-
دخول

عرض كامل الموضوع : أصوات السلام... على الجانب الآخر


yass
24/02/2008, 05:12
هذا الموضوع مخصص لمقالات دعاة السلام على الجانب الآخر من خط الكراهية.. أناس يرفضون منطق البطش الصهيوني و يرفضون الجريمة باسمهم كيهود.

حصة الأسد في هذا الموضوع ستكون لأوري أفنيري (كاتب و ناشط اسرائيلي و الرئيس الحالي لحركة السلام الآن) و الذي ينشر مقالات اسبوعية في موقع الحقيقة الالكتروني (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)

yass
24/02/2008, 05:22
دم وشمبانيا وفردة حذاء بانتظار الفردة الأخرى بعد تصفية مغنية !

ترفع كل فئة من شأن المهنة التي تمتاز بها.

إذا سُئل شخص في الشارع عن المهنة التي نمتاز فيها جدا، نحن الإسرائيليين ، فعلى الأرجح سيجيب: الـ " هاي-تيك " . وبالفعل، فقد أحرزنا في هذا المجال إنجازات رائعة جدا. يبدو وكأن في كل يوم اثنين ويوم خميس يتم بيع شركة ستارت-أب إسرائيلية، وُلدت في مرآب صغير، مقابل مئات الملايين. إسرائيل الصغيرة هي إحدى أكبر الدول في مجال الهاي-تك في العالم.

ولكن ثمة مهنة، ليست إسرائيل من الكبار فيها فحسب، بل هي رقم واحد: التصفيات.

تم إثبات ذلك من جديد هذا الأسبوع. الفعل تصفية ، بكل تصريفاته النحوية الممكنة، قد سيطر على حياتنا. خاض بروفيسورات محترمون جدلا، بجدية أكاديمية، متى "نصفي" ومن. وتناقش جنرالات، كان أكل الدهر عليهم وشرب، بفذلكة مهنية، حول قضية "التصفية"، قوانينها وقواعدها. وتنافس السياسيون المتمرسون فيما بينهم على عدد المرشحين "للتصفية" وعلى مكانتهم. حقا، لم تنتش وسائل الإعلام، منذ زمن بعيد، كما انتشت هذا الأسبوع. كل صحفي، كل محلل، كل وصولي، كل ذي شأن منحط ومصاب بداء الصرع كان يعبر عن رأيه في التلفزيون، الراديو أو الصحافة، قد أبرقت عيناه من شدة الفخر. لقد فعلناها! لقد نجحنا! لقد "صفّينا" عماد مُغنية!

لقد كان "مخربا". وأي مخرب، إنه أمير المخربين، ملك المخربين، إمبراطور المخربين! بدأ يعلو شأنه بين لحظة وأخرى، إلى أن وصل إلى حجم كبير. أسامة بن لادن هو جرو مقارنة به. لقد ازدادت قائمة أعماله بين طبعة وأخرى، بين عنوان وآخر. لا يوجد ولم يتواجد مثله. لقد اختفى عن الأنظار لسنوات. ولكن شبابنا الصالحين - كثيرون، كثيرون من الشباب الصالحين - لم يتجاهلوه للحظة. لقد بذلوا جهودهم ليلا نهارا، أسابيع وأشهرا، سنوات وعقودا، ليقتفوا آثاره. كانوا "يعرفونه أكثر من أصدقائه، أكثر مما كان هو يعرف نفسه" (اقتباس حرفي من محلل محترم في صحيفة "هآرتس"، الذي انتشى كسائر زملائه).

في الواقع، لقد ادعى محلل غربي، مفسد للفرحة، في قناة الجزيرة، أن مُغنية " قد اختفى عن الأنظار لأنه لم يعد مهمّا، ولأن ذروة أيامه كإرهابي كانت في الثمانينيات والتسعينيات، حين قاد اختطاف طائرة، قاد عملية لتدمير منشأة سلاح البحرية الأمريكي في بيروت وفي مؤسسات إسرائيلية في الخارج. منذ أن تحول حزب الله إلى منظمة كبيرة ومنتظمة، وله جيش شبه منتظم، لم يعد هذا الرجل - وفق هذا الادعاء - قيد الاستخدام".

ولكن ما أهمية ذلك. لقد اختفى مُغنية-الشخص، وحل محله مُغنية-الأسطورة، مخرب أسطوري دولي، كان منذ زمن بعيد "فانٍ" (كما كان قد أعلن في التلفزيون جنرال آخر خرج من حيز الاستخدام)، هذا الذي كانت "تصفيته" إنجازا ضخما، خارق للطبيعة تقريبا، أهم بكثير من حرب لبنان الثانية، التي لم ننجح بها إلى حد ما. "التصفية" تتم مقارنتها، على الأقل، بعملية مطار عنتيبي ( أوغندا) المكللة بالغار، وربما حتى تفوقها شأنا.

صحيح أن التوراة قد أوصتنا "لا تفرح بسقوط عدوك وفي فشله لا يفرح قلبك، ربما الله يراك ويكون ذلك سيء في عينيه". إلا أنه ليس مجرد عدو عادي، إنه سوبر-سوبر-سوبر-عدو، ولذلك فسيسامحنا الله بالتأكيد إذا ثرنا من شدة الفرح والغبطة، بين نشرة وأخرى، بين عدد وآخر، بين خطاب وخطاب، شرط ألا نوزع الحلوى على الطرقات - بالرغم من أن حكومة إسرائيل أنكرت بلهجة مبهمة أنها هي - هي التي "صفّت" هذا الشخص.

اتفق أن نُفذت هذه "التصفية" بعد أيام معدودة فقط من كتابتي لمقال عن عدم قدرة الدول-المحتلة أن تفهم المنطق الداخلي لتنظيمات-المقاومة. هذه القضية هي مثل قاطع على ذلك. (صحيح أن إسرائيل قد كفت عن تنفيذ حكم احتلال في جنوب لبنان، ولكن العلاقات بين الطرفين بقيت على ما كانت عليه.)
من وجهة نظر النخبة الإسرائيلية فإن "التصفية" هي إنجاز ضخم. لقد قطعنا رأس ثعبان قوة حزب الله. ألحقنا بهذه المنظمة ضررا هائلا، لا يمكن تصحيحه أبدا. "هذا ليس انتقاما، هذا تأهب مسبق" كما أعلن أحد المراسلين المرشَدين (هو أيضا من صحيفة "هآرتس"). هذا إنجاز هائل جدا، إلى حد أنه من الجدير أن نستوعب لأجله الانتقام القادم لا محالة، مهما كان عدد الضحايا.

أما من وجهة نظر حزب الله، فإن الأمور تبدو بشكل مختلف تماما. لقد أضيف إلى ممتلكات المنظمة عقار أثمن من الذهب: بطل وطني، تملأ سمعته الفضاء من إيران وحتى المغرب. مُغنية "المُصفّى" يساوي بالنسبة لحزب الله أكثر بكثير من مُغنية الحي، بغض النظر عماذا كانت مكانته الحقيقية في أيامه الأخيرة. يكفي أن نتذكر ماذا جرى لدينا بعد "تصفية" البريطانيين لأبراهام شطيرن ("يئير"): لقد أنبت دمه حركة "الليحي"، التي ربما كانت التنظيم الإرهابي الأكثر نجاعة في القرن العشرين.
لذلك لم يكن حزب الله معنيا بتقليل شأن "المُصفّى". بل على العكس: نصر الله، مثله مثل أولمرت تماما، كان معنيا بتضخيم شخصيته إلى حجم عملاق.

إذا ابتعد حزب الله في الأشهر الأخيرة عن مركز الانتباه العربي، فقد عاد إليه الآن دفعة واحدة. لقد كرست كل محطات البث العربية تقريبا ساعات لـ"الأخ الشهيد القائد عماد مغنية، الحاج رضوان".
في الصراع على لبنان - وهو الصراع الرئيسي الذي يشغل بال نصر الله الآن- حازت المنظمة على أفضلية كبيرة أخرى. لقد انضم حوالي 700 ألف شخص للجنازة، التي غطت على مسيرة تخليد ذكرى الخصم، رفيق الحريري، الذي "صفّاه" السوريون. لقد وصف نصر الله خصومه باحتقار كمشاركين في القتل، متعاونين بؤساء مع إسرائيل والولايات المتحدة،-ودعاهم إلى ترك بيوتهم والعيش في تل-أبيب أو في نيو-يورك. لقد ارتقى درجة أخرى في سلم الصراع على الحكم في أرض-الأرز.

وبالأساس: سيثير الغضب على الاغتيال والاعتزاز بالشهيد جيلا جديدا من الشباب، الذين سيكونون مستعدين للموت في سبيل الله ونصر الله. كلما ضخمت الدعاية الإسرائيلية من شخصية مُغنية وحوّلته إلى بطل كبير، كلما ازدادت رغبة الشبان الشيعة بأن يحذوا حذوه ويقلّدوه. الطريق التي سلكها هذا الشخص نفسه مثيرة من هذه الناحية. حين وُلد في قرية شيعية في جنوب لبنان، كان الشيعة لا يزالون عتبة تدوسها الأرجل، طائفة ضعيفة لا حول لها ولا قوة. لقد انضم إلى فتح التي سيطرت، في حينه، على الجنوب وتحول إلى حارس ياسر عرفات في بيروت. (من المحتمل أن أكون قد التقيته صدفة في ذلك الحين.) ولكن عندما نجحت إسرائيل في طرد قوات فتح من جنوب لبنان، بقي مُغنية في الخلف وانضم إلى حزب الله، القوة المحاربة الجديدة، التي نشأت كنتيجة مباشرة للاحتلال الإسرائيلي.

إسرائيل الآن أشبه بذلك الشخص الذي ألقى عليه جاره فردة حذاء من الأعلى ، وهو الآن ينتظر الفردة الأخرى.

يعرف الجميع أن الانتقام قادم. لقد وعد نصر الله أنه من الممكن أن يحدث ذلك في أي مكان في العالم، وفي إسرائيل أصبحوا يصدقون نصر الله، منذ وقت بعيد، أكثر مما يصدقون أولمرت.
تنشر مؤسسات أمن مختلفة تحذيرات متشددة للمسافرين إلى خارج البلاد - اتخاذ الحيطة في كل لحظة، عدم البروز، عدم المكوث في تجمعات إسرائيلية، عدم الاستجابة لدعاوى مفاجئة وغيرها وغيرها. أخذت وسائل الإعلام تزيد من التحذيرات إلى حد الهستيريا. لقد تمت زيادة احتياطات الحذر في السفارات الإسرائيلية ، و تم رفع مستوى التأهب على الحدود الشمالية أيضا - أيام معدودة فقط بعد أن تباهى أولمرت أنه في أعقاب حرب لبنان الثانية قد هدأت هذه الحدود أكثر مما كانت عليه في السابق.

لهذه المخاوف أساس تستند إليه. فقد تبعت كل "التصفيات" من هذا النوع، في الماضي، ضربات موجعة:

* النموذج الأمثل هو، بالطبع، "تصفية" من خلفه نصر الله، عباس موسوي. لقد قُتل عام 1992 بواسطة مروحيات أباتشي في جنوب لبنان. هللت إسرائيل كلها وفرحت. لقد فتحوا، في حينه أيضا، زجاجات الشمبانيا. انتقاما لذلك، فجر حزب الله السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين ومركز الجالية اليهودية هناك. كان المخطط لذلك، كما يدّعون الآن، عماد مُغنية. أكثر من مئة شخص لقوا حتفهم. وبالأساس: بدلا من موسوي الشاحب نوعا ما، جاء حسن نصر الله المتمرس والفعال.

* سبقت ذلك سلسلة "التصفيات" التي تم تنفيذها بأمر من غولدا مئير بعد حادث مقتل الرياضيين في ميونيخ (الذين قُتل معظمهم من قبل الشرطة الألمانية الفاشلة، بتجربة غبية لمنع نقلهم بالطائرة كرهائن إلى الجزائر). لم يكن أي شخص من الذين تمت "تصفيتهم" متورطا بحادث ميونيخ. كان جميعهم دبلوماسيين عملوا بشكل علني، في مكاتب ثابتة. كانوا أشبه ببط في ميدان إطلاق النار. تم وصف الموضوع بأدق تفاصيله في الفلم الطفولي لستيفن شبلبرغ. النتيجة: استجمعت منظمة التحرير الفلسطينية قواها وتحولت إلى دولة على وشك القيام، وعاد ياسر عرفات إلى البلاد.

* تصفية" يحيى عياش عام 1996 في غزة، تشبه حادث مُغنية إلى حد كبير. تم تنفيذ ذلك عن طريق هاتف خليوي مفخخ، أعطاء إياه ابن عمه، عميل إسرائيل. لقد تم تضخيم حجم عياش أيضا إلى حجم هائل، من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، وتحول إلى أسطورة وهو لا يزال على قيد الحياة. ولقب بلقب "المهندس" لأنه كان قد جهّز العبوات الناسفة للحركة السرية الفلسطينية. شمعون بيرس، الذي تقلد منصب رئيس الحكومة بعد اغتيال إسحق رابين، اعتقد أن "التصفية" ستمنحه شعبية هائلة وتؤدي إلى انتخابه من جديد. ما حدث هو العكس: ردت حماس بسلسلة من العمليات الانتحارية الكبيرة ودفعت ببنيامين نتنياهو إلى الحكم.

* فتحي شقاقي ، رئيس حركة الجهاد الإسلامي، تمت "تصفيته" عام 1995 في شارع في جزيرة مالطا من قبل راكبي دراجات قاموا بإطلاق النار عليه من مسافة قصيرة. لم تتضرر الحركة الصغيرة، بل على العكس، فقد نمت وترعرعت، في أعقاب العمليات الانتقامية، والآن هي الجهة الرئيسية التي تطلق صواريخ القسام على سدروت.

* عضو حماس، خالد مشعل، كان على وشك أن يتم "اغتياله" في شارع في عمان بواسطة حقنة سم. و تم اكتشاف الأمر في الحال وأجبر الملك حسين الغاضب، على الفور، إسرائيل أن تحضر مصلا ينقذ حياته. وجرى إطلاق سراح "المُصفّين" فقط بعد أن أطلقت إسرائيل سراح مؤسس حركة حماس، الشيخ أحمد ياسين. في أعقاب هذا الحادث سطع نجم مشعل، والآن هو القائد السياسي الكبير في حماس.

* الشيخ ياسين ذاته، عجوز مشلول في جميع أطرافه، تمت "تصفيته" بواسطة مروحيات إسرائيلية عند خروجه من الصلاة في المسجد، بعد أن فشلت محاولة سابقة لاغتياله عن طريق تفجير بيته من الجو. تحول الشيخ المتوفى إلى قديس في جميع أنحاء العالم العربي، ومنذ ذلك الحين أصبح هو المُلهم لمئات العمليات الانتحارية.

القاسم المشترك لكل هذه الأحداث، ولأحداث كثيرة أخرى، يكمن في حقيقة أنهم لم يلحقوا الأذى بتنظيمات "من تمت تصفيتهم"، بل على العكس. وكل هذه الأحداث أدت إلى أعمال انتقامية شديدة.
قرار تنفيذ"التصفية" يشبه قرار الشروع في حرب لبنان الثانية: لا يأبه شخص من متخذي القرارات بمعاناة الشعب المدني، الذي يتضرر بسبب الانتقام.

فلماذا إذا يتم تنفيذ "التصفيات"؟
أحد الجنرالات، ممن سُئلوا عن ذلك، أجاب: "لا يوجد على ذلك جواب واضح."
إن في هذه الكلمات درجة كبيرة من الوقاحة: كيف يمكن اتخاذ قرار بتنفيذ عملية كهذه حين لا يوجد جواب واضح بالنسبة لجدوى النتائج.

أنا أتخوف من أن السبب الحقيقي هو سبب سياسي ونفسي أيضا. سياسي، لأن هذه العملية تكون دائما عملية تحظى بالشعبية. بعد كل "تصفية"، يشعر اليهود بالغبطة والسرور. حين يأتي الانتقام، لا يعود الجمهور (ووسائل الإعلام) يربطون بين "التصفية" والانتقام. فهذا أمر وذاك أمر. قليلون هم الذين يملكون الوقت والعقل للتفكير بذلك، حين يثور الجميع غضبا على العملية الفتاكة.

في الوضع الراهن، السبب السياسي أوضح بكثير. لا يملك الجيش ردا على إطلاق صواريخ القسام. لا يملك الرغبة أيضا في التورط باحتلال القطاع، بكل ما في ذلك من ضحايا. "التصفية" العلنية هي مخرج سهل.

السبب النفسي واضح هو أيضا: إن في ذلك متعة. في الواقع، عملية "التصفية" - كما تشهد هذه الكلمة على نفسها - تلائم عالم الجريمة أكثر مما تلائم الأذرع الأمنية التابعة للدولة. ولكن هذه وظيفة معقدة وتثير التحدي، كما في أفلام المافيا، تمنح "المُصفّين" اكتفاء ذاتيا كبيرا. إيهود باراك، على سبيل المثال، كان مصفّيا منذ بداية طريقه في الجيش. حين تنتهي "التصفية" بنجاح، يصبح من الممكن رفع كؤوس الشامبانيا.

خليط الدم، الشمبانيا والغباء، هو كوكتيل خطير.




المصدر: الحقيقة (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)

حلبي
24/02/2008, 05:22
مع أنني أختلف معه في الكثير مما يصرح به إلا أنه خير من المتصهينين العرب
بذكرني لما بشوفو بالاَية التي يقول الله فيها ( لولا دفع الله الناس بعضهم ببعص لهدمت صوامع و مساجد يذكر فيها أسمه) أو بمعنى الاَية


لا زال في البشرية خير

yass
24/02/2008, 05:47
لصوص الأراضي الخاصة و الـ"أراضي الايديولوجية"

عميرة هاس

////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////

*Marwa*
24/02/2008, 20:21
نهاية معروفة مسبقا - أوري أفنيري


قال أحد الحكماء: «الأحمق يتعلم من تجربته. الذكي يتعلم من تجارب الآخرين".

يمكن أن نضيف: "وأغبى الأغبياء لا يتعلم من تجاربه هو أيضًا».

إذن ماذا سنستنتج من قراءة كتاب يثبت إلى أي مدى نحن لا نتعلم من تجاربنا؟

كل هذا هو مقدمة للنصح بكتاب واحد كهذا. لم أعتد على النصح بالكتب، ولا بكتبي أيضا، ولكن في هذه المرة خطر ببالي أن اخرج عن هذه القاعدة.
إنه كتاب وليام بولك ( POLK)، «سياسة عنيفة»، الذي صدر منذ فترة وجيزة في الولايات المتحدة. آمل أن تتم ترجمة الكتاب إلى العبرية بسرعة.

