شكو زولو
12/05/2008, 12:37
الحقّ وجه من وجوه يسوع. الشهادة للحقّ شهادة ليسوع. مَن يعرف الحقّ يعرف يسوع. والمحبّة هي التزام الحقّ في كل علاقة. محبّة الحقّ، لمَن يحبّ، فوق كل اعتبار. المحبّة أن تحبّ الحقّ من كل النفس ومن كل القدرة. لذا لا تكون المحبّة إلاّ في الحقّ. ليست المحبّة شعوراً ولا إحساساً ولا عاطفة. المحبّة موقف كياني يلتزم الحقّ وينعكس على الشعور والإحساس والعاطفة. بغير ذلك تتحوّل المحبّة إلى محاباة.
المحاباة هي الميل عن الحقّ ابتغاء كسبٍ ما أو حظوةٍ أو رضًى لدى الناس، واجتناباً لعداوةٍ أو إقصاءٍ أو إزعاج يمكن أن يبدر عن الآخَرين. للمحاباة مظهر ومضمون. مظهر المحاباة المحبّة بالكلام وأحياناً بالصمت، وتعبير شعوري عاطفي غير صادق. أما مضمونها فالرياء وغضّ الطَرْف عن الحقّ. لذلك أساس المحاباة الكذب وتجاهل الحقّ. لماذا يتجاهل المحابي الحقّ، وهو عارف به؟ في ظنّه أن في ذلك مداراةً ومراعاةً ومصلحةً له. والمراعاة، عند قوم، رعاية وحكمة. أما الحقّ فهو أن المحابي لا يريد أن يخسر امتيازاً يتمتّع به بين الناس ولا يريد أن يتألّم. لذا يسمّي الأشياءَ بغير أسمائها. الكذبُ يعتبره فطنةً ومسايرةُ الناس في ما يرغبون أسلوباً تربوياً.
الحقّ الصارخ للمحابي قاس لا تحتمله النفوس. بحاجة دائماً، في ظنّه، إلى تخفيف وإلى تمييع. في ظنّ المحابي أنّه بذلك يأتي بالناس إلى الحقّ خطوة خطوة. والواقع أنّ ما تَعرضه من الحقّ مائعاً لا تلبث أهواءُ النفس أن تَطغى عليه وتلغيه. قوّة الحقّ هي في كونه يهزّ الضمير، يهزّ الكيان فيك، يقلقك، يحملك على إعادة النظر في موقفك، في ما أنت فيه.
المحابي إنسان يتكلّم حيث الصمتُ أجدى، ويصمت حيث يجدر الكلام. للمحابي شيطانان: واحد أخرس وآخَر منظِّر. أما الأخرس فيجعلك غائباً في كل موقف حرج. الحقّ يدعو والمحابي لا يجيب. أساس المحاباة، إلى الكذب، روحُ الضعف والخوف. يقول اليوم قولاً موافقاً وغداً قولاً غير موافق. الكل رهن بالظروف والحسابات، حسابات الربح والخسارة. وقد يتعلّل المحابي بالطاعة لرؤسائه. ولكنْ لا قيمة للطاعة خارج حدود الحقّ. الطاعة في غير الحقّ عبودية. لا قيمة لطاعة يكنّها راهب لرئيسه أو كاهن لأسقفه إلاّ في الحقّ، في يسوع. لسنا، في الحقّ، عبيداً للناس بل نستعبد أنفسنا لحقّ الله والحقُّ يحرّرنا. ممّ يحرّرنا؟ من الخوف، من روح الضعف، من الذلّ، من عبودية الكيان، من الأسر الفكري. للحرية وُلد الإنسان. ولكنْ فقط الحقّ تعرفونه فيحرّركم. والشيطان الآخَر المالك على المحابي منظِّر. يستبين المحابي به عارفاً بدواخل الأمور وخوارجها. يعرف أن يبرّر نفسه جيّداً. لكل سؤال لديه جواب. ومتى حانت ساعة الحقّ لديه تبحث عنه فلا تجده. يتوارى حيث يستدعي الظرف المواجهة. وله في ذلك حجّة. المحبّ يموت من أجل الحقّ والمحابي يفتخر به. يدخل على تعب غيره ليتمجّد. المحبّ يزرع ويتعب والمحابي يحصد بغير تعب. اللاهوت عند مَن يحبّ دم مهراق وعند مَن يحابي تجارة كلام.
