yass
06/04/2008, 21:56
عمر أميرالاي*
التاميم في الدول غير الديموقراطية هو حقّ اريد به باطل. باسمه ارتكبت الانظمة الشمولية اسوأ اساليب التخريب المنظّم لاقتصادات البلاد التي حكمتها، ومن خلاله ارتكبت اقبح صنوف الانتهازية والمحسوبية والافساد المعنويّ والماديّ، ومختلف انواع اللصوصية والاختلاس المشرعن تحت انظار واسماع الدولة الامنيّة وهيئاتها التفتيشية ـ حدّثني صديق راحل عن لقاء خاصّ جدّا جمعه برئيس دولة ثورية، سأله فيه عن خطّته لمحاربة الفساد، فسمع منه الجواب التالي: «الفساد في دول العالم الثالث ضريبة حتميّة اذا ما اريد لعملية التنمية والتحويل الاشتراكي ان يستمرّا ويحققا اهدافهما» ـ.
اقرار لا لبس فيه من رئيس دولة بأنّ الفساد المستشري في نظامه هو بمثابة خيار استراتيجي مبرمج ومقنون، وقطبة مخفيّة في ثوب الايديولوجيا الحاكمة، وما التأميم الا احدى ارقى وسائل الدول الشمولية للاطباق معيشيّا وسياسيّا على قطاع بشريّ واسع وهام وخطير، من موظّفين ومستخدمين وعمّال يمثلون قوّة البلاد المنتجة الرئيسة في المجتمعات المتخلّفة.
القضاء على النخبة
فمثل هذا التأميم المسخ الذي اتحفتنا به احزاب القوميّة العربية المقلّدة بغباء كوارث التجربة الاشتراكية في الكتلة الشرقية، ما كانت لتبتلي به شعوب المنطقة لولا انعدام وجود ايّ تصوّر خاصّ من ايّ نوع في ايديولوجيات هذه الاحزاب الرثّة لبناء مجتمع عربيّ عادل. انّه المولود المشوّه لتلك الاحزاب المنقرضة او في طريقها للانقراض التي لا تدري اليوم كيف تتخلّص من تهمة امومتها لهذا المخلوق العجيب.
وهذا باختصار ما استخلصه السّوريون عامّة، والمثقفون خاصّة، من تجربة بلدهم المرّة مع قوانين التأميم في بلدهم، منذ عهد الوحدة التعيس مع مصر وحتى يومنا هذا، ولا يحتاج الامر الى كثير عناء كي يستنتج المرء حجم الكارثة العظمى التي حلّت بمجمل قطاعات الدّولة العامّة والخاصّة نتيجة تطبيق هذا القانون المشؤوم عندنا.
فإذا كان التأميم يوصف بانّه نقل لملكية وسائل الانتاج العائدة لافراد الى عامّة الشعب من اجل خدمة افضل للمصلحة العامة، فانّ هذا القانون وجد ما يؤمّمه في سوريا الخمسينيّات في الاقتصاد والتجارة والصناعة وحتى الاعلام، لوجود بعض ملاك الاراضي الكبار، وبعض الصناعات الوطنية، وعشرات الصحف اليومية المستقلة في ذلك الوقت، لكن في المقابل لم يكن ثمّة ما يبرّر اطلاقا تطبيق مثل هذا القانون على الثقافة والفنون يومها، لانعدام وجود ايّة بنى تحتية او وسائل انتاج ثقافية يملكها افراد سوريون في ذلك الحين (لا صناعة سينمائية ولا مسارح ولا غاليريات ولا دور نشر كبيرة ولا ما يحزنون). والسؤال الى ماذا استند مشرّع هذا القانون الجهبذ عندما ارتأى ضرورة تطبيقه على قطاع الثقافة والفنون في سوريا، اللهمّ الا على بعض الجمعيات والنوادي الثقافية الاهلية، وبعض الفرق المسرحية المحدودة التأثير في كلّ من دمشق وحلب، الناشطة في ترويج ثقافة المسرح والادب والسينما؟
لقد تبيّن لنا منذ مطلع السبعينيّات انّ غاية الدولة الشمولية العليا من سنّ قانون تأميم الثقافة هو رغبتها في القضاء على تلك الروح الثقافية المبادرة، المستقلّة والخلاقة، التي كان يتمتّع بها المجتمع المدنيّ السوريّ بفضل نخبه المتنورّة آنذاك، وحاجة ابنائه الطبيعية للتطوّر والمعرفة والانفتاح على العالم دون انتظار رعاية او وصاية او رقابة من احد.
انّ نظرة سريعة اليوم على احوال الثقافة في سوريا بعد عقود اربعة من تجربة التأميم كفيلة بأن يكشف لنا مدى الانهيار المفجع الذي اصاب هذا القطاع بمختلف فروعه جرّاء تأميم الثقافة وتسلّط الوزارة المختصّة بها والمؤسّسات التابعة لها على شؤون هذا القطاع ومصيره في بلدنا، باستثناء انجاز واحد يحسب للدولة في هذا القطاع وهو احداث المعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للموسيقى اللذين يستحقّان بالفعل كلّ اشادة وتقدير. لكنّي لا ادري الى من نعزو هذا النّجاح، الى الدولة حقّا، ام الى حفنة الاشخاص الخلّص امثال سعد الله ونّوس وفوّاز السّاجر وصلحي الوادي وآخرين طبعا، الذين كافحوا بقوّة وعناد لحماية هذه التجربة الفريدة من محاولات زملائهم من ازلام السّلطة للقبض عليها من اجل اجهاضها، على غرار ما حدث لقطاع آخر هو السينما الذي يستحقّ برأيي وقفة متاملة ومتالمة ممّا الت اليه احوالها.
لقد مضى اربعون عاما على تأميم قطاع السينما في سوريا، وذلك منذ احداث المؤسّسة العامّة للسينما التي اوكلت اليها مهمّة تنظيم هذا القطاع من خلال قانون احتكاريّ احمق حصر استيراد الافلام وتوزيعها بهذه المؤسّسة التي هي في نظر مشرّعيها ليست اكثر من مؤسّسة اقتصادية تخضع لقوانين مؤسّسات مشابهة لها في القطاع العام، كمؤسّسات توزيع اللحوم والخضار وتجارة التجزئة وخلافها! لقد ادّى هذا العيب الخلقي في مرسوم احداث المؤسّسة العامّة للسينما الى جعل هذه الاخيرة عرضة سائغة للاحتيال، وصراع المصالح، والانتهازية والمحسوبية، وفي السنوات الاخيرة صارت ملعبا مستباحا للفساد المالي والفنّي، ناهيك عمّا يُدبّر لها حاليا من مخطّط خطير للنيل من الهدف الاساسي الذي اوجدت المؤسّسة من اجله وهو بناء صناعة سينمائية وطنية في البلاد، وذلك بتخلي ادارة المؤسّسة الحالية عن تقنية السينما لمصلحة نظام «الايتش دي» ذي المردود الرشويّ السّخي الذي يفوق بكثير مردوده الانتاجيّ والفنّي مجتمعين، خصوصا اذا ما ثبت ما قيل مؤخّرا عن عزم المؤسّسة شراء شاحنة للبثّ التلفزيوني المباشر بملايين الدولارات.
انّ حصاد المؤسّسة العامّة للسينما على مدى عقود اربعة ماضية هو حصاد متواضع جدا، ان لم نقل هزيلٌ، اذا ما قيس بعدد الافلام التي انتجتها وهي بحدود الخمسين، او اذا ما قورن بحجم الحماسة والجّهد والرهان الذي وضعه سينمائيون سوريون في هذه المؤسسة املا بتحقيق حلمهم الكبير بقيام سينما وطنية في بلدهم، وكان مستهلّ خيبتهم في مطلع السبعينيّات هو اجهاض الدولة (او من لم يكن له مصلحة في ذلك) لمشروع اقترحته المؤسّسة لبناء مدينة للسينما في دمشق، بعد استكمال كافة الدراسات والمخطّطات الفنية والتسويقية المتعلقة بهذا المشروع، الذي كان سيعتبر في حينها الثاني في العالم العربي بعد استوديو مصر. وبعدها توالت خيبات السينمائيين من الادارات التي تعاقبت على مؤسّسة السينما، بولاءاتها المتنوّعة، للحزب تارةً، او للوزير او الامن تارةً اخرى، وندر منها من كان ولاؤها للسينما فقط. ورغم ذلك برز سينمائيون موهوبون حقّقوا للسينما السوريّة القليل من الافلام ربما، لضعف في امكانيات المؤسّسة وبيروقراطيّتها ورقابتها، او لعلّة في السينمائيين انفسهم بسبب تقاعسهم وتهاونهم، لكنّ هذه الافلام القليلة العدد الذائعة الصّيت هي التي اعطت في الواقع للسينما السوريّة حضورها الدوليّ المميّز، وهذا ما ازعج طبعا غلاة الرداءة في ادارة مؤسّسة السينما الحالية تحديدا التي عمدت منذ فترة على شنّ حملة مشينة، بتهمة مشينة اكثر، ضدّ طغيان نزعة المؤلّف في هذه الافلام، التي هي بحسب مدبّري هذه الحملة السبب الرئيسي في اعاقة انتشار السينما السوريّة واتّساع جماهيريتها حتى الآن.
لذلك نجد اليوم كيف غزت افلام المؤسّسة المنتجة مؤخّرا بعقلية اولئك الاصلاحيين الشعبويين الجدد الصّالات ـ كان لكلّ ستين الف نسمة في سوريا صالة العام ,1963 واليوم بفضل التأميم صار لكلّ ثمانمئة الف نسمة صالة نصف مقاعدها مخلّع ـ وكم حطّمت هذه الافلام شبابيك التذاكر في طول البلاد وعرضها، وكم حصدت من جوائز وشهادات تقدير واحتفاء نقديّ في مهرجانات العالم السينمائيّة!
وما ذلك الا غيض من فيض لما آلت اليه احوال التأميم عامّةً، والثقافة خاصّةً، في سوريا، والآتي اعظم.
*: مخرج سينمائي سوري
المصدر: الحقيقة
التاميم في الدول غير الديموقراطية هو حقّ اريد به باطل. باسمه ارتكبت الانظمة الشمولية اسوأ اساليب التخريب المنظّم لاقتصادات البلاد التي حكمتها، ومن خلاله ارتكبت اقبح صنوف الانتهازية والمحسوبية والافساد المعنويّ والماديّ، ومختلف انواع اللصوصية والاختلاس المشرعن تحت انظار واسماع الدولة الامنيّة وهيئاتها التفتيشية ـ حدّثني صديق راحل عن لقاء خاصّ جدّا جمعه برئيس دولة ثورية، سأله فيه عن خطّته لمحاربة الفساد، فسمع منه الجواب التالي: «الفساد في دول العالم الثالث ضريبة حتميّة اذا ما اريد لعملية التنمية والتحويل الاشتراكي ان يستمرّا ويحققا اهدافهما» ـ.
اقرار لا لبس فيه من رئيس دولة بأنّ الفساد المستشري في نظامه هو بمثابة خيار استراتيجي مبرمج ومقنون، وقطبة مخفيّة في ثوب الايديولوجيا الحاكمة، وما التأميم الا احدى ارقى وسائل الدول الشمولية للاطباق معيشيّا وسياسيّا على قطاع بشريّ واسع وهام وخطير، من موظّفين ومستخدمين وعمّال يمثلون قوّة البلاد المنتجة الرئيسة في المجتمعات المتخلّفة.
القضاء على النخبة
فمثل هذا التأميم المسخ الذي اتحفتنا به احزاب القوميّة العربية المقلّدة بغباء كوارث التجربة الاشتراكية في الكتلة الشرقية، ما كانت لتبتلي به شعوب المنطقة لولا انعدام وجود ايّ تصوّر خاصّ من ايّ نوع في ايديولوجيات هذه الاحزاب الرثّة لبناء مجتمع عربيّ عادل. انّه المولود المشوّه لتلك الاحزاب المنقرضة او في طريقها للانقراض التي لا تدري اليوم كيف تتخلّص من تهمة امومتها لهذا المخلوق العجيب.