لقد زار بولك البلاد عام 1946، في أوج نضالنا ضد الاحتلال البريطاني، ومنذ ذلك الحين يعمل على دراسة تاريخ حروب التحرير. إنه يقارن، في كتابه الذي يقل عدد صفحاته عن 300 صفحة، بين 13 ثورة، ابتداء من حرب التحرير الأمريكية وانتهاء بحرب أفغانستان. كان طيلة سنوات عضوا في غرفة تخطيط العمليات في وزارة الخارجية الأمريكية، وكانت له علاقة أيضا بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. إن استنتاجاته مثيرة للغاية.

إنه مهتم بشكل خاص بهذا الموضوع. حين جنّدت في سن 15 سنة للمنظمة العسكرية الوطنية، طلبوا مني أن أقرأ كتبا عن حروب التحرير السابقة، وخاصة نضالات البولنديين والإرلنديين. انكببت أقرأ كل الكتب التي تمكنت من الحصول عليها، ومنذ ذلك الحين واصلت أتابع التمردات وحروب العصابات في العالم، مثل الثورات في مالي، كينيا، اليمن، جنوب أفريقيا، أفغانستان، كردستان، فييتنام وغيرها. لقد أيدت إحداها وهي حرب التحرير الجزائرية، بشكل فعال.

في تلك الفترة التي كنت أنتمي فيها إلى "الإتسل"، عملت في مكتب المحاماه، حنيخ أوكسفورد. كان من بين زبائننا موظف بريطاني كبير تابع لحكومة الانتداب. كان رجل مثقف، طيب المعشر ويتحلى بروح دعابة بريطانية كبيرة. أتذكر أنه ذات مرة، حين مرّ من أمامي، راودتني فكرة: كيف يحدث أن أشخاصا أذكياء إلى هذا الحد، يمكنهم أن يديروا سياسات حمقاء للغاية؟

منذ ذلك الحين، كلما تعمقت في الثورات الأخرى، تزايد لدي هذا الإحساس بالتعجب. هل من المعقول أنه في حالة من الاحتلال والتمرد يُفرض على المحتل أن يتصرف بحماقة، حتى أن أذكى المحتلين يتحول إلى أحمق؟

قبل بضع سنوات شاهدت في قناة البي بي سي مسلسل طويل يتناول عملية تحرير المستعمرات البريطانية، من الهند وحتى جزر الكريبي. تم تخصيص حلقة واحدة في المسلسل لكل مستعمرة، وقد تمت فيها مقابلة رجالات السلطة البريطانية، قادة جيش الاحتلال، مقاتلي التحرير والشهود الآخرين. كان ذلك مثيرا جدا للاهتمام ومحبطا في الوقت ذاته.

محبط – لأن كل الحلقات كررت ذاتها بشكل دقيق تقريبا. حكام كل مستعمرة كرروا نفس الأخطاء بالضبط التي اقترفها سابقوهم في الحلقة السابقة. لقد أخطئوا في نفس الأوهام ومُنيوا بنفس الفشل. لم يتعلم أي منهم من تجارب سابقيه، حتى عندما كان سابقه هو نفسه – كضابط الشرطة البريطانية الذي انتقل من فلسطين (أرض إسرائيل) إلى كينيا.

يصف بولك في كتابه المختصر الثورات الرئيسية في الـ 200 سنة الأخيرة، يقارن فيما بينها ويستخلص العبر التي يجب استخلاصها.

من المفروغ منه أن كل حرب تحرير هي حرب مميزة وتختلف عن الأخريات، فالظروف مختلفة، الثقافات مختلفة والمحتلون مختلفون بين مكان وآخر. البريطانيون يختلفون عن الهولديين، وكلاهما يختلف عن الفرنسيين. كان جورج واشنطن يختلف عن طيطو، وهو تشي مين يختلف عن ياسر عرفات. وعلى الرغم من ذلك، هناك وجه شبه يثير العجب بين كل حروب التحرير.
من ناحيتي، العبرة الأساسية هي: منذ اللحظة التي يتعاطف عامة السكان فيها مع المتمردين، فإن نصر الثورة مضمون.

هذه قاعدة لا استثناء فيها: الثورات التي يؤيدها السكان، نهايتها النصر، ومن غير المهم كيف يكون رد النظام المحتل وأي الحيل يستخدم. يمكن للمحتل أن ينفذ قتلا جماعيا أو أن يحاول استخدام أساليب إنسانية، نسبيا، لتعذيب مقاتلي التحرير حتى الموت، أو أن ينظر إليهم كأسرى حرب – لا شيء يتغير مع مرور الأيام. يمكن لأخر المحتلين أن يصعد إلى سفينة باحتفال رنّان، كما فعل المندوب السامي البريطاني في حيفا، أو أن يستقل مروحية وهو مذعور، كآخر جندي على سطح السفارة الأمريكية في سايغون – إن سقوطه كان مضمونا منذ اللحظة التي وصل فيها التمرد إلى نقطة معينة.

تدور رحى الحرب الحقيقية ضد الاحتلال في وعي الجمهور الذي القابع تحت الاحتلال. لذلك، فإن المهمة الرئيسية لمقاتل التحرير ليست مقاتلة النظام المحتل، كما يبدو للوهلة الأولى، بل هي حيازة قلوب شعبه. وعلى أية حال، فإن المهمة الأساسية للمحتل ليست الفتك بمقاتلي التحرير، بل منع السكان من تبنيهم واحتضانهم. المعركة هي على روح الجمهور، على فكره وأحاسيسه.

هذا هو أحد الأسباب لفشل الجنرالات دائما تقريبا في صراعهم ضد مقاتلي التحرير. العسكري هو الشخص الأقل ملاءمة للتعامل مع هذا الأمر. كل تربيته، كل طريقة تفكيره، كل ما تعلمه، يتعارض مع هذه المهمة المحددة. لقد فشل نابليون، القائد الفذ، في قمع حرب التحرير الأسبانية (التي وُلدت فيها كلمة «غريلا»، الحرب الصغيرة)، ليس بأقل مما فشل أحمق جنرال أمريكي في حرب فييتنام.

ضابط الجيش هو مجرد تقنيّ، تم تأهيله لينفذ مهمة معينة. هذه المهمة لا تكون ملاءمة في نضال ضد حرب التحرير، رغم التشابه الخارجي. إن حقيقة كون الدهّان يتعامل مع الدهان لا تؤهله أن يرسم الوجوه. يمكن للسّمكري أن يتميز في مهنته، ولكن هذا لا يحوله إلى مهندس في علوم المياه. الجنرال غير قادر على فهم ماهية التمرد الوطني، ولذلك لا يفهم قواعده.

على سبيل المثال، يقيس الجنرال نجاحه بعدد قتلى العدو. ولكن الحركة السرية المقاتلة تتقوى بالذات كلما استشهد المزيد من الشهداء، لأن الجمهور يتعاطف مع الشهداء. يتعلم الجنرال كيف يخطط للمعركة وينتصر فيها، ولكن خصومه، مقاتلي العصابات، يتملصون من المعركة.

تشي غفارة الأسطوري حدد بشكل جيد المراحل التي تجتازها حرب التحرير الكلاسيكية: عصابة صغيرة، أسلحتها محدودة، تختبئ في مكان ناء (أو بين السكان المدنيين). بقليل من الحظ، تنجح في توجيه ضربة إلى قوة الاحتلال، وبعض الأيديولوجيين ينضمون إليها. تحظى هي بقلوب جزء من المواطنين وتنفذ عمليات انقضاض وهروب. حين ينضم إليها مقاتلون جدد، تهاجم وحدة من الجيش المحتل وتستولي على سلاحها. تقيم بالتدريج معسكرات ثابتة، تقدم خدماتها إلى السكان وتتحول إلى حكومة مصغّرة. وهكذا دواليك.

لكي تنجح في كل ذلك، يجب أن تكون لديها أفكار تأجج مشاعر الجمهور. يلتف الجمهور من حولها ويقدم لها العون، الملجأ والمعلومات. في هذه المرحلة، تقدم كل الأعمال التي ينفذها النظام المحتل المساعدة للمتمردين: حين يقتلونهم، يأتي مكانهم آخرون ويملئون الصفوف (كما فعلت أنا في شبابي). حين يفرضون على السكان عقوبات جماعية، يزيد هذا الأمر من كراهية المحتل والدعم المتبادل. حين ينجح النظام المحتل بالقبض على زعماء حركة التحرير وقتلهم، يحل محلهم زعماء آخرون – كما أنبتت هيدرا في الأسطورة اليونانية رؤوسا جديدة حين قطع هرقل أحد رؤوسها.

ينجح النظام المحتل، في بعض الأحيان، بزرع ذات البين بين مقاتلي التحرير، ويرى في ذلك نجاحا كبيرا. ولكن عندها تواصل كل الفصائل مقاتلة المحتل كل على حدة، من خلال التنافس فيما بينها - مثل حماس وفتح.

خسارة أن بولك لم يخصص فصلا خاصا للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، ولكن هذا غير ضروري. يمكننا أن نكتب هذا الفصل بأنفسنا وفق ما نعرفه نحن.
طيلة 40 سنة من الاحتلال، فشل كل قادة الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي في كفاحهم ضد العصابات الفلسطينية. إنهم ليس أكثر حماقة ووحشية ممن سبقوهم – الهولنديون في إندونيسيا، البريطانيون في البلاد، الفرنسيون في الجزائر، الأمريكيون في فييتنام، الروس في أفغانستان. جنرالاتنا يفوقون كل هؤلاء في عنجهيتهم – إنهم يؤمنون أنهم الأكثر ذكاء، وأن الدماغ اليهودي سيخترع لنا اختراعات لا يمكن لكل هؤلاء، غير اليهود، أن يفكروا بها.

منذ أن نجح ياسر عرفات في اكتساب محبة الجمهور الفلسطيني، وتوحيد هذا الجمهور في توق متأجج للتحرير من وطأة الاحتلال، قد تم حسم النزاع. لو كنا أذكياء، لكنا توصلنا معه إلى تسوية سياسية في ذلك الحين. ولكن سياسيينا وجنرالاتنا ليسوا أذكياء أكثر من الآخرين. وهكذا واصلوا القتل، التفجير، الهدم والتهجير، إيمانا غبيا منهم بأن ضربة واحدة أخرى فقط، وها هو النصر المرجو سيظهر كنور في نهاية النفق. غير أننا ما فعلنا سوى أن دخلنا في نفق أكثر ظلمة.

كما يحدث دائما، عندما لا تتوصل حركة سرية مقاتلة إلى هدفها، تقوم إلى جانبها أو بدلا عنها منظمة أكثر تطرفا، وتحتل قلوب الجماهير. المنظمات التي تشبه حماس، أخذت مكان المنظمات التي تشبه فتح. النظام الاستعماري الذي لم يكن ذكيا قبل فوات الأوان ولم يتوصل إلى تسوية مع المنظمة الأكثر اعتدالا، يُضطر في نهاية الأمر إلى التفاهم مع منظمة أكثر تطرفا.

لقد نجح الجنرال ده غول في صنع السلام مع المتمردين الجزائريين قبل أن وصل إلى هذه المرحلة. مليون وربع المليون من المستوطنين في الجزائر سمعوا ذات صباح أن الجيش الفرنسي سينسحب في موعد معين من الجزائر وسيعود إلى فرنسا. المستوطنون، وكان من بينهم من أبناء الجيل الرابع، هربوا خلال بضعة أسابيع، من دون «تعويضات إخلاء» ومن دون تعويضات أبدا. ولكن نحن ليس لدينا ده غول. لقد كُتب علينا أن نواصل إلى بوش.

لو كان الأمر متعلقا بالمآسي اليومية الفظيعة، لكان بالإمكان أن ننظر مبتسمين إلى انعدام الحيلة التي يتمتع بها سياسيونا وجنرالاتنا، الذين يركضون كخيول في الإسطبل ولا يعرفون ما يجب عمله، ومن أين سيأتي خلاصهم. ما العمل؟ تجويعهم كلهم؟ لقد أدى ذلك إلى انهيار محور فلدلفيا. قتل الزعماء؟ كنّا قد اغتلنا الشيخ أحمد ياسين وآخر وآخر وآخر. إنجاز «العملية الكبيرة»؟ لقد كنا قد احتللنا قطاع غزة كله عدة مرات. في هذه المرة سنواجه حرب عصابات أكثر تجربة، أكثر تجذرا بين أوساط السكان. كل دبابة وكل جندي سيكونون هدفا. يمكن للصياد أن يتحول إلى طريدة.
إذن ما الذي يمكننا أن نفعله ولم نفعله حتى الآن؟

أولا، يجب إلزام كل ضابط ابتداء من رتبة ملازم وما فوق أن يقرأ كتاب وليام بولك، إضافة إلى أحد الكتب الجيدة التي تتناول حرب التحرير الجزائرية.
ثانيا، أن نفعل ما فعلته كل أنظمة الاحتلال في نهاية الأمر في كل الدول الأخرى التي تمرد سكانها: أن نعمل على التوصل إلى تسوية سياسية يمكن للطرفين أن يعيشا معها وأن يشعرا أنهما قد ربحا منها. وأن ننصرف.
ليس هناك من شك كيف ستكون النهاية. السؤال الوحيد هو حجم القتل، حجم الدمار، حجم المعاناة التي يجب أن يحدث، لكي يتوصل المحتلون إلى هذا الاستنتاج.

كل قطرة دم أخرى هي خسارة.

yass
04/03/2008, 19:40
صباح الخير "حماس


أوري أفنيري



نحن نعيش في عام الشياطين والأرواح. لا ندير حربا ضد الأشخاص الأحياء والمنظمات الحقيقية، بل ضد الأبالسة، ضد أبناء الشيطان الذين يخططون للقضاء علينا. هذه هي حرب بين أبناء النور وأبناء الظلام، بين العدل القاطع والظلم القاطع. هذا ما يبدو لنا، وهذا أيضا ما يبدو للطرف الآخر.

تعالوا نحاول أن نحول هذه الحرب من المتاهات الخيالية إلى أرض الواقع. من غير الممكن انتهاج سياسة منطقية، من غير الممكن حتى خلق جدل عقلاني، إذا لم نخرج من جو الكوابيس والرعب.

بعد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، نادت "كتلة السلام" بالتفاوض معها. فيما يلي بعض من وابل الأسئلة التي أمطرت عليّ من كل حدب وصوب:

*هل تتعاطف مع حماس؟

قطعا لا. أنا إنسان علماني. أنا أعارض أي أيديولوجية تخلط بين السياسة والدين - يهودية، إسلامية أو مسيحية، في إسرائيل، في العالم العربي وفي أمريكا.

لم يُزعجني التحدث مع أعضاء حماس، كما كنت قد تحدثت مع أشخاص آخرين لا أوافقهم الرأي. لم يزعجني أن يستضيفوني في بيوتهم، أن أتبادل معهم الآراء وأن أحاول تفهمهم. لقد أعجبني بعضهم، ولم يعجبني البعض الآخر.

*هل هناك حقيقة في الادعاء أن إسرائيل هي التي خلقت حماس؟

لم تخلق إسرائيل حماس، ولكنها ساهمت مساهمة كبيرا في خلقها.

في السنوات العشرين الأولى من الاحتلال رأت حكومة إسرائيل في منظمة التحرير الفلسطينية عدوها الأساسي. لذلك قامت بإنشاء تنظيمات فلسطينية تمكنت من التآمر على منظمة التحرير الفلسطينية. نحن نتذكر المحاولة السخيفة التي نفذها أريئيل شارون وهي إنشاء "رابطات القرى"، ليتم استخدامها كعملاء للاحتلال.

أوساط الاستخبارات الإسرائيلية، التي فشلت في كل تقديراتها تقريبا بالنسبة للعالم العربي في السنوات الستين الأخيرة، فشلت هذه المرة أيضا. لقد آمنت بأن إقامة هيئة إسلامية ستضعف منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية. لذلك، في الوقت الذي زجّ فيه الحكم العسكري كل فلسطيني قام بنشاطات سياسية في السجن - حتى وإن كان ذلك من أجل السلام - لم تؤذ النشطاء االمتدينين. كان المسجد هو المكان الوحيد الذي تمكن الجمهور الفلسطيني من التجمع فيه.

كانت هذه الطريقة ترتكز، بطبيعة الحال، على عدم الفهم المطلق للإسلام وللواقع الفلسطيني.

لقد تم إنشاء حماس بشكل رسمي في نهاية عام 1987، مع انطلاقة الانتفاضة الأولى. ولكن الشاباك قد تعامل معها بتساهل في حينه أيضا، وبعد سنة فقط تم اعتقال رئيس المنظمة، الشيخ أحمد ياسين.

هذه سخرية القدر التي تدعم الآن القيادة الإسرائيلية منظمة التحرير الفلسطينية، لتتآمر ضد حماس. لا توجد شهادة أخرى لغباء قيادته بكل ما يتعلق بالعرب، غباء مصدره الغطرسة والاستهتار. تشكل حماس خطرا على إسرائيل أكثر مما كانت تشكله منظمة التحرير الفلسطينية ذات مرة.

*هل شهد فوز حماس في الانتخابات على تعاظم الإسلام لدى الشعب الفلسطيني؟

ليس بالضرورة. لم يتوجه الشعب الفلسطيني إلى الدين بين ليلة وضحاها.

في الواقع، هنالك عملية بطيئة لتعاظم شأن الإسلام في المنطقة بأسرها، من تركيا وحتى اليمن، ومن المغرب وحتى العراق. هذا هو رد الجيل الجديد على فشل الوطنية العربية العلمانية في حل المشاكل القومية والاجتماعية. ولكن هذا ليس هو الذي أدى إلى الهزة الأرضية في المجتمع الفلسطيني.

-إذن، لماذا فازت حماس بالانتخابات؟

يوجد لذلك أسباب عدة. السبب الرئيسي كان، من وجهة نظري، الإدراك المتزايد بين أوساط الفلسطينيين بأنهم لن يحصلوا، أبدا، على أي شيء من الإسرائيليين بطرق غير عنيفة. لقد آمن العديد من الفلسطينيين، بعد اغتيال ياسر عرفات، أنهم لو اختاروا أبا مازن، فسيتمكن هو من الحصول من إسرائيل والولايات المتحدة على ما لم تكونا مستعدتين لتقديمه لياسر عرفات. لقد اكتشفوا أن ما يحدث هو العكس: لا توجد مفاوضات، وأما المستوطنات فهي آخذة بالتوسع يوميا.

