mnhoos
04/05/2008, 03:58
يقول الدستور السوري في مادته الخامسة والأربعون: "تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي".
ويقول في مادته الخامسة والعشرين: "4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين".
ويقول الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته السابعة: "كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تميز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا".
وفي مادته الثانية والعشرين: "لكل شخص بصفته عضواً في المجتمع الحق في الضمانة الاجتماعية وفي أن تحقق بوساطة المجهود القومي والتعاون الدولي وبما يتفق ونظم كل دولة ومواردها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي لاغنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته".
وتقول الاتفاقية الدولية لمناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) في مادتها الثانية: "[تتعهد الدول الموقعة بالقيام بـ](د) الامتناع عن مباشرة أى عمل تمييزى أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الإلتزام؛".
وفي مادتها الحادية عشرة: "[تكفل الدول الموقعة] (هـ) الحق في الضمان الاجتماعي،"
أما الحكومة السورية في "تعليماتها" المتعلقة ب"تشحيذ" المازوت للمواطنين والمواطنات اللواتي يملكن المازوت المستخرج من باطن أرض سورية، كما يملكون ويملكن كل ثرواتها الجوية والأرضية وما تحت الأرضية، فتقول:
[من له الحق في الحصول على البطاقة الأسرية (العائلية)
1- الزوج أو الزوجة.
2- اذا كان الزوج متوفياً وله أولاد ولم تكن أرملته قد تأهلت بعد وفاته يمكنها الحصول على بطاقة.
3- إذا كان الزوج متوفياً وله أكثر من زوجة واحدة وله من كل منهن أولاد فإنه تعطى كل أرملة بطاقة أسرية تحوي اسمها واسم أولادها فقط.
على صاحب البطاقة تقديمها إلى أمين السجل المدني المختص في كل مرة تطرأ واقعة على محتوياتها من أجل إضافتها أصولا ويحظر استعمال البطاقة قبل تدوين الإضافة المطلوبة.
من له الحق في استلام القسائم:
1- الزوج الذي يحمل بطاقة عائلية (حديثة أو قديمة)
2- الأرملة التي لها أولاد وتحمل بطاقة عائلية (حديثة أو قديمة)
3- يستحق الشخص استلام القسائم لمرة واحدة فقط وفقاً لبطاقته العائلية (الحديثة أو القديمة) تحت طائلة المسؤولية.
4- إذا كان الزوج والزوجة متوفين ولهم أولاد عازبين يحق للولد الأكبر وبموجب البطاقة العائلية لوالده المتوفي أن يحصل على القسائم، وذلك بعد إبراز البطاقة العائلية وبيان عائلي يثبت أن الأولاد عازبين ويبين ذلك رئيس المركز في كتاب مع كل مغلف يتضمن مثل هذه الحالات.]
المرأة هنا، في قرار الحكومة، مشطوبة تماما في انتهاك واضح للمادة 45 من الدستور السوري، وللاتفاقيات الدولية الموقعة عليها، كما هو غير قابل للالتباس نهائيا. فهنا لا توجد امرأة- مواطنة! هنا توجد فقط: أرملة؟! بل حتى "الصفات" المحببة جدا للحكومة الذكورية السورية تغيب كليا هنا. لا توجد زوجة! ولا توجد "مطلقة"! بل توجد فقط: أرملة؟ الأرملة وحدها هي من يحق لها أن "تدفأ" وفق الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة كافة اشكال التمييز ضد المرأة، والدستور السوري، وأية قيمة إنسانية من أي نوع كان، في أوضح انكشاف حقيقي لمدى تمادي الحكومة السورية في تمييزها الجنسي، الذي لا يختلف من حيث معاداته لحقوق الإنسان عن التمييز العنصري المشهور، تماديها ضد المرأة السورية!
الحكومة السورية، في قرارها هذا، لا تعترف بوجود مواطنين يحق لهم التمتمع بثروات بلدهم إلا الرجال، ومن يخلّفهم الرجال بعد مغادرتهم هذه الحياة! فإذا فكرت امرأة أن تعيش مستقلة عن الذكر- الأب، أو الذكر- الزوج، أو الذكر- الأخ.. فليس عليها سوى أن تشتري المزيد والمزيد من الكنزات من البالة (التي منعها من لا يشترون ثيابهم وثياب زوجاتهم وأولادهم إلا من أرقى المحلات الإنكليزية والفرنسية!)، في محاولة يائسة لتدفأ! الحكومة السورية لا تعترف أصلا بأن المرأة هي إنسان. فهي، وفق تعليماتها المعيبة والمنتهكة لأبسط قواعد المنطق، ليست موجودة إلا كزوجة أو ابنة أو أرملة! ليست موجودة كإنسانة يحق لها أن تكون في بيت غير بيت "ذكورها"! وليست موجودة كإنسانة يحق لها أن تدرس في جامعة لا تقع في مدينة "ذكورها"! وليست موجودة كامرأة تعمل في مدينة غير مدينة "ذكورها"!
