الساقي
11/05/2008, 13:15
منذ سُـقوط النظام العراقي السابق، وعندما كان المسؤولون الأمريكيون يتّـهمون إيران بالتدخل لزعزعة الأمن في العراق، لم يكُـن أصدقاء إيران في الحكومة العراقية يتردّدون في الدّفاع ورد الاتِّـهامات عن الجمهورية الإسلامية.
فخلال السنوات التي مضّـت، دافع كلٌ من الرئيس جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي، ومعهما حشد كبير ممّـن حصل على الدّعم من الجمهورية الإسلامية أثناء حُـكم صدّام حسين، عن إيران بحماسة، خصوصا عندما يتعلّـق الأمر بموضوع الأمن وتقديم الدّعم للمسلحين، لكن المشهد انقلب رأسا على عقِـب منذ بدء عملية "صولة الُفـرسان" في البصرة، ولاسيما بعد المؤتمر الدولي الذي عُـقد مؤخّـرا في الكويت لدعم العراق.
فالمالكي وأنصاره – وهم يدكّـون معاقل جيش المهدي في البصرة وفي مدن أخرى - شنّوا حملة غير مسبوقة على إيران، من دون ذكرها بالاسم، واتهموها بالوقوف خلف زعيم التيار الصدري مُـقتدى الصدر وباحتضانه والعديد من المنشقِّـين عنه أو أولئك الذين لا يخضعون لنفوذه، في المواجهة مع الدولة العراقية.
وترافق ذلك مع الإعلان بشكل شِـبه يومي عن اعتقال مسلّـحين يتلقّـون الدعم من إيران، وعن اكتشاف مخابئ لأسلحة ومُـعدّات عسكرية إيرانية حديثة، غير أن اللاّفت، أنه في نفس الوقت الذي شنّـت فيه الحكومة العراقية حملتها على إيران واتّـخذت من دعمها للصَّـدرِيين ذريعة لها، لاقاها قادة التيار الصّدري بحملة مُـماثلة على مَـن توصف بالحاضنة لهم، أي إيران أيضا.
وإلى جانب البصرة الجنوبية، فقد اتّـهمت الحكومة العراقية إيران بالمسؤولية عن الأحداث الأمنية التي تشهدها العاصمة بغداد، خصوصا مدينة الصدر.
وتعرّضت المنطقة الخضراء إلى قصف مكثَّـف بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا، واتّـهم الجيش الأمريكي ومسؤولون أمنيون عراقيون، عناصر جيش المهدي بالوقوف وراء هذه العمليات.
أما بعد مؤتمر الكويت الدولي لدعم العراق، الذي واجه فشلا ذريعا، فقد أخفَـق المالكي في تحقيق قضيّـتين أساسيتين: إعادة فتح السفارات العربية - إلا من وعود لا تُـغني ولا تُـسمن من جوع - وإطفاء الدّيون، وكان لِـزاما عليه وباقي أعضاء الائتلاف العراقي المعروف بصلاته الوثيقة مع ايران، أن يوجه بوصلة الاتهام للجار اللّـدود، طمعا في خطب ودّ الشقيق الصدود..
وربما يأتي في هذا السياق البيان – غير المسبوق - الذي أصدرته الخارجية العراقية حول الجزر الثلاث المتنازع عليها بين إيران والإمارات، وما جاء أيضا على لسان الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، الذي قال إن تصدير العنف إلى دول أخرى هو خِـيانة للإسلام وللثورة الإسلامية التي قامت عام 1979، بما يصبّ في دعم اتهامات الحكومة العراقية الحالية لطهران.
تـراجُـع!
معظم الأصوات العراقية، التي طالبت إيران بالكفّ عن التدخل في الشأن العراقي، تراجعت أو خفّـفت من لهجتها بعد زيارة نادِرة لوفد قريب من المالكي إلى طهران وقُـم (اختتمت يوم 4 مايو الجاري)، ترأسه النائب الأول لرئيس البرلمان خالد العطية وأطلع الإيرانيين أدلّـة صريحة، من بينها اعترافات عدد من المعتقلين وصور تؤكِّـد تورّط مسؤولين إيرانيين في دعم، ما يصفها المالكي، بـ "الميليشيات الخارجة على القانون".
