باشق مجروح
23/03/2008, 17:55
جاء في صحيفة أوان الكويتية . مقال للكاتبة العبقرية الدكتورة ابتهال الخطيب بعنوان احذر عقلك..
نص المقالة:
د.ابتهال عبد العزيز طاهر الخطيب *
إن أهم ما يميز الإنسان علمياً عن غيره من سائر المخلوقات، هو أنه مخلوق مفكر وصاحب إرادة، يتصرف رجوعاً الى قدراته العقلية مستخدماً ملكة الاختيار، وكذلك هو الحال لاهوتياً، حيث إن أهم ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات هو ارادته الحرة، فالانسان ليس ملاكاً مجبولاً على الخير فقط، وليس شيطاناً مجبولاً على الشر فقط، ثمة شيء في نفسه من الاثنين، والصراع بينهما يدوم ما دامت الحياة وتنفس البشر.
وعلى حق الاختيار هذا يُبنى قانونا الثواب والعقاب، فلو كان الإنسان مسيراً في الخير أو مجبراً في الشر، فما جدوى إثابته عن خير هو مسير تسييراً اليه وما معنى عقابه عن شر لا يملك رده، أو مقاومة فعله؟
إنها إذن الإرادة الانسانية، ملكة الاختيار، التي تجعل الإنسان كائناً فريداً يدير حياته كما يملي عليه تفكيره ويتحمل تبعات اختياراته. لم إذن تتجه المؤسسات الإسلامية والقائمون عليها في هذا الزمان إلى الغاء عقل الإنسان وقدرته على الاختيار؟
لم لم نعد قادرين على تقرير أبسط أمور حياتنا من دون فتوى أومشورة دينية؟
حضرني هذا الموضوع عندما قرأت فتوى الأزهر الجديدة التي توجب إجهاض طفل الاغتصاب حيث “لا مجال فيه للاختيار لها أو لأسرتها” (القبس، 1/1/200، ما يستحضر سؤالاً هنا حول آثار مثل هذه الفتوى الملزمة للاجهاض والتي تتعارض مع سابقات لها كثيرات في التحريم التام لاجهاض طفل الاغتصاب. ألا يكفي المرأة المغتصبة العبء النفسي والجسدي الناجمين عن تجربتها المروعة حتى تأتي فتوى تحرمها من أبسط حق لها في التعامل مع هذا المخلوق الذي ينمو في جسدها؟ فهي طبقاً للفتوى القديمة مجبرة على الاحتفاظ به، وطبقاً للجديدة هي مجبرة على التخلص منه. وبين هذا وذاك يسلب حقها في تقرير مصيرها ومصير الجنين في بطنها بما يتناسب وحاجاتها النفسانية والبدنية.
بتنا نحتاج إلى فتوى للتعامل مع كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، كيف نأكل؟ وكيف نشرب؟، كيف ندخل الحمام؟..وكيف ننظف عن أنفسنا آثار دخوله؟ كيف نتحدث؟ كيف نسلم؟ وعلى من نسلم؟ كيف ننظر؟ وكم مرة ننظر؟ كيف نقوم وكيف نجلس؟ ماذا نقول قبل إتيان أي فعل؟ وماذا نقول بعد اتيانه؟ كيف يجب أن نشعر؟ متى يجب أن نبكي؟ كيف نحب ومن يجب أن نحب وكيف نكره ومن يجب أن نكره؟ والقائمة لاتنتهي.
الفتاوى أصبحت تطلق يميناً وشمالاً وحول أبسط الأمور وأكثرها خصوصية في حياة الإنسان، حتى وصلت الجماعة عندنا الى الخوف من اتيان أي فعل، أو التفكير في أي موضوع، أو النطق بأي قول قبل أخذ رأي المرجعية الدينية أياً كانت، والتي بدورها أخذت دور عقل الإنسان، فأصبحت تفكر وتقرر له في أبسط أموره، وأخصها.
استراح الناس لهذا المنطق القائل “قطها براس عالم وخليك سالم” فعلقوا عقولهم واستقبلوا كل ما يأتي من العلماء تفادياً لتلقي الإثم محملينه “لراس العالم”.
هكذا أصبحنا شعوباً خاملة لاتنهض الا اذا صرخ فيها أحد بصوت الدين، فنحن لا نستخدم عقولنا، لقد سلمناها “للعلماء” يقودوننا ويسيروننا اياً كان وفي اي وجهة.. واحنا “سالمين” في النهاية، أقنعوناً أن عقولنا خطر علينا، وحتى نكون سالمين يجب أن نتخلى عنها “للعلماء”، فهم أخبر وأعلم.
أصبحنا نعتقد أن التفكير خطر علينا وعقلنا هو عدو لنا سيقودنا حتماً، ان نحن تركنا له العنان، الى جهنم وبئس المصير. كيف وصلنا الى مرحلة أصبحنا فيها نخاف التفكير ونخشى قوة العقل، تلك القوة الجبارة التي أوصلت الإنسان الى انجازاته الحالية؟ كيف طاب لنا أن نتخلى عن قدرتنا على تقرير مصائرنا فارتضينا فتاوى مثل إرضاع الكبير، وزواج المسيار، وحرمة الانترنت على المرأة، وتحريم تهنئة “النصارى” بأعيادهم، مروراً بفتاوى تنظيف الجسد، وتحريم الغناء في الحمام، الى آخره من الفتاوى التي تتحكم في أبسط وأصغر تفاصل حياتنا؟
ان استسلامنا لهذا المنطق وايماننا بأن عقلنا هو عدونا الأول الذي سيقودنا الى العذاب الأبدي، ان نحن لم نخرس صوته ونعاديه، هو السبب فيما وصلنا اليه اليوم من خمول وترد وزهد في كل ما يرقى بالحياة الدنيا ويزينها ويبهجها.
للأسف أقنعونا أن عقولنا عدو لنا، وها نحن مشغولون بمحاربة أنفسنا ومصارعة أصواتنا الداخلية خوفاً من ثورانها على كل تقدم وتطور، وكيف يمكن أن يتأتى التطور ان لم يفكر الإنسان ويتشكك ويبحث قبل أن يقرر ويعمل؟ نحن لا نقرر لأننا لا نفكر، هناك من يفكر لنا ويقرر لنا، بل ويتحمل أوزارنا عنا، كل ما علينا هو أن “نقطها براس العالم”.
آخر شيء
النواب الأفاضل مثل د.سعد الشريع ومسلم البراك اللذين مزقا سمعة الطفلة ذات الثانية عشر سنة، تشنيعاً وتكفيراً وتحقيرا، كيف قررا أن الفتاة مرتدة؟ هل هي أعلنت إسلامها قبلاً حتى ترتد، أم هي ولدت لتجد كلمة مسلمة في شهادة ميلادها؟ وهل هي في سن يؤهلها لتحمل وزر المرتدة؟ وماذا يقترحان أن يكون عقابها؟ نجلدها حتى تتخلص من شياطينها؟ حديثهما عنها في تلك الجلسة، اتهاماتهما، تحقيرهما، تكفيرهما لها وهي طفلة ليس لها الا اثنتا عشرة سنة في هذه الحياة، لقد عادا بي إلى العصور المظلمة التي كان فيها الطفل يعاقب ويعذب من دون النظر الى طفولته.
تحتاج هذه الصغيرة الى جلسات نفسية للاستماع الى الدوافع التي جعلتها تحمل كل هذا الكره في قلبها بدلاً من التطويح بها في مجلس الأمة كأداة انتخابية...
ومني للدكتورة ألف وردة
:D
نص المقالة:
د.ابتهال عبد العزيز طاهر الخطيب *
إن أهم ما يميز الإنسان علمياً عن غيره من سائر المخلوقات، هو أنه مخلوق مفكر وصاحب إرادة، يتصرف رجوعاً الى قدراته العقلية مستخدماً ملكة الاختيار، وكذلك هو الحال لاهوتياً، حيث إن أهم ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات هو ارادته الحرة، فالانسان ليس ملاكاً مجبولاً على الخير فقط، وليس شيطاناً مجبولاً على الشر فقط، ثمة شيء في نفسه من الاثنين، والصراع بينهما يدوم ما دامت الحياة وتنفس البشر.
وعلى حق الاختيار هذا يُبنى قانونا الثواب والعقاب، فلو كان الإنسان مسيراً في الخير أو مجبراً في الشر، فما جدوى إثابته عن خير هو مسير تسييراً اليه وما معنى عقابه عن شر لا يملك رده، أو مقاومة فعله؟
إنها إذن الإرادة الانسانية، ملكة الاختيار، التي تجعل الإنسان كائناً فريداً يدير حياته كما يملي عليه تفكيره ويتحمل تبعات اختياراته. لم إذن تتجه المؤسسات الإسلامية والقائمون عليها في هذا الزمان إلى الغاء عقل الإنسان وقدرته على الاختيار؟
لم لم نعد قادرين على تقرير أبسط أمور حياتنا من دون فتوى أومشورة دينية؟
حضرني هذا الموضوع عندما قرأت فتوى الأزهر الجديدة التي توجب إجهاض طفل الاغتصاب حيث “لا مجال فيه للاختيار لها أو لأسرتها” (القبس، 1/1/200، ما يستحضر سؤالاً هنا حول آثار مثل هذه الفتوى الملزمة للاجهاض والتي تتعارض مع سابقات لها كثيرات في التحريم التام لاجهاض طفل الاغتصاب. ألا يكفي المرأة المغتصبة العبء النفسي والجسدي الناجمين عن تجربتها المروعة حتى تأتي فتوى تحرمها من أبسط حق لها في التعامل مع هذا المخلوق الذي ينمو في جسدها؟ فهي طبقاً للفتوى القديمة مجبرة على الاحتفاظ به، وطبقاً للجديدة هي مجبرة على التخلص منه. وبين هذا وذاك يسلب حقها في تقرير مصيرها ومصير الجنين في بطنها بما يتناسب وحاجاتها النفسانية والبدنية.