وليست موجودة كامرأة يحق لها، أصلا، أن تعيش حيث تريد منذ تصل سن الثامنة عشرة، حين يصير من حقها، مهما كانت إمكانية هذا الحق، أن تقرر مصير البلد كمواطنة تتمتع بحق الانتخاب!
المرأة السورية، كما لا يقبل التفسير واللبس في التعليمات أعلاه، هي كائن من مستوى مختلف. تقرر الحكومة السورية أنه لا يستحق الفتات الذي ترميه إلى الناس بحجة ارتفاع الأسعار العالمي، وبحجة "تصحيح" وضع الاقتصاد السوري! هذا التصحيح الذي تدفع ثمنه الأسرة السورية بكل مكوناتها، والمرأة بشكل خاص، ويكسب منه فقط الأثرياء القدامى و"الأثرياء الجدد"!
وليس هذا فحسب، بل إن التوضيحات التي قدمتها وزارة الداخلية، ونشرتها الزميلة فريال زهرة في جريدة تشرين، تؤكد حقيقة ما ذهبنا إليها. إذ على المرأة "المطلقة" أن تذهب إلى المراعي بحثا عن "الجلة" لتشعلها فتدفأ! إلا في حالة أن "تستطيع" إثبات أنها تشرف على أولاد "ذكر" ما، عندها ستتعطف الحكومة وتمنح الأولاد ما يدفؤون به! والأمر ذاته تماما بضرورة أن تثبت "الكائن الأقل من مواطنة" التي قام "ذكرها" بهجرها! أما فيما عدا هاتين الحالتين، فالحكومة السورية لا تعترف بمواطنية امرأة (وامرأة لا تعني متزوجة) مستقلة عن "ذكرها" سواء كان أبا أو زوجا! والفريق الاقتصادي الذي يريد أن "يعيد هيكلة الاقتصاد" على أجساد المواطنين والمواطنات السوريات، استسهل، كما عادة مثل هذه "الإرادات" أن يبدأ بمن يعدهن أقل من البشر، أي النساء! المرأة إذا عليها هي أن "تثبت" تبعيتها للذكر حتى تستحق أن تدفأ!
في الواقع، وحتى نكون دقيقين، إن اللعبة التي قامت بها الحكومة، عبر وضع القسائم خاصة بالأسرة وليس بالشخص، هي لعبة هدفها الوحيد تمرير المشاريع الاقتصادية المدمرة، ويتضرر منها الرجال والنساء غير المزوجين. لكن، بما أن النساء لا يشغلن أكثر من 25 % من سوق العمل، وهن يحصلن على أجور أدنى من الرجال (في غير الوظائف المتعلقة بالحكومة)، ومئات الآلاف منهن العاملات في استثمارات الأسرة لا يتقاضين أية أجور، فإن النتيجة أن انعكاسات هذا القرار هي على المرأة السورية أضعاف ما هي على الرجل. وهذا ينسجم تماما مع حكومة تعلن أمام العالم عملها على نهوض وضع المرأة، وتعمل ليل نهار على المزيد من إتباعها إلى "ذكور القبيلة" بكافة الطرق. حتى إنها ما تزال تدافع، عمليا، عن المواد- العار التي تضع أوسمة شرف على القتلة بذريعة "الشرف"!