لقد قالوا في قرارة أنفسهم: إذا لم يتم ذلك بالطرق السلمية، فلا خيار سوى محاولة الأساليب الحربية. وإذا تم اختيار الحرب، فلا يوجد مقاتلين أفضل من حماس.

إضافة إلى ذلك: وصل الفساد الذي انتشر بين زعماء فتح إلى أحجام كبيرة، حتى ثارت الأغلبية الفلسطينية ضدهم. بينما كان عرفات على قيد الحياة، كان من الممكن احتمال الفساد، لأن الجميع كانوا يعلمون أن عرفات نفسه بريء، وأهميته للحكومة الفلسطينية غطت على شوائب سلطته. بعد عرفات، تحول الفساد، بنظر الكثيرين، إلى أمر غير محتمل. حماس، بالمقابل، تُعتبر تنظيما لا تشوبه أية شائبة، وزعماؤه بيض كالثلج. حازت المؤسسات الخيرية والتربوية التابعة لحماس، التي تم تمويلها بالأساس من قبل السعودية، على تعاطف كبير.

التشققات بين أوساط فتح ساعدت هي أيضا مرشحي حماس.

حماس لم تشترك، بطبيعة الحال، في الانتخابات التي أجريت قبل ذلك. ولكن الافتراض العام - التي تفترضه حماس نفسها أيضا - كان أنها تمثل ما بين 15% - 25% من الجمهور.

*هل يمكن للعقل تقبل الأمر أن الفلسطينيين أنفسهم سيُسقطوا حماس؟

لا احتمال في ذلك، طالما استمر الاحتلال. لقد ادعى ضابط إسرائيلي كبير، قبل بضعة أيام، أنه في حال توقف الجيش الإسرائيلي عن ممارساته في الضفة الغربية، فستسقط الضفة أيضا بين أيدي حماس.

يقف حكم أبوا مازن "على رجلي دجاجة" - رجلي إسرائيل والولايات المتحدة. إذا فقد الفلسطينيون إيمانهم نهائيا بقدرة أبي مازن في إحراز السلام، فسينهار حكمه.

*ولكن كيف يمكن الوصول لتسوية مع تنظيم يعلن أنه لن يعترف بإسرائيل أبدا، وأن إيمانه يدعو إلى القضاء على الدولة اليهودية.

إن كل موضوع الاعتراف هو مجرد هراء، ذريعة للامتناع عن المفاوضات. نحن لا نحتاج إلى أي "اعتراف" من أي شخص. حين بدأت الولايات المتحدة بالتفاوض مع فيتنام، لم تطالب بالاعتراف بها كدولة أنجلو-سكسونية، مسيحية ورأسمالية.

إذا وقع "أ" اتفاقية مع "ب"، معنى ذلك أن "أ" يعترف بـ "ب". وكل ما تبقى ما هو إلا سخافة.
وفي السياق ذاته، يذكر ميثاق حماس موضوع ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، في حينه. كان هذا مستندا غير مهم، استخدمه ممثلونا على مدى سنوات، بهدف رفض التحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية. لقد استعطفوا السماء والأرض لتبطل منظمة التحرير الفلسطينية ميثاقها. من يذكر هذا اليوم؟ أعمال الغد هي التي تقرر، وليس أوراق الأمس.

*عما يجب التحدث مع حماس؟

أولا، عن وقف إطلاق النار. حين ينزف الجرح، يجب أولا إيقاف النزيف، قبل التمكن من معالجة الجرح نفسه.

لقد اقترحت حماس وقف إطلاق النار عدة مرات، وهو ما يسمى بالعربية "التهدئة". معنى ذلك: التزام من الطرفين بوقف الأعمال العدوانية: صواريخ القسام، صواريخ الغراد وقذائف الهاون من قبل حماس وشقيقاتها، "التصفيات الموجهة"، الاجتياحات العسكرية والتجويع والحصار من قبل إسرائيل.

من المستحسن أن تُدار المفاوضات بواسطة المصريين، بالإضافة إلى أنهم سيضطرون إلى فتح الحدود بين القطاع وسيناء. يجب إرجاع حرية الاتصالات البرية، البحرية والجوية بين العالم وغزة.

إذا طلبت حماس أن يسري وقف إطلاق النار على الضفة أيضا، فيجدر التحدث عن ذلك أيضا. هذا سيُلزم، بطبيعة الحال، تفاوضا بين حماس، فتح وإسرائيل.

* ألن تستغل حماس وقف إطلاق النار للتسلح؟

بالطبع ستفعل. وإسرائيل أيضا ستفعل ذلك. ربما ستتمكن أخيرا من تركيب الأسوار الحديدية على أنواعها.

*إذا صمد وقف إطلاق النار، ماذا ستكون المرحلة التالية؟

الهدنة.

ستواجه حماس صعوبة في التوقيع على اتفاقية سلام رسمية، لأن فلسطين هي وقف. (لقد نشأ هذا، في حينه، لأسباب سياسية: حين احتل الخليفة عمر فلسطين، تخوف من أن يتقاسم القادة المسلمون البلاد فيما بينهم، كما كانوا قد فعلوا قبل ذلك في سوريا. لذلك أعلن عنها بأنها ملك لله. هذا يشبه إيمان المتدينين لدينا إلى حد كبير، أنه من غير المسموح التخلي عن أي جزء من البلاد لأن الله وعدنا بها.)

الهدنة هي بديل للسلام. هذه عملية متأصلة في التقاليد الإسلامية. لقد عقد النبي محمد نفسه هدنة مع حكام مكة، الذين حاربهم بعد أن هرب من مكة إلى المدينة المنوّرة. (على فكرة، قبل انتهاء فترة الهدنة أعلن سكان مكة إسلامهم، وعاد إليها النبي بأسلوب سلمي.) بما أنه يوجد للهدنة تشريع ديني، فلا يمكن خرقها من قبل المسلمين المؤمنين.

من الممكن للهدنة أن تستمر عشرات السنوات، ومن الممكن أن تتجدد من دون أي قيد أو شرط. إن الهدنة الطويلة هي بمثابة سلام، إذا أنشأت العلاقات بين الطرفين واقع سلام.

*إذا كان الأمر كذلك، فهل السلام الرسمي هو أمر مستحيل؟

لهذا أيضا يوجد حل. لقد أعلنت حماس في السابق أنها لا تعارض أن يدير أبو مازن مفاوضات ويتوصل إلى اتفاقية سلام، شريطة أن تُطرح الاتفاقية لحسمها باستفتاء شعبي. إذا صادق عليه الشعب الفلسطيني، ستوافق حماس وفقا لذلك على القرار.

*لماذا توافق حماس على هذا؟

ككل قوة سياسية، تريد حماس أن تتوصل إلى السلطة في الدولة الفلسطينية التي ستُقام في حدود عام 67. لذلك يجب أن تحظى بثقة الأغلبية. لا يوجد أدنى شك في أن الأغلبية الساحقة بين أوساط الشعب الفلسطيني ترغب بدولة فلسطينية وبالسلام. حماس تعرف هذا جيدا. إنها لن تقوم بأي عمل يبعدها عن أغلبية الجمهور.

*وما هو مكان أبي مازن في كل ذلك؟

يجب الضغط عليه ليتوصل إلى اتفاقية مع حماس، بروح الاتفاقية التي تم التوصل إليها في مكة في حينه. توجد لإسرائيل مصلحة واضحة في إدارة مفاوضات مع حكومة فلسطينية تضم الحركتين الكبيرتين، لكي يتم تقبل الاتفاقية من قبل جميع أجزاء الشعب الفلسطيني.

*هل يعمل الوقت لصالحنا؟

لقد قلنا للجمهور الإسرائيلي طيلة عشرات السنوات: من الجدير صنع السلام مع قيادة ياسر عرفات العلمانية، وإلا فسيتحول الطابع الوطني للنزاع إلى طابع ديني. للأسف، لقد تحققت هذه النبوءة أيضا.
من لم يرغب في منظمة التحرير الفلسطينية، حصل على حماس. إذا لم نتوصل إلى تسوية مع حماس، فستحل محلها منظمات إسلامية أكثر تطرفا، كالطالبان في أفغانستان.




المصدر: الحقيقة (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)

Donald Duck
10/03/2008, 00:59
ياس ...

حلو كثير هالمقالات ..

وكمان في واحد ما انذكر اسمو .. وهو يهودي .. ويعتبر رجل السلام الاول في اسرائيل ..

وهو " لطيف دوري " ..

وانا شخصيا بشوفوا كثير في ذكرى او مناسبة بتخص الشعب الفلسطيني ..

بس في سؤال بخطر في بالي لما اشوف دعاة السلام اليهود ..

الي بدو سلام عنجد .. مو احسن انو يطلع من الارض يلي هي مو ارضوا ليحقق عملية السلام ؟.؟؟

leoprad
10/03/2008, 02:29
تسجيل حضور
شكرا على الموضوع

*Marwa*
14/03/2008, 18:36
«اقتل مائة تركي وارتاح» أوري أفنيري


تذكرت هذا الأسبوع الحكاية القديمة عن الأم اليهودية التي تودّع ابنها حين يُطلب للخدمة في جيش القيصر في حرب ضد الأتراك.
"لا تجتهد أكثر مما يجب"، تستحلفه وتضيف "أقتل تركيا وارتاح. اقتل تركيا آخر، وارتاح مرة أخرى..."
"ولكن، يا أمي!" يسأل الابن، "وماذا لو قتلني التركي؟"
"يقتلك؟" صرخت الأم قائلة، "لماذا؟ ماذا فعلت له؟"

هذه ليست نكتة (وليس هذا أسبوع للنكت). هذا درس في علم النفس. تذكرته حين قرأت أقوال أولمرت الغاضب، أكثر من أي شيء آخر، بسبب الشماتة في غزة، بعد العملية التي قُتل فيها تلاميذ الحلقة الدينية في القدس.

لقد قتل الجيش الإسرائيلي، في نهاية الأسبوع المنصرم، 120 فلسطينيا في غزة، نصفهم من المواطنين، من بينهم عشرات الأطفال. هذا ليس "أقتل تركيا وارتاح". هذا يُدعى "أقتل مائة تركي وارتاح". ولكن أولمرت لا يفهم.
حرب الأيام الخمسة في غزة (كما أسماها ناشط حماس) كانت مجرد حلقة صغيرة أخرى في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لا يعرف وحش الدماء الشبع، وشهيته تزداد كلما أكل أكثر.

لقد بدأت هذه الحلقة "بالتصفية الموجهة" لخمسة من كبار النشطاء داخل غزة. كان الرد وابلا هائلا من الصواريخ، وفي هذه المرة ليس على سدروت فحسب، بل على أشكلون ونتيفوت أيضا. كان الرد على الرد هو الاجتياح الذي نفذه الجيش الإسرائيلي، والقتل الجماعي.

الهدف المُعلن، كما هي الحال دائما، كان التوصل إلى توقف إطلاق القذائف. الوسيلة: قتل أكبر عدد من الفلسطينيين، بهدف لتلقينهم درسا. لقد استند القرار إلى المفهوم الإسرائيلي التقليدي: اضرب الجمهور المدني أكثر فأكثر، حتى يُقصي زعماءه. لقد تمت تجربة هذا مئات المرات في الماضي. وكان مصيره الفشل دائما.

وكأنه لا يوجد مثل على غباوة هذا المفهوم، فجاء ماتان فيلنائي ووفر هذا المثل، حين قال في المقابلة التلفزيونية أن الفلسطينيين "يجلبون الكارثة على أنفسهم". الكلمة العبرية "شوآه" معروفة في كل العالم، ولها في هذا السياق معنى واحد ووحيد: إبادة الشعب التي نفذها النازيون ضد اليهود. لقد انتشرت أقوال فيلنائي، في الحال، في العالم العربي بأسره، وأدت إلى ضجة. أنا أيضا تلقيت عشرات المحادثات الهاتفية والرسائل الإلكترونية من جميع أنحاء العالم. كيف يمكنك الآن أن تشرح للناس خارج البلاد أنه في اللغة العبرية اليومية، الـ"شوآه" ليست سوى مصيبة وخيمة، وأن الجنرال ماتان فيلنائي ليس نابغة عصره.

قبل عدة سنوات نادى الرئيس بوش إلى "حملة صليبية" ضد الإرهاب. لم يكن يعلم أنه بالنسبة لمئات ملايين العرب، الحملة الصليبية الأصلية هي إحدى أكبر الجرائم في تاريخ الإنسانية، قتل فظيع ارتكبه الصليبيون ضد الإسلام (واليهود) في ساحات القدس. في مسابقة الذكاء بين فيلنائي وبوش، ستكون النتيجة مشكوك بأمرها.
لا يعرف فيلنائي ما هو معنى الـ "شوآه" لدى الغير، ولا يدرك أولمرت المنافق لما كل هذا الفرح في غزة على العملية في "مركاز هاراف" أذكياء كهؤلاء يديرون الدولة، الحكومة، والجيش. أذكياء كهؤلاء يوجهون أيضا الرأي العام في وسائل الإعلام. المشترك بين الجميع: اللا مبالاة التامة تجاه أحاسيس كل من هو ليس إسرائيلي/يهودي. ومن هنا عدم القدرة على تفسير دوافع الطرف الآخر والنتائج التي تنم عن ذلك بشكل صحيح.

ينعكس هذا الأمر في عدم القدرة أيضا على فهم سبب اعتبار نشطاء حماس في غزة أحداث الأيام الخمسة انتصارا. أي انتصار؟ فقد تم قتل جنديين من الجيش الإسرائيلي ومواطن واحد في سدروت، مقابل 120 فلسطينيا، بين مقاتل ومدني.

ولكن هذه المعركة دارت بين أحد أقوى الجيوش في العالم، المزود بأحدث الأسلحة في العالم، وبين بضعة آلاف من المقاتلين غير النظاميين، الذين يحملون أسلحة بدائية. إذا انتهت المعركة بالتعادل – وطالما تنتهي مثل هذه المعركة بالتعادل– فهو انتصار هائل للطرف الضعيف. هذا ما حدث في حرب لبنان الثانية، وهذا ما حدث في حرب غزة أيضا.
(لقد أطلق بنيامين نتنياهو إحدى أكبر السخافات هذا الأسبوع، حين طلب أن "ينتقل الجيش الإسرائيلي من حالة الاستنزاف إلى حالة الحسم". في صراع كهذا لا يوجد حسم، ولا يمكن أن يكون أيضا).

لا تتجسد النتيجة العسكرية الحقيقية لمعركة كهذه بمعطيات مادية وكمية: كذا من القتلى، كذا من الجرحى، كذا من الدمار. إنها تتجسد بمعطيات نفسية، غير قابلة للقياس، وبناء على ذلك فإنها تبدو غريبة عن الجنرالات: كم هي الكراهية التي أضيفة إلى الكم الهائل الموجود مسبقا، كم منتحر فلسطيني جديد وُلد، كم شخص أقسم أن ينتقم وتحول إلى قنبلة موقوتة – مثل الشاب المقدسي الذي قام في يوم ربيعي من هذا الأسبوع، حصل على سلاح وذهب إلى حلقة "مركاز هاراف"، أم كل المستوطنات، وقتل كل من صادفه في طريقه.

يجلس الآن جميع القادة السياسيين والعسكريين، ويتشاورون مجددا: ما العمل، كيف يجب "الرد". لم تكن هناك أية فكرة، ولن تكون، لأنه لا يستطيع أي من هؤلاء الساسة والجنرالات أن يطرح فكرة جديدة. إنهم يستطيعون، فقط، أن يعيدوا مئات الأعمال التي تمت تجربتها مسبقا مئات المرات والتي فشلت مئات المرات.

الخطوة الأولى للخروج من هذا الجنون هي الاستعداد للتخلص من كل مفاهيمنا وسخافتنا في السنوات الستين الأخيرة وطرحها في القمامة، والتفكير مليا من جديد.
هذا صعب في كل حال من الأحوال. هذا صعب أكثر بكثير لأن زعماءنا لا يتمتعون بحرية التفكير – يرتبط تفكيرهم ارتباطا وثيقا بتفكير الزعامة الأمريكية.

لقد نشر هذا الأسبوع مستند مثير: مقال ديفيد روز في مجلة "فانيتي فير"، الذي يصف كيف أملى مبعوثو الولايات المتحدة، في السنوات الأخيرة، جميع خطوات القيادة الفلسطينية، حتى أدق التفاصيل. رغم أن المقال لا يتطرق إلى العلاقات بين إسرائيل وأمريكا (وهو أمر غريب بحد ذاته) فإنه من الواضح أن كل الخطوات الأمريكية، حتى أدق تفاصيلها، كانت منسقة مع إسرائيل.

لماذا يعتبر هذا الأمر مثيرا؟ كنت على علم بهذه الأمور، بشكل عام، في السابق أيضا. من هذه الناحية لا يشتمل المقال على مفاجئات: (أ) لقد أجبر الأمريكيون أبا مازن على إجراء انتخابات، بهدف الإثبات بأن بوش يجلب الديمقراطية إلى الشرق الأوسط. (ب) لقد انتصرت حماس انتصارا مفاجئا. (ج) لقد قام الأمريكيون بمقاطعة الفلسطينيين، من أجل إلغاء نتائج الانتخابات. (د) لقد انحرف أبو مازن للحظة عن الطريق التي تم إملاؤها عليه وعقد اتفاقية مع حماس، برعاية (وتحت ضغط) السعوديين. (هـ) وضع الأمريكيون حدا لهذا الأمر وأجبروا أبا مازن على نقل جميع خدمات الأمن إلى يدي محمد دحلان، وهو الشخص الذي اختاروه حاكما عسكريا لفلسطين. (و) وفّر الأمريكيون السلاح لدحلان بكثرة، دربوا أتباعه وأمروه بتنفيذ انقلاب عسكري ضد حماس في قطاع غزة. (ز) لقد استبقت حكومة حماس المنتخبة الأحداث وأحدثت انقلابا مسلحا من قبلها.

كنت أعرف بكل هذا من قبل. الجديد في الأمر هو أن هذه المرة ليست خليطا من الأنباء، الإشاعات والاستنتاجات المنطقية، بل هو وصف مؤهل وموثّق، يستند إلى وثائق أمريكية رسمية. إنه يشهد على جهل الأمريكيين العميق، الذي يفوق حتى الجهل الإسرائيلي، بالنسبة إلى العمليات الفلسطينية الداخلية.

جورج بوش، كوندوليسا رايس، إليوت أدامس الصهيوني والجنرالات الأمريكيون، على أنواعهم، الأبرياء من أي نوع من الفهم، يتنافسون في غبائهم مع إيهود أولمرت، تسيبي ليفني، إيهود براك وجنرالاتنا على أنواعهم، الذين يصل فهمم إلى طرف فوهة مدافعهم.