الوفد، وهو ضم القيادي في حزب الدعوة الإسلامية علي الأديب ورئيس منظمة بدر هادي العامري ووزير التجارة – من حزب الدعوة تنظيم العراق - عبد الفلاح السوداني، حمل معه تقارير عن التدخل الإيراني في العراق لحساسية العلاقة بين العراق وإيران، وبحث أزمة "البيت الشيعي" ومخاطر استمرار الصراع بين الشيعة أنفسهم على مستقبل هيمنة الشيعة على الحُـكم في العراق الجديد.
ورغم أن المالكي - و بعض القريبين منه - صرّحوا مِـرارا أن لا علاقة لرئيس الوزراء بفكرة الزيارة، وأن الائتلاف الحاكم اجتمع وقرّر إرسال الوفد المشكّـل من أعضاء الائتلاف، إلا أن وجود طارق العبد الله، مدير مكتب المالكي ضمن الوفد، يشير إلى أن الزيارة تمّـت بموافقته.
العلاقة بين المالكي وإيران!
ومهما يكُـن من أمر العلاقة بين المالكي وإيران، فإن الواضح أيضا أن رئيس الوزراء العراقي، الذي سكن يوما في شارع الشهيد مطهري في طهران وانطلق منها مولِّـيا وجهه شطر دمشق، ترك الجمهورية الإسلامية بغير وفاق، عندما كانت الجمهورية تُـمارس هواية (يقول الكثير من العراقيين إنها كانت محببة لديها) استعداء المهاجرين العراقيين.
فالمالكي وغيره من أعضاء حزب الدعوة الإسلامية، الذين تركوا بلادهم قسرا بعد القرار الذي أصدره رئيس النظام السابق وقضى بإعدام جميع المنتسبين لحزب الدعوة وبأثر رجعي، هاجر إلى إيران - الجمهورية الإسلامية بدوافع دينية وانطلاقا من قاعدة الانتقال إلى "دار الإسلام" وللاحتماء بالجمهورية، التي رفعت - آنذاك - شعار نُـصرة المستضعفين، إلا أنها لم تُـعامل العراقيين كلاجئين، فتمنحهم حقوقهم المدنية كما في باقي الدول، ورفضت أيضا أن تعترف بهم كمهاجرين، فلم تنصرهم، وعلى العكس ضيَّـقت عليهم، وكانت تُـسميهم في أفضل الأحوال "بالطُـفيليين"، على حدّ تعبير شهير للنائب الأول للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي.
المالكي، وبعد هجرته الثانية وهذه المرّة من الجمهورية الإسلامية، حطّ رِحاله في دمشق، وشارك هناك في قِـيادة حزب الدعوة منطلقا من رؤية كانت تريد أن تحرّر الحزب من النفوذ الإيراني. وكغيره من الكثيرين من العراقيين، خصوصا الإسلاميين، قرأ المالكي خلال تواجُـدِه المحدود في إيران، أن هذه "الجمهورية الإسلامية"... إيرانية، وظلّـت هذه المسافة بينهما إلى أن سقط نظام صدّام وعاد المالكي إلى العراق، ليُـصبح رئيسا للوزراء في وقت كانت الإدارة الإيرانية ترغب في ترجيح كفّـة عادل عبد المهدي، مرشح المجلس الإسلامي الأعلى العراقي.
وكشفت معركة رئاسة الوزراء - في حينها - وجود تيارين داخل الائتلاف العراقي الموحد الحاكم، وأن تيار المالكي في حزب الدعوة الإسلامية لم يكن قريبا من إيران، بخلاف ما يُـشاع.
وبعد مشروع المصالحة، جاءت خطّـة فرض القانون في البصرة لنزع سلاح الميليشيات، تمهيدا لخطة مماثلة في المُـوصل، بما يجهض أي مشروع للانقلاب السياسي أو العسكري على الحكومة.
على أية حال، فإن توجيه العراقيين الاتهام لإيران بالعمل على تقويض الأمن في بلادهم، يطرح تساؤلا جديا: هل هو تبادل أدوار أم أن العراقيين في حكومة ما بعد نظام صدّام سئِـموا البقاء تحت عباءة الإيرانيين أم أن التدخل الإيراني في العراق تجاوز كل حد.