والمثير حقا أن السيد معاون وزير الداخلية، وفق اللقاء الذي أجرته الزميلة زهرة، يؤكد أن هذه القسائم هي :"قسائم المازوت هي مكرمة من الدولة لكل أسرة سورية ومن في حكمها وتوجيهات القيادة أن تمنح كل أسرة قسائم الدعم الحكومي بأيسر السبل"! لكن هذا التأكيد لن يرقى أبدا إلى مستوى الواقع. فالقسائم بحد ذاتها ليست إلا التفافا على واقع أن المازوت اليوم بات أغلى في سورية من أي مكان آخر في العالم قياسا إلى مستوى الدخل. وهو القياس الوحيد المعتمد والصحيح. وبالتالي فإن القسائم ليست إلا حيلة بسيطة لتتخلص الحكومة من التزاماتها السابقة تجاه المواطن والمواطنة السورية، الذين لهما نفس الحق، مرة أخرى، بكافة الثروات السورية في الأرض والبحر والجو. وهو ما تنساه الحكومة السورية دائما حين حديثها عن "المكرمات" حديثا لا يذكرها بشيء قدر ما يذكرنا برواية "1984" لجورج أورويل، حيث على الناس أن تصدق الراديو وهو يؤكد أنه تم تخفيض سعر الشكولا هذا الصباح، بينما في الحقيقة أن سعره قد زاد ضعفين منذ البارحة حتى صباح اليوم.! وطبعا، لن ننسى هنا أهمية الجملة الواردة في اللقاء المذكور: "اللجنة ارتأت"! فما ترتأيه "اللجنة" هو الصحيح الوحيد وعلينا أن نقبله كيفما كان؟! اللجنة، واللجان الأخرى التي رأينا نتائج عملها في السنتين الأخيرتين على وجه الخصوص، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها لا تبحث أبدا عن مصلحة الأسرة السورية، ولا عن مصلحة المواطنين والمواطنات، بل فقط عن مصلحة "الخزينة" التي "قد" لا تتطابق مع مصالح الناس! وهذه الـ"قد" يبدو أنها هي القاعدة العامة في هذه السياسات التي سنرى نتائجها الاستراتيجية قريبا جدا بمزيد من التهميش للمرأة السورية، وللفقراء السوريين، ولما تبقى من الطبقة الوسطى السورية.. وكذلك سوف نرى نتائجها الكارثية حتى على مستوى الصحة والتعليم والأطفال وغيرها.. وعندها لن نجد "اللجان" تلك لنحاسبها، على افتراض أنه سيكون بإمكاننا أن "نحاسبها"!
نعم، ببساطة القرار الجائر الأخير، المتناقض مع الدستور السوري، ومع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية سيداو، وكلهم أعلى سلطة من قرار وزارة الداخلية أو قرار الحكومة السورية، هو قرار يستهدف المواطنة السورية بصورة مكشوفة وواضحة، سواء صرحت الحكومة بذلك أم التفت عليه بذرائع واهية.
وبعيدا عن مشكلة غلاء المازوت بحد ذاتها، فإن القسائم يجب أن تكون بشكل نهائي على البطاقة الشخصية، وعلى دفتر العائلة للأطفال دون سن 18 سنة. وكل ما عدا ذلك هو تعد تمييز فاضح لا هدف له سوى توفير المزيد من الأموال من أجل الاحتفالات والمؤتمرات والندوات التي تكلف سنوياً مئات ملايين الليرات السورية، ما لم يكن الرقم بأصفار أكثر!
إلى ذلك، لم نسمع كلمة واحدة من الحكومة حول كيف سيتم التعامل مع وزارات الدولة ومؤسساتها بخصوص هذه المادة التي تستهلك منها الدولة في تدفئة موظفيها وتأمين تنقلهم أكثر مما يستهلك الناس! وخاصة لم تقل لنا ما وضع المدارس في هذا الموضوع: هل هناك اعتبارات خاصة للتدفئة المخصصة للمدارس! هل ستحافظ التدفئة المخصصة لها على السعر والكمية نفسها! أم أن هناك ضربة أخرى أعدت في الصمت لهذا المرفق الاساسي والحاسم في مستقبل سورية؟! هل تهتم الحكومة حقا، خارج الورق الذي تدبجه من أجل المشاريع الممولة من المنظمات والحكومات الغربية (وهو التمويل الذي تحرم منه المجتمع المدني، ويخرج مسؤوليها باتهامات لمن يحصل عليه الأولى أن يوجهها إلى نفسه على المرآة، ما لم يكن في نفس المحاكم التي "تعالج" هذا الأمر!)، هل تهتم حقا بواقع مئات آلاف التلاميذ والطلاب الذين سيجدون أنفسهم غدا في الشارع بسبب انعدام التدفئة في المدارس؟! وإذا لم يكن كذلك، لماذا لم تعلن بالضبط ما هو الوضع بالنسبة لهذا المرفق؟ بل وأيضا بالنسبة للمشافي والمراكز الصحية التي يبدو أنها ستكون هي أيضا ضحية جديدة لسياسات ليس لها من صفة "اقتصادية" إلا ما يعنيه الاقتصاد للأثرياء الجدد والقدامى؟!
وأين الهيئة السورية لشؤون الأسرة من هذا الأمر؟ لما لم تخرج علينا بتعليق واحد حول هذا الأمر؟ أم لعلها قد أخرجت المرأة نهائيا من مجال اهتمامها؟ ولنفرض ذلك، هل أخرجت أيضا "المطلقات" من مجال اهتمامها؟ هل باتت الهيئة السورية لشؤون الأسرة شاهد زور صامت على سياسات تنسف من الأساس مبرر وجودها؟ وهل نجحت فعلا كل القوى المناهضة لهذه الهيئة التي كان لها دورا رائدا خلال سنوات في رفع قضايا الأسرة والمرأة والطفولة والشباب في سورية إلى مستوى الاهتمام الوطني، هل نجحت في تدميرها نهائيا إلى غير رجعة؟ وهل ستخرج علينا مسؤولاتها اليوم أيضا بعتب أننا لا نتفهم "ظروفها" ولا نقدر عملها؟ هل هناك عمل آخر لدى الهيئة السورية لشؤون الأسرة سوى النهوض بواقع الأسرة السورية بكل مكوناتها، وليس بها كمؤسسة فقط؟ أم أنها هي أيضا قد تبنت الرؤية الذكرية التي لا ترى النساء إلى تحت "سوط" "الذكورة" حين تتخلى عن "الرجولة"؟!
والأمر ذاته فيما يخص الاتحاد العام النسائي، الذي يدعي دائما أنه "يدافع" عن قضايا المرأة، ويقول في الصالات المغلقة على "اللون الواحد" غير ما يقوله في الصالات المفتوحة! لم يصدر كلمة واحدة حول هذا الانتهاك لمن يفترض أن مبرر وجود الاتحاد هو وجودهن! لم يصدر بيانا واحدا، ولا وقع عريضة احتجاج واحدة! فهل سيخرج علينا غدا بالقول أنه "يناضل" في المسارب الخلفية لمجلس الشعب؟ أو عبر بعض الاجتماعات؟! هل الاتحاد العام النسائي قد أقصى النساء الراشدات العازبات، والنساء الراشدات المطلقات، اللواتي يشحذ أصواتهن في انتخابات مجلس الشعب رغم "عدم" حاجته لها، هل أقصاهن خارج مفهوم المواطنة أيضا، وخارج من يشمله مفهوم "الإنسان"؟! وهل لدى هذا الاتحاد من برهان على ما يريد أن يقنعنا به من أنه منظمة "مدنية" مستقلة عن الحكومة بالاعتراض، وإن مرة واحدة، على قرار حكومي بهذا القدر من الإحجاف ضد المرأة السورية؟!
يبدو أن الأمر كذلك! وما لم يكن كذلك، فلتتفضل السيدتان رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة، ورئيسة الاتحاد العام النسائي، بالتصريح علنا أنهما ترفضان هذا التمييز الجنسي الذي يطابق، من حيث الجوهر، التمييز العنصري الشهير والمرفوض من كل عاقل في أوائل الألفية الثالثة! فلتتفضلا بالاعتراض علنا على قرار الحكومة، ولتأخذا دورهما المفترض في الدفاع عن النساء السوريات، والأسرة السورية، وليس الدفاع عن سياسات الحكومة حتى حين تكون متعارضة كليا مع مصالح النساء والناس!
إن هذا القانون مرفوض جملة وتفصيلاً، فهو انتهاك صريح وتام للدستور السوري، ولكافة الاتفاقيات التي وقعت عليها سورية، ولأبسط مفاهيم حقوق الإنسان مهما كانت تسميتها. وهو لا يعبر سوى عن تمادي الحكومة السورية في إخلاصلها لرؤيتها الذكورية المطلقة التي وصلت إلى مرحلة رمي النساء السوريات إلى الطريق بقرار قل نظيره في تاريخ الدول الحديثة برمتها! بل إن على هذه الحكومة أن تعتذر علنا للنساء السوريات عن قرارها المخجل هذا، وتقوم فورا باعتماد حق كل مواطن ومواطنة سورية بالحصول على هذه القسائم بغض النظر عن حالة كل منهما العائلية. وما لم تقم بذلك، فإن تاريخ سورية سيسجل سابقة في الانتهاك لحقوق المواطنة تستحق هذه الحكومة عليه أن تحاكم علنا من قبل المحكمة الدستورية العليا، ما لم يكن من قبل المحاكم التي باتت اليوم هي "المرجع الأساسي" في مخالفات التموين!