لقد قضى الأمريكيون، في هذه الأثناء، على دحلان حيث أظهروه على الملأ كوكيلهم، وكأنه "ابن زانية، ولكنه ابن زانيتنا". لقد قتلت كوندوليسا هذا الأسبوع أيضا أبا مازن. لقد أعلن أبو مازن في الصباح أنه يوقف المفاوضات (غير القائمة) مع إسرائيل، كحد أدنى من الرد على الوحشية في غزة. تلقت الوزيرة الأمريكية النبأ حين كانت تتناول طعامها بصحبة زميلتها الإسرائيلية ("أتأكلان الاثنتان معا، من دون سابق موعد"). اتصلت بأبي مازن على الفور وأملت عليه أمرا مباشرا بإلغاء هذا الإعلان في الحال. خضع أبو مازن لأمرها، وهكذا أظهر عراه أمام شعبه بوضوح.
إن علم المنطق لم يُعطى لبني إسرائيل على جبل سيناء، بل أعطي لليونانيين القدامى على جبل الأوليمبوس. على الرغم من ذلك، تعالوا نحاول تطبيقه هنا.
ماذا تريد الحكومة أن يحدث في غزة؟ تريد الحكومة أن تُسقط سلطة حماس (وبهذا الشكل أن توقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل).

لقد حاولت الوصول إلى مرادها عن طريق فرض حصار شامل على السكان، آملة أن يثور الأخيرون بدورهم لإسقاط حماس. لقد فشل ذلك. الإمكانية البديلة هي إعادة احتلال القطاع كله. سيكلف هذا الأمر ثمنا بشريا باهظا، ربما أكثر مما هو مستعد الجمهور الإسرائيلي لدفعه. هذا أيضا لن يساعد، لأن حماس ستعود فور انسحاب الجيش الإسرائيلي. (كما قال ماو تسي دونغ: "عندما يتقدم العدو، انسحب. عندما ينسحب العدو، تقدم.")

النتيجة الوحيدة "لحرب الأيام الخمسة" هي تعزيز قوة حماس والتحام الشعب الفلسطيني حولها - وليس فقط في قطاع غزة، بل في الضفة الغربية والقدس أيضا. كان لاحتفالات انتصار حماس ما يبررها. لم يتوقف أطلاق الصواريخ. لقد زاد مدى القذائف.

ولكن لنفترض أن الأمر كان سينجح، وانكسرت حماس. فماذا إذا؟ لا يستطيع أبو مازن ودحلان أن يعودا، إلا على رؤوس رماح الجيش الإسرائيلي، كمقاولا احتلال ثانويين مكشوفين. لن تكون أي شركة تأمين مستعدة للتأمين على حياتهما. وإن لم يعودا – ستعم الفوضى، وستقوم منها قوى أكثر تطرفا بكثير من كل ما يمكن أن نفكر به اليوم.

الاستنتاج: حماس موجودة. لا يمكن تجاهلها. يجب عقد اتفاقية لوقف إطلاق النار معها. وليس اقتراح كاذب وصبياني بصيغة "إذا توقفوا عن الإطلاق، فنحن أيضا سنتوقف". لوقف إطلاق النار، كما في رقصة التانغو، هناك حاجة إلى اثنين. يجب أن يكون ثمرة اتفاقية مفصلة، تشمل كل الأعمال العدائية، المسلحة منها وغير المسلحة، في الأراضي المحتلة.

لن يصمد وقف إطلاق النار إذا لم يكن مرفقا بمفاوضات سريعة لوقف طويل الأمد لإطلاق النار (هدنة) وللسلام. لا يمكن إدارة مفاوضات حول هذا الموضوع مع فتح من دون حماس، ولا مع حماس من دون فتح. لذلك هناك حاجة إلى حكومة فلسطينية تشمل الحركتين. يجب أن تشمل أشخاصا يحظون بثقة الجمهور الفلسطيني كله، مثلا، مروان البرغوتي.

هذا هو النقيض التام للسياسة الإسرائيلية-الأمريكية الحالية، التي تمنع أبا مازن عن التحدث مع حماس. لا يوجد أي شخص، في كل القيادة الإسرائيلية وفي كل القيادة الأمريكية، يجرؤ على قول الأمور بشكل علني. لذلك فإن كان هو الذي سيكون.
نقتل مئة تركي ونرتاح. وبين الحين والآخر يأتي تركي ويفتك بنا.
لماذا، يا رب العالمين؟ ماذا فعلنا لهم?

*Marwa*
27/03/2008, 18:46
أمريكتان...بقلم: أوري أفنيري


"الحرب هي أمر جدي جدا إلى درجة لا تسمح لنا بإبقائه بين أيدي الجنرالات"، هذا ما قاله طاليران كما وهو معروف. وعلى نحو مشابه، يمكن القول: "إن الانتخابات لرئاسة الولايات المتحدة هو أمر جدي جدا إلى درجة لا يُسمح لنا بإبقائه بين أيدي الأمريكيين".

الولايات المتحدة هي الدولة العظمى الوحيدة في العالم. وستكون كذلك في السنوات القادمة أيضا. إن قرارات رئيس الولايات المتحدة تخص كل شخص على وجه البسيطة.
للأسف الشديد، لا يتمتع مواطنو العالم بحق الاختيار. ولكن يُسمح لنا، على الأقل، أن نعبر عن آرائنا.

ها أنا أستخدم هذا الحق: أنا أؤيد براك أوباما.
علي أن أعترف أولا: إن العلاقة بيني وبين الولايات المتحدة هي علاقة حب فاشل. كنت في فترة شبابي معجبا كبيرا بها. مثل كثيرين من أبناء جيلي، ترعرعت على أسطورة العالم الجديد، الطلائعي، المثالي، شعلة الحرية في العالم. أيدت إيف لينكولن، محرر العبيد. تحمست لفرانكلين دلانو روزفلت، الذي ساعد بريطانيا المحاصرة حين وقفت لوحدها أمام النازيين، والذي أدخل بلاده في الحرب العالمية الثانية في لحظة حاسمة. لقد ترعرت على أفلام رعاة البقر.
بدأت أفقد الأوهام تدريجيا. جو مكارتي ساعدني في هذا الأمر كثيرا. تعلمت أنه، بين الحين والآخر وبشكل دوري ومحبط، كانت تنتاب الولايات المتحدة هيستريا ما. ولكن في كل مرة، قبل أن تصل إلى حافة الهاوية، ترتدع وتتماثل للشفاء.
لقد شاركت في التظاهرات في فترة حرب فيتنام. صادف أن كنت قي الولايات المتحدة عام 1967 وشاركت في التظاهرة الأسطورية التي شارك فيها نصف مليون أمام وزارة الدفاع الأمريكية. وصلت إلى بوابة المبنى، رأيت أمامي صفا مخيفا من الجنود الذين يشعّ الغضب من عيونهم. في اللحظة الأخيرة، خطر ببالي أنه من غير المقبول أن يتورط عضو كنيست إسرائيلي في مثل هذا الأمر، قفزت من فوق المدخل وانخلعت رجلي.

دخلت بطريقة ما إلى القائمة السوداء لدى وكالة المخابرات المركزية (السي آي إي). كان من الصعب علي أن أحصل على تأشيرة دخول وتم حذفي من قائمة المدعوّين من قبل السفارة في تل-أبيب. لا أعلم إذا كان ذلك قد حدث بسبب هذه التظاهرات، أو بسبب صداقتي مع هنري كوريئيل، ثوري يهودي-مصري في فرنسا ساعدنا في اتصالاتنا مع منظمة التحرير الفلسطينية. فكر الأمريكيون، وقد ارتكبوا في ذلك خطأ فاحشا، أنه عميل الكي.جي.بي.
في الوقت ذاته، شطبني السوفييت من أي قائمة مدعوين في إسرائيل. من الممكن أن يكونوا قد اعتقدوا أنني عميل وكالة المخابرات المركزية. هكذا كنت أحد الأشخاص القليلين في العالم الذين ظهروا، في نفس الوقت، في القوائم السوداء لدى الولايات المتحدة ولدى الاتحاد السوفييتي. لقد افتخرت بهذا كثيرا.
صديقي عفيف صفية، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية اليوم، يدّعي أنه توجد أمريكتان: أمريكا لمبيدي الهنود الحمر، مستعبدو العبيد، هيروشيما ومكارتي، وأمريكا الأخرى، أمريكية إعلان الاستقلال، لينكولن، فيلسون وروزفلت.
إذا كان الأمر كذلك، فإن جورج بوش تابع للأمريكا الأولى. أوباما، نقيضه التام من جميع النواحي، يمثل أمريكا الأخرى.
من الممكن الوصول إلى أوباما بطريقة الاستبعاد. من هم منافسوه على تاج الرئاسة؟

إن جون مكين هو استمرارية لبوش. أكثر ، ومن المحتمل أن يكون أكثر ذكاء أيضا (وهذا أمر لا يعني الكثير). ولكنه نفس الشيء. نفس السياسة – خليط خطير من العنجهية والسذاجة. نفس عالم أسطورة أفلام رعاة البقر، الشباب الطيّبون (الأمريكيون وخدامهم) والشباب الشريرون (كل من تبقى). عالم بطولي، نوع من الرجولية المزيفة التي ترى كل شيء عن طريق منظار البندقية.
سيواصل مكين الحروب، ومن شأنه أن يبادر إلى حروب جديدة. إن نظريته الاقتصادية هي الرأسمالية الخنزيرية ذاتها، التي جلبت الآن كارثة على الاقتصاد الأمريكي، وعلى اقتصادنا جميعا.
لقد كانت سنوات بوش الثماني كافية بالنسبة لي، شكرا.

هيلري؟ صحيح، هنالك أمر إيجابي جد في حقيقة كون أن امرأة هي مرشحة واقعية لرئاسة أهم دولة في العالم. تبارك الله الذي أبقانا وجعلنا نصل إلى هذا الوقت. أنا أومن بأن الثورة النسوية كانت هي الأهم في القرن العشرين، وذلك لأنها تزعزع نظما اجتماعية سادت لآلاف السنوات، وربما نظاما بيولوجيا أيضا يبلغ عمره ملايين السنوات. هذه الثورة لا تزال في ذروتها، وانتخاب رئيسة-امرأة من شأنه أن يكون علامة هامة من علامات طريقها.
ولكن لا يكفي أن تكون امرأة. من المهم أي امرأة تكون هذه الامرأة.
لقد قضيت عدة سنوات في النضال ضد غولدا مئير، الأسوأ من بين رؤساء الحكومة في تاريخ إسرائيل. كل الزعيمات، تقريبا، اللواتي ترأسن دولا، قمن بإدارة حروب: شنّت مارغرت تاتشر حرب فوكلاند، غولدا مئير مسؤولة عن حرب تشرين، أنديرا غاندي خرجت في حرب ضد الباكستان، رئيسات الفيليبين وسريلانكا الحاليات تخضن حروبا أهلية.

إن التفسير المعقول هو أنه بهدف التغلب في عالم الرجال، يجب على امرأة-السياسة أن تثبت أنها متشددة، مثلهم، على الأقل. حين تصل إلى السلطة، تريد أن تثبت أنها هي أيضا تستطيع خوض الحرب وتستطيع إصدار الأوامر للجيش. لقد أثبتت هيلري أنها متشددة، حين أيدت حرب العراق التي تحمل كارثة في طياتها.
(قبل بضع سنوات، حين أعلنت هيلري أنها تدعم إقامة الدولة الفلسطينية، أجرت "كتلة السلام" مظاهرة على شرفها أمام السفارة الأمريكية في تل-أبيب. طلبنا أن نقدم لها بشكل رمزي باقة من الورد. تعامل معنا رجال السفارة كأعداء ورفضوا أن يقبلوا الورود. لم تقل هيلري منذ ذلك الوقت أي كلمة، أو حتى نصف كلمة، لصالح الفلسطينيين.)
لا أعلم إلى أي حد كانت شريكة لتوجه زوجها في البيت الأبيض. من شأن زوجة الرئيس أن تكون قريبة من أذنه – كما أن زوج الرئيسة من شأنه أن يكون قريبا من أذن الرئيسة. في سنوات بيل كلينتون الثماني، على كل حال، لم يحدث أي شيء جيد فيما يتعلق بالسلام الإسرائيلي-الفلسطيني. في "طاقم السلام" خاصته، كان هناك العديد من اليهود، ولكن لم يكن حتى عربي واحد. لقد كان يعبد اللوبي الإسرائيلي بشكل قاطع، وهو اللوبي الذي يعمل ضد السلام بشكل مستمر، وفي فترة رئاسته تمت مضاعفة عدد المستوطنين في الأراضي المحتلة.
لا تحتاج إسرائيل إلى فترة "بيلري" أخرى.
هيلري هي سياسية اعتيادية. إذا كان مكين بمثابة استمرارية لبوش، فإن هيلري ستكون استمرارية لكل المؤسسة الأمريكية القائمة، السياسة القائمة والروتين الموجود. ولكن العالم بحاجة إلى أمريكا أخرى.

أمريكا أخرى يكون اسمها أوباما. الاسم الكامل: براك حسين أوباما.
مجرد حقيقة أن هذا الرجل يمكن أن يكون مرشحا جديا للرئاسة، تعيد إليّ الثقة في الإمكانات الكامنة في أمريكا. من بعد مكارتي جاء جون كندي. بعد بوش من الممكن أن يأتي أوباما. في أمريكا فقط.
إن بشرى أوباما السارة هي أوباما ذاته. شخص لديه جذور في ثلاث قارات (ونصف آخر: هاواي). شخص جعلته تربيته منفتحا على العالم الواسع. شخص يستطيع أن يرى العالم من زاوية أمريكا، أفريقيا وآسيا. شخص أسود وأبيض في الوقت ذاته. نوع أمريكي جديد، أمريكي المائة الـ21.
أنا لست ساذجا. أنا أعلم أن خطاباته تتضمن الكثير من الحماس والقليل من المضمون. لا نستطيع أن نعرف ماذا سيفعل عندما سيصبح رئيسا. من شأن الرئيس أوباما أن يخيب ظننا. ولكني أفضل أن أُعرّض نفسي للخطر مع شخص كهذا بدلا من أن أعرف منذ البداية ماذا سيفعل السياسيان العاديان الموجودان مقابله.

أنا لا آخذ انطباعات أكثر من اللازم من خطابات الانتخابات. لقد قمت بإدارة أربعة معارك انتخابية، وأنا أعلم أن هناك أمورا يجب أن تُقال وأخرى يجب أن تبقى في طي الكتمان. كل هذا محدود الضمان. ولكن على الرغم من كل الخطابات تظهر حقيقة واحدة أهم من مئات الكلمات. لقد عارض براك أوباما اجتياح العراق منذ اللحظة الأولى، حين كان يتطلب ذلك نزاهة وشجاعة كبيرتين. هيلري أيدتها، وتراجعت عن ذلك بعد أن تغير رأي الجمهور فقط. مكين يدعم الحرب الآن أيضا.

نحن في إسرائيل، نعرف الفرق الكبير بين معارضة الحرب في ساعاتها الأولى، الحاسمة، ومعارضتها بعد مرور شهر، سنة، أو خمس سنوات.
من جهة أخرى، من الممكن أن تكون هذه الحقيقة، أكثر من لون جلده، اسمه المسلم و"قلة تجربته"، حجر عثرة. لا يحب الناخبون شخصا كان على حق بينما هم أخطوا. وكأننا نقول: إنه ذكي ونحن أغبياء. حين يرغب سياسي ذكي في أن يُنتخب، من المفضل له أن يخفي حقيقة أنه كان على حق.
وبرأيي الشخصي: كشخص متفائل منذ ولادتي، أنا أحب تفاؤل أوباما. المرشح الذي يجلب الأمل هو أفضل، بنظري، من ذاك الذي يخيبه. إن التفاؤل يحث على العمل، بينما لا ينتج التشاؤم أي شيء سوى اليأس العقيم.
تحتاج أمريكا إلى حل شامل. ليس إلى التنظيف، ليس إلى الطلاء بالشمع، ليس إلى أعمال الدهان. إنها تحتاج إلى محرك جديد، لتبديل الزعامة كلها، لإعادة تقييم مكانتها في العالم.
هل سيفعل أوباما ذلك؟ أنأ آمل أن يفعل. لست متأكدا. ولكني متأكد تماما من أن كلا الآخرين لن يفعلا ذلك.

سيسأل شخص يهودي السؤال التقليدي: هل هذا جيد لليهود؟
الأشخاص الذين يتظاهرون بالتحدث باسم يهود أمريكا، "القادة" اللذين لم ينتخبهم أي شخص، رؤساء الآليات المتعفنة، يديرون ضده حملة من التشهير والرموز القذرة. إذا كان اسمه الأوسط "حسين" وهو أسود، فإنه بالطبع "يحب العرب". وهو لم يستنكر لوي فرحان المعادي للسامية بما فيه الكفاية.
نفس القادة يستلقون في سرير واحد مع العنصريين الأكثر إثارة للاشمئزاز في أمريكا، الأصوليون المظلمون والمحافظون الجدد الملطخون بالدماء. ولكن معظم يهود أمريكا يعلمون أن مكانهم ليس هناك. إن التحالف غير المقدس مع هذه الأنواع من البشر سينتقم منهم في نهاية المطاف. يجب عليهم أن يبقوا في المكان الذي كانوا فيه دائما: في المعسكر المتقدم، الداعي إلى المساواة، هذا الذي يحافظ على الفصل بين الدين والدولة.

علينا أن نطرح السؤال: هل هذا جيد لإسرائيل؟
لقد تمرّغ المرشحون الثلاثة في التراب أمام أرجل اللوبي الموالي لإسرائيل. إن تملّق الثلاثة أمام الزعماء الإسرائيليين تجعلني أشعر بالغثيان. كلامهم يخلو من الصدق. ولكني أعلم أنه لا مناص لديهم. هذه هي الحال في أمريكا.
على الرغم من ذلك فقد تجرأ أوباما على إدخال جملة واحدة على الأقل إلى المعركة من الحقيقة الشجاعة. لقد قال في خطاب أمام جمهور يهودي: "ثمة في الجالية الموالية لإسرائيل توجه يقضي بأنك إذا لم تتخذ موقفا غير متنازل إلى جانب الليكود، فإنك معاد لإسرائيل. يُمنع أن يكون هذا هو معيار صداقتنا مع إسرائيل".