بتنا نحتاج إلى فتوى للتعامل مع كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، كيف نأكل؟ وكيف نشرب؟، كيف ندخل الحمام؟..وكيف ننظف عن أنفسنا آثار دخوله؟ كيف نتحدث؟ كيف نسلم؟ وعلى من نسلم؟ كيف ننظر؟ وكم مرة ننظر؟ كيف نقوم وكيف نجلس؟ ماذا نقول قبل إتيان أي فعل؟ وماذا نقول بعد اتيانه؟ كيف يجب أن نشعر؟ متى يجب أن نبكي؟ كيف نحب ومن يجب أن نحب وكيف نكره ومن يجب أن نكره؟ والقائمة لاتنتهي.
الفتاوى أصبحت تطلق يميناً وشمالاً وحول أبسط الأمور وأكثرها خصوصية في حياة الإنسان، حتى وصلت الجماعة عندنا الى الخوف من اتيان أي فعل، أو التفكير في أي موضوع، أو النطق بأي قول قبل أخذ رأي المرجعية الدينية أياً كانت، والتي بدورها أخذت دور عقل الإنسان، فأصبحت تفكر وتقرر له في أبسط أموره، وأخصها.
استراح الناس لهذا المنطق القائل “قطها براس عالم وخليك سالم” فعلقوا عقولهم واستقبلوا كل ما يأتي من العلماء تفادياً لتلقي الإثم محملينه “لراس العالم”.
هكذا أصبحنا شعوباً خاملة لاتنهض الا اذا صرخ فيها أحد بصوت الدين، فنحن لا نستخدم عقولنا، لقد سلمناها “للعلماء” يقودوننا ويسيروننا اياً كان وفي اي وجهة.. واحنا “سالمين” في النهاية، أقنعوناً أن عقولنا خطر علينا، وحتى نكون سالمين يجب أن نتخلى عنها “للعلماء”، فهم أخبر وأعلم.
أصبحنا نعتقد أن التفكير خطر علينا وعقلنا هو عدو لنا سيقودنا حتماً، ان نحن تركنا له العنان، الى جهنم وبئس المصير. كيف وصلنا الى مرحلة أصبحنا فيها نخاف التفكير ونخشى قوة العقل، تلك القوة الجبارة التي أوصلت الإنسان الى انجازاته الحالية؟ كيف طاب لنا أن نتخلى عن قدرتنا على تقرير مصائرنا فارتضينا فتاوى مثل إرضاع الكبير، وزواج المسيار، وحرمة الانترنت على المرأة، وتحريم تهنئة “النصارى” بأعيادهم، مروراً بفتاوى تنظيف الجسد، وتحريم الغناء في الحمام، الى آخره من الفتاوى التي تتحكم في أبسط وأصغر تفاصل حياتنا؟
ان استسلامنا لهذا المنطق وايماننا بأن عقلنا هو عدونا الأول الذي سيقودنا الى العذاب الأبدي، ان نحن لم نخرس صوته ونعاديه، هو السبب فيما وصلنا اليه اليوم من خمول وترد وزهد في كل ما يرقى بالحياة الدنيا ويزينها ويبهجها.
للأسف أقنعونا أن عقولنا عدو لنا، وها نحن مشغولون بمحاربة أنفسنا ومصارعة أصواتنا الداخلية خوفاً من ثورانها على كل تقدم وتطور، وكيف يمكن أن يتأتى التطور ان لم يفكر الإنسان ويتشكك ويبحث قبل أن يقرر ويعمل؟ نحن لا نقرر لأننا لا نفكر، هناك من يفكر لنا ويقرر لنا، بل ويتحمل أوزارنا عنا، كل ما علينا هو أن “نقطها براس العالم”.
آخر شيء
النواب الأفاضل مثل د.سعد الشريع ومسلم البراك اللذين مزقا سمعة الطفلة ذات الثانية عشر سنة، تشنيعاً وتكفيراً وتحقيرا، كيف قررا أن الفتاة مرتدة؟ هل هي أعلنت إسلامها قبلاً حتى ترتد، أم هي ولدت لتجد كلمة مسلمة في شهادة ميلادها؟ وهل هي في سن يؤهلها لتحمل وزر المرتدة؟ وماذا يقترحان أن يكون عقابها؟ نجلدها حتى تتخلص من شياطينها؟ حديثهما عنها في تلك الجلسة، اتهاماتهما، تحقيرهما، تكفيرهما لها وهي طفلة ليس لها الا اثنتا عشرة سنة في هذه الحياة، لقد عادا بي إلى العصور المظلمة التي كان فيها الطفل يعاقب ويعذب من دون النظر الى طفولته.
تحتاج هذه الصغيرة الى جلسات نفسية للاستماع الى الدوافع التي جعلتها تحمل كل هذا الكره في قلبها بدلاً من التطويح بها في مجلس الأمة كأداة انتخابية...
ومني للدكتورة ألف وردة
:D