وهذا باختصار ما استخلصه السّوريون عامّة، والمثقفون خاصّة، من تجربة بلدهم المرّة مع قوانين التأميم في بلدهم، منذ عهد الوحدة التعيس مع مصر وحتى يومنا هذا، ولا يحتاج الامر الى كثير عناء كي يستنتج المرء حجم الكارثة العظمى التي حلّت بمجمل قطاعات الدّولة العامّة والخاصّة نتيجة تطبيق هذا القانون المشؤوم عندنا.
فإذا كان التأميم يوصف بانّه نقل لملكية وسائل الانتاج العائدة لافراد الى عامّة الشعب من اجل خدمة افضل للمصلحة العامة، فانّ هذا القانون وجد ما يؤمّمه في سوريا الخمسينيّات في الاقتصاد والتجارة والصناعة وحتى الاعلام، لوجود بعض ملاك الاراضي الكبار، وبعض الصناعات الوطنية، وعشرات الصحف اليومية المستقلة في ذلك الوقت، لكن في المقابل لم يكن ثمّة ما يبرّر اطلاقا تطبيق مثل هذا القانون على الثقافة والفنون يومها، لانعدام وجود ايّة بنى تحتية او وسائل انتاج ثقافية يملكها افراد سوريون في ذلك الحين (لا صناعة سينمائية ولا مسارح ولا غاليريات ولا دور نشر كبيرة ولا ما يحزنون). والسؤال الى ماذا استند مشرّع هذا القانون الجهبذ عندما ارتأى ضرورة تطبيقه على قطاع الثقافة والفنون في سوريا، اللهمّ الا على بعض الجمعيات والنوادي الثقافية الاهلية، وبعض الفرق المسرحية المحدودة التأثير في كلّ من دمشق وحلب، الناشطة في ترويج ثقافة المسرح والادب والسينما؟
لقد تبيّن لنا منذ مطلع السبعينيّات انّ غاية الدولة الشمولية العليا من سنّ قانون تأميم الثقافة هو رغبتها في القضاء على تلك الروح الثقافية المبادرة، المستقلّة والخلاقة، التي كان يتمتّع بها المجتمع المدنيّ السوريّ بفضل نخبه المتنورّة آنذاك، وحاجة ابنائه الطبيعية للتطوّر والمعرفة والانفتاح على العالم دون انتظار رعاية او وصاية او رقابة من احد.
انّ نظرة سريعة اليوم على احوال الثقافة في سوريا بعد عقود اربعة من تجربة التأميم كفيلة بأن يكشف لنا مدى الانهيار المفجع الذي اصاب هذا القطاع بمختلف فروعه جرّاء تأميم الثقافة وتسلّط الوزارة المختصّة بها والمؤسّسات التابعة لها على شؤون هذا القطاع ومصيره في بلدنا، باستثناء انجاز واحد يحسب للدولة في هذا القطاع وهو احداث المعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للموسيقى اللذين يستحقّان بالفعل كلّ اشادة وتقدير. لكنّي لا ادري الى من نعزو هذا النّجاح، الى الدولة حقّا، ام الى حفنة الاشخاص الخلّص امثال سعد الله ونّوس وفوّاز السّاجر وصلحي الوادي وآخرين طبعا، الذين كافحوا بقوّة وعناد لحماية هذه التجربة الفريدة من محاولات زملائهم من ازلام السّلطة للقبض عليها من اجل اجهاضها، على غرار ما حدث لقطاع آخر هو السينما الذي يستحقّ برأيي وقفة متاملة ومتالمة ممّا الت اليه احوالها.
لقد مضى اربعون عاما على تأميم قطاع السينما في سوريا، وذلك منذ احداث المؤسّسة العامّة للسينما التي اوكلت اليها مهمّة تنظيم هذا القطاع من خلال قانون احتكاريّ احمق حصر استيراد الافلام وتوزيعها بهذه المؤسّسة التي هي في نظر مشرّعيها ليست اكثر من مؤسّسة اقتصادية تخضع لقوانين مؤسّسات مشابهة لها في القطاع العام، كمؤسّسات توزيع اللحوم والخضار وتجارة التجزئة وخلافها! لقد ادّى هذا العيب الخلقي في مرسوم احداث المؤسّسة العامّة للسينما الى جعل هذه الاخيرة عرضة سائغة للاحتيال، وصراع المصالح، والانتهازية والمحسوبية، وفي السنوات الاخيرة صارت ملعبا مستباحا للفساد المالي والفنّي، ناهيك عمّا يُدبّر لها حاليا من مخطّط خطير للنيل من الهدف الاساسي الذي اوجدت المؤسّسة من اجله وهو بناء صناعة سينمائية وطنية في البلاد، وذلك بتخلي ادارة المؤسّسة الحالية عن تقنية السينما لمصلحة نظام «الايتش دي» ذي المردود الرشويّ السّخي الذي يفوق بكثير مردوده الانتاجيّ والفنّي مجتمعين، خصوصا اذا ما ثبت ما قيل مؤخّرا عن عزم المؤسّسة شراء شاحنة للبثّ التلفزيوني المباشر بملايين الدولارات.
انّ حصاد المؤسّسة العامّة للسينما على مدى عقود اربعة ماضية هو حصاد متواضع جدا، ان لم نقل هزيلٌ، اذا ما قيس بعدد الافلام التي انتجتها وهي بحدود الخمسين، او اذا ما قورن بحجم الحماسة والجّهد والرهان الذي وضعه سينمائيون سوريون في هذه المؤسسة املا بتحقيق حلمهم الكبير بقيام سينما وطنية في بلدهم، وكان مستهلّ خيبتهم في مطلع السبعينيّات هو اجهاض الدولة (او من لم يكن له مصلحة في ذلك) لمشروع اقترحته المؤسّسة لبناء مدينة للسينما في دمشق، بعد استكمال كافة الدراسات والمخطّطات الفنية والتسويقية المتعلقة بهذا المشروع، الذي كان سيعتبر في حينها الثاني في العالم العربي بعد استوديو مصر. وبعدها توالت خيبات السينمائيين من الادارات التي تعاقبت على مؤسّسة السينما، بولاءاتها المتنوّعة، للحزب تارةً، او للوزير او الامن تارةً اخرى، وندر منها من كان ولاؤها للسينما فقط. ورغم ذلك برز سينمائيون موهوبون حقّقوا للسينما السوريّة القليل من الافلام ربما، لضعف في امكانيات المؤسّسة وبيروقراطيّتها ورقابتها، او لعلّة في السينمائيين انفسهم بسبب تقاعسهم وتهاونهم، لكنّ هذه الافلام القليلة العدد الذائعة الصّيت هي التي اعطت في الواقع للسينما السوريّة حضورها الدوليّ المميّز، وهذا ما ازعج طبعا غلاة الرداءة في ادارة مؤسّسة السينما الحالية تحديدا التي عمدت منذ فترة على شنّ حملة مشينة، بتهمة مشينة اكثر، ضدّ طغيان نزعة المؤلّف في هذه الافلام، التي هي بحسب مدبّري هذه الحملة السبب الرئيسي في اعاقة انتشار السينما السوريّة واتّساع جماهيريتها حتى الآن.
لذلك نجد اليوم كيف غزت افلام المؤسّسة المنتجة مؤخّرا بعقلية اولئك الاصلاحيين الشعبويين الجدد الصّالات ـ كان لكلّ ستين الف نسمة في سوريا صالة العام ,1963 واليوم بفضل التأميم صار لكلّ ثمانمئة الف نسمة صالة نصف مقاعدها مخلّع ـ وكم حطّمت هذه الافلام شبابيك التذاكر في طول البلاد وعرضها، وكم حصدت من جوائز وشهادات تقدير واحتفاء نقديّ في مهرجانات العالم السينمائيّة!
وما ذلك الا غيض من فيض لما آلت اليه احوال التأميم عامّةً، والثقافة خاصّةً، في سوريا، والآتي اعظم.
*: مخرج سينمائي سوري
المصدر: الحقيقة