سويس انفو
فخلال السنوات التي مضّـت، دافع كلٌ من الرئيس جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي، ومعهما حشد كبير ممّـن حصل على الدّعم من الجمهورية الإسلامية أثناء حُـكم صدّام حسين، عن إيران بحماسة، خصوصا عندما يتعلّـق الأمر بموضوع الأمن وتقديم الدّعم للمسلحين، لكن المشهد انقلب رأسا على عقِـب منذ بدء عملية "صولة الُفـرسان" في البصرة، ولاسيما بعد المؤتمر الدولي الذي عُـقد مؤخّـرا في الكويت لدعم العراق.
فالمالكي وأنصاره – وهم يدكّـون معاقل جيش المهدي في البصرة وفي مدن أخرى - شنّوا حملة غير مسبوقة على إيران، من دون ذكرها بالاسم، واتهموها بالوقوف خلف زعيم التيار الصدري مُـقتدى الصدر وباحتضانه والعديد من المنشقِّـين عنه أو أولئك الذين لا يخضعون لنفوذه، في المواجهة مع الدولة العراقية.
وترافق ذلك مع الإعلان بشكل شِـبه يومي عن اعتقال مسلّـحين يتلقّـون الدعم من إيران، وعن اكتشاف مخابئ لأسلحة ومُـعدّات عسكرية إيرانية حديثة، غير أن اللاّفت، أنه في نفس الوقت الذي شنّـت فيه الحكومة العراقية حملتها على إيران واتّـخذت من دعمها للصَّـدرِيين ذريعة لها، لاقاها قادة التيار الصّدري بحملة مُـماثلة على مَـن توصف بالحاضنة لهم، أي إيران أيضا.
وإلى جانب البصرة الجنوبية، فقد اتّـهمت الحكومة العراقية إيران بالمسؤولية عن الأحداث الأمنية التي تشهدها العاصمة بغداد، خصوصا مدينة الصدر.
وتعرّضت المنطقة الخضراء إلى قصف مكثَّـف بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا، واتّـهم الجيش الأمريكي ومسؤولون أمنيون عراقيون، عناصر جيش المهدي بالوقوف وراء هذه العمليات.
أما بعد مؤتمر الكويت الدولي لدعم العراق، الذي واجه فشلا ذريعا، فقد أخفَـق المالكي في تحقيق قضيّـتين أساسيتين: إعادة فتح السفارات العربية - إلا من وعود لا تُـغني ولا تُـسمن من جوع - وإطفاء الدّيون، وكان لِـزاما عليه وباقي أعضاء الائتلاف العراقي المعروف بصلاته الوثيقة مع ايران، أن يوجه بوصلة الاتهام للجار اللّـدود، طمعا في خطب ودّ الشقيق الصدود..
وربما يأتي في هذا السياق البيان – غير المسبوق - الذي أصدرته الخارجية العراقية حول الجزر الثلاث المتنازع عليها بين إيران والإمارات، وما جاء أيضا على لسان الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، الذي قال إن تصدير العنف إلى دول أخرى هو خِـيانة للإسلام وللثورة الإسلامية التي قامت عام 1979، بما يصبّ في دعم اتهامات الحكومة العراقية الحالية لطهران.
تـراجُـع!
معظم الأصوات العراقية، التي طالبت إيران بالكفّ عن التدخل في الشأن العراقي، تراجعت أو خفّـفت من لهجتها بعد زيارة نادِرة لوفد قريب من المالكي إلى طهران وقُـم (اختتمت يوم 4 مايو الجاري)، ترأسه النائب الأول لرئيس البرلمان خالد العطية وأطلع الإيرانيين أدلّـة صريحة، من بينها اعترافات عدد من المعتقلين وصور تؤكِّـد تورّط مسؤولين إيرانيين في دعم، ما يصفها المالكي، بـ "الميليشيات الخارجة على القانون".
الوفد، وهو ضم القيادي في حزب الدعوة الإسلامية علي الأديب ورئيس منظمة بدر هادي العامري ووزير التجارة – من حزب الدعوة تنظيم العراق - عبد الفلاح السوداني، حمل معه تقارير عن التدخل الإيراني في العراق لحساسية العلاقة بين العراق وإيران، وبحث أزمة "البيت الشيعي" ومخاطر استمرار الصراع بين الشيعة أنفسهم على مستقبل هيمنة الشيعة على الحُـكم في العراق الجديد.
ورغم أن المالكي - و بعض القريبين منه - صرّحوا مِـرارا أن لا علاقة لرئيس الوزراء بفكرة الزيارة، وأن الائتلاف الحاكم اجتمع وقرّر إرسال الوفد المشكّـل من أعضاء الائتلاف، إلا أن وجود طارق العبد الله، مدير مكتب المالكي ضمن الوفد، يشير إلى أن الزيارة تمّـت بموافقته.
العلاقة بين المالكي وإيران!
ومهما يكُـن من أمر العلاقة بين المالكي وإيران، فإن الواضح أيضا أن رئيس الوزراء العراقي، الذي سكن يوما في شارع الشهيد مطهري في طهران وانطلق منها مولِّـيا وجهه شطر دمشق، ترك الجمهورية الإسلامية بغير وفاق، عندما كانت الجمهورية تُـمارس هواية (يقول الكثير من العراقيين إنها كانت محببة لديها) استعداء المهاجرين العراقيين.
فالمالكي وغيره من أعضاء حزب الدعوة الإسلامية، الذين تركوا بلادهم قسرا بعد القرار الذي أصدره رئيس النظام السابق وقضى بإعدام جميع المنتسبين لحزب الدعوة وبأثر رجعي، هاجر إلى إيران - الجمهورية الإسلامية بدوافع دينية وانطلاقا من قاعدة الانتقال إلى "دار الإسلام" وللاحتماء بالجمهورية، التي رفعت - آنذاك - شعار نُـصرة المستضعفين، إلا أنها لم تُـعامل العراقيين كلاجئين، فتمنحهم حقوقهم المدنية كما في باقي الدول، ورفضت أيضا أن تعترف بهم كمهاجرين، فلم تنصرهم، وعلى العكس ضيَّـقت عليهم، وكانت تُـسميهم في أفضل الأحوال "بالطُـفيليين"، على حدّ تعبير شهير للنائب الأول للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي.
المالكي، وبعد هجرته الثانية وهذه المرّة من الجمهورية الإسلامية، حطّ رِحاله في دمشق، وشارك هناك في قِـيادة حزب الدعوة منطلقا من رؤية كانت تريد أن تحرّر الحزب من النفوذ الإيراني. وكغيره من الكثيرين من العراقيين، خصوصا الإسلاميين، قرأ المالكي خلال تواجُـدِه المحدود في إيران، أن هذه "الجمهورية الإسلامية"... إيرانية، وظلّـت هذه المسافة بينهما إلى أن سقط نظام صدّام وعاد المالكي إلى العراق، ليُـصبح رئيسا للوزراء في وقت كانت الإدارة الإيرانية ترغب في ترجيح كفّـة عادل عبد المهدي، مرشح المجلس الإسلامي الأعلى العراقي.
وكشفت معركة رئاسة الوزراء - في حينها - وجود تيارين داخل الائتلاف العراقي الموحد الحاكم، وأن تيار المالكي في حزب الدعوة الإسلامية لم يكن قريبا من إيران، بخلاف ما يُـشاع.
وبعد مشروع المصالحة، جاءت خطّـة فرض القانون في البصرة لنزع سلاح الميليشيات، تمهيدا لخطة مماثلة في المُـوصل، بما يجهض أي مشروع للانقلاب السياسي أو العسكري على الحكومة.
على أية حال، فإن توجيه العراقيين الاتهام لإيران بالعمل على تقويض الأمن في بلادهم، يطرح تساؤلا جديا: هل هو تبادل أدوار أم أن العراقيين في حكومة ما بعد نظام صدّام سئِـموا البقاء تحت عباءة الإيرانيين أم أن التدخل الإيراني في العراق تجاوز كل حد.
سويس انفو