المحابي لا يطيع. يتذلّل. يتمظهر. ظاهرُه ينمّ عن رضى وداخله رَفْضٌ وانتقاد وتذمّر. ولا يعرف المحابي التواضع. يعرف المسكنة. فقط مَن يحبّ يتّضع لأنّه يعرف أن يتألّم من أجل الحقّ، من أجل يسوع. ينكسر مَن يحبّ ويصطبر لأن تبريره من الله، وينتظر ساعة ربّه. أما المحابي فيدين في قلبه ويسكت على مضض، وإذا تكلّم فليخدع، ليعطي صورة عن نفسه غير ما في داخله. المحبّ إنسان شفّاف، خارجه كداخله، والمحابي ذو كثافة، يمثّل. المحبّ تحتاج إليه فتلقاه بجانبك ولا تَلقى المحابي إلاّ متى احتاج هو إليك. المحبّ شاهد للحقّ بإزاء الضعفاء والأقوياء سواء بسواء ولا يقوى المحابي إلاّ على الضعفاء.
الحقّ، بعامة، مرفوض. يسوع مصلوب. والمحبّة صليب. لا يستسيغ الناس الحقّ لأن أكثرهم محبّ للظلمة. لذا كانت المحبّة الحقّ عند الأكثرين ممجوجة. الناس، بعامة، بحاجة لمَن يحابيهم، لمَن يكذب عليهم. لذا تحلّ الحنكة محلّ الحكمة والمراوغة محلّ الاستقامة والممالقة محلّ الصراحة. هكذا تصير قوى الإنسان الداخلية مسخّرة لاحتيال الإنسان على الإنسان. كل شيء يضغطك في العالم لتكون مداهناً كذّاباً. لا شيء غير ضميرك في المسيح يدفعك لأن تسلك سبيل الشهادة، شهادة المحبّة في الحقّ. بالمحاباة تستحيل الجماعة جزراً. وحدها المحبّة تجمع. عندما تحين الساعة التي تعرف فيها حقيقة المحابي يكون قد استنفدك ولم يعد بحاجة إليك. وعندما تحين الساعة التي تعرف فيها حقيقة مَن يحبّك تكون قد صلبتَه ولم يعد لديك. لذلك يضحك عليك المحابي ويستغلّك في حياته، ويبكي عليك مَن يحبّك ويعلِّمك بعد أن يكون قد فاتك... بمماته!
ليس نبيٌّ بلا كرامة إلاّ في وطنه. المحبّ دائماً إنسان مجروح. لا هيئة له ولا جمال. إن لم تُعطَ أن تراه في الروح فلا شيء يُعتدّ به فيه لديك. العالم قائم على مَن نحسبهم سِقطاً. الحياة الحقّ في المسيح دائماً ما تكون مغيّبة!
فمَن له أذنان للسمع فليسمع.</SPAN>
الأرشمندريت توما (بيطار)
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما
المحاباة هي الميل عن الحقّ ابتغاء كسبٍ ما أو حظوةٍ أو رضًى لدى الناس، واجتناباً لعداوةٍ أو إقصاءٍ أو إزعاج يمكن أن يبدر عن الآخَرين. للمحاباة مظهر ومضمون. مظهر المحاباة المحبّة بالكلام وأحياناً بالصمت، وتعبير شعوري عاطفي غير صادق. أما مضمونها فالرياء وغضّ الطَرْف عن الحقّ. لذلك أساس المحاباة الكذب وتجاهل الحقّ. لماذا يتجاهل المحابي الحقّ، وهو عارف به؟ في ظنّه أن في ذلك مداراةً ومراعاةً ومصلحةً له. والمراعاة، عند قوم، رعاية وحكمة. أما الحقّ فهو أن المحابي لا يريد أن يخسر امتيازاً يتمتّع به بين الناس ولا يريد أن يتألّم. لذا يسمّي الأشياءَ بغير أسمائها. الكذبُ يعتبره فطنةً ومسايرةُ الناس في ما يرغبون أسلوباً تربوياً.
الحقّ الصارخ للمحابي قاس لا تحتمله النفوس. بحاجة دائماً، في ظنّه، إلى تخفيف وإلى تمييع. في ظنّ المحابي أنّه بذلك يأتي بالناس إلى الحقّ خطوة خطوة. والواقع أنّ ما تَعرضه من الحقّ مائعاً لا تلبث أهواءُ النفس أن تَطغى عليه وتلغيه. قوّة الحقّ هي في كونه يهزّ الضمير، يهزّ الكيان فيك، يقلقك، يحملك على إعادة النظر في موقفك، في ما أنت فيه.