ويقول في مادته الخامسة والعشرين: "4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين".
ويقول الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته السابعة: "كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تميز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا".
وفي مادته الثانية والعشرين: "لكل شخص بصفته عضواً في المجتمع الحق في الضمانة الاجتماعية وفي أن تحقق بوساطة المجهود القومي والتعاون الدولي وبما يتفق ونظم كل دولة ومواردها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي لاغنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته".
وتقول الاتفاقية الدولية لمناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) في مادتها الثانية: "[تتعهد الدول الموقعة بالقيام بـ](د) الامتناع عن مباشرة أى عمل تمييزى أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الإلتزام؛".
وفي مادتها الحادية عشرة: "[تكفل الدول الموقعة] (هـ) الحق في الضمان الاجتماعي،"
أما الحكومة السورية في "تعليماتها" المتعلقة ب"تشحيذ" المازوت للمواطنين والمواطنات اللواتي يملكن المازوت المستخرج من باطن أرض سورية، كما يملكون ويملكن كل ثرواتها الجوية والأرضية وما تحت الأرضية، فتقول:
[من له الحق في الحصول على البطاقة الأسرية (العائلية)
1- الزوج أو الزوجة.
2- اذا كان الزوج متوفياً وله أولاد ولم تكن أرملته قد تأهلت بعد وفاته يمكنها الحصول على بطاقة.
3- إذا كان الزوج متوفياً وله أكثر من زوجة واحدة وله من كل منهن أولاد فإنه تعطى كل أرملة بطاقة أسرية تحوي اسمها واسم أولادها فقط.
على صاحب البطاقة تقديمها إلى أمين السجل المدني المختص في كل مرة تطرأ واقعة على محتوياتها من أجل إضافتها أصولا ويحظر استعمال البطاقة قبل تدوين الإضافة المطلوبة.
من له الحق في استلام القسائم:
1- الزوج الذي يحمل بطاقة عائلية (حديثة أو قديمة)
2- الأرملة التي لها أولاد وتحمل بطاقة عائلية (حديثة أو قديمة)
3- يستحق الشخص استلام القسائم لمرة واحدة فقط وفقاً لبطاقته العائلية (الحديثة أو القديمة) تحت طائلة المسؤولية.
4- إذا كان الزوج والزوجة متوفين ولهم أولاد عازبين يحق للولد الأكبر وبموجب البطاقة العائلية لوالده المتوفي أن يحصل على القسائم، وذلك بعد إبراز البطاقة العائلية وبيان عائلي يثبت أن الأولاد عازبين ويبين ذلك رئيس المركز في كتاب مع كل مغلف يتضمن مثل هذه الحالات.]
المرأة هنا، في قرار الحكومة، مشطوبة تماما في انتهاك واضح للمادة 45 من الدستور السوري، وللاتفاقيات الدولية الموقعة عليها، كما هو غير قابل للالتباس نهائيا. فهنا لا توجد امرأة- مواطنة! هنا توجد فقط: أرملة؟! بل حتى "الصفات" المحببة جدا للحكومة الذكورية السورية تغيب كليا هنا. لا توجد زوجة! ولا توجد "مطلقة"! بل توجد فقط: أرملة؟ الأرملة وحدها هي من يحق لها أن "تدفأ" وفق الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة كافة اشكال التمييز ضد المرأة، والدستور السوري، وأية قيمة إنسانية من أي نوع كان، في أوضح انكشاف حقيقي لمدى تمادي الحكومة السورية في تمييزها الجنسي، الذي لا يختلف من حيث معاداته لحقوق الإنسان عن التمييز العنصري المشهور، تماديها ضد المرأة السورية!
الحكومة السورية، في قرارها هذا، لا تعترف بوجود مواطنين يحق لهم التمتمع بثروات بلدهم إلا الرجال، ومن يخلّفهم الرجال بعد مغادرتهم هذه الحياة! فإذا فكرت امرأة أن تعيش مستقلة عن الذكر- الأب، أو الذكر- الزوج، أو الذكر- الأخ.. فليس عليها سوى أن تشتري المزيد والمزيد من الكنزات من البالة (التي منعها من لا يشترون ثيابهم وثياب زوجاتهم وأولادهم إلا من أرقى المحلات الإنكليزية والفرنسية!)، في محاولة يائسة لتدفأ! الحكومة السورية لا تعترف أصلا بأن المرأة هي إنسان. فهي، وفق تعليماتها المعيبة والمنتهكة لأبسط قواعد المنطق، ليست موجودة إلا كزوجة أو ابنة أو أرملة! ليست موجودة كإنسانة يحق لها أن تكون في بيت غير بيت "ذكورها"! وليست موجودة كإنسانة يحق لها أن تدرس في جامعة لا تقع في مدينة "ذكورها"! وليست موجودة كامرأة تعمل في مدينة غير مدينة "ذكورها"!
وليست موجودة كامرأة يحق لها، أصلا، أن تعيش حيث تريد منذ تصل سن الثامنة عشرة، حين يصير من حقها، مهما كانت إمكانية هذا الحق، أن تقرر مصير البلد كمواطنة تتمتع بحق الانتخاب!
المرأة السورية، كما لا يقبل التفسير واللبس في التعليمات أعلاه، هي كائن من مستوى مختلف. تقرر الحكومة السورية أنه لا يستحق الفتات الذي ترميه إلى الناس بحجة ارتفاع الأسعار العالمي، وبحجة "تصحيح" وضع الاقتصاد السوري! هذا التصحيح الذي تدفع ثمنه الأسرة السورية بكل مكوناتها، والمرأة بشكل خاص، ويكسب منه فقط الأثرياء القدامى و"الأثرياء الجدد"!
وليس هذا فحسب، بل إن التوضيحات التي قدمتها وزارة الداخلية، ونشرتها الزميلة فريال زهرة في جريدة تشرين، تؤكد حقيقة ما ذهبنا إليها. إذ على المرأة "المطلقة" أن تذهب إلى المراعي بحثا عن "الجلة" لتشعلها فتدفأ! إلا في حالة أن "تستطيع" إثبات أنها تشرف على أولاد "ذكر" ما، عندها ستتعطف الحكومة وتمنح الأولاد ما يدفؤون به! والأمر ذاته تماما بضرورة أن تثبت "الكائن الأقل من مواطنة" التي قام "ذكرها" بهجرها! أما فيما عدا هاتين الحالتين، فالحكومة السورية لا تعترف بمواطنية امرأة (وامرأة لا تعني متزوجة) مستقلة عن "ذكرها" سواء كان أبا أو زوجا! والفريق الاقتصادي الذي يريد أن "يعيد هيكلة الاقتصاد" على أجساد المواطنين والمواطنات السوريات، استسهل، كما عادة مثل هذه "الإرادات" أن يبدأ بمن يعدهن أقل من البشر، أي النساء! المرأة إذا عليها هي أن "تثبت" تبعيتها للذكر حتى تستحق أن تدفأ!
في الواقع، وحتى نكون دقيقين، إن اللعبة التي قامت بها الحكومة، عبر وضع القسائم خاصة بالأسرة وليس بالشخص، هي لعبة هدفها الوحيد تمرير المشاريع الاقتصادية المدمرة، ويتضرر منها الرجال والنساء غير المزوجين. لكن، بما أن النساء لا يشغلن أكثر من 25 % من سوق العمل، وهن يحصلن على أجور أدنى من الرجال (في غير الوظائف المتعلقة بالحكومة)، ومئات الآلاف منهن العاملات في استثمارات الأسرة لا يتقاضين أية أجور، فإن النتيجة أن انعكاسات هذا القرار هي على المرأة السورية أضعاف ما هي على الرجل. وهذا ينسجم تماما مع حكومة تعلن أمام العالم عملها على نهوض وضع المرأة، وتعمل ليل نهار على المزيد من إتباعها إلى "ذكور القبيلة" بكافة الطرق. حتى إنها ما تزال تدافع، عمليا، عن المواد- العار التي تضع أوسمة شرف على القتلة بذريعة "الشرف"!
والمثير حقا أن السيد معاون وزير الداخلية، وفق اللقاء الذي أجرته الزميلة زهرة، يؤكد أن هذه القسائم هي :"قسائم المازوت هي مكرمة من الدولة لكل أسرة سورية ومن في حكمها وتوجيهات القيادة أن تمنح كل أسرة قسائم الدعم الحكومي بأيسر السبل"! لكن هذا التأكيد لن يرقى أبدا إلى مستوى الواقع. فالقسائم بحد ذاتها ليست إلا التفافا على واقع أن المازوت اليوم بات أغلى في سورية من أي مكان آخر في العالم قياسا إلى مستوى الدخل. وهو القياس الوحيد المعتمد والصحيح. وبالتالي فإن القسائم ليست إلا حيلة بسيطة لتتخلص الحكومة من التزاماتها السابقة تجاه المواطن والمواطنة السورية، الذين لهما نفس الحق، مرة أخرى، بكافة الثروات السورية في الأرض والبحر والجو. وهو ما تنساه الحكومة السورية دائما حين حديثها عن "المكرمات" حديثا لا يذكرها بشيء قدر ما يذكرنا برواية "1984" لجورج أورويل، حيث على الناس أن تصدق الراديو وهو يؤكد أنه تم تخفيض سعر الشكولا هذا الصباح، بينما في الحقيقة أن سعره قد زاد ضعفين منذ البارحة حتى صباح اليوم.! وطبعا، لن ننسى هنا أهمية الجملة الواردة في اللقاء المذكور: "اللجنة ارتأت"! فما ترتأيه "اللجنة" هو الصحيح الوحيد وعلينا أن نقبله كيفما كان؟! اللجنة، واللجان الأخرى التي رأينا نتائج عملها في السنتين الأخيرتين على وجه الخصوص، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها لا تبحث أبدا عن مصلحة الأسرة السورية، ولا عن مصلحة المواطنين والمواطنات، بل فقط عن مصلحة "الخزينة" التي "قد" لا تتطابق مع مصالح الناس! وهذه الـ"قد" يبدو أنها هي القاعدة العامة في هذه السياسات التي سنرى نتائجها الاستراتيجية قريبا جدا بمزيد من التهميش للمرأة السورية، وللفقراء السوريين، ولما تبقى من الطبقة الوسطى السورية.. وكذلك سوف نرى نتائجها الكارثية حتى على مستوى الصحة والتعليم والأطفال وغيرها.. وعندها لن نجد "اللجان" تلك لنحاسبها، على افتراض أنه سيكون بإمكاننا أن "نحاسبها"!
نعم، ببساطة القرار الجائر الأخير، المتناقض مع الدستور السوري، ومع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية سيداو، وكلهم أعلى سلطة من قرار وزارة الداخلية أو قرار الحكومة السورية، هو قرار يستهدف المواطنة السورية بصورة مكشوفة وواضحة، سواء صرحت الحكومة بذلك أم التفت عليه بذرائع واهية.
وبعيدا عن مشكلة غلاء المازوت بحد ذاتها، فإن القسائم يجب أن تكون بشكل نهائي على البطاقة الشخصية، وعلى دفتر العائلة للأطفال دون سن 18 سنة. وكل ما عدا ذلك هو تعد تمييز فاضح لا هدف له سوى توفير المزيد من الأموال من أجل الاحتفالات والمؤتمرات والندوات التي تكلف سنوياً مئات ملايين الليرات السورية، ما لم يكن الرقم بأصفار أكثر!
إلى ذلك، لم نسمع كلمة واحدة من الحكومة حول كيف سيتم التعامل مع وزارات الدولة ومؤسساتها بخصوص هذه المادة التي تستهلك منها الدولة في تدفئة موظفيها وتأمين تنقلهم أكثر مما يستهلك الناس! وخاصة لم تقل لنا ما وضع المدارس في هذا الموضوع: هل هناك اعتبارات خاصة للتدفئة المخصصة للمدارس! هل ستحافظ التدفئة المخصصة لها على السعر والكمية نفسها! أم أن هناك ضربة أخرى أعدت في الصمت لهذا المرفق الاساسي والحاسم في مستقبل سورية؟! هل تهتم الحكومة حقا، خارج الورق الذي تدبجه من أجل المشاريع الممولة من المنظمات والحكومات الغربية (وهو التمويل الذي تحرم منه المجتمع المدني، ويخرج مسؤوليها باتهامات لمن يحصل عليه الأولى أن يوجهها إلى نفسه على المرآة، ما لم يكن في نفس المحاكم التي "تعالج" هذا الأمر!)، هل تهتم حقا بواقع مئات آلاف التلاميذ والطلاب الذين سيجدون أنفسهم غدا في الشارع بسبب انعدام التدفئة في المدارس؟! وإذا لم يكن كذلك، لماذا لم تعلن بالضبط ما هو الوضع بالنسبة لهذا المرفق؟ بل وأيضا بالنسبة للمشافي والمراكز الصحية التي يبدو أنها ستكون هي أيضا ضحية جديدة لسياسات ليس لها من صفة "اقتصادية" إلا ما يعنيه الاقتصاد للأثرياء الجدد والقدامى؟!
وأين الهيئة السورية لشؤون الأسرة من هذا الأمر؟ لما لم تخرج علينا بتعليق واحد حول هذا الأمر؟ أم لعلها قد أخرجت المرأة نهائيا من مجال اهتمامها؟ ولنفرض ذلك، هل أخرجت أيضا "المطلقات" من مجال اهتمامها؟ هل باتت الهيئة السورية لشؤون الأسرة شاهد زور صامت على سياسات تنسف من الأساس مبرر وجودها؟ وهل نجحت فعلا كل القوى المناهضة لهذه الهيئة التي كان لها دورا رائدا خلال سنوات في رفع قضايا الأسرة والمرأة والطفولة والشباب في سورية إلى مستوى الاهتمام الوطني، هل نجحت في تدميرها نهائيا إلى غير رجعة؟ وهل ستخرج علينا مسؤولاتها اليوم أيضا بعتب أننا لا نتفهم "ظروفها" ولا نقدر عملها؟ هل هناك عمل آخر لدى الهيئة السورية لشؤون الأسرة سوى النهوض بواقع الأسرة السورية بكل مكوناتها، وليس بها كمؤسسة فقط؟ أم أنها هي أيضا قد تبنت الرؤية الذكرية التي لا ترى النساء إلى تحت "سوط" "الذكورة" حين تتخلى عن "الرجولة"؟!
والأمر ذاته فيما يخص الاتحاد العام النسائي، الذي يدعي دائما أنه "يدافع" عن قضايا المرأة، ويقول في الصالات المغلقة على "اللون الواحد" غير ما يقوله في الصالات المفتوحة! لم يصدر كلمة واحدة حول هذا الانتهاك لمن يفترض أن مبرر وجود الاتحاد هو وجودهن! لم يصدر بيانا واحدا، ولا وقع عريضة احتجاج واحدة! فهل سيخرج علينا غدا بالقول أنه "يناضل" في المسارب الخلفية لمجلس الشعب؟ أو عبر بعض الاجتماعات؟! هل الاتحاد العام النسائي قد أقصى النساء الراشدات العازبات، والنساء الراشدات المطلقات، اللواتي يشحذ أصواتهن في انتخابات مجلس الشعب رغم "عدم" حاجته لها، هل أقصاهن خارج مفهوم المواطنة أيضا، وخارج من يشمله مفهوم "الإنسان"؟! وهل لدى هذا الاتحاد من برهان على ما يريد أن يقنعنا به من أنه منظمة "مدنية" مستقلة عن الحكومة بالاعتراض، وإن مرة واحدة، على قرار حكومي بهذا القدر من الإحجاف ضد المرأة السورية؟!
يبدو أن الأمر كذلك! وما لم يكن كذلك، فلتتفضل السيدتان رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة، ورئيسة الاتحاد العام النسائي، بالتصريح علنا أنهما ترفضان هذا التمييز الجنسي الذي يطابق، من حيث الجوهر، التمييز العنصري الشهير والمرفوض من كل عاقل في أوائل الألفية الثالثة! فلتتفضلا بالاعتراض علنا على قرار الحكومة، ولتأخذا دورهما المفترض في الدفاع عن النساء السوريات، والأسرة السورية، وليس الدفاع عن سياسات الحكومة حتى حين تكون متعارضة كليا مع مصالح النساء والناس!
إن هذا القانون مرفوض جملة وتفصيلاً، فهو انتهاك صريح وتام للدستور السوري، ولكافة الاتفاقيات التي وقعت عليها سورية، ولأبسط مفاهيم حقوق الإنسان مهما كانت تسميتها. وهو لا يعبر سوى عن تمادي الحكومة السورية في إخلاصلها لرؤيتها الذكورية المطلقة التي وصلت إلى مرحلة رمي النساء السوريات إلى الطريق بقرار قل نظيره في تاريخ الدول الحديثة برمتها! بل إن على هذه الحكومة أن تعتذر علنا للنساء السوريات عن قرارها المخجل هذا، وتقوم فورا باعتماد حق كل مواطن ومواطنة سورية بالحصول على هذه القسائم بغض النظر عن حالة كل منهما العائلية. وما لم تقم بذلك، فإن تاريخ سورية سيسجل سابقة في الانتهاك لحقوق المواطنة تستحق هذه الحكومة عليه أن تحاكم علنا من قبل المحكمة الدستورية العليا، ما لم يكن من قبل المحاكم التي باتت اليوم هي "المرجع الأساسي" في مخالفات التموين!