Reemi
29/01/2008, 14:32
حين ميسرة..!
26 كانون ثاني, 2008
"أنا مش كافر بس الجوع كافر، أنا مش كافر بس المرض كافر، أنا مش كافر بس الفقر كافر، وأنا مش كافر لكن شو بعملك أذا اجتمعوا فيي كل الإشيا الكافرين أنا مش كافر"... ربما سيكون على المخرج المصري خالد يوسف ان يصنع فيلما جميلا آخر اقترح أن يطلق عليه "حين مسخرة"... في اليوم الأول من وصولي إلى الإسكندرية لاحظت أن إحدى صالات العرض "ستراند" الموجودة قبالة الفندق الذي نزلت فيه تعرض فيلم المخرج خالد يوسف الأخير "حين ميسرة"، ولما كان الفيلم أثار ضجيجا بلغ حد تكفير المخرج واتهامه بالعمالة للصهيونية والامبريالية العالمية فقد قررت مشاهدة الفيلم، مع أن الإنسان في السفر يوفر الوقت للتجوال وليس للحشر في قاعة سينما... حجزت تذكرة لحفلة الساعة العاشرة مساء، وفاجأني ان الحضور من الجمهور المصري كان كثيفا نوعا ما، نساء محجبات ورجال وأطفال أكثر عددا من البالغين... بائع التذاكر تقاضى 6 جنيهات مني ومن الحضور مع ان السعر الرسمي للتذكرة خمسة جنيهات فقط ولا ادري لماذا اخذ الجنيه السادس... دخلت الصالة وكانت تتطابق تماما مع موضوع الفيلم "العشوائيات"، صالة عرض متآكلة تماما، تهدم اغلب سقفها فوضع أصحابها خيمة مدعمة بالأعمدة تحجب الرؤية تماما، مكبرات صوت تعبانة تماما لا يكاد يسمع منها شيئا، كراس بلاستيك مقوى باردة جدا، الصالة كلها كانت عبارة عن ثلاجة... أطفال يشاهدون بانتباه شديد الفيلم الذي لم يخلو من مشاهد عنف واغتصاب شديدة الألم... بالطبع، نحن في بلاد لا تعرف معنى للطفولة، فالفيلم الذي حرص على تناول حياة أطفال العشوائيات وأطفال الشوارع لم يلفت هذا الموضوع تحديدا نظر رجال الدين الذين هاجموه.. لم يتحدث احد منهم حول هذا الشأن ، الكل انشغل بلقطات بسيطة في الفيلم عن "السحاق"، هل هذا الموضوع أصبح كل همّنا؟؟ فعلا شي مسخرة..!
على أي حال، لم استطع تحمل برودة الصالة ولا رداءة الصوت فخرجت ابحث عن صالة اخرى وشاهدت الفيلم في عرض متأخر في صالة فخمة... فيلم "حين ميسرة"، هو فيلم ببساطة عن حياة "العشوائيات"، الفقر والدين والتخلف والجهل والارهاب وزنا المحارم اطفال الشوارع ، كل مخلفات الفقر عالجها الفيلم، وان كان لا يخلو من بعض المبالغات او الاثارة لانجاحه تجاريا... لا اعتقد انني اريد الكتابة عن الفيلم ولكني وانا أشاهده تذكرت مسالة وحده فقط" اليس العالم العربي كله اصبح احدى عشوائيات العالم"؟؟ لم يبالغ خالد يوسف في تصوير حياة الفقراء المصريين، بل هو في نهاية الفيلم يقدم اعتذارا عن عدم نقل الواقع كما هو، ذلك انه اقسى كثيرا من الفيلم، وهذه حقيقة يعرفها كل من عرف ويعرف معنى الفقر، ما صورته كاميرا خالد يوسف هو غيض من فيض منتجات الفقر... بالنسبة لي كرجل قادم من " Low Profile " فاميلي كما قالت لي إحداهن ذات مرة، او كانسان نهض من تحت خرائب خط الفقر، كان فيلم خالد عني وعن طفولتي شبه المشردة... لكن خالد يوسف ككل من يحاولون خرق الجدران ورفع السقوف سيواجه كل هذا الهراء والتخلف ممن يدعون الحرص على الشرف والدين... حين ميسرة، فيلم يشعر الإنسان بالقرف والغضب على كل هذا الظلم، الغضب على مصير ملايين الناس تركوا لمواجهة قسوة الحياة. الحياة عندما تضيق بدون فرج وبدون امل وفي انتظار رضا لن يأتي ابدا. عندما يصبح كل شيء مباحا الحب والطفولة والأمومة والعائلة والجسد والكرامة والكبرياء... وانا شاهد مقطع صلاة سكان الحي العشوائي يوم عيد الفطر وهم يهللون "الله اكبر الله اكبر ولله الحمد"... تذكرت ان الله تخلى عن هؤلاء.. وتذكرت مقطع قصيدة محمود درويش "يا خالقي هذه الساعة من عدم تجلى لعل لي رب لأعبده لعل..!"... بالمناسبة، خلال وجودي في الإسكندرية اشتريت كتاب "تاكسي، حواديت المشاوير"، لخالد الخميسي بـ15 جنيها، وقرأته في ساعات، وهو ذكرني بمدونات كنت كتبتها عن حواديت سائقي التكاسي عندنا، لكن هناك رابط بين "حين ميسرة" خالد يوسف و"تاكسي" خالد الخميسي وحياتي ومدوناتي : الفقر واحد والظلم واحد وعشوائيتنا واحده...!
محمد عمر
26 كانون ثاني, 2008
"أنا مش كافر بس الجوع كافر، أنا مش كافر بس المرض كافر، أنا مش كافر بس الفقر كافر، وأنا مش كافر لكن شو بعملك أذا اجتمعوا فيي كل الإشيا الكافرين أنا مش كافر"... ربما سيكون على المخرج المصري خالد يوسف ان يصنع فيلما جميلا آخر اقترح أن يطلق عليه "حين مسخرة"... في اليوم الأول من وصولي إلى الإسكندرية لاحظت أن إحدى صالات العرض "ستراند" الموجودة قبالة الفندق الذي نزلت فيه تعرض فيلم المخرج خالد يوسف الأخير "حين ميسرة"، ولما كان الفيلم أثار ضجيجا بلغ حد تكفير المخرج واتهامه بالعمالة للصهيونية والامبريالية العالمية فقد قررت مشاهدة الفيلم، مع أن الإنسان في السفر يوفر الوقت للتجوال وليس للحشر في قاعة سينما... حجزت تذكرة لحفلة الساعة العاشرة مساء، وفاجأني ان الحضور من الجمهور المصري كان كثيفا نوعا ما، نساء محجبات ورجال وأطفال أكثر عددا من البالغين... بائع التذاكر تقاضى 6 جنيهات مني ومن الحضور مع ان السعر الرسمي للتذكرة خمسة جنيهات فقط ولا ادري لماذا اخذ الجنيه السادس... دخلت الصالة وكانت تتطابق تماما مع موضوع الفيلم "العشوائيات"، صالة عرض متآكلة تماما، تهدم اغلب سقفها فوضع أصحابها خيمة مدعمة بالأعمدة تحجب الرؤية تماما، مكبرات صوت تعبانة تماما لا يكاد يسمع منها شيئا، كراس بلاستيك مقوى باردة جدا، الصالة كلها كانت عبارة عن ثلاجة... أطفال يشاهدون بانتباه شديد الفيلم الذي لم يخلو من مشاهد عنف واغتصاب شديدة الألم... بالطبع، نحن في بلاد لا تعرف معنى للطفولة، فالفيلم الذي حرص على تناول حياة أطفال العشوائيات وأطفال الشوارع لم يلفت هذا الموضوع تحديدا نظر رجال الدين الذين هاجموه.. لم يتحدث احد منهم حول هذا الشأن ، الكل انشغل بلقطات بسيطة في الفيلم عن "السحاق"، هل هذا الموضوع أصبح كل همّنا؟؟ فعلا شي مسخرة..!
على أي حال، لم استطع تحمل برودة الصالة ولا رداءة الصوت فخرجت ابحث عن صالة اخرى وشاهدت الفيلم في عرض متأخر في صالة فخمة... فيلم "حين ميسرة"، هو فيلم ببساطة عن حياة "العشوائيات"، الفقر والدين والتخلف والجهل والارهاب وزنا المحارم اطفال الشوارع ، كل مخلفات الفقر عالجها الفيلم، وان كان لا يخلو من بعض المبالغات او الاثارة لانجاحه تجاريا... لا اعتقد انني اريد الكتابة عن الفيلم ولكني وانا أشاهده تذكرت مسالة وحده فقط" اليس العالم العربي كله اصبح احدى عشوائيات العالم"؟؟ لم يبالغ خالد يوسف في تصوير حياة الفقراء المصريين، بل هو في نهاية الفيلم يقدم اعتذارا عن عدم نقل الواقع كما هو، ذلك انه اقسى كثيرا من الفيلم، وهذه حقيقة يعرفها كل من عرف ويعرف معنى الفقر، ما صورته كاميرا خالد يوسف هو غيض من فيض منتجات الفقر... بالنسبة لي كرجل قادم من " Low Profile " فاميلي كما قالت لي إحداهن ذات مرة، او كانسان نهض من تحت خرائب خط الفقر، كان فيلم خالد عني وعن طفولتي شبه المشردة... لكن خالد يوسف ككل من يحاولون خرق الجدران ورفع السقوف سيواجه كل هذا الهراء والتخلف ممن يدعون الحرص على الشرف والدين... حين ميسرة، فيلم يشعر الإنسان بالقرف والغضب على كل هذا الظلم، الغضب على مصير ملايين الناس تركوا لمواجهة قسوة الحياة. الحياة عندما تضيق بدون فرج وبدون امل وفي انتظار رضا لن يأتي ابدا. عندما يصبح كل شيء مباحا الحب والطفولة والأمومة والعائلة والجسد والكرامة والكبرياء... وانا شاهد مقطع صلاة سكان الحي العشوائي يوم عيد الفطر وهم يهللون "الله اكبر الله اكبر ولله الحمد"... تذكرت ان الله تخلى عن هؤلاء.. وتذكرت مقطع قصيدة محمود درويش "يا خالقي هذه الساعة من عدم تجلى لعل لي رب لأعبده لعل..!"... بالمناسبة، خلال وجودي في الإسكندرية اشتريت كتاب "تاكسي، حواديت المشاوير"، لخالد الخميسي بـ15 جنيها، وقرأته في ساعات، وهو ذكرني بمدونات كنت كتبتها عن حواديت سائقي التكاسي عندنا، لكن هناك رابط بين "حين ميسرة" خالد يوسف و"تاكسي" خالد الخميسي وحياتي ومدوناتي : الفقر واحد والظلم واحد وعشوائيتنا واحده...!
محمد عمر