المحابي إنسان يتكلّم حيث الصمتُ أجدى، ويصمت حيث يجدر الكلام. للمحابي شيطانان: واحد أخرس وآخَر منظِّر. أما الأخرس فيجعلك غائباً في كل موقف حرج. الحقّ يدعو والمحابي لا يجيب. أساس المحاباة، إلى الكذب، روحُ الضعف والخوف. يقول اليوم قولاً موافقاً وغداً قولاً غير موافق. الكل رهن بالظروف والحسابات، حسابات الربح والخسارة. وقد يتعلّل المحابي بالطاعة لرؤسائه. ولكنْ لا قيمة للطاعة خارج حدود الحقّ. الطاعة في غير الحقّ عبودية. لا قيمة لطاعة يكنّها راهب لرئيسه أو كاهن لأسقفه إلاّ في الحقّ، في يسوع. لسنا، في الحقّ، عبيداً للناس بل نستعبد أنفسنا لحقّ الله والحقُّ يحرّرنا. ممّ يحرّرنا؟ من الخوف، من روح الضعف، من الذلّ، من عبودية الكيان، من الأسر الفكري. للحرية وُلد الإنسان. ولكنْ فقط الحقّ تعرفونه فيحرّركم. والشيطان الآخَر المالك على المحابي منظِّر. يستبين المحابي به عارفاً بدواخل الأمور وخوارجها. يعرف أن يبرّر نفسه جيّداً. لكل سؤال لديه جواب. ومتى حانت ساعة الحقّ لديه تبحث عنه فلا تجده. يتوارى حيث يستدعي الظرف المواجهة. وله في ذلك حجّة. المحبّ يموت من أجل الحقّ والمحابي يفتخر به. يدخل على تعب غيره ليتمجّد. المحبّ يزرع ويتعب والمحابي يحصد بغير تعب. اللاهوت عند مَن يحبّ دم مهراق وعند مَن يحابي تجارة كلام.
المحابي لا يطيع. يتذلّل. يتمظهر. ظاهرُه ينمّ عن رضى وداخله رَفْضٌ وانتقاد وتذمّر. ولا يعرف المحابي التواضع. يعرف المسكنة. فقط مَن يحبّ يتّضع لأنّه يعرف أن يتألّم من أجل الحقّ، من أجل يسوع. ينكسر مَن يحبّ ويصطبر لأن تبريره من الله، وينتظر ساعة ربّه. أما المحابي فيدين في قلبه ويسكت على مضض، وإذا تكلّم فليخدع، ليعطي صورة عن نفسه غير ما في داخله. المحبّ إنسان شفّاف، خارجه كداخله، والمحابي ذو كثافة، يمثّل. المحبّ تحتاج إليه فتلقاه بجانبك ولا تَلقى المحابي إلاّ متى احتاج هو إليك. المحبّ شاهد للحقّ بإزاء الضعفاء والأقوياء سواء بسواء ولا يقوى المحابي إلاّ على الضعفاء.
الحقّ، بعامة، مرفوض. يسوع مصلوب. والمحبّة صليب. لا يستسيغ الناس الحقّ لأن أكثرهم محبّ للظلمة. لذا كانت المحبّة الحقّ عند الأكثرين ممجوجة. الناس، بعامة، بحاجة لمَن يحابيهم، لمَن يكذب عليهم. لذا تحلّ الحنكة محلّ الحكمة والمراوغة محلّ الاستقامة والممالقة محلّ الصراحة. هكذا تصير قوى الإنسان الداخلية مسخّرة لاحتيال الإنسان على الإنسان. كل شيء يضغطك في العالم لتكون مداهناً كذّاباً. لا شيء غير ضميرك في المسيح يدفعك لأن تسلك سبيل الشهادة، شهادة المحبّة في الحقّ. بالمحاباة تستحيل الجماعة جزراً. وحدها المحبّة تجمع. عندما تحين الساعة التي تعرف فيها حقيقة المحابي يكون قد استنفدك ولم يعد بحاجة إليك. وعندما تحين الساعة التي تعرف فيها حقيقة مَن يحبّك تكون قد صلبتَه ولم يعد لديك. لذلك يضحك عليك المحابي ويستغلّك في حياته، ويبكي عليك مَن يحبّك ويعلِّمك بعد أن يكون قد فاتك... بمماته!
ليس نبيٌّ بلا كرامة إلاّ في وطنه. المحبّ دائماً إنسان مجروح. لا هيئة له ولا جمال. إن لم تُعطَ أن تراه في الروح فلا شيء يُعتدّ به فيه لديك. العالم قائم على مَن نحسبهم سِقطاً. الحياة الحقّ في المسيح دائماً ما تكون مغيّبة!
فمَن له أذنان للسمع فليسمع.</SPAN>
الأرشمندريت توما (بيطار)
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما