حسون
30/07/2005, 11:44
شارك الرفيق رياض الترك، عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري، في إحياء الذكرى الأربعين لاغتيال الكاتب اللبناني الشهيد سمير قصير، وذلك عن طريق كلمة متلفزة، هذا نصّها:
أيتها الأخوات.. أيها الأخوة:
يشرّفني أن أن أشاطركم، مثل الكثيرين من أبناء شعبنا في سورية، إحياءَ الذكرى الأربعين لاستشهاد فقيدكم وفقيدنا الغالي، الصديق والرفيق سمير قصير. ويحزّ في نفسي أنني أخاطبكم من بعيد وعلى هذا النحو، فأنا كما تعلمون ممنوعٌ من دخول بلدكم الجميل. ولهذا فإنّ استرداد حقّ أمثالي في زيارة لبنان، أي في عبارة أخرى استرداد لبنان الديمقراطي بوصفه موئل الحرّيات والصدر المفتوح لأحرار العرب والمناضلين ضدّ الاستبداد، كان بين أبرز أهداف النضالات التي خاضها الراحل، وتخوضونها أنتم اليوم أيضاً.
ولعلّ الكثيرين منكم يجهلون هذا التفصيل الإنساني البسيط: أنني أتحدث عن راحلٍ لم تكتحلْ عيناي برؤيته وجهاً لوجه، ولم يسبقْ لنا أن التقينا مرّةً واحدة، والتواصل بيننا اقتصر على المحادثةِ الهاتفية. مفارقة الأقدار هذه، فضلاً عن شروط الاستبداد وانتهاك الحرّيات في بلدينا، لم تمنعنا من التواصل والتشاور وتبادل الرأي. وإنني كنت وأظلّ قريباً من أفكاره حول النهوض العربي عموماً، وحول الإصرار على أنّ استقلال لبنان مرتبطٌ مباشرةً بالمعركة من أجل الديمقراطية في سورية.
ورغم سياسة الفصل والعزل المنظمة التي فرضها حافظ الأسد على بلدينا، تمكّن عشرات اللبنانيين أمثال سمير قصير من رفع اهتمامهم بالشأن السوري إلى مصافّ البرنامجِ النضالي اليومي. والديمقراطيون السوريون لا يمكن أن ينسوا تحوُّلَ الملحق الثقافي لصحيفة "النهار"، بل والصحيفة بأسرها، إلى منبر يحتضن آراءهم وبياناتهم وسجالاتهم، في حين أنّ البعض من رفاقنا القدامى اللبنانيين قصّروا كثيراً في هذه المهمة، لكي لا أقول إنهم استقالوا منها نهائياً.
واسمحوا لي في هذا السياق أن أقتبس فقرة من القرار الذي صدر عن المؤتمر السادس لحزبنا، حزب الشعب الديمقراطي السوري، أواخر نيسان الماضي وحمل عنوان "بيانٌ إلى شعبينا في سورية ولبنان". تقول الفقرة: "ونحن إذ نشكر الأقلام والمنابر اللبنانية الحرّة، التي وقفت وتقف إلى جانب الشعب السوري في سعيه لإنهاء الاستبداد والانتقال إلى الديمقراطية، فإننا نثق بأن معركة الحرّيات والتغيير الديمقراطي واحدة في كلّ من بيروت ودمشق، وأنّ لبنان الديمقراطي السيّد المستقلّ المقاوم يكونُ رئة سورية، وليس مقرّاً أو ممرّاً للاعتداء عليها".
لكنّ أسباب ابتهاجِنا بهذا الطراز الرفيع من "تلازمِ المسارين"، ولعلّه الوحيد الحقيقي الصادق لأنه يتمّ بين الشعبين وليس بين النظامين، وكذلك فرحتنا بالاستقلال المتجدد للبنان، لم تدمْ طويلاً كما تعلمون. وإذا كانت لائحة القتل الخسيس قد توقفت عند الصديق والرفيق القديم جورج حاوي، فإنّ المسلسل الذي بدأ من محاولةِ اغتيال مروان حمادة، ومرَّ باغتيال رفيق الحريري وبلغ ذروة الهمجية في اغتيال سمير قصير، كان للمفارقة يرسّخ يقينكم ويقيننا بأنّ المسار النضالي المشترك بينكم وبيننا بات أكثر تلازماً من ذي قبل.
وإذْ لا نتردد البتة في تحميل النظام السوري المسؤولية السياسية عن هذه الجرائم، بل وعن الكثيرِ من عذاباتِ لبنان ومعاناة اللبنانيين طيلة الأشهر الأخيرة، فذلك لأنّنا طالبنا على الدوام بانسحاب سورية عسكرياً وسياسياً وأمنياً من لبنان، بل واتخذنا هذا الموقف منذ عام 1975. وكان ينبغي أن يتمّ هذا الانسحاب بعد عامين من اتفاق الطائف سنة 1989، أو بعد الانسحاب الإسرائيلي سنة 1999، أو بعد سقوط بغداد سنة 2003.
صحيح أنّ الانسحاب العسكري تحقق اليوم، بفعل الضغوطات الدولية وانتفاضة لبنان الشعبي وتبدّل الكثير من المعطيات الإقليمية. صحيح، أيضاً، أنّ الانتخابات النيابية منحت القوى اللبنانية المعارضة أغلبية تكفي لتنفيذ برامج إصلاحية على أكثر من صعيد. وصحيح أخيراً أنّ الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو باريس أو واشنطن يمكن أن تقدّم الكثير من الضمانات من أجل استقلال لبنان. إلا أنّ من الصحيح كذلك أنّ الضماناتِ الأكبر إنما تكمن في تطوير النهوض الشعبي الذي تمثّل في انتفاضة آذار، وتأكيد وتوطيد الوحدة الوطنية، والارتقاء أكثر بوحدة القوى الديمقراطية اللبنانية والسورية. وليس من باب التهويل أبداً القول بأنّ خاصرة لبنان الجديد الحرّ المستقلّ ستبقى ضعيفةً ما دام الاستبدادُ في سورية قائماً قوياً ومتحالفاً مع قوى الظلام والطائفية والتبعية في لبنان. وبهذا المعنى نعرف، وتعرفون، أنّ سمير قصير كان شهيد الحركة الديمقراطية السورية مثلما كان شهيدكم، وشهيد أحرار العرب والعالم بأسره.
اسمحوا لي، ختاماً، أن أتقدّم بالتعزية الحارّة إلى العزيزة جيزيل خوري، والعزيزتين ميساء وليانا قصير، والسيدة هالا قاعي، وجميع أفراد أسرة الراحل. عزاؤنا حارٌّ أيضاً إلى رفاق الراحل ورفاقنا في "حركة اليسار الديمقراطي"، وإلى زملاء الراحل في أسرة "النهار"، ونقابة الصحافة اللبنانية، ونقابة المحررين. وهذه، غنيّ عن القول، تعزيةٌ إلى أبناء الشعب اللبناني والشعب السوري على حدّ سواء.
ويعلم الطغاةُ، كما تعلمون ونعلم، أنّ القضية التي استشهد سمير قصير دفاعاً عنها هي الظافرة في نهاية المطاف، وهم الخاسرون طال الزمان أم قَصُرْ.
والسلام عليكم.
"نشرة الرأي 44"
أيتها الأخوات.. أيها الأخوة:
يشرّفني أن أن أشاطركم، مثل الكثيرين من أبناء شعبنا في سورية، إحياءَ الذكرى الأربعين لاستشهاد فقيدكم وفقيدنا الغالي، الصديق والرفيق سمير قصير. ويحزّ في نفسي أنني أخاطبكم من بعيد وعلى هذا النحو، فأنا كما تعلمون ممنوعٌ من دخول بلدكم الجميل. ولهذا فإنّ استرداد حقّ أمثالي في زيارة لبنان، أي في عبارة أخرى استرداد لبنان الديمقراطي بوصفه موئل الحرّيات والصدر المفتوح لأحرار العرب والمناضلين ضدّ الاستبداد، كان بين أبرز أهداف النضالات التي خاضها الراحل، وتخوضونها أنتم اليوم أيضاً.
ولعلّ الكثيرين منكم يجهلون هذا التفصيل الإنساني البسيط: أنني أتحدث عن راحلٍ لم تكتحلْ عيناي برؤيته وجهاً لوجه، ولم يسبقْ لنا أن التقينا مرّةً واحدة، والتواصل بيننا اقتصر على المحادثةِ الهاتفية. مفارقة الأقدار هذه، فضلاً عن شروط الاستبداد وانتهاك الحرّيات في بلدينا، لم تمنعنا من التواصل والتشاور وتبادل الرأي. وإنني كنت وأظلّ قريباً من أفكاره حول النهوض العربي عموماً، وحول الإصرار على أنّ استقلال لبنان مرتبطٌ مباشرةً بالمعركة من أجل الديمقراطية في سورية.
ورغم سياسة الفصل والعزل المنظمة التي فرضها حافظ الأسد على بلدينا، تمكّن عشرات اللبنانيين أمثال سمير قصير من رفع اهتمامهم بالشأن السوري إلى مصافّ البرنامجِ النضالي اليومي. والديمقراطيون السوريون لا يمكن أن ينسوا تحوُّلَ الملحق الثقافي لصحيفة "النهار"، بل والصحيفة بأسرها، إلى منبر يحتضن آراءهم وبياناتهم وسجالاتهم، في حين أنّ البعض من رفاقنا القدامى اللبنانيين قصّروا كثيراً في هذه المهمة، لكي لا أقول إنهم استقالوا منها نهائياً.
واسمحوا لي في هذا السياق أن أقتبس فقرة من القرار الذي صدر عن المؤتمر السادس لحزبنا، حزب الشعب الديمقراطي السوري، أواخر نيسان الماضي وحمل عنوان "بيانٌ إلى شعبينا في سورية ولبنان". تقول الفقرة: "ونحن إذ نشكر الأقلام والمنابر اللبنانية الحرّة، التي وقفت وتقف إلى جانب الشعب السوري في سعيه لإنهاء الاستبداد والانتقال إلى الديمقراطية، فإننا نثق بأن معركة الحرّيات والتغيير الديمقراطي واحدة في كلّ من بيروت ودمشق، وأنّ لبنان الديمقراطي السيّد المستقلّ المقاوم يكونُ رئة سورية، وليس مقرّاً أو ممرّاً للاعتداء عليها".
لكنّ أسباب ابتهاجِنا بهذا الطراز الرفيع من "تلازمِ المسارين"، ولعلّه الوحيد الحقيقي الصادق لأنه يتمّ بين الشعبين وليس بين النظامين، وكذلك فرحتنا بالاستقلال المتجدد للبنان، لم تدمْ طويلاً كما تعلمون. وإذا كانت لائحة القتل الخسيس قد توقفت عند الصديق والرفيق القديم جورج حاوي، فإنّ المسلسل الذي بدأ من محاولةِ اغتيال مروان حمادة، ومرَّ باغتيال رفيق الحريري وبلغ ذروة الهمجية في اغتيال سمير قصير، كان للمفارقة يرسّخ يقينكم ويقيننا بأنّ المسار النضالي المشترك بينكم وبيننا بات أكثر تلازماً من ذي قبل.
وإذْ لا نتردد البتة في تحميل النظام السوري المسؤولية السياسية عن هذه الجرائم، بل وعن الكثيرِ من عذاباتِ لبنان ومعاناة اللبنانيين طيلة الأشهر الأخيرة، فذلك لأنّنا طالبنا على الدوام بانسحاب سورية عسكرياً وسياسياً وأمنياً من لبنان، بل واتخذنا هذا الموقف منذ عام 1975. وكان ينبغي أن يتمّ هذا الانسحاب بعد عامين من اتفاق الطائف سنة 1989، أو بعد الانسحاب الإسرائيلي سنة 1999، أو بعد سقوط بغداد سنة 2003.
صحيح أنّ الانسحاب العسكري تحقق اليوم، بفعل الضغوطات الدولية وانتفاضة لبنان الشعبي وتبدّل الكثير من المعطيات الإقليمية. صحيح، أيضاً، أنّ الانتخابات النيابية منحت القوى اللبنانية المعارضة أغلبية تكفي لتنفيذ برامج إصلاحية على أكثر من صعيد. وصحيح أخيراً أنّ الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو باريس أو واشنطن يمكن أن تقدّم الكثير من الضمانات من أجل استقلال لبنان. إلا أنّ من الصحيح كذلك أنّ الضماناتِ الأكبر إنما تكمن في تطوير النهوض الشعبي الذي تمثّل في انتفاضة آذار، وتأكيد وتوطيد الوحدة الوطنية، والارتقاء أكثر بوحدة القوى الديمقراطية اللبنانية والسورية. وليس من باب التهويل أبداً القول بأنّ خاصرة لبنان الجديد الحرّ المستقلّ ستبقى ضعيفةً ما دام الاستبدادُ في سورية قائماً قوياً ومتحالفاً مع قوى الظلام والطائفية والتبعية في لبنان. وبهذا المعنى نعرف، وتعرفون، أنّ سمير قصير كان شهيد الحركة الديمقراطية السورية مثلما كان شهيدكم، وشهيد أحرار العرب والعالم بأسره.
اسمحوا لي، ختاماً، أن أتقدّم بالتعزية الحارّة إلى العزيزة جيزيل خوري، والعزيزتين ميساء وليانا قصير، والسيدة هالا قاعي، وجميع أفراد أسرة الراحل. عزاؤنا حارٌّ أيضاً إلى رفاق الراحل ورفاقنا في "حركة اليسار الديمقراطي"، وإلى زملاء الراحل في أسرة "النهار"، ونقابة الصحافة اللبنانية، ونقابة المحررين. وهذه، غنيّ عن القول، تعزيةٌ إلى أبناء الشعب اللبناني والشعب السوري على حدّ سواء.
ويعلم الطغاةُ، كما تعلمون ونعلم، أنّ القضية التي استشهد سمير قصير دفاعاً عنها هي الظافرة في نهاية المطاف، وهم الخاسرون طال الزمان أم قَصُرْ.
والسلام عليكم.
"نشرة الرأي 44"