-
دخول

عرض كامل الموضوع : ..::أتمنى أن أكون هناك::..


peacemaker
06/03/2008, 12:30
مسيرة الرب يسوع .. من مدينة إلى مدينة و من ضفة البحيرة إلى الأخرى .. من هنا إلى هناك, يسير و يختار تلاميذه .. يعلم ..يساعد.. يشفي .. و يستريح معهم وحدهم ..
أغوص بفكري في تلك الرحلات.. ماذا لو كنت أنا هناك .. نعم, انا اتمنى أن أكون هناك ! معهم .. امشي و أتعب, أجلس و أستمع, أسبِّح و أصلي و أتعلم .. أحدثه و يحدثني يغفر لي و يريحني .. أشعر بحنوه على الأطفال و أجلس تحت قدميه كما مريم .. اشاهد لمسته الشافية وأهلل, أنام بين ذراعيه باطمئنان في مؤخرة السفينة و نمشي سويًا على الماء .. أشبع مما يفيض من يديه بعد معجزة السمكتين, أشاركه عشاءه الأخير وأجلس في حضنه كما يوحنا.
أراقبه بصمتٍ حين يختلي بنفسه , لن ازعجه في خلوته فيكفيني أن أكون هناك .. أتأمل تفاصيل وجهه المشرق .. لن أخاف شيئًا و لن يزعجني إلا ذاك الذي يشق سكون الليل, آتيًا مع هؤلاء الجنود بما يحملوه من سيوفٍ و عصي و مشاعل يقتربون إلينا و يختطفونه من أمامي .. يقيدونه و يجرونه إلى حيث لا أعلم و يتركوني في ذلك البستان وحيدة .. لا لن أبق هناك وحيدة بل سأهرول مسرعةً خلفه حتى إلى الصليب .. أستمع لصمته أمام قيافا و أحاول أن أبعد تلك الأيادي التي تمتد لتضرب وجهه.. ألحقه إلى بيلاطس و أسجد أمام سيل الدم النازف من جلداته .. سأجرب أن ألمس تلك الأشواك الموضوعة فوق هامته المقدسة و أختبئ بذاك الثوب الأرجواني الذي يلبسه.. أحاول أن اساعده في حمل تلك الخشبة الثقيلة و أمسك بيديه حين يسقط تحتها .. و أصِل معه ليتمم الفداء .. سأحاول أن اتمالك نفسي - أن بقيت متماسكة إلى الآن - حين تدوي طرقات المسامير في أذنيّ برغم انني اعلم أنني لن أنجح و لكني سأنظر إلى تلك العيون الغارقة بالدم و استمد القوة و الصبر و أستند على أكتاف تلك المرأه الصامتة بجانب صليب ابنها و أعيش القيامة مع إشراقة فجر الأحد..

فلنخرج من الأحلام الآن ..

تعلمنا أن حياه يسوع على أرضنا لم تنته بعد! نعم, فهو لازال يحيا و ربنا "هو هو أمس و اليوم و إلى الأبد" لازال يطوف و يشفي و يتألم و يُصلب و يموت و يقوم .. إذن أأستطيع أن أعيش ما أتمناه و أكون مرافقته في جميع رحلاته! و لكن أين سأجده يا ترى .. هل أبحث في أزقة الشوارع أم في الخلاء أم في الكنائس ؟
نعلم أن حياة يسوع الجسدية الملموسة قد انتهت بصعوده إلى السماء بعد قيامته, إذن ايجادي له هنا أو هناك لن يكون بالأمر الطبيعي! ..لذا يجب أن تكون هناك طريقة أخري أو بالأحرى مكانًا أخر للبحث.. و هذا المكان يجب أن يكون متاحًا و قريبًا لكل انسان على وجه الأرض.
لقد علم يسوع باحتياجنا هذا للتواجد معه و قد لمس حزن تلاميذه حين اقتربت مغادرته لهذا العالم, لهذا وعدهم و وعدنا من خلالهم بأنه لن يتركنا وحيدين و سوف يعود ليبقى معنا إلى الأبد "وسوف أطلب من الآب أن يعطيكم معينًا آخر يبقى معكم إلى الأبد، وهو روح الحق، الذي لا يقدر العالم أن يتقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه في وسطكم، وسيكون في داخلكم. لن أترككم يتامى، بل سأعود إليكم." ( يوحنا 16 : 14 -18 ). لذا فالبحث عنه ليس صعبًا وهو ليس بعيدًا كما نظن فوعده صادق و حق .. إنه داخل قلوبنا حيث وعد أن يكون فهو " يكون فيكم "( يوحنا 14 :17 ), و نحن هيكل له "أما تعلمون أنكم هيكل لله و روح الله يسكن فيكم" ( كورونثوس الأولى 3 : 16)
لقد عاد الرب يسوع .. عاد كما وعد, و لكن بصورة أخرى ..أتى بروحة القدوس المساو له في الجوهر .. أتى إلى خاصته - نحن – و سكن فينا فأصبحنا الآن ننظر إليه بطريقة حقيقية أكثر من رؤيتنا له بعيوننا البشرية الطبيعية و أصبحت معرفتنا له أكثر عمقًا .. أتى الروح القدس ليشكل بيت لله على الأرض و يسكن فيه فجعلنا نحن المؤمنين باسمه هياكل حية له فشكلنا به جسد المسيح و أصبح جميع المؤمنين واحدًا مع المسيح الذي هو الرأس " و اخضع كل شيء تحت قدميه و اياه جعل راسا فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده ملء الذي يملا الكل في الكل ( أفسس 1 : 22 - 23).
ربنا يسوع دائمًا يحقق لنا ما نتمنى .. قد يكون بطريقة لا تخطر لنا على بال و لكنه يعطينا إياها بطرقة أفضل, طريقة إلهية.. فسكنى الرب يسوع داخل قلوبنا لهو أعظم من ان نسير بجانبه على الطريق بل بالأحرى الآن هو يسير من خلالنا على هذه الأرض و حين تنرك انفسنا بين يديه ليشكلها كما يشاء فهو بالتأكيد سوف يكوّن منها صورته و ذاته.
و هنا نستطيع أن نحول كل التخيلات لحقيقة واقعة بحسب الحقيقة الجديدة القائلة أننا نحن فيه و هو فينا فأصبحنا " لستم من العالم "( يوحنا 15 : 19 ) وأصبحنا نحن هو "وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا " (1 كو 12: 27), و يمكننا أن نسير بين البشر كما لو كان يسوع الذي يسير, نعلم باسمه و نظهره من خلال حياتنا و تحركاتنا و تصرفاتنا و أعمالنا.. نسمعه في صمتنا و نحدثه بصلاتنا, يوجهنا بكلمة إنجيله و تقتات أرواحنا من جسده و دمه.. يمكننا أن نشبع الجموع من فيض كلمته و أن نقيم من أماتتهم الخطية و نسند المتعبين, و حين تثور الأمواج في سفينة حياتنا نغرق في سلام يسوع الذي " ليس كما يعطي العالم " واثقين أنه يمكنه أن يسكت هوج البحر بكلمة فنمشي على الماء بكل ثقة .. متمسكين به مهما حدث و مهما كان ثقل الصليب سنحمله معها و نصل واثقين أن وراء كل جلجثة قيامة ..
ايماننا المسيحي ايمانًا روحانيًا أكثر من أن يكون ماديًا أو مجرد تعليمات و وصايا لذلك فإن علاقتنا نحن بالله علاقة فريدة حيث يسكن هو فينا و نحن فيه بالروح القدس.. فلنذيب أنفسنا فيه و نجعله يعيش فينا و نحن فيه.
لا تهرب إلى الأحلام فالحقيقة تكمن بداخلك ..

أما أنا فلم أعد اتمنى أن أكون هناك لأنه هو هنا ..