ارسلان
10/01/2008, 14:58
انا من جيل عربي ينتمي الى فترة كان عدد العرب فيها مئة مليون، ويا ما اهتزت مشاعرنا المراهقة عندما كان زعيم الامة، جمال عبد الناصر يفخر بأن امة تعدادها مئة مليون لن تنام على ضيم، تم اغمضنا عيوننا وفتحناها لنرى اننا في قرن جديد وألفية جديدة، ولكننا مع ذلك ما زلنا نحتفظ برقم مئة المليون، مع فارق هام، هو ان هذا الرقم كان قبل اقل من نصف قرن يعني عدد أبناء الامة العربية، اما الآن فهو عدد الاميين في الوطن العربي، باعتراف الألكسو، اي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
ومن مفارقات الدنيا والدهر ان اعسر الموضوعات هو اسهلها عندما يتعلق الامر بمواجهة الذات، فانتقاد رئيس بلدية مقصر اصعب كثيرا من اثارة موضوع مصيري كانتشار الامية، وما كان اسهل على معروف الرصافي ان يقول، وما كان اسهل علينا في المدارس الاعدادية ان نردد ما يقول:
اذا ما عق موطنهم اناس... ولم يبنوا به للعلم دورا
فإن ثيابهم اكفان موتى... وليس بيوتهم الا قبورا
ولكن الرصافي واترابه قالوا مثل هذا الكلام منذ زهاء ثمانين سنة، وظل الموتى وابناء الموتى وأشباه الموتى يرددون هذا الكلام بأمان، وما دمت لا تشير الى الحاكم بالاسم، وما دام التعميم يجمع الصالح الى الطالح فلا جناح عليك ولترتفع نسبة الامية ما شاء لها الارتفاع، فناقوس الخطر في وضع كهذا هو اشبه بعمود الهواء الذي لا ينتج النفخ فيه صوتا ولا صدى، ويا سائرة بقدرة مولاك سيري فعين الله ترعاك، ولكن عين الله لا ترعانا بل تزيدنا عصبية وعصابا كلما سمعنا او رأينا اشارة عنصرية من الآخرين ضدنا، ولا افهم كيف ان امة تعترف بأن الجهل موت، وتعرف ان الجهل متغلغل في احشائها حتى انه يفترس ثلثها، ثم تغضب اذا نعتها الآخرون بالتخلف، كيف يحق لها الغضب؟ فالحكاية قديمة، ولكن تكرارها باخ حتى كف عن ان ينكأ الجراح، وذلك عندما عرض موشي ديان خطته لعدوان 1967 قبل سنوات من تلك الفاجعة، وقد لامه الصحفيون الصهاينة على كشف الاسرار، فأجاب: تذكر ان العربي لا يقرأ؟.
على ان هذه الحادثة الاليمة تتعلق بالامية السياسية - الثقافية ان شئت-بينما يشير احصاء الالكسو هذه الايام الى الامية الفعلية اي امية من لا يقرأ ولا يكتب، بمعنى انه اذا كنا جهلة بمقياس ديان الصهيوني، فإن الاحصاء العربي الرسمي يدل على اننا بمقياس الرصافي وغيره من المنورين العرب، ذاهبون الى الهاوية، وقد سمعنا، منذ بضعة ايام حديث الاستاذ محمد حسنين هيكل حول الامن القومي، ولفت انتباهي انه لم يضع الامية - لا بمستواها الفعلي ولا بمستواها السياسي الثقافي - بين عناصر الامن القومي، ربما لأنه كان يعتبر ذلك من تحصيل الحاصل، فالمقاتل الجيد يحتاج الى معرفة جيدة والسياسي الجيد يحتاج الى ثقافة جيدة والمتنور الجيد يحتاج الى نور جيد، ولكن عندما تخرج المعرفة والثقافة والنور من الحساب لا يبقى الا اكفان الموتى والقبور المحسوبة على الجهلة بأنها بيوت.
ليست هذه مناسبة لجلد الذات، فقد جلدنا انفسنا كثيرا ولم يبق الا التحذير من الخطر الجدي الذي يهدد مصيرنا كبشر ولا يقتصر على تهديد مصيرنا كأمة من حقها ان تستعيد مكانها تحت الشمس.
وفي حروبنا الاهلية - وما اكثرها- تتقوض جامعات ومدارس ومراكز ثقافية، فهل وضعنا ولو في خطة خيالية ان نبني بعض ما هدمنا؟ ام ان ماء دجلة الذي اصطبغ بحبر المكتبة التي احرقها هولاكو، يبكي لأن لونه قد تغير من لون الحبر الى لون الدم الذي سفكناه غالبا بأيدينا؟، الا ليتنا تعلمنا بدمنا المهدور ما يوجب فك الخط للدخول في عصر الالفية الثالثة.
ومن مفارقات الدنيا والدهر ان اعسر الموضوعات هو اسهلها عندما يتعلق الامر بمواجهة الذات، فانتقاد رئيس بلدية مقصر اصعب كثيرا من اثارة موضوع مصيري كانتشار الامية، وما كان اسهل على معروف الرصافي ان يقول، وما كان اسهل علينا في المدارس الاعدادية ان نردد ما يقول:
اذا ما عق موطنهم اناس... ولم يبنوا به للعلم دورا
فإن ثيابهم اكفان موتى... وليس بيوتهم الا قبورا
ولكن الرصافي واترابه قالوا مثل هذا الكلام منذ زهاء ثمانين سنة، وظل الموتى وابناء الموتى وأشباه الموتى يرددون هذا الكلام بأمان، وما دمت لا تشير الى الحاكم بالاسم، وما دام التعميم يجمع الصالح الى الطالح فلا جناح عليك ولترتفع نسبة الامية ما شاء لها الارتفاع، فناقوس الخطر في وضع كهذا هو اشبه بعمود الهواء الذي لا ينتج النفخ فيه صوتا ولا صدى، ويا سائرة بقدرة مولاك سيري فعين الله ترعاك، ولكن عين الله لا ترعانا بل تزيدنا عصبية وعصابا كلما سمعنا او رأينا اشارة عنصرية من الآخرين ضدنا، ولا افهم كيف ان امة تعترف بأن الجهل موت، وتعرف ان الجهل متغلغل في احشائها حتى انه يفترس ثلثها، ثم تغضب اذا نعتها الآخرون بالتخلف، كيف يحق لها الغضب؟ فالحكاية قديمة، ولكن تكرارها باخ حتى كف عن ان ينكأ الجراح، وذلك عندما عرض موشي ديان خطته لعدوان 1967 قبل سنوات من تلك الفاجعة، وقد لامه الصحفيون الصهاينة على كشف الاسرار، فأجاب: تذكر ان العربي لا يقرأ؟.
على ان هذه الحادثة الاليمة تتعلق بالامية السياسية - الثقافية ان شئت-بينما يشير احصاء الالكسو هذه الايام الى الامية الفعلية اي امية من لا يقرأ ولا يكتب، بمعنى انه اذا كنا جهلة بمقياس ديان الصهيوني، فإن الاحصاء العربي الرسمي يدل على اننا بمقياس الرصافي وغيره من المنورين العرب، ذاهبون الى الهاوية، وقد سمعنا، منذ بضعة ايام حديث الاستاذ محمد حسنين هيكل حول الامن القومي، ولفت انتباهي انه لم يضع الامية - لا بمستواها الفعلي ولا بمستواها السياسي الثقافي - بين عناصر الامن القومي، ربما لأنه كان يعتبر ذلك من تحصيل الحاصل، فالمقاتل الجيد يحتاج الى معرفة جيدة والسياسي الجيد يحتاج الى ثقافة جيدة والمتنور الجيد يحتاج الى نور جيد، ولكن عندما تخرج المعرفة والثقافة والنور من الحساب لا يبقى الا اكفان الموتى والقبور المحسوبة على الجهلة بأنها بيوت.
ليست هذه مناسبة لجلد الذات، فقد جلدنا انفسنا كثيرا ولم يبق الا التحذير من الخطر الجدي الذي يهدد مصيرنا كبشر ولا يقتصر على تهديد مصيرنا كأمة من حقها ان تستعيد مكانها تحت الشمس.
وفي حروبنا الاهلية - وما اكثرها- تتقوض جامعات ومدارس ومراكز ثقافية، فهل وضعنا ولو في خطة خيالية ان نبني بعض ما هدمنا؟ ام ان ماء دجلة الذي اصطبغ بحبر المكتبة التي احرقها هولاكو، يبكي لأن لونه قد تغير من لون الحبر الى لون الدم الذي سفكناه غالبا بأيدينا؟، الا ليتنا تعلمنا بدمنا المهدور ما يوجب فك الخط للدخول في عصر الالفية الثالثة.