد أحداث 11 أيلول، لكنهم يقولون أيضاً أن الأسد كان دائماً يتراجع عندما يتعلق الأمر بالقضاء على التمرد في العراق. ويقولون أيضاً أنه في كانون الثاني عندما قدم له ريتشارد أرميتاج، مساعد وزير الخارجية وقتها، قائمة بالمسؤولين العراقيين السابقين المختبئين في سوريا لم يفعل الأسد شيئاً بهذا الخصوص. لكن الرواية من الجانب السوري مختلفة تماماً: أخبرني مسؤول سوري مرموق طلب عدم ذكر اسمه أنه بعد زيارة أرميتاج قامت سوريا باعتقال وتسليم شخص يشك بأنه زعيم للتمرد، وهو سبعاوي ابراهيم الحسن التكريتي أخو صدام حسين غير الشقيق، ومعه أكثر من 20 شخصاً آخرين. وأضاف أن السوريين لم يطلبوا شيئاً بالمقابل لكنهم طلبوا الحفاظ على سرية التعاون خوفاً من استعداء الرأي العام العربي وإثارة غضب المتطرفين، لكنهم فوجئوا أن الاعتقال الذي قامت به سوريا تصدر صفحات الصحف العالمية، واعتبر هذا العمل من جانب دمشق خيانة وخداعاً. أنكرت سوريا على الفور تورطها في المسألة.
بالمقابل وصف المسؤول الأمريكي المرموق اعتقال سوريا للحسن على أنه محاولة أخرى من قبل الأسد لكي يمارس لعبة والده في الحماية، حيث يقايض ورقة يبحث عنها الأمريكيون مقابل حرية العمل ضد سياسات بوش في مكان آخر. وأضاف المسؤول أن الأسد ببساطة لم يدرك بعد أن إدارة بوش لن تلعب هذه اللعبة بعد الآن.
أخبرني الأسد أنه اعتقل أكثر من 1500 متطرف حاولوا عبور الحدود إلى العراق أو منها، وأن عروضه المتكررة من أجل التعاون مع إدارة بوش في مسألة الحدود لم تلق سوى التجاهل. وتساءل: "في البداية مع من يجب أن نتعاون؟ إذا ذهبت إلى الحدود لن تجد هناك سوى الحراس السوريين على جانبنا. لكن إذا نظرت إلى الجانب العراقي لن ترى أحداً. لا حراس أمريكيين ولا عراقيين. لا أحد".
سألته إن كان يعتقد أن العنف في العراق يعتبر مقاومة مشروعة، لكنه تجنب الإجابة قائلاً أنه طرح السؤال نفسه على العراقيين: "طبعاً فيما يتعلق بالانتحاريين الذين يقتلون العشرات كل يوم لا أحد في هذه المنطقة يعتبر هذا مقاومة مشروعة. لكن في الوقت نفسه يتحدثون عن العراقيين الذين يهاجمون قوات التحالف ويعتبرونها مقاومة".
على الرغم من وجود عقيدة مشتركة في الوحدة العربية لدى كل من البعث العراقي والسوري، إلا أن الجانبين كانا في حالة صراع دائم، وكانا يدبران لبعضهما الانقلابات والانقلابات المضادة. قدم حافظ الأسد الدعم لإيران في حربها مع العراق، وهو قرار اعتبره بشار الأسد أحد الأدلة التي قدمها لي على بعد نظر والده.
قال لي الأسد أنه لم يندم على موقفه المعارض للحرب الأخيرة على العراق، وأنه كان ضد الحرب بشكل عام لعلمه أن سوريا "سوف تدفع ثمن أي تأثيرات جانبية تنتج عن الحرب في العراق"، وهي فعلاً تدفع هذا الثمن الآن. قبل بضعة أيام من مقابلتي مع الأسد أعلنت الحكومة السورية اعتقال رجل وقتل اثنين آخرين كانوا يخططون لهجوم في دمشق لصالح منظمة تطلق على نفسها اسم "جند الشام"، وكلمة الشام تعني سوريا الكبرى التي تتضمن الأردن ولبنان وفلسطين. وفي هذه المقابلة أعطاني الأسد تفاصيل جديدة: قال أن الجماعة كانت تنوي إرسال طفلة بعمر 3 سنوات محملة بالمتفجرات إلى وزارة العدل المكتظة بالمراجعين، وأضاف أيضاً أن السلطات السورية أحبطت العام الماضي خطة للهجوم على السفارة الأمريكية كان سيقوم بها رجل "يحمل قنبلة ورشاشاً". وقال الأسد أن الأمريكيين لم يفهموا ما أسماه "عدوهم المشترك" وهو قوى التطرف الديني والعداء والتي يقول أن سوريا كانت تحاربها منذ الخمسينات. قال: "إن هذه العقلية خطيرة بالنسبة للجميع، سواء في الشرق أو الغرب". وفيما كان يتحدث أبرز خطة من ثلاثة مراحل لعمل الحكومة. قال الأسد أن الأولوية الأولى بالنسبة له هي الاستقرار، ولكي يحقق ذلك، ويقضي على التطرف المتصاعد فإنه بحاجة لأن يحقق الرخاء، ولكن يحقق الرخاء هو بحاجة إلى الديمقراطية.
واعتبر أن المفتاح لتحقيق الازدهار يتمثل في انفتاح الذهن، علماً أنه استخدم كثيراً خلال محادثتنا كلمتي "متفتح الذهن"، و"مغلق الذهن. "عندما نتحدث عن تطوير المجتمع فإننا نتحدث عن أناس متفتحي الذهن، وعندما نتحدث عن الانفتاح فإننا نعنى الحرية: حرية التفكير".
بشار الأسد لم يكن الوريث الأصلي، وإنما الاحتياطي، فأخوه الأكبر باسل كان يهيأ للرئاسة. تربى الاثنان تحت جناح والدهما البعثي، ولم يكونا يشبهان في شيء أولاد صدام حسين في العراق، إذ لم يكن لديهما سمعة سيئة من حيث الفساد الشخصي أو القسوة، ومع ذلك فإنهما كانا مختلفين تماماً عن بعضهما البعض. باسل كان بطل فروسية وتبع طريق والده في الانخراط في الجيش. عندما توفي باسل في حادث سيارة عام 1994 استدعى حافظ الأسد ابنه الثاني من لندن حيث كان يدرس، وأدخله إلى الجيش وبدأ بترقية رتبه العسكرية. عندما أصبح بشار رئيساً اختار أن يزين مكتبه برسومات ومنحوتات عن الأحصنة مأخوذة من مجموعة أخيه. وما تزال صورة باسل بلحيته الكثة ونظارته الشمسية موجودة على الكثير من جدران دمشق.
عندما يسأل عن نفسه فإن بشار يميل إلى استخدام صيغة الشخص المخاطب، وهو أسلوب لغوي يدل على الابتعاد عن الدلالات الذاتية، أي النقيض لاستخدام كلمة "نحن" التفخيمية. عندما سألته ما إذا كان في بعض الأحيان يتمنى لو تابع في مهنته المختارة أي طب العيون أجاب أنه اعتاد على مجيء السوريين إليه طالبين المساعدة، باعتباره ابن أبيه: "قد تكون مجرد إنسان اعتيادي لكنهم لا يعتبرونك اعتيادياً. إنهم يريدون منك المساعدة لأنك شاب في مقتبل العمر، وهكذا تطلع على مشكلات الناس العاديين". يبدو أن الأسد يميل إلى رسم خط بينه كشخص وبين محاولاته لممارسة المهنة التي اختارها والده لنفسه وهي المتحدث باسم العرب. في أيار 2001 عندما كان يستقبل البابا يوحنا بولص الثاني في دمشق قال بشار أن المسيحيين والمسلمين تجمعهما قضية واحدة ضد "أولئك الذين يحاولون اغتيال جميع مبادئ الديانات السماوية بنفس العقلية التي خانوا بها المسيح". ومع ذلك فإنه أثناء جنازة البابا هذا العام اقترب الأسد من الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف وصافحه.
حتى عندما كان الطرفان يتفاوضان في عهد إدارة كلينتون فإن المسؤولين السوريين كانوا يبتعدون دائماً عن أي مصافحة علنية. لكن عندما سألت الأسد عن المصافحة قال عن كاتساف أنه "أحد خلق الله. وأي شخص خلقه الله يجب الاعتراف به". وأضاف: "نحن كسوريين لم نكن في يوم من الأيام متحجري الذهن".
أخبرني الأسد أنه يتحرك باتجاه فتح باب النقاش العام في سوريا، عن طريق السماح بانتقاد النظام. وعندما سألته ما إذا كان يعتقد أن الناس تشعر حقاً بالحرية في التعبير عن آرائها الآن قال: "لا، نحن لا ندعي أننا حققنا الديمقراطية. نحن لا نزعم هذا. إنها طريق طويلة لكننا نسير في هذا الاتجاه. هل الوضع اليوم، وهذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه، يشبه ما كان عليه قبل، لنقل، عشر سنوات؟ إنه يختلف قطعاً. إنه طريق وعلينا أن نجتاز هذا الطريق". ثم أضاف: "هم يريدوننا أن نقفز، لكن لو قفزنا فسوف نقع على رؤوسنا". قلت له أن بعض الإصلاحيين السوريين، وبعد أن راقبوه على مدى خمس سنوات، استنتجوا أنه لم يكن جدياً بشأن التغيير السياسي، فأجاب أنه كان لا بد من وضع الاقتصاد على رأس أولوياته، ثم قال بنفاد صبر: "ماذا يجب أن أطعمهم؟ بيانات؟ أوراق؟ إنهم يريدون أن يأكلوا طعاماً". لقد كان عليه أن يحارب الفساد على الفور، وقال: "إذا لم يكن لدينا حزب جديد، فمن الممكن أن نحصل على حزب بعد سنوات ولن يموت أحد. لكن إذا لم يكن لدينا طعام اليوم فإنهم سيموتون غداً".
نهاية الجزء الاول ..
ترجمة ناديا عطار - سيريانيوز
*نيويورك تايمز : من كبريات الصحف العالمية