معنى الصداقة الحقيقية هو: حين ترى أن صديقك ثملا، لا تشجعه على السياقة. تطوع وخذه إلى البيت. أنا أتوق إلى رئيس أمريكي يملك الشجاعة والأمانة ليقول لقادتنا: أصدقائنا الأعزاء، إنكم ثمالى القوة. إنكم مندفعون على طريق يودي بكم إلى الهاوية.
من الممكن أن يكون براك أوباما صديق كهذا. أنا آمل ألا يتضح أن براك الأمريكي هو نسخة عن براك الإسرائيلي. أنا مستعد للمجازفة.

yass
02/04/2008, 12:15
الموت للعرب

أوري أفنيري



صادفت قبل يومين الذكرى الثانية والثلاثين ليوم الأرض (30 آذار / مارس) - أحد أهم الأحداث في تاريخ الدولة.

أنا أتذكر هذا اليوم جيدا. كنت في مطار بن غوريون، في طريقي إلى لقاء سري مع سعيد حمامة، مبعوث ياسر عرفات إلى لندن، حين قال لي أحدهم إنه قد تم "قتل متظاهرين عرب كثيرين".

هذا الأمر لم يكن غير متوقع. قبل عدة أيام من ذلك الوقت، قدّمنا - نحن مجموعة من أعضاء "المجلس الإسرائيلي من أجل السلام الإسرائيلي-الفلسطيني" - مذكرة عاجلة إلى رئيس الحكومة إسحق رابين. حذّرنا فيها من أن نية الحكومة في مصادرة مساحات واسعة من الأراضي من أبناء القرى العربية في الدولة قد تؤدي إلى انفجار. بمبادرة لوبا إليآف، خبير ذي أقدمية في شؤون الاستيطان، اقترحنا برنامجا بديلا، ولكن من دون جدوى.

حين عدت من خارج البلاد، اقترح الشاعر يبيي القيام بخطوة رمزية من التعبير عن الأسف والندم على القتل. سافرنا - يبيي، الرسام دان كيدار وأنا - ووضعنا أكاليل من الزهور على أضرح القتلى. أثار هذا العمل موجة من الكراهية ضدنا. أحسست أن أمرا ما قد حدث في إسرائيل، وأن العلاقات بين المواطنين اليهود والمواطنين العرب قد تغيرت بشكل كبير.

وبالفعل، فقد أثر يوم الأرض على العلاقات بين الأغلبية والأقلية في الدولة، حتى أكثر من مجزرة كفر قاسم (1956) وقتل المواطنين العرب في أحداث أكتوبر (2000).

يعود تفسير ذلك إلى فترة قيام الدولة.

بعد حرب عام 1948، بقي في الدولة جمهور عربي صغير، ضعيف وخائف. فناهيك عن أن حوالي 750 ألف عربي قد تم تهجيرهم من الأراضي التي تحولت إلى دولة إسرائيل، بقي الباقون من دون قيادة. لقد اختفت الزعامة السياسية، الفكرية والاقتصادية. لقد ترك معظم أفرادها البلاد منذ بداية الحرب. وقد احتل هذا الفراغ، بشكل أو بآخر، الحزب الشيوعي، الذي سُمح لزعمائه بالعودة - وبالأخص بهدف إرضاء ستالين، الذي أيّد إسرائيل آنذاك.

بعد نقاش داخلي، قرر زعماء الدولة الجديدة منح العرب الجنسية وحق الانتخاب في "الدولة اليهودية". هذا لم يكن مفهوما ضمنا. ولكن حكومة إسرائيل أرادت أن تثبت للعالم أن هذه هي دولة ديموقراطية. حسب رأيي، كان الاعتبار الحاسم هو اعتبار حزبي بالذات: لقد آمن دافيد بن غوريون أن باستطاعته إجبار العرب على التصويت إلى جانب حزبه.

وبالفعل، فقد صوتت الأغلبية العظمى من العرب إلى جانب حزب العمل (مباي آنذاك) وحزبين فرعيين عربيين تم تأسيسهما لهذا الهدف. لم يكن أمامهم خيار آخر: لقد عاشوا في نظام من الخوف، تحت إشراف مكثف من قبل الشاباك (كان يُدعى آنذاك "شين بيت").

كل عشيرة عربية كانت تعرف بالضبط لمن يجدر بها أن تصوّت - إلى جانب مباي أو إلى جانب إحدى القائمتين التابعتين. ولأن لكل حزب بطاقتين (واحدة بالعبرية وأخرى بالعربية)، كان في كل صندوق اقتراع ستة احتمالات - وكان من السهل على الشاباك أن يتأكد من أن كل حمولة / عشيرة ستنفذ الأمر الذي تلقته. لقد حظي بن غوريون، في أكثر من مرة، بالأغلبية في الكنيست بفضل هؤلاء "المغتصبين".

لمزيد من "الأمن" (بكل معاني هذه الكلمة) فُرض على العرب في الدولة "حكم عسكري".

كانت كل حياتهم متعلقة به. كانوا يحتاجون إلى تصريح للخروج من قراهم إلى المدينة أو إلى القرية المجاورة. من دون تصريح الحكم العسكري، لم يتمكنوا من شراء تراكتور، من إرسال البنت إلى دورة المعلمات، من الحصول على وظيفة للابن، من الحصول على رخصة استيراد. بغطاء من الحكم العسكري وتشكيلة كاملة من الحقوق، تمت مصادرة مساحات شاسعة من الأرض، أقيمت عليها البلدات اليهودية الجديدة.

ها لكم قصة لم تبرح ذاكرتي: تمت دعوة صديقي الشاعر المرحوم راشد حسين من قرية مصمص (بجوار أم الفحم) إلى الحاكم العسكري في نتانيا. قال له الحاكم العسكري أن عيد استقلال إسرائيل سيحل قريبا، وأنا أريد أن تكتب قصيدة جميلة بهذه المناسبة. راشد، الشاب الوطني الأبي، رفض. حين وصل إلى بيته وجد كل أبناء عائلته يجلسون على الأرض ويبكون بكاء مرا. في البداية اعتقد أن أحدهم قد توفي. ولكن هاجمته أمه قائلة: "لقد دمرتنا! لقد انتهينا!" وعندها كتب راشد قصيدة.

لقد وأدت الحكومة أي مبادرة سياسية مستقلة من قبل الجمهور العربي. كانت المحاولة الأولى لإقامة هيئة عربية وطنية هي مجموعة "الأرض"، وقد تم قمعها بالقوة. لقد تم إخراج هذه المجموعة خارج القانون، وسُجن زعماؤها وتم نفيهم، وتم منع إصدار جريدتهم - وكل ذلك برعاية وبإذن من المحكمة العليا. لم يبق سوى الحز ب الشيوعي، ولكن أعضاءه قد تمت ملاحقتهم في أكثر من مرة.

تم إلغاء الحكم العسكري في عام 1966 فقط، بعد الإطاحة ببن غوريون، وبعد وقت قصير من انتخابي للكنيست. بعد أن شاركت في الكثير من المظاهرات ضد الحكم العسكري، كان لي الشرف أن أصوت إلى جانب إلغائه. ولكن الوضع العملي لم يتغير - فعوضا عن الحكم العسكري العلني جاء حكم عسكري خفي. معظم أشكال التمييز والإجحاف قد ظلت على ما كانت عليه.

جاء "يوم الأرض" وغيّر الوضع. لقد ترعرع في البلاد جيل عربي ثان، جيل لم يشهد التهجير وقد تعززت مكانته الاقتصادية، ولم يعد يخاف ولم يستسلم. لقد أدى إصدار الأمر إلى الجنود وأفراد الشرطة بإطلاق النار على مواطني الدولة إلى ضجة كبيرة. هكذا بدأ فصل جديد.

لم تتغير نسبة المواطنين العرب في الدولة: منذ الأيام الأولى وحتى اليوم، تتراوح هذه النسبة حول العشرين بالمائة. التزايد الطبيعي للجمهور الإسلامي تمت موازنته مع القدوم اليهودي الضخم. ولكن الكمية العددية قد تغيرت كثيرا: لقد زاد عدد السكان العرب من 200 ألف نسمة لدى قيام الدولة إلى حوالي مليون ونصف المليون - أكثر بضعفين من حجم الاستيطان العبري الذي أقام الدولة.

لقد غيّر يوم الأرض، بشكل دراماتيكي، نظرة العالم العربي إلى العرب في إسرائيل. كانوا يُعتبرون، حتى ذلك الحين، من الخونة، المتعاونين مع "الكيان الصهيوني". ما زالت هناك صورة عالقة في ذهني منذ عام 1965، من مؤتمر عقده رئيس بلدية فيرينسه الأسطوري، جورجيو له فييرا، الذي حاول أن يعقد لقاء بين دعاة السلام الإسرائيليين والعرب. كان هذا العمل لا يزال يعتبر في حينه عملا جريئا. في إحدى الاستراحات، وقفت في ساحة تغمرها أشعة الشمس وتحدثت مع دبلوماسي مصري كبير، وقد انضم إلينا اثنان من العرب الشباب من إسرائيل، حيث سمعا بأمر المؤتمر. بعد أن تعانقنا، قدمتهما إلى الشخصية المصرية، ولكن هذا الرجل أدار ظهره لهم وقال: "أنا مستعد للتحدث معك، ولكني لست مستعدا للتحدث مع هؤلاء الخونة".

لقد أعادت الأحداث الدامية التي جرت في يوم الأرض "عرب إسرائيل" إلى أحضان الأمة العربية والشعب الفلسطيني، وأصبحوا يُدعون منذ ذلك الحين "عرب 1948".

في شهر أكتوبر من عام 2000، عاد رجال الشرطة وأطلقوا النار على مواطنين عرب وقتلوهم. ولكن هذا الجمهور لم يكن جمهور عام 1967، لأنه في هذه الأثناء نشأ جيل ثالث من أبنائه، رغم كل العقبات، وقد تعلمت بناته في الجامعات، وتحول أبناؤه إلى رجال أعمال، سياسيين، بروفيسورات، محامين وأطباء. لم يعد بالإمكان تجاهل هذا الجمهور - رغم أن الدولة تحاول جاهدة القيام بذلك.

تُطلق في بعض الأحيان صيحات حول الإجحاف والتمييز، ولكن الجميع حذرون من عدم الخوض في المسألة الأساسية: ما هي مكانة الأقلية العربية الكبيرة في دولة تعرّف نفسها بأنها "دولة يهودية".

أحد زعماء الجمهور العربي، وهو عضو الكنيست المرحوم عبد العزيز الزعبي، عرّف هذه المعضلة كما يلي: "دولتي تخوض حربا ضد شعبي". المواطن العربي ينتمي إلى دولة إسرائيل وإلى الشعب الفلسطيني.

الانتماء إلى الشعب الفلسطيني مفهوم ضمنا. المواطنون العرب في إسرائيل، الذين أصبحوا يميلون مؤخرا إلى تسمية أنفسهم "فلسطينيون في إسرائيل"، هم إحدى مجموعات الشعب الفلسطيني الذي يعاني من مصيره، والمكوّن من الكثير من المجموعات: سكان الأراضي المحتلة (المجزئين الآن بين الضفة الغربية وقطاع غزة)، العرب الساكنين في القدس الشرقية (الذين هم "سكان" ولكن ليسوا "مواطنين")، واللاجئين، المشتتين في دول كثيرة. لكل مجموعة من هذه المجموعات إحساس وطني قوي من الانتماء المشترك، ولكن لكل منها مصيرا خاصا بها، يؤثر بطبيعة الحال على وعيها.

إلى أي مدى يُعتبر العنصر الفلسطيني قويا في وعي المواطنين العرب في إسرائيل؟ وكيف يمكن قياسه؟ يشكو الفلسطينيون في المناطق المحتلة، في أكثر من مرة، من أن الدعم هو بالأساس دعم بالكلمات، وليس بالأفعال. إن الدعم الحقيقي من قبل المواطنين العرب في إسرائيل لنضال التحرير الفلسطيني هو بالأساس دعم رمزي. يتم هنا وهناك سجن مواطنين ومواطنات وتوجه إليهم تهمة تقديم المساعدة للعمليات الانتحارية، ولكنها حالات استثنائية.

حين اقترح أفيغدور ليبرمان ضم كل منطقة المثلث إلى الدولة الفلسطينية التي ستقام، مقابل ضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل، لم ينبس أي صوت عربي في إسرائيل ببنت شفة ليؤيد الفكرة. هذه حقيقة تحتاج إلى إمعان النظر فيها.

الجمهور العربي متأصل في الدولة أكثر مما يبدو من نظرة سطحية. يلعب العرب دورا هاما في اقتصاد الدولة، يعملون في الدولة، يدفعون الضرائب إلى الدولة. إنهم يتمتعون بالتأمين الوطني - بحق وليس كحسنة، لأنهم يدفعون رسومه. مستوى حياتهم أصبح أعلى بكثير من مستوى حياة أخوتهم الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. إنهم يشاركون في الديموقراطية الإسرائيلية، ولا يفكرون في العيش في دولة مثل مصر أو الأردن. إن لديهم شكاوى حادة وعادلة - ولكنهم يعيشون في إسرائيل وسيواصلون العيش فيها.

قدم مثقفون عرب من أبناء الجيل الثالث في إسرائيل، في السنوات الأخيرة، اقتراحات مختلفة حول ترتيب العلاقات بين الأكثرية والأقلية.

من الناحية العملية هناك إمكانيتان أساسيتان لهذه الترتيبات: حل قومي وحل مدني.
تقول الطريقة الأولى: دولة إسرائيل هي دولة يهودية ولكن يعيش فيها شعب آخر. إذا كان للإسرائيليين-اليهود حق وطني معرّف، فيجب أن تكون حقوق الإسرائيليين العرب معرفة هي أيضا. مثلا، حكم ذاتي تعليمي، تربوي وديني (كما طالب زئيف جبوتنسكي الشاب من أجل اليهود في روسيا القيصرية). علاقة علنية بالعالم العربي وبالشعب الفلسطيني، مثل العلاقة القائمة بين المواطنين اليهود وبين الجاليات اليهودية. كل ذلك يجب تحديده في دستور الدولة.

تقول الطريقة الثانية: إسرائيل لكل مواطنيها، ولهم فقط. كل مواطن هو إسرائيلي، كما أن كل مواطن في الولايات المتحدة هو أمريكي. من ناحية الدولة، لا فرق بين مواطن وآخر، سواء أكان يهوديا، مسلما أو مسيحيا، عربيا أو روسيا، كما أنه من ناحية الدولة الأمريكية لا يوجد فرق بين مواطن أبيض، بني أو أسود، من أصل أوروبي، هسباني أو آسيوي، إنجيلي، كاثوليكي، يهودي أو مسلم. ذلك يدعى باللهجة الإسرائيلية "دولة كل مواطنيها".

أنا أفضل، بالطبع، الطريقة الثانية، ولكني مستعد أيضا لتقبل الطريقة الأولى. كل واحدة من الطرق أفضل من الوضع القائم، في وقت تتملص فيه الدولة من المشاكل وتتظاهر بأن الحديث يجري عن تصحيح حالات التمييز هنا وهناك (من دون القيام بأي عمل لتصحيحها).

حين لا تكون هناك الجرأة الكافية لمعالجة جرح مؤلم، فإنه يتلوث. تصرخ الحثالة في ملاعب كرة القدم "الموت للعرب"! ويدعو ممثل يميني في الكنيست إلى طرد أعضاء الكنيست العرب من الكنيست ومن الدولة كلها.

في الذكرى الثانية والثلاثين ليوم الأرض، وقُبيل عيد الاستقلال الستين، يجدر بنا أن نبدأ التفكير بذلك بجدية.



المصدر: الحقيقة (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)

butterfly
17/04/2008, 11:25
كتب علينا أن لا نعترف بالخرائط ؟
أوري أفنيري
ستحتفل إسرائيل الشهر القادم بيوم ميلادها الـ 60. تعمل الحكومة بشكل دؤوب لتحول هذا اليوم إلى مناسبة من الفرح والسرور. مئة مليون شيكل، من الممكن أن تحل مشاكل وخيمة تستصرخ الحل ، تم تكريسها لهذا الهدف.
ولكن الجو الوطني العام في الحضيض ولا يميل إلى الاحتفال.
يتم تحميل الحكومة وزر هذه الكآبة كلها من جميع الجهات . "لا توجد لديها أجندة"، يكرر ويدعي النقاد، "لا هدف لديها سوى صراع البقاء!"
وهذه هي، فعلا، حقيقة ظاهرة للعيان. يكثر إيهود أولمرت من الخطابات، خطاب واحد في اليوم، على الأقل، تارة في مؤتمر الصناعيين، وتارة أخرى في رياض الأطفال، ولا يقول أي شيء. لا توجد أجندة وطنية، لا توجد أجندة اقتصادية ، لا توجد أجندة اجتماعية، لا توجد أجندة تربوية. لا شيء.
حين قبض على زمام السلطة، عرض شيئا يشبه الأجندة: "الانطواء". كان يجب أن تكون هذه حملة تاريخية: تنسحب إسرائيل من جزء كبير من الأراضي المحتلة، تفكك المستوطنات الواقعة شرقي الجدار الفاصل وتضم الكتل الاستيطانية الواقعة بينه وبين الخط الأخضر.
الآن، وبعد مرور سنتين وحرب واحدة، لم يعد هناك أي شيء من هذا البرنامج، حتى اسمه قد طواه النسيان. اللعبة الوحيدة الباقية في المدينة هي المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، التي كانت مسرحية هزلية منذ البداية. كالممثلين على المسرح، الذين يشربون من كؤوس فارغة، تتظاهر جميع الأطراف أن هناك مفاوضات. يلتقون، يتعانقون، يبتسمون، يلتقطون الصور، يقيمون اللجان، يعقدون المؤتمرات الصحفية، يعلنون - ولا شيء، حقا، لا شيء يحدث.
ما هو هدف هذه المسرحية الهزلية؟ لكل من المشاركين هدفه الخاص: يعرض أولمرت أجندة لتعبئة الفراغ. جورج بوش، فرخ البط الأعرج الذي يخلف وراءه انهيارات في جميع المجالات، يريد أن يثبت إنجازا واحدا على الأقل، وليكن خياليا بقدر ما يكون. أبو مازن المسكين، الذي يتوقف وجوده كله على الادعاء بأن في مقدوره أن يحرز إنجازا سياسيا لصالح شعبه، تعلق بهذا الوهم بكل ما تبقى لديه من قوة. وهكذا تتواصل المسرحية الهزلية.
ولكن من يؤمن بأنه ليس للحكومة أجندة، وأن الدولة كلها ليس لديها أجندة، فإنه مخطئ. توجد أجندة ولكنها خفيّة. ولتوخي الدقة: إنها غير معروفة.
يقولون إن الأيديولوجيا قد ماتت. هذا أيضا غير صحيح. لا يوجد مجتمع من دون أيديولوجيا، ولا إنسان من دون أيديولوجيا. حين لا توجد أيديولوجيا جديدة، تواصل الأيديولوجيا القديمة بقاءها. حين لا توجد أيديولوجيا معروفة، توجد أيديولوجيا غير معروفة، ومن شأن هذه أن تكون أكثر فائدة بكثير - وأخطر بكثير.
لماذا؟ لأنه من الممكن انتقاد الأيديولوجيا المعروفة، تحليلها والتصدي لها. من الأصعب بكثير محاربة أيديولوجيا غير معروفة، توجّه الأجندة وهي بدورها غير معروفة أيضا.
ولذلك من المهم التعرف عليها، كشفها وتحليلها.
إذا سألتم أولمرت، سينكر تماما أنه ليست لديه أجندة. بالتأكيد توجد أجند: صنع السلام (الذي يدعى لدينا "الحل الدائم"). وليس مجرد سلام، بل سلام يعتمد على "دولتين لشعبين". من دون سلام كهذا، يقول أولمرت، "الدولة منتهية لا محالة".
وإذا كانت الحال على هذا النحو، فلماذا لا توجد مفاوضات، بل مسرحية هزلية؟ لماذا يستمر البناء المكثف في المستوطنات الواقعة شرقي الجدار أيضا، في جميع المناطق التي، وفقا للناطقين باسم الحكومة، يجب أن تتحول إلى الدولة الفلسطينية؟ لماذا ينجزون يوميا عشرات العمليات العسكرية والمدنية التي تُبعد السلام؟
وعلى حد أقوال الحكومة ذاتها أيضا، وعلى عكس ما قالته في البداية، إنها لا تفكر بالتوصل إلى السلام في عام 2008. قد يتم التوصل ربما إلى "اتفاقية في الدرج"، على الأكثر. هذا هو اختراع إسرائيلي أصلي، معناه اتفاقية توضع في الدرج إلى حين تصبح فيه الظروف مواتية لتنفيذها. بما معناه: مفاوضات زائفة تؤدي إلى اتفاقية زائفة. يقولون الآن لا يوجد أي احتمال لذلك أيضا، ليس في عام 2008 ولا في المستقبل القريب.
لا مفر من الاستنتاج غير القابل للتأويل: لا تعمل الحكومة من أجل التوصل إلى السلام. ولذلك فهي لا ترغب في السلام. لا توجد أيضا معارضة برلمانية حقيقية تضغط عليها من أجل السلام، ولا يوجد أيضا ضغط من قبل وسائل الإعلام.
ما معنى هذا كله؟ هل معناه أنه لا توجد أجندة؟ لا، هذا يعني أنه من وراء الأجندة الزائفة، التي تبدو في العناوين، تختبئ الأجندة الحقيقية، غير الظاهرة للعيان.
تتعارض الأجندة الخفية مع السلام. لماذا؟
إن التفسير المقبول هو أن الحكومة لا ترغب في السلام لأنها تخاف من المستوطنين وداعميهم. السلام الذي يجري الحديث عنه - "دولتان لشعبين" - يستوجب تفكيك عشرات المستوطنات، ومن ضمنها المستوطنات التي تشكل مركزا أيديولوجي وسياسي للحركة الاستيطانية برمّتها. معنى الأمر هو إعلان الحرب على 250 ألف مستوطن (فيما عدا أولئك الذين سيخلون أنفسهم بمحض إرادتهم مقابل تعويض سخي). إن الادعاء المقبول هو أن الحكومة أضعف من أن تتورط في نزاع كهذا.
وفقا للصيغة العصرية: "الحكومتان، الإسرائيلية والفلسطينية، أضعف من أن تصنعا السلام. لذلك يجب تأجيل الموضوع كله إلى حين تُقام لدى الطرفين حكومتان قويتان". هنالك من يضيف أيضا حكومة بوش في هذا السياق- رئيس متعثر لا يستطيع فرض السلام.
ولكن المستوطنات ليست سوى عارض جانبي للمشكلة، وهي ليست لب المشكلة. فإذا لم يكن الأمر كذلك، لمََ لا تجمّدها الحكومة على الأقل، كما قد وعدت المرة تلو الأخرى؟ إذا كانت المستوطنات هي التي تعرقل السلام، فلمَ يواصلون توسيعها وحتى أنهم يقيمون مستوطنات جديدة، تحت غطاء إضافة "أحياء" لمستوطنات موجودة؟
من الواضح أن المستوطنات ما هي، في الحقيقة، سوى ذريعة. ثمة أمر أكثر عمقا يجعل الحكومة، وكل المنظومة السياسية، لا يرغبون في السلام.
هذه هي الأجندة الخفية.
ما هو جوهر أي سلام؟
إن جوهر أي سلام هو: الحدود.
حين يقوم شعبان بصنع السلام، فإنهما يرسمان الحدود بينهما أولا.
وهذا هو أهم الأمور التي تعارضها المنظومة الإسرائيلية. إنه يتعارض والروح الأساسية للمشروع الصهيوني.
صحيح، لقد رسمت الحركة الصهيونية خرائط في فترات مختلفة. بعد الحرب العالمية الأولى قدمت إلى لجنة السلام خريطة دولة يهودية تمتد من نهر الليطاني في لبنان وحتى العريش في وسط شبه جزيرة سيناء. خريطة زئيف جبوتنسكي، التي تم دمجها في شعار الإتسل، نسخت الخطوط الأصلية للانتداب البريطاني، من كلتا ضفتي نهر الأردن. الدكتور يسرائيل إلداد (شييف)، من زعماء "الليحي"، نشر طيلة سنوات خارطة "مملكة إسرائيل" التي تمتد من شاطئ البحر المتوسط وحتى نهر الفرات، التي تشمل كل لبنان والأردن، وأقساما كبيرة من سوريا ومصر. لا توجد أي إشارة إلى أن ابنه، أرييه إلداد، عضو كنيست من اليمين المتطرف، يتحفظ عليها. بعد حرب الأيام الستة، نادى اليمين بالخارطة التي شملت جميع الاحتلالات، ومن ضمنها هضبة الجولان وكل شبه جزيرة سيناء.
ولكن جميع هذه الخرائط لم تكن سوى ألعاب تافهة. لا تعترف الرؤية الصهيونية الحقيقية بالخرائط. إنها رؤيا لدولة من دون حدود - دولة تتوسع قدر الإمكان، وفقا لقوتها الديموغرافية، العسكرية، والسياسية في كل حين. إن الفكرة الصهيونية أشبه بالمياه التي تجري في الجدول، في طريقها إلى البحر.
يلتوي مسار الجدول في المنظر الطبيعي، يجتاز العراقيل، يتوجه هنا وهناك، أحيانا فوق التربة وأحيانا تحتها، يدمج معه في طريقه ينابيع أخرى، ولكن نهايته هي الوصول إلى هدفه.
هذه هي الأجندة الحقيقية التي لا تتغير، الخفية، المعروفة وغير المعروفة. إنها لا تحتاج إلى قرارات، إلى وضع نصوص، إلى خرائط، لأنها مرسخة في جينات الحركة. هذا يفسر، من بين أمور أخرى، الظاهرة التي تم وصفها في تقرير طاليا ساسون عن المستوطنات. إن كل أذرع الحكومة، المجتمع والجيش، من دون الحاجة إلى التنسيق بل بتعاون رائع، قد عملت على إقامة المستوطنات "غير القانونية". كل موظف من آلاف الموظفين والضباط المشاركين في هذا المشروع، طيلة عشرات السنوات، كان يعرف تماما ماذا يجب عليه أن يفعل، حتى من دون أن يتلقى أية أوامر.
هذا هو سبب الظاهرة التي تبدو غريبة، دافيد بن غوريون رفض أن يُدرج حدود الدولة الجديدة في وثيقة الاستقلال. لم يقصد، للحظة، أن يكتفي بالحدود التي رسمتها الأمم المتحدة. وقد تصرف جميع ورثته على هذا النحو. حددت اتفاقات أوسلو أيضا "مناطق" ولكنها لم ترسم الحدود. وافق الرئيس بوش على هذا التوجّه، حين اقترح "دولة فلسطينية بحدود مؤقتة" - مصطلح غير موجود في القاموس الدولي.
من هذه الناحية أيضا، تشبه إسرائيل الولايات المتحدة، التي امتدت على طول الساحل الشرقي ولم تهدأ حتى وصلت إلى الساحل الغربي، في الطرف الآخر من القارة. جماهير القادمين الجدد، الذين أتوا من أوروبا بتيار غير منقطع، تحركوا غربا بغير انقطاع، من خلال اختراق كل الحدود وخرق جميع الاتفاقيات، قضوا على الهنود الحمر، شنّوا حربا ضد المكسيك، احتلوا تكساس، اجتاحوا أمريكا الوسطى وكوبا. إن الشعار الذي حثهم على التقدم وبرر جميع أعمالهم كان " الـ " مصير الواضح" - ثمرة اختراع جون أوسوليفين العام 1845.
النسخة العبرية لـ "المصير الواضح" هي "حُكم علينا". كان هذا شعار موشيه ديان، المندوب النموذجي عن الجيل الثاني. لقد ألقى في حياته خطابين مهمين. الأول، الأكثر شهرة، ألقاه عام 1956 على قبر روعي روتنبرغ في ناحال عوز. "نحن نحوّل أرضهم والقرى التي عاشوا فيها هم وآباؤهم، أمام أعينهم (الفلسطينيين في غزة) إلى ملك لنا... هذا ما كُتب على جيلنا، هذا خيار حياتنا - أن نكون جاهزين ومسلحين، أقوياء وقاسين - وإلا سيُسلب السيف من قبضتنا، وسيتم القضاء علينا."
لم يقصد جيلا واحدا فقط. الخطاب الثاني، الأقل شهرة كان أكثر أهمية. لقد ألقاه في شهر آب / أغسطس من العام 1968، بعد احتلال هضبة الجولان، في مؤتمر عقده أبناء الكيبوتسات. حين سألته عن ذلك في الكنيست، أدخل الخطاب كله في "أقوال الكنيست"، وهو تصرف غير اعتيادي أبدا.
وهذا ما قاله للشباب: "كُتب علينا أن نعيش في قتال دائم مع العرب... نحن، خلال المائة سنة هذه من عودة صهيون، نعمل على موضوعين: بناء البلاد وبناء الشعب... هذه عملية توسع، ترتكز إلى المزيد من اليهود، المزيد من البلدات والمزيد من الاستيطان... إنها عملية لم تنته بعد. نحن وُلدنا هنا ووجدنا أهلنا، الذين أتوا إلى هنا من قبلنا... أنتم لستم ملزمين بإنهاء ذلك. يتوجب عليكم أن تضيفوا مدماككم... بقدر ما تستطيعون، في وقتكم، في حياتكم، العمل على توسيع الاستيطان. يجب أن لا نتهي هذا ، ويجب أن لا يقال : هذه نهاية الأمر، إلى هنا وانتهينا."
ديان، الذي كان ملما بالكتب المقدسة، فكر بالطبع في تلك اللحظة بالآية التوراتية في "مسيخيت أفوت": "إنهاء العمل ليس ملقى عليك، ولا أنت حر في أن تتقاعس عنه."
هذه هي الأجندة الخفية. علينا أن نخرجها من اللا وعي إلى الوعي، التأقلم معها، بهدف كشف الخطر الفظيع المستتر فيها، خطر الحرب الأبدية، التي من شأنها أن تقود الدولة إلى الضياع يوما ما.
استعدادا للذكرى الـ 60 لقيام الدولة، من الواجب مد خط تحت هذا الفصل من تاريخنا، طرد الهاجس، وأن نقول: هذه نهاية الأمر. انتهينا من فصل التوسع والاستيطان.
هذا سيتيح لنا أن نوجه مسار الجدول. أن ننهي الاحتلال. أن نفكك المستوطنات. أن نصنع السلام. أن نتصالح مع الشعب الجار. وبادئ ذي بدء: أن نتفق على الحدود.
الحقيقة

*Marwa*
12/05/2008, 18:47
ذكرى استقلال إسرائيل، ذكرى نكبة..

ذكرى استقلال إسرائيل، ذكرى نكبة الفلسطينيين

بقلم: أوري أفنيري


دائما، حين أسمع الكلمات "لذلك اجتمعنا هنا..." بصوت دافيد بن غوريون، أفكر إيسر برسكي. شاب دمث، الأخ الأصغر لإحدى الصديقات.
التقيته للمرة الأخيرة، في كيبوتس حولداه بجانب غرفة الطعام، يوم الجمعة الموافق 14 أيار من عام 1948.

كنا في تلك الليلة على وشك مهاجمة القباب، وهي قرية عربية تقع على الطريق الرئيسي المؤدي للقدس، شرقي رام الله. لقد كنا منهمكين بالاستعدادات. نظفت بندقيتي التشيكية، حين جاء أحدهم وقال أن بن غوريون يلقي خطابة الآن عن إقامة الدولة.

في الحقيقة، لم يهتم أي منا بشكل خاص بخطابات السياسيين في تل أبيب. كانت تبدو هذه المدينة نائية جدا. لقد كنا نعلم أن الدولة موجودة هنا، لدينا. إذا انتصر العرب، فلن تكون هناك دولة ولن نكون نحن أيضا. إذا انتصرنا نحن، فستكون الدولة. كنا شبابا وكنا واثقين من أنفسنا، فلم نشك للحظة واحدة بأننا سننتصر.
ما أثار فضولي في تلك اللحظة كان أمرا واحدا: ماذا سيسمّون هذه الدولة؟ يهودا؟ صهيون؟ الدولة اليهودية؟

هرولت إلى غرفة الطعام، حيث كان الراديو موجودا هناك. صدر عن الجهاز صوت بن غوريون المميّز. في اللحظة التي وصل فيها إلى الكلمات "... هي دولة إسرائيل"، فقدت أي اهتمام كان لديّ وخرجت.
صادفت إيسر بجانب الباب. كان ينتمي إلى كتيبة أخرى، كانت على وشك مهاجمة قرية أخرى في الليل. أخبرته باسم الدولة، وقلت له "حافظ على نفسك!" وتودّعنا.

بعد عدة أيام لقي حتفه. لذلك أتذكره بالشكل الذي وقف فيه هناك: كان في حينه: صبّار (كلمة تُطلق على شخص وُلد وعاش في البلاد) شاب يبلغ التاسعة عشرة من العمر، طويل القامة، مبتسم، تغمره فرحة الحياة وهو مفعم بالسذاجة.
كلما اقتربنا من يوم الاستقلال الستين، تزيد صعوبتي في التخلص من استغرابي: ماذا كان سيعتقد إيسر – الذي ما زال يبلغ التاسعة عشرة – لو فتح عيناه ورأى ما نحن فيه؟ ماذا سيكون رأيه بالدولة التي أعلنوا عن قيامها في ذلك اليوم؟
كان سيرى أن الدولة قد تطورت لتتعدى كل أحلامه. بلدة صغيرة تعدادها 635,000 نسمة (أكثر من 6000 من أبنائها قُتلوا في تلك الحرب) قد نمت وتحولت إلى شعب يزيد تعداده عن سبعة ملايين مواطن. الأعجوبتان الكبيرتان اللتان أحللناهما ما زالتا واقعا: اللغة العبرية والديموقراطية الإسرائيلية. لدينا اقتصاد متين، وفي بعض المجالات، مثل الهاي-تك، نحن نتصدر الدوري العالمي. كان إيسر سوف ينفعل وسيتحمّس بالتأكيد.

ولكنه كان سيكتشف أيضا أن أمرا ما قد تشوش في مجتمعنا. الكيبوتس، الذي أقمنا فيه خيمة الجوّالة في ذلك اليوم، قد تحول إلى مصلحة تجارية كأي مصلحة تجارية أخرى. التضامن الاجتماعي، الذي كنا نفتخر به، قد انهار. كثيرون من المسنين والأطفال يعيشون تحت خط الفقر، الشيوخ والمرضى والعاطلون عن العمل ظلوا لا حول لهم ولا قوة. لقد تعمقت الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتحولت إلى إحدى أكبر الفجوات في الدول المتقدمة. وفي مجتمعنا، الذي رفع ذات مرة راية المساواة والعدل، أصبحت هذه القيم موضوعا للثرثرة قبل متابعة الأعمال اليومية.

غير أنه كان سيستغرب بالأساس من اكتشافه أن تلك الحرب القاسية، تلك التي قتلته وجرحتني، مع آلاف الآخرين، ما زالت متواصلة بكل قوتها. أنها هي التي توجه كل حياتنا في الدولة. أنها تملأ الصفحات الأولى في صحفنا وتتصدر كل نشرات الأخبار،أن جيشنا، ذلك الذي كان بالفعل "نحن"، والذي لم يتسن له أن يقسم فيه قسم الوفاء، قد تحول إلى شيء مختلف تماما، جيش معظم عمله هو قمع شعب آخر.

وفعلا، فقد هاجمنا في تلك الليلة قرية القباب. عندما دخلنا إلى القرية كانت قد أصبحت خالية خاوية. كسرت باب أحد المنازل. كانت القدر ما زالت ساخنة، وبقي الطعام على المائدة. في أحد الأدراج وجدت بعض الصور: رجل قد صفّف شعره بعناية، امرأة قروية، ولدان صغيران. ما زالت هذه الصور بحوزتي.
أعتقد أن الوضع كان مشابها في القرية التي هاجمها إيسر أيضا في تلك الليلة. أبناء القرية، من الرجال والنساء والأطفال – فروا ناجين بحياتهم في اللحظة الأخيرة، وخلّفوا وراءهم كل حياتهم.

لا مفر من الحقيقة التاريخية: ذكرى استقلال دولة إسرائيل وذكرى "نكبة" الفلسطينيين هما وجهان لنفس العملة. طيلة 60 عاما لم ننجح – ولم نحاول عمليا – في حل هذا الرباط بواسطة خلق واقع جديد.
وهكذا تواصلت الحرب.
قبيل الذكرى الستين للاستقلال، جلس أعضاء لجنة واختاروا شعار الحدث. يمكن للشعار الذي تم اختياره أن يكون ملائما لشركة كوكا-كولا ولمسابقة الأغاني الأوروبية أيضا.
الشعار الحقيقي للدولة مختلف تماما، ولا حاجة لأية لجنة من الموظفين لإعادة اختراعه. إنه مغروس في الأرض ويمكن مشاهدته عن بعد: الجدار. الجدار الفاصل.
فاصل، بين من ومن، بين ماذا وماذا؟

إنه يفصل، للوهلة الأولى، بين كفار سابا وقلقيليا، بين موديعين-عيليت وبلعين. بين دولة إسرائيل، مع إضافة أرض مسلوبة، وبين الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولكنه يفصل في الحقيقة بين عالمين.
في المشهد العالمي لدى الذين ينادون "بصراع الحضارات"، جورج بوش من جهة وأسامة بن لادن من جهة أخرى، فإن الجدار هو الحدود بين العملاقين التاريخيين، الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، العدوان اللدودان الذان تدور بينهما رحى حرب جوج ومأجوج.
لقد تحول جدارنا إلى خط المواجهة بين هذين العالمين.
الجدار ليس مبنى من الباطون والحديد فقط. الجدار – مثله مثل أي جدار آخر كهذا – هو بالأساس تعبير عن الأفكار، إعلان للمبادئ، حقيقة نفسية. يعلن مقيموه أنهم ينتمون، بالجسد والروح، إلى أحد المعسكرين، وهو المعسكر الغربي، وأما في الطرف الآخر من الجدار، فيبدأ العالم المعاكس، العدو، الجماهير العربية وسائر المسلمين.

متى تم تحديد ذلك؟ من حدد ذلك؟ كيف تم تقرير ذلك؟
قبل 102 سنة، كتب ثيودور هرتسل في كتابه "دولة اليهود"، وهو الذي أتى بالحركة الصهيونية إلى العالم، جملة مفعمة بالمضمون لم يسبق لها مثيل: "من أجل أوروبا سنكون هناك [في فلسطين] جزءا من الجدار ضد آسيا، سنخدم كقوة طلائعية للحضارة ضد الهمجية."

هكذا، باستخدام 22 كلمة ألمانية، تم رسم صورة العالم من قبل الصهيونية ورُسم موقعنا فيها. بعد أربع أجيال تم بناء الجدار الحقيقي وفق مسار الجدار الفكري.
الصورة بسيطة وواضحة: نحن جزء من أوروبا (وأمريكا الشمالية)، جزء من الحضارة التي هي كلها أوروبية. وبالمقابل: آسيا، قارة همجية، تخلو من الحضارة، ويوجد فيها العالم الإسلامي والعربي.
يمكن أن نتفهم وجهة نظر هرتسل. لقد كان شخص عاش في القرن التاسع عشر، وكتب ما كتبه في وقت كانت فيه الإمبريالية البيضاء في ذروتها. كان يؤيد هذه الإمبريالية كل ما أوتي من قوة. كان حلمه (الذي لم يتحقق) هو اللقاء بسسيل رودس، الشخص الذي كان رمز الاستعمار البريطاني. لقد اتصل بجوزيف تشمبرلين، وزير المستعمرات البريطاني، الذي اقترح عليه أوغندا، التي كانت في حينه مستعمرة بريطانية. لقد أعجب، في حينه، أيضا بالقيصر الألماني وبالرايخ الخاص به، المنظم إلى حد كبير، والذي أنجز في عام وفاة هرتسل إبادة شعب مرعبة في جنوب غرب أفريقيا.

لم تبق مقولة هرتسل بمثابة مقولة مجردة. لقد تصرفت الحركة الصهيونية بموجب هذه المقولة منذ لحظاتها الأولى، وها هي دولة إسرائيل تواصل التصرف بموجبها حتى اليوم.
هل يمكن لهذا الأمر أن يكون مختلفا؟ هل كان بإمكاننا أن "ننخرط في المنطقة"؟ هل كان بإمكاننا أن نكون أشبه بسويسرا حضارية، جزيرة مستقلة بين الشرق والغرب، تجسّر وتتوسط بين كلاهما؟

قبل شهر من نشوب حرب عام 1948، وقبل سبعة أشهر من إقامة الدولة، نشرت كراسة تحت عنوان "الحرب أو السلام في المجال السامي"، وافتتحتها بالكلمات:
"حين قرر أجدادنا الصهيونيون إقامة "ملجأ آمن" في أرض إسرائيل، كان لديهم الخيار بين وسيلتين:
كان بإمكانهم أن يتصدروا أسيا كمحتل أوروبي، يرى في نفسه رأس جسر للعرق "الأبيض" وسيد "أبناء البلاد"، مثل الكونكويستادوريين الإسبان والاستعماريين الأنجلو-سكسونيين في أمريكا. هذا ما فعلوه الصليبيون في حينه في أرض إسرائيل.
الوسيلة الثانية كانت أن يروا في أنفسهم شعبا أسيويا يعود إلى وطنه – ويرى في نفسه وريث التقاليد السياسية والتربوية للمجال السامي..."
لقد عرف تاريخ هذه البلاد عشرات الاجتياحات، ومن ذا الذي سيعدها. إنها تنقسم بالأساس إلى هذين النوعين.

كانت هناك اجتياحات أتت من الغرب، مثل الفلسطنيين (في التوراة)، اليونانيين، الرومان، الصليبيين، نابليون والبريطانيين. مثل هذا الاجتياح يبني رأس جسر ونظرته كنظرة رأس جسر. المنطقة المقابلة هي بلاد معادية، سكانها أعداء يجب قمعهم أو إبادتهم. في نهاية الأمر، تم طرد كل هؤلاء المجتاحين.
وبالمقابل، المجتاحين من الشرق، مثل الآموريين، الآشوريين، البابليين، الفرس والعرب. لقد احتلوا البلاد وحوّلوا جزءا منها، أثروا على ثقافتها وتأثروا بها، وفي نهاية الأمر ضربوا جذورهم فيها.
كان الإسرائيليون القدامى ينتمون إلى النوع الثاني. إذا وافقنا أن الخروج من مصر لم يجر على النحو الذي تصفه التوراة، وكذلك احتلال كنعان لم يجر على النحو الموصوف في كتاب يشوع، فمن المرجح، على الرغم من ذلك، أنهم كانوا أسباطا جاءوا من الصحراء، اندسوا بين المدن الكنعانية المحصنة التي لم يتمكنوا من احتلالها (كما هو وارد في الفصل الاول من سفر القضاة) وضربوا جذورهم هنا.

مقارنة بذلك، كان الصهيونيون ينتمون إلى النوع الأول. لقد أحضروا معهم نظرة رأس الجسر، القوة الطلائعية التابعة لأوروبا. نظرتهم هذه ولّدت الجدار كشعار وطني. يجدر تغييرها من جذورها.
إحدى الظواهر التي تميزنا هي طريقة النقاش، التي يستخدم فيها كل الأطراف، من اليمين ومن اليسار، الادعاء الأبدي: "إذا لم نفعل كذا وكذا، فإن الدولة لن تبقى!" لا يمكن أن نتخيل مثل هذا الادعاء في فرنسا أو في بريطانيا أو في الولايات المتحدة.
هذا تعبير عن قلق "صليبي". رغم أن الصليبين كانوا هنا لفترة 200 سنة تقريبا، وأقاموا ثمانية أجيال من "الصبّار"، إلا أنهم لم يثقوا ذات مرة بوجودهم هنا.
أنا لست قلقا على وجود دولة إسرائيل. إنها ستبقى، طالما بقيت الدول. السؤال المطروح هو: أي دولة ستكون هذه؟
دولة منغمسة في حرب أبدية، تدب الرعب في قلوب جاراتها، دولة متسلطة في كل المجالات، دولة ينتعش فيها الأغنياء ويعيش الفقراء فيها في ضائقة، دولة يهرب منها خيرة شبابها؟

أم دولة تعيش بسلام ومشاركة مع جاراتها، لما فيه مصلحة الجميع، مجتمع معاصر يقدم مساواة في الحقوق لكل مواطنيه ويسمح بالمساواة بين كل عناصره، دولة تستثمر مواردها في العلم والثقافة والصناعة وجودة البيئة. دولة يرغب الأبناء والأحفاد في العيش فيها، دولة يفتخر مواطنوها بها وبكل ما يفعلونه.
يجب أن يكون هذا هو هدفنا في السنوات الستين التالية. أعتقد أنه هذا ما كان يرغب به إيسر ايضا.

*Marwa*
20/05/2008, 20:37
الخيار العسكري..

بقلم: أوري أفنيري

حرب مع سوريا؟ سلام مع سوريا؟
عملية عسكرية كبيرة ضد حماس في قطاع غزة؟ تهدئة مع حماس؟
تتناول وسائل الإعلام لدينا هذه المواضيع من دون أية تأثر، وكأنها كانت خيارات متساوية. مثلها مثل شخص في قاعة عرض يختار بين سيارتين. هذه جيدة وهذه جيدة. إذن أي من الأفضل أن يشتري؟
ولا أحد يصرخ أن الحرب هي ذروة ذروات الحماقة.
قال كارل فون كلاوزفيتش، المفكر العسكري المعروف، أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. أي: تأتي الحرب لتخدم مصالح السياسية، وليس فيها أية فائدة حين لا تخدم المصالح السياسية.
أي سياسة خدمت الحروب في المائة سنة الأخيرة؟

قبل 94 سنة، نشبت الحرب العالمية الأولى. كانت الذريعة هي اغتيال ولي العهد النمساوي من قبل طالب جامعي صربي. لقد شرحوا لي في سراييفو كيف حدث ذلك: لقد فشلت محاولة الاغتيال الأولى في الشارع العام، وبعد أن يئس محاولو تنفيذ عملية الاغتيال، صادف أحدهم ولي العهد مرة أخرى، بالصدفة تماما، وعندها قتله. بسبب حادث عرضي قُتل فيه شخص، تم قتل ملايين من بني البشر في السنوات الأربع التالية.
من الواضح أن عملية الاغتيال ما كانت سوى ذريعة. كانت لكل القوى العظمى المتحاربة مصالح سياسية واقتصادية دفعت إلى الحرب. ولكن هل خدمت الحرب هذه المصالح؟ لقد كانت النتائج عكسية: لقد قوضت الحرب ثلاث قيصريات هائلة – الروسية والنمساوية والألمانية. لقد تراجعت فرنسا عن عظمتها ولم تتماثل إلى الشفاء منذ ذلك الحين. الإمبراطورية البريطانية ضعفت هي أيضا.
يشير الخبراء العسكريون إلى الحماقة الكبيرة لمعظم الجنرالات، الذين أرسلوا جنودهم المساكين مرارا وتكرارا ليخوضوا معارك لا فائدة فيها، كانت أشبه بمسالخ.

هل كان السياسيون أكثر ذكاء؟ إن أي من المتسببين في الحرب لم يخطر له ببال أن تكون هذه الحرب طويلة وبشعة. في أوائل شهر آب من عام 1914، حين خرجت جيوش كل الدول إلى الحرب بهتافات الاهتياج، قُدمت لها الوعود "في عيد الميلاد ستكونون في البيت"!
لم يتم إحراز أي هدف سياسي من تلك الحرب. لقد تحولت اتفاقيات السلام التي تم فرضها على الأطراف إلى نصب تذكارية للحماقة. يمكن الادعاء أن النتيجة الوحيدة التي خرجت بها الحرب العالمية الأولى هي الحرب العالمية الثانية.
كانت الحرب العالمية الثانية وكأنها أكثر منطقية. كان أدولف هتلر الشخص الذي أشعلها بمفرده تقريبا، يعرف تماما ماذا يريد. لقد خرج خصومه إلى الحرب لأنه لم يكن لديهم أي خيار آخر لوقف ذلك الطاغية الوحشي. معظم الجنرالات، من كلا الطرفين، كانوا أكثر كفاءة من سابقيهم.
وعلى الرغم من ذلك: كانت تلك الحرب، من ناحية ألمانيا، حربا حمقاء.
كان هتلر بجوهره إنسانا رجعيا، يعيش في الماضي ولم يفهم روح عصره. لقد أراد تحويل ألمانيا إلى القوة العظمى الرائدة في العالم - وهو هدف كان يتعدى بكثير قدرة ألمانيا وقوتها. كان ينوي احتلال أجزاء كبيرة من أوروبا الشرقية وإخلاءها من سكانها، لكي يوطّن فيها الألمانيين. كان ذلك مفهوما للقوة, أكل عليه الدهر وشرب. مثلها مثل أي فكرة استيطان كأداة قومية، كانت تلك الفكرة هي من موروث القرون السابقة. لم يفهم هتلر معنى الثورة التكنولوجية التي كانت على وشك تغيير وجه العالم. يمكن القول: لم يكن هتلر طاغية شريرا ومجرما كبيرا فقط، بل كان إنسانا غبيا أيضا.

كان الهدف الوحيد الذي كاد ينجح في تحقيقه هو إبادة الشعب اليهودي. ولكنه فشل أيضا في تحقيق هذا الهدف المجنون في نهاية الأمر. يتمتع اليهود اليوم بتأثير كبير على القوى العظمى الرائدة، وقد قامت دولة إسرائيل في أعقاب الكارثة إلى حد كبير.
أراد هتلر إبادة الاتحاد السوفييتي والتسوية مع بريطانيا. لقد استهتر بالولايات المتحدة وكاد يتجاهلها. كانت النتيجة هي سيطرة الاتحاد السوفييتي على جزء كبير من أوروبا، وتحوّل أمريكا إلى القوة العظمة الرئيسية في العالم، وقد خسرت بريطانيا ممتلكاتها إلى الأبد.
لقد أثبت الدكتاتور النازي بالذات، أكثر من اي شيء آخر، فشل الحرب كأداة سياسية في عصرنا. بعد انهيار هتلر بالذات، حققت ألمانيا حلمه: إنها اليوم الدولة الأكثر ديناميكية في أوروبا الموحدة – غير أن هذا قد تم التوصل إليه من دون دبابات ومن دون مدافع، من دون حرب ومن دون قوة عسكرية، بل بالعكس، بفضل الدبلوماسية والقوة الاقتصادية. بعد جيل واحد من تحويل هتلر مدنها إلى مدن خالية خاوية، انتعشت ألمانيا كما لم تنتعش في أي وقت مضى.
يمكن أن نقول شيئا مماثلا عن اليابان، التي كانت دولة عسكرية حتى أكثر من ألمانيا. لقد توصلت، بوسائل السلام، إلى ما لم يتوصل إليه أفضل جنرالاتها وأدميرالاتها في الحرب.
أنا أقرأ أحيانا كتابات يكتبها سياح أمريكيون عن فييتنام. يا لها من بلاد جميلة! يا له من شعب ودود! كم هي الأعمال التجارية الجيدة التي يمكن إنجازها هناك!
قبل جيل واحد فقط، دارت في تلك البلاد رحى حرب ضروس. لقد قُتل جموع من المواطنين، وقد حُرقت مئات القرى وأبيدت الأحراش والمحاصيل من الجو، وكان الجنود من كلا الطرفين يُقتلون كالذباب. ماذا كان سبب ذلك كله؟ الدومينو.
وفيما يلي النظرية: إذا سقطت فييتنام كلها بين أيدي الشيوعيين، فستسقط أيضا سائر دول جنوب آسيا. كل واحدة ستقضي على جارتها، كصف من حجارة الدومينو. لقد اتضح في الواقع أن هذا الأمر كان مجرد ترهات لا غير: لقد انتصر الشيوعيون في فييتنام كلها، ولكن أي من الدول الآسيوية الآخرى لم تحذو حذوها. مع نسيان ذكريات الحرب، تنتهج فييتنام نهج جارتها الشمالية، الصين، ولكن الأخيرة قد تحولت في هذه الأثناء إلى دولة رأسمالية منتعشة.

لقد تنافست حماقة الجنرالات الأمريكيين، في حرب فييتنام، مع حماقة السياسيين. من طغى على الجميع كان هنري كيسنجر، مجرم حرب كان الأنا المنتفخ لديه يخفي حماقته. في خضم الحرب، اجتاح كمبوديا المجاورة وفتتها إلى فتات. كانت النتيجة هي إبادة شعب نفذها الشيوعيون الكمبوديون ضد شعبهم. ولكن كيسنجر بقي، بأعين الكثيرين، نابغة سياسي.
ثمة من يدعي أن الاجتياح الأمريكي للعراق قد أحرز بطولة دوري الغباء في هذا الملعب المكتظ.
يبدو أن الزعامة السياسية في واشنطن قد تنبأت مسبقا بارتفاع الطلب العالمي للنفط. لذلك قررت تعزيز سيطرتها مسبقا على موارد النفط في الخليج الفارسي وحوض بحر قزوين. كان هدف الحرب هو تحويل العراق إلى نقيلة أمريكية وموضعة قوة عسكرية دائمة فيها، تضمن سيطرة الولايات المتحدة على المنطقة.
لقد كانت النتائج، إلى الآن، عكسية: بدل تعزيز العراق كدولة موحدة تحت نظام حكم مستقر موال لأمريكا، تدور هناك حرب أهلية. تتأرجح الدولة على حافة التفكك، والسكان يكرهون الأمريكيين ويرون فيهم محتل غريب. أصبح إنتاج النفط أقل مما كان عليه قبل الاجتياح، وتكاليف الحرب الهائلة تسهم في زعزعت الاقتصاد الأمريكي، وأسعار النفط ترتفع من دون توقف، ومكانة الولايات المتحدة تتدهور، ويطالب الجمهور الأمريكي بإعادة الجنود إلى بيتهم.
لا شك في أنه كان بالإمكان ضمان المصالح الأمريكية بطرق دبلوماسية، من خلال استغلال القوة الاقتصادية الهائلة للولايات المتحدة. كان ذلك سيوفر حياة آلاف الجنود الأمريكيين والمواطنين العراقيين وترليون دولار أيضا. ولكن "أنا" جورج بوش، الذي يخفي ضحالته وعدم ثقته بنفسه تحت غطاء الكبرياء المصطنع، قد فضل الحرب. بالنسبة لمستواه العقلي، على الأقل، فهناك إجماع عالمي عليه حتى في فترة توليه المنصب.

لقد خاضت دولة إسرائيل، في ستين سنة منذ قيامها، حروبا كبيرة وحروبا "صغيرة" هنا وهناك (حرب الاستنزاف، عناقيد الغضب، الانتفاضتان وغيرها).
كانت حرب عام 1948 حربا "من خيار آخر"، إذ تم تبرير تغلغل اليهود في فلسطين من دون وجود حلّ آخر لمشكلة وجودهم. ولكن الجولة الثانية، في حرب عام 1956، كانت مثالا على قصر النظر الشديد.
الفرنسيون، الذين بادروا إلى الحرب، كانوا يعانون من وضع من الإنكار: لم يتمكنوا بأي شكل من الأشكال من الاعتراف أمام نفسهم أن هناك حرب تحرير حقيقية تدور رحاها في الجزائر. لذلك أقنعوا أنفسهم أن الزعيم المصري جمال عبد الناصر هو المذنب في هذا الموضوع. لقد أراد دافيد بن غوريون ومساعدون أيضا (وخاصة شمعون بيرس) التخلص من "الطاغية المصري"، لأنه رفع راية الوحدة العربية، التي رأوا فيها خطرا محدقا. لقد تاقت بريطانيا إلى أيام أزدهار الإمبراطورية.
لقد تبددت كل هذه الاعتبارات: تم طرد فرنسا من الجزائر، وكذلك مليون ونصف المليون من مستوطنيها؛ أما بريطانيا فقد تخلت نهائيا عن حلبة الشرق الأوسط؛ وتبين أن "خطر" الوحدة العربية لم يكن سوى فزّاعة. والثمن: لقد اقتنع جيل كامل في مختلف أنحاء العالم أن إسرائيل هي حليفة أنظمة الحكم الاستعمارية العكرة جدا، وأن احتمالات السلام قد تلاشت لسنين عديدة.

كان هدف حرب عام 1967، منذ البداية، هو كسر الحصار على إسرائيل فقط. ولكن هذه الحرب تحولت، خلال مجرياتها، من حرب دفاعية إلى حرب احتلال وأدخلت إسرائيل في دوامة من الثمالة، لم تستفق منها حتى اليوم. إنها عالقة منذ ذلك الحين في دائرة سحرية من الاحتلال، المقاومة، الاستيطان والحرب الأبدية.
إحدى النتائج المباشرة كانت حرب 1973، التي قوّضت صورة الجيش الإسرائيلي غير المهزوم. من دون أن تكون لدى حكومة إسرائيل النية في ذلك، كان لتلك الحرب نتيجة إيجابية واحدة: لقد نجح ثلاثة أشخاص فريدين من نوعهم – أنور السادات، مناحيم بيغن وجيمي كارتر - في تحويل تفاخر المصريين في عبورهم للقنال إلى عُملة السلام. غير أنه كان بالإمكان التوصل إلى هذا السلام قبل سنة من ذلك، من دون حرب ومن دون آلاف القتلى، غير أن غولدا مئير قد رفضت مبادرة السادات آنذاك.
كانت حرب لبنان الأولى بلا فائدة وغبية – خليط من التكبّر والجهل وعدم الفهم التام للعدو. لقد كانت نية أريئيل شارون – كما كشف لي النقاب عنها مسبقا – (أ) كسر منظمة التحرير الفلسطينية (ب) جعل اللاجئين الفلسطينيين ينزحون من لبنان إلى الأردن (ج) إبعاد السوريين عن لبنان (د) تحويل لبنان إلى دولة تحت الوصاية الإسرائيلية. النتائج: (أ) انتقل عرفات إلى تونس، وبمساعدة الانتفاضة الأولى، عاد إلى فلسطين كمنتصر (ب) بقي الفلسطينيون في لبنان رغم المجزرة التي ارتكبت في صبرا وشاتيلا والتي كان هدفها هو طردهم (ج) بقي السوريون في لبنان عشرين سنة أخرى (د) الشيعة، الذين كانوا حتى ذلك الوقت عتبة تُداس وأصدقاء لإسرائيل تحولوا إلى القوة الرئيسية في لبنان وإلى ألذ أعداء إسرائيل.
لا حاجة إلى تضييع الكلام على حرب لبنان الثانية – كان شكل هذه الحرب ظاهر للعيان منذ لحظتها الأولى. لم يتم دحض أهدافها – لأنه لم تكن لها أهداف واضحة أصلا. حزب الله بقي في المكان الذي كان فيه، أكثر قوة وأكثر ثباتا، محمي من وجه الجيش الإسرائيلي بواسطة قوات الأمم المتحدة.
الانتفاضة الأولى دفعت إسرائيل إلى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وأعادت عرفات إلى البلاد. الانتفاضة الثانية أدت إلى ارتفاع شأن حماس وإلى سيطرته على جزء من البلاد.

قال ألبرت أينشطاين أن أحد المؤشرات للمرض النفسي هو أن الإنسان يكرر نفس العمل الفاشل مرارا وتكرارا، آملا في أن تكون النتيجة مختلفة في المرة التالية.
معظم السياسيين والجنرالات يلائمون هذا التعريف. إنهم يعيدون الكرّة ويحاولون تحقيق أهدافهم بالوسائل العسكرية ويتوصلون إلى نتائج معاكسة. إن لدينا مكانة محترمة في مستشفى الأمراض العقلية هذا.
قال جنرال أمريكي: "الحرب هي جحيم". إنها غير مجدية أبدا أيضا.

*Marwa*
27/06/2008, 12:44
من يستفيد من ذلك؟

أوري أفنيري

وعلى حين غرّة: هدوء. لا يوجد لون أحمر. ليست هناك صواريخ قسّام. ليست هناك قذائف هاون. الدبابات لا تصول ولا تجول. الطائرات لا تقصف.

يمكن أن يتنفسوا الصعداء في سدروت. الأولاد يخرجون من المنازل. السكان الذين نزحوا إلى مدن أخرى يعودون إلى منازلهم. عادت العصافير لتغرّد.
وما هو رد الفعل؟ موجة من السرور؟ رقص في الشوارع؟ تصفيق لرئيس الحكومة ولوزير الدفاع اللذان أدركا الأمور أخيرا؟
ماذا حدث! لماذا يكون ذلك؟ الوجه الوطني يقطّب حاجبيه. أي شيء هذا؟ أين هو الجيش الإسرائيلي المنتصر؟

إن سكان سدروت غاضبون بالفعل. إن عدم وجود صواريخ القسام هو أمر جيد، ولكنهم أرادوا لذلك أن يحدث بعد أن يكون "جيش الدفاع" قد دخل إلى غزة ومحاها عن بكرة أبيها عن الخارطة.
نشرت صحيفة "هآرتس" في مستهل صفحتها الأولى خبرا مصدره مراسلوها تحت العنوان الكاذب: "إسرائيل تدفع بالأعمال – وتحصل على وعود".
"هذا الأمر قابل للكسر"، يطمئننا إيهود أولمرت ويقول أن الأمر يمكن أن ينتهي بين لحظة وأخرى. والإيهود الثاني، الذي دفع إلى وقف إطلاق النار، يجد حُجة: علينا أن ننفذ هذه الخطوة قبل أن نخرج إلى الحملة الكبيرة لاحتلال غزة. وإلا فإن الرأي العام الإسرائيلي والدولي سيضايقاننا.
ولا أحد يقول: حمدا لله، توقف القتل!

لماذا؟ ما الذي يؤدي إلى هذا الرد من خيبة الأمل الذي يكاد يكون موحّدا؟ لماذا يسود الإحساس أن هذه هي إهانة، وتكاد تكون هزيمة؟
لأن الأنا الوطني قد أصيب في صميمه. كم هو أمر جميل أن نرى الجيش يحتل غزة ويقضي على حماس، ومعها المدينة بأسرها. وها نحن نرى، بدل النصر الساحق، شيئا يبدو كهزيمة. على الرغم من أن الذين يدفعون إلى احتلال غزة يحاولون، كما فعلوا دائما، أن يقولوا أن القليل من التجويع والتطويق سيكسران السكان لتوّهما وسيتمرد هؤلاء على حماس.
من الناحية العسكرية، فإن سنة من الحرب على قطاع غزة قد انتهت بالتعادل. الجيش الإسرائيلي – حماس 1:1. ولكن الجيش الإسرائيلي وحماس ليسا فريقا كرة قدم تتمتعان بالقوة ذاتها. حماس هي حركة سياسية مسلحة، وهي ما يُسمى باللهجة الغربية "منظمة إرهابية". حين تحرز هذه المنظمة التعادل أمام أحد أقوى الجيوش في العالم، فإن التعادل يتحول بالنسبة لها إلى فوز.
هدف حرب حكومة أولمرت كان إسقاط سلطة حماس في قطاع غزة والقضاء على المنظمة ذاتها. لم يتم إحراز هذا الهدف. بل على العكس، حسب كل التقارير فإن حماس قد أصبحت أقوى من أي وقت مضى، وقت تعززت سيطرتها على قطاع غزة. حتى في إسرائيل لا ينكرون ذلك.
طيلة سنة كاملة، فرضت حكومة إسرائيل طوقا يكاد يكون تاما على القطاع – في البر وفي البحر وفي الجو. لقد تمتعت بالدعم غير المتحفظ من قبل أوروبا، التي ساهمت في تجويع جمهور يبلغ مليون وربع من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ. الولايات المتحدة كانت، بطبيعة الحال، شريكة كاملة في هذا المجهود العظيم. مصر حسني مبارك، المتعلقة بالولايات المتحدة، تعاونت بانعدام وجود خيار آخر.

كل ذلك لم يكف لتركيع غزة الفقيرة والمكتظة، قطاع ضيق من الأرض يصل طوله إلى 35 كيلومترا وعرضه إلى 10 كيلومترات. فناهيك عن أن إطلاق صواريخ القسام لم يتوقف قط، فإن مداها قد اخذ بالازدياد. عدد الضحايا في إسرائيل كان ضئيلا، ويمكن عدهم على الأصابع. ولكن تأثيرهم على المعنويات كان تأثيرا كبيرا.
وقف الجيش الإسرائيلي لا حول له ولا قوة أمام هذه الأسلحة الرجعية، التي لا تكاد تُذكر تكلفتها. لقد قتل الجيش بالجملة وبالمفرّق، من الجو ومن البر، بالصواريخ وبالقذائف وبأسلحة المشاة. أي شيء لم يكن ليساعد.
لقد بقيت حماس، ولكنها هي أيضا لم تتوصل إلى هدفها. لم تتمكن من إيجاد الحل ضد الحصار. إن ضغط الرأي العام العالمي فقط (بإضافة قوى السلام الإسرائيلية) هو فقط الذي منع التجويع التام، غير أنه قد ساد في القطاع عوز في كل النواحي. كانت البطالة شاملة، نفذ الوقود، جزء كبير من السكان عانوا من سوء التغذية وتأرجحوا على حافة الجوع.

هذه هي طبيعة التعادل: لا أحد من الطرفين قادر على الحسم وعلى فرض إرادته على الخصم.
وقف إطلاق النار يكون ممكنا بعد أن يصبح الطرفان بحاجة إليه فقط. (على الرغم من أن كارل فون-كلاوزفيتش، المفكر العسكري البروسي، قد قال أنه من غير الممكن في الحرب أن يكون هناك وضع يكون الطرفان معنيين فيه بالأمر ذاته – فإذا كان الأمر لصالح أحد الأطراف، فهذا بالضرورة سيكون ضد الطرف الآخر. ولكن في الواقع ثمة استثناءات.)
وبالفعل، فالجيش الإسرائيلي أراد وقف إطلاق النار ليس بأقل مما أرادته حماس. كان الأمر واضحا من تصريحات "المراسلين العسكريين" اليومية في وسائل الإعلام، الذين يُعتبرون في معظمهم متحدثين بلسان الجيش الإسرائيلي بأزياء تنكرية. من المؤكد أن أيا من وزراء الحكومة لم يخطر بباله أن يوافق على وقف إطلاق النار لو كان الجيش ليعارض ذلك.
يضغط قادة الجيش عادة للمزيد من العمليات، ولحملة إضافية، ولحرب إضافية. هل تحولوا فجأة إلى دعاة سلام؟ ليس بالضرورة. ولكنهم قد أدركوا أن عليهم أن يختاروا بين "الشرّين": وقف إطلاق النار أو "الحملة الكبيرة" – إعادة احتلال كل قطاع غزة من جديد.
لم يكن الخيار الأول محببا إلى قلوب القادة، من دون مبالغة. إن فيه اعتراف بالفشل. ولكنهم أحبوا بأقل من ذلك، أقل بكثير، الخيار الثاني.
"الحملة الكبيرة" التي يتوق إليها قسم كبير جدا من الجمهور، والتي طالبت معظم وسائل الإعلام بها بصوت مرتفع، هي أمر معقد جدا. كان لدى حماس الوقت الكافي للاستعداد لها. إن أي جيش لا يحب القتال في منطقة مبنية، فيها كثافة سكانية كبيرة. كل زقاق هو بمثابة مصيدة محتملة، كل رجل – وكل امرأة أيضا – هو منتحر محتمل. حتى إذا نجح الجيش في الدخول واحتلال القطاع للمرة الثالثة، مع ضحايا "يمكن تحمّلها"، فستكون هذه بداية المشاكل فقط. سيُقتل الجنود يوميا. لن تكون نهاية لسفك الدماء المتبادل. انظر حرب العراق.

الرأي العام متقلّب. مع كل جندي قتيل آخر، تظهر صورته المبتسمة في التلفزيون، ستزيد المطالبة بوضع حد للمجازفة. عاجلا أم آجلا، سيضطر الجيش الإسرائيلي إلى الانسحاب – وعندها سيعود الوضع إلى سابق عهده، بنسخة أكثر قساوة.
قادة الجيش الإسرائيلي يعرفون ذلك. أولمرت وبراك يعرفان ذلك أيضا. لا توجد أوهام في هذه المرة. العبرة من حرب لبنان الثانية لم تُنسى بعد. لذلك لا دوافع محرّضة.
لوقف إطلاق النار تأثيرات سياسية بعيدة المدى. إنه يغير الخارطة الفلسطينية، وربما خارطة المنطقة بأسرها.
يمكن أن نتفلسف إلى ما لا نهاية، يمكن أن نصرخ من على كل الأسطح أننا "لا ندير المفاوضات مع حماس" وأنه "ليس لدينا اتفاق مع حماس" - كل طفل يدرك أننا أدرنا وندير مثل هذه المحادثات.
هذه اتفاقية بين حكومة إسرائيل وبين السلطة الحاكمة في غزة. معنى ذلك هو الاعتراف العملي بحكومة حماس. كما أن كل ولد في غزة يدرك أن حكومة إسرائيل قد اضطرت إلى الموافقة بسبب عدم قدرتها على كسر حماس بالقوة.

من وجهة نظر الفلسطينيين، فإن الوضع واضح: أبو مازن في رام الله لا يكسب من الإسرائيليين أي شيء، أما حماس فنعم.
أبو مازن يحاول بالوسائل السلمية. إنه المحبب على قلوب الأمريكيين والإسرائيليين. ولكن منذ المسرحية الكبيرة في أنابوليس، ناهيك عن أنه لم يتم إحراز أي تنازل، ولا إطلاق سراح أي أسير، فإن المستوطنات آخذة بالتوسع، حكومة إسرائيل تعلن عن برامج بناء ضخمة في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية بأسرها، ولا يمكن أن نحلم بوقف إطلاق النار في الضفة الغربية أبدا.
وأما حماس التي يقاطعها العالم بأسره، والتي يُقتل نشطاؤها كل يوم، فقد توصلت إلى إنجاز عسكري وسياسي كبير: ستتدفق البضائع إلى غزة. ستعود السيارات لتنطلق في الشوارع المدمّرة. المعبر إلى مصر، الذي يفصل بين القطاع والعالم الواسع، سيتم فتحه. وعندما سيتم إنجاز صفقة تبادل الأسرى، سيتم إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل غلعاد شليط.
وما هو الاستنتاج؟ كل إنسان يمكنه أن يطرح السؤال على نفسه: لو كنت فلسطينيا، فما هو الاستنتاج الذي كنت سأتوصل إليه؟
وقف إطلاق النار يغير توازن القوى الدقيق القائم بين أقسام الشعب الفلسطيني. حماس قد أثبتت أنها قادرة على إقامة سلطة منظمة. إنها تثبت الآن أنها قادرة أيضا على فرض إمرتها على المنظمات المتطرفة.
الأمر الأكثر حكمة الذي يمكن لأبي مازن أن يفعله الآن هو إقامة حكومة وحدة وطنية، ترتكز إلى شراكة بين حماس وفتح.

هل سيُكتب الدوام لوقف إطلاق النار؟ يقول المراسلون الميدانيون أنه ليس هناك من يؤمن بذلك.
حين يقول أولمرت أن وقف إطلاق النار قابل للكسر، فهو يعرف عما يتحدث.
لا توجد اتفاقية مكتوبة. لا توجد آلية منظمة لتسوية الخلافات. لا يوجد حاكم ليصدر القرار إذا اقتضت الضرورة: الطرف أ أو الطرف ب قد خرق الاتفاقية.
إذا أراد شخص ما في إسرائيل أن يكسر الهدوء، فلا يوجد أسهل من ذلك: قائد صف يطلق النار على مجموعة من الفلسطينيين بجانب الجدار، بادعاء أنهم حاولوا وضع عبوة ناسفة. مروحية تقوم بمهمة استخباراتية تصدق أنهم أطلقوا النار عليها، وتطلق صاروخا. رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي يعلن أن كميات كبيرة من الأسلحة تتدفق إلى القطاع.
يمكن القيام بذلك بطريقة أخرى أيضا: يقتل الجيش الإسرائيلي عدة نشطاء من الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية. ردا على ذلك تطلق المنظمة وابلا من صواريخ القسام باتجاه سدروت. يعلن الجيش الإسرائيلي أن ذلك كان خرقا لوقف إطلاق النار ويجري عملية عسكرية. وحتى أنه سيكون صادقا، لأن وقف إطلاق النار لا يسري على الضفة الغربية.
إن أي اتفاقية يُكتب لها الدوام فقط حين يؤمن كل طرف من الأطراف أنها تخدم مصالحه. إذا اعتقد أحد الأطراف غير ذلك، فسيخرقها (وسيدعي دائما أن الطرف الآخر هو الذي خرقها أولا). في هذه الحال، على الأرجح أنه سيكون الطرف الإسرائيلي.
وقف إطلاق النار ليس سلاما، وحتى ليس هدنة. إنه بالكاد موافقة بين الأطراف المتقاتلة على وقف إطلاق النار لفترة ما.
يحاول كل طرف، بطبيعة الأمور، أن يستغل وقف إطلاق النار ليستعد لتجديد القتال – لكي يتنفس عميقا، ليستريح، ليتدرّب، ليخطط، ليتزوّد بالأسلحة الأكثر تطورًا.
ولكن وقف إطلاق النار يمكن أن يتطور إلى ما هو أوسع من ذلك. يمكن أن يؤدي إلى وحدة فلسطينية، إلى يقظة إسرائيلية، إلى تقدم حقيقي استعداد للحل السلمي. في أي حال من الأحوال، إن كل يوم من وقف إطلاق النار ينقذ حياة الناس.

وفي هذه الأثناء، أضيفت إلى القاموس العبري والدولي كلمة عربية: التهدئة.


المصـدر: